أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - جريمة ضرب الأطفال في المدارس العراقية















المزيد.....


جريمة ضرب الأطفال في المدارس العراقية


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 4762 - 2015 / 3 / 29 - 13:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الممارسة العنيفة والمخزية لمدير مدرسة "الزهاوي" الابتدائية في قضاء الكحلاء والتي انتشرت أخيرا على مواقع التواصل (المدير يضرب طابورا من التلاميذ والتلميذات صغار السن بيده وبالعصا ضربا مبرحا، وبصراحة، لم أحتمل مشاهدة أكثر من بضع ثوانٍ من الفيديو، ولا أستطيع إعادة نشره هنا لقسوة وفظاعته)، هذه الممارسة، جديرة بالتوقف عندها، ولذلك، سأكتب هذا المنشور أولا كتلميذ مدرسة ابتدائية لم يفلت كالكثيرين من العقاب البدني، وثانيا، كمدرس ومدير مدرسة لاحقا، لا يريد أن ينـزه نفسه كما جرت عادة من ينتقدون هذه الممارسة المدانة:
معلوم أن ضرب التلاميذ في المدارس ليس تقليداً عراقياً بحتاً ولا هو اختراع جديد لمدير مدرسة الزهاوي بل هي ممارسة مرفوضة وجدت في جميع أنحاء العالم القديم والمعاصر، ولكنها انتهت وتلاشت بقوة القانون والتثقيف في عدد كبير من الدول، وما تزال باقية في عدد آخر منها، بل أن هناك دعاة لإعادة العمل بالعقوبات البدنية بعد إلغائها في مدارس دولة كالولايات المتحدة الأميركية كما نشر مؤخرا في وسائل الإعلام. وأشهد، من خلال تجربتي التدريسية في جمهورية الجزائر في الثمانينات من القرن الماضي، أنني لم أشهد أية عملية عقاب بدني من قبل المدرسين أو الإدارة بحق التلاميذ أو الطلاب، علما بأنني كنت أدرس في مدرسة تكميلية "متوسطة" مختلطة للبنين والبنات في ريف إحدى الولايات الجزائرية البعيدة جدا عن المركز.
أكتب كتلميذ في الصف الأول الابتدائي، عوقبت عدة مرات انتهت إحداها بفصلي من المدرسة لمدة سنة دراسية كاملة، واليكم التفاصيل التي تبدو لي وكأنها حدثت بالأمس القريب مع أنني الآن في العقد السادس من عمري ولهذا دلالاته النفسية بخصوص العقاب البدني للأطفال والذي يرسخ في الذاكرة رسوخا عجيبا: كنت تلميذا في مدرسة "الزعيم عبد الكريم" الابتدائية التي أقيمت في سنوات الثورة الجمهورية 14 تموز 1958 في قريتي البدعة/ لواء الناصرية، محافظة ذي قار الآن، وكانت مدرستي في بدايتها من القصب والبواري أي صرائف، ( تحول اسمها الى " مدرسة 14 رمضان" وهو يوم الانقلاب العسكري 8 شباط 1963 المشؤوم، والذي انتهى بإعدام الزعيم عبد الكريم قاسم وعدد من رفاقه والمئات من اليساريين العراقيين ) وكان مدير مدرستنا شخصاً طريفاً وعصبياً، ذا صلعة براقة و كرش أنيق! وقد خدعني أترابي وتحدوني أن أصرخ - كلما رأيته - بعبارة " أبو ليطة " وهي عبارة تطلق في العادة للسخرية من الصلعان وكلمة ليطة تعني شريحة من القصب الأمس، ففعلت، وفعل آخرون مثلي، ولكنني كررت فعلتي عدة مرات بشيء من الاستمتاع والتحدي الساذجين، وحين علم مديرنا بمعنى العبارة قرر معاقبة الفاعلين وكنت أحدهم بالضرب على الراحتين بالمشمشة ( غصن من شجرة المشمش كثيرة البراعم والتضاريس) إضافة الى استدعاء أولياء أمورنا. كان عقابي شديداً، تورمت كفاي بسببه وكان هذا كافيا لتتحول المقابلة بين والدي رحمه الله و المدير الى شجار كاد ينقلب إلى عراك بالأيدي ما دفع هذا الأخير إلى فصلي من المدرسة لتلك السنة على أن أعود في السنة التالية. فكيف كان الأمر معي كمدرس ومن ثم كمدرس ومدير في المدارس الجزائرية والليبية وأخيرا في تجربة تدريس اللغة العربية في المدارس السويسرية منذ عامين؟ وما الخلاصات التي خرجت بها من هذه التجربة؟
تحدثت كمدرس عن فترة عملي في الجزائر لستة أعوام في أكثر من مناسبة، أما كمدرس و مدير لإحدى المدارس الليبية لضعف تلك الفترة تقريبا، فلا أستطيع أن أبرئ نفسي من التعامل العنيف مع تلامذتي أحيانا، وخصوصاً مع الذكور وكبار السن في المرحلة الثانوية منهم، خصوصاً في حالات حدوث مشاكل واعتداءات متبادلة بين التلاميذ الذكور أنفسهم أو على زميلاتهم التلميذات، و كان العقاب يتم أحيانا بتشجيع أقرب إلى الطلب والأمر من أولياء الأمور أنفسهم، على طريقة القول السائد عندنا في الجنوب والذي يقوله الآباء لمعلمي أبنائهم ( لك اللحم ولنا العظام)، ولكنها كانت حالات نادرة قررت بعدها تحويل المشاكل من هذا النوع إلى لجنة أولياء الأمور أنفسهم.
أما مع تلاميذ المدارس السويسرية، والتي بدأنا فيها تدريس اللغة العربية منذ سنتين للعشرات من أطفال الأسر العربية والمختلطة "عربية / سويسرية"، كمادة رسمية تدخل نتائجها في الدفتر المدرسي الرسمي، فالأمر مختلف تماما: هنا لا يكتفون بمنع العنف البدني ضد التلاميذ بل أيضا العنف اللفظي حتى الخفيف منه. على سبيل المثال هناك عبارات في اللغة الفرنسية قد تبدو ترجمتها بسيطة ولا تشتمل على إساءة في مجتمعاتنا ولكنها ممنوعة منعاً باتا وتعتبر شتيمة من الوزن الثقيل من قبيل عبارة " تا كول" ( TA GUEULE ) والتي تعني في ما تعني ( أغلق فمك / أسكت )! و كلمة (GUEULE ) لها معنى عام هو الفم، ومعنى خاص محدود كما يقول القاموس هو "فم الحيوان / البوز ". ومن طريف ما أتذكر هنا، أن زوجة أحد أصدقائي العراقية المقيمة في باريس منذ أكثر من ربع قرن و حتى اليوم كانت تصرخ بأطفالها حين كانوا صغارا عندما يزعجونها ( انجب ولك، تاكول ابن التاكول! ) مازجة بهذا بين الفرنسية واللهجة العراقية في صرخة طريفة واحدة!
قد يتساءل البعض : لكن، ألا توجد عقوبات للتلاميذ المشاغبين في المدارس السويسرية؟ نعم توجد، وأقصى عقوبة يمكن للمعلم أو المدرس اتخاذها مباشرة بحق التلميذ المشاغب هي إجلاسه في الصف الأخير من مقاعد قاعة التدريس، منفردا إن أمكن، أو حرمانه من اللعب مع زملائه خلال الاستراحة وإبقاؤه برفقة المعلم أو المدرس، وأحيانا يعاقب التلميذ المسيء بالإخراج المؤقت من المدرسة ليوم أو أكثر أو بالقيام بعدة ساعات من العمل التطوعي كتنظيف الحدائق والشوارع وما شابه ذلك والعقوبة الأخيرة تأخذ بها المحاكم السويسرية وتحكم بها على الأحداث والفتية حين يرتكبون جنحة أو مخالفة ما . وفي حال تمادي التلميذ في سلوكه الخاطئ يستدعى ولي أمره لمناقشة سلوك ابنه مرة ومرتين فإن لم تفد هذه الإجراءات، يطرح المدرسُ المشكلةَ على إدارة المدرسة لمناقشتها واتخاذ الإجراء اللازم من قبلها بحق التلميذ.
خلاصة القول : أعتقد أن الإدانات المباشرة للفاعل، ومثاله هنا مدير مدرسة الزهاوي في الجنوب العراقي، يحتوي ضمنا على تبرئة مجانية للذات الفردية والجمعية أولا، وهي إدانات لا قيمة لها عمليا وعلاجيا إنْ توقفت عند حدود إدانة الآخر وتبرئة الذات رغم ضرورة ولزوم تلك الإدانة، ما لم تتحول إلى فعل إصلاحي عميق ينتهي بتجريم ممارسة العنف اللفظي والبدني ضد الأطفال في المدارس وخارجها، وضد النساء و الضعفاء والعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم بشكل عام، و قوننة هذا التجريم بنصوص تشريعية وقضائية غير قابلة للتأويل كما فعلت شعوب ودول أخرى كثيرة قبلنا.أختم بمخاطبة مدير مدرسة الزهاوي فأقول له : لا يشرفني البتة أن أعتبر نفسي زميلا لك ولأمثالك!
*كاتب ومدرس عراقي



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو بغداد : نيران أميركية وإيرانية -صديقة-
- تهويلات وأكاذيب واشنطن بوست ومن يترجم عنها
- الحق مع دعاة التريث .. مركز تكريت
- لماذا تسكت القيادة العليا وماذا يحدث في مركز تكريت
- دلالات معركة تكريت
- موضوعان مشهديان من عراق اليوم
- دماء بروانة: القتيل واحد والقاتل أيضا!
- انتصار كروي آسيوي ثمين ولكن!
- أونفيري ومساواة التكفيريين-الجهاديين- بعموم المسلمين
- طبقة كتاب نظام المحاصصة الطائفي ومشتقاتها!
- مجزرة -شارلي ايبدو- و التضامن النقدي المراد
- في العراق معضلة نظام لا أزمة زعامات
- من إفراط المالكي إلى تفريط العبادي
- الرئاسات الثلاث في النجف: لبننة المحاصصة الطائفية؟
- محاولات -تهنيد- الجنوب عراقيين وخرافة جاموس السند
- تصريحات اللهيبي و عنتريات وكالة -فارس-.
- العقيدة القتالية لداعش : نقاط الضعف القوة
- العقيدة القتالية والأداء العسكري لداعش
- (الشيعية السياسية) هُزِمت وعليها الرحيل
- ج9/بحث علمي أوروبي يدحض خرافة العنف الدموي العراقي بالأرقام ...


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - جريمة ضرب الأطفال في المدارس العراقية