أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ياسر العدل - !! .. شحّاتين الّطرب














المزيد.....

!! .. شحّاتين الّطرب


ياسر العدل

الحوار المتمدن-العدد: 1325 - 2005 / 9 / 22 - 11:28
المحور: كتابات ساخرة
    


فى ستينات القرن الماضى، حملت سبات البوص أسابيع وشهورا وسنين عددا، مليئة بالعيش الحاف والجبن القريش والبيض المسلوق، أدوخ بها على الطرق وسقوف السيارات بين قريتى وبين مدينة المنصورة، كانت محتويات السبت ومعها خمسون قرشا أسبوعيا، هى كل زادى الأسبوعى للدراسة فى المرحلة الثانوية، وعند مداخل الشباب طرقت باب القاهرة أدرس بعض العلم فى الجامعة، مقتنعا بما أملكه من قدرات تسمح لى بشَغٌل كثير من الوظائف التى تدر دخلا وتحقق شهرة، تعتمد حياتى الاقتصادية على حُوالة بريديّة يرسلها أبى من القرية، تحمل الخمسة جنيهات، مصروفى الشهرى للطعام والسكن والترفيه أيضا.
ذات مرة تأخر وصول حوالة المصروف، فعضّنى ضنك الأيام تمرُّ فى انتظار الفَرَج وفى استعراض الحلول الممكنة لتجاوز تلك الأزمة، وفى صبيحة يوم الخميس، السّابع من تاريخ تأخر وصول الحوالة، قرأت إعلانا عن مسابقة ستجرى فى مساء نفس اليوم، لتعيين مطربين جدد، فقررت دخول المسابقة، واثقا أن السّويعات الباقية أمامى، تكفى جداً لتجهيز مُعدّات شغٌل أية وظيفة.
ذهبتُ للمكوجى، حاملاً جاكتّتى الوحيدة، خضراء اللون مشقوقة الجانبين، متأبّطا بقايا صحيفة لففت بها بنطلونى الرّمادى، مرتديا قميصى الأبيض، وأخبرت المكوجى بما أنا مقدم عليه، فأخذ بتلابيب هدومى يكويها ويقدم النّصح لى، واستعرضت أمام رواد المحل إمكانياتى الصوتية، منفرطا فى تقليب وتعديل ما أحفظه من أغنيات، وأنفرط صديقى المكوجى يدندن بمواويل وأنغام وطرف، رأيتها نبراسا لى وهدى لأدائى المتوقع،
ولما كانت الأحداث تَتٌرى لصالحى، فقد انطلق راديو صديقى يقلد صوت ليلى مراد ( يا شحاتين الغرامّ)، وأصغيت للعظيمة مقلدا ومردّدا ومُؤلّفا، وعند نهاية الأغنية أصبحت مدينا بثلاثة قروش لمكوة الجاكته، وبقرش ونصف لمكوة البنطلون، وبعض التعاطف من المارة، وحين علم المكوجى بأننى سأتسابق بنفس قميصى الأبيض، طلب منّى خلٌع القميص وكوى اليَاقة والصَّدر مجانا.
أخذتنى حمى الطرب، أتراقص فى الشارع وأتواثب على السّلم، أدرَّب حنجرتى على مقاطع اقتدار لمطربين ومطربات أحبهم، صالح البرش وعيشة المنصورية وأبو دراع، ومررت بحنجرتى على أصوات لا احبها، عبد الحليم وشادية وفيروز، ودخلت الشقة رافعا حنجرتى بالغناء، أدسُّ صوتى فى أذن زميل يسكن معى، ويقرضنى بعض النقود، ولسبب غير واضح، امتعض زميلى وامتشق فردة حذاء، وتأسد يطارد جثتى فى أرجاء الشقة، فانفردت فى الحمام استكمل تدريباتى الأخيرة، وأرطّب الجثّة المنهكة بالماء البارد، كان رجعُ الصَّدى فى الحمَّام، يملأنى ثقة فى أننى سأحصل على ذهب كل المطربين، وسأسدّد ديونى لكل البشر.
فى الموعد المحدّد، وقفت على خشبة مسرح متسع، تراصت أمامى لجنة استماع ومن خلفها عدد من المتسابقين والمتسابقات، هدومهم مكوية جميعا، وتراصّت خلفى فرقة موسيقية، سألنى قائدها، ماذا ستقدم يا أستاذ؟ فأجبته واثقا ( الست ليلى، يا شحاتين )، فجأة أشار أحدهم ( سَمَعٌ هُسّ) فصمت كثيرون، وخفتت إضاءة المسرح، وتجسدت أعضاء الفرقة أشباحا تلعب موسيقى لا أعرف لها ضبطاً أو ربطاً، وانصرفت بعيدا عن الجميع أقضب الجبين وارفع الحواجب واغمض العينين، أتحسس بالإبهام شحمة أذنى اليسرى، أرجع أدائى بثقة الحافظ المُردّد، وحين رأيت كثيرا من العيون تشعٌّ بتيه الطّرب من أدائى، رفعت عقيرتى بالغناء، ناظراً إلى ظلمة سقف المسرح ومستمرا فى الطرب، فجأة شعرت بأن الموسيقى قد توقفت، ولمحت إشارات حانية من اللجنة تستسمحنى التوقف، عندها أيقّنت أن انتصاراً قد تحقق، فاستمرأت ترديد المزيد من الأغنيات، حتى صدمنى قول أحدهم (قَرَفتُونا الله يخرب بيوتكم)، عندها هاجمتنى الأنوار المبهرة تكشف المسرح، وبانت لى اللجنة تأمرنى بالتّوقف.
لم أعرف نتيجة المسابقة حتى اليوم، ومازلت أتساءل، لماذا تتسلط إضاءة المسرح على عيال من مطربي هذه الأيام، صوتهم دون صوتى، وكثير منهم لا يكوى الهدوم؟
د. ياسر العدل



#ياسر_العدل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطرب .. بالصدفة!!
- !!.. ورم تلفزبونى خفبف
- الموت .. فى عبوات مزركشه
- حظك00 يا برج الحمار


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ياسر العدل - !! .. شحّاتين الّطرب