|
قراءة من سفر التطور – 5 – من ال 24 إلى ال 23
نضال الربضي
الحوار المتمدن-العدد: 4759 - 2015 / 3 / 26 - 19:24
المحور:
الطب , والعلوم
قراءة من سفر التطور – 5 – من الـ 24 إلى الـ 23
تقدِّمُ نظرية التطور تفسيرا ً لتنوع الكائنات الحية، و تعتمدُ في تفسيرها على قاعدتين رئيسيتين هما:
أ. الإنتخاب الطبيعي. ب. الطفرات الجينية.
الانتخاب الطبيعي ------------------ و أما الإنتخاب الطبيعي فمعناه: - أن هناك َ أفرادا ً من كلِّ نوع ٍ من الكائنات تتميز ُ باختلاف في صفاتها عن أفراد ٍ من نفس النوع، فمثلا ً يمكن ُ أن تكونَ بعض ُ الأبقار أكثر َ إدرارا ً للحليب من أبقار ٍ أخرى، أو أن تكون َ بعضُ الأرانب ِ أسرع َ من أرانب أخرى.
- و بالتالي فإن الكائن الذي تعطيه صفاتُه القدرة َ على البقاء (أي أنه يتكيفُ بطريقة ٍ أفضل من غيره) سوف يمرِّرُ جيناته بالتكاثر، و بالتالي سيستمر، بينما ينقرضُ الكائن الذي فشل َ في تجاوُز ِ الظروف المعيشية ِ مثل البيئة أو إيجاد الغذاء المناسب أو التأقلم مع الغذاء الموجود أو النجاة من صراع البقاء.
و لتوضيح هذه النقطة الأخيرة أعودُ إلى مثالي الأبقار و الأرانب فأقول:
إن البقرة َ التي تُزوِّدُ المزارع بحليب أكثر مُرشَّحة ٌ لنوال "الرضى" و الارتقاء ِ بـ "أفضلية ٍ" لن تحصل عليها البقرة ُ التي حليبها أقل.
و الأرنب ُ السريع سيضمن ُ وصولا ً إلى جحرِه و نجاة ً من المُـفترس ِ المُطارد (ثعلب، ذئب، كلب، نمر)، بينما سينتهي الأرنب ُ الأقل ُّ سرعة ً في بطن ِ الوحش ِ الجائع.
و سيقودنا السابق ُ بالضرورة ِ للسؤال التالي: من أين أتى هذا الاختلاف الذي تكلم َ عنه الانتخاب الطبيعي؟
الطفرات الجينية ------------------ للإجابة ِ على السؤال السابق يجب أن نتعرَّف َ على ثلاثة ِ مفاهيم:
أ. الجين:
تخبرنا علوم ُ الجينات عن المادة الوراثية َ في الكائنات الحية بأنها تترتَّب ُ على شكل ِ "جينات" و هو جمع ٌ للمفرد ِ "جين".
"الجين" ببساطة شديدة هو مجموعة من جزيئات اسمها "نيوكليوتيدات"، و مفردها "نيوكليوتيد"، و هو للاختصار جزئ من النيتروجين و السكر الكربوني الخماسي و الفوسفات.
وظيفة "الجين" هي أن يحمل َ و يُحدِّد َ "صفات" الكائن الحي، و لهذا فالجينات مسؤولة عن تكوين الكائن الحي بالكامل. فمن ولد أبيضا ً كان بياضُه "تعليمات" جينية تمت ترجمتها ليتكون في رحم أمِّه أبيضا ً، و من كانت مقاومته لمرض ٍ ما كبيرة فلأن جيناتهِ تحمل "تعليمات" تتصرف بواسطتها خلايا جسمه تقيه من ذاك المرض.
و كذلك الحال على الجهة المقابلة، فمن هم عُرضه للسرطان الوراثي مثلا ً يحملون في جيناتهم هذه القابلية و تتعامل أجسادهم مع العوامل البيئية بطريقة مختلفة عن أجساد من ليس لديهم هذا الاستعداد.
ب. الطفرة الجينية: الطفرة الجينية هي تغير يحدث في ترتيب "النيوكليوتيدات" التي تشكل الجين، و بالتالي تنتج صفات جديدة يتسم بها الكائن الحي. تحدث الطفرات الجينية باستمرار لكن معظمها غير مهم لا ينتج عنه أي شئ له قيمة تُذكر، لكن بعضها يكون ُ كبيرا ً (مُهمَّا ً) بحيث يتسم الكائن ُ الحي الذي يملك هذا الجين بخواص تعطيه أفضلية على أفراد آخرين من نفس نوعه، أو ربما يحدث ُ العكس ُ تماما ً فتكون َ هذه الصفات وبالا ً و كارثة ً عليه.
و هنا يبرز ُ دور "الانتخاب الطبيعي" الذي تحدثنا عنه في بداية المقال، فيبقى من جاءت صفاتُه مُتناسبة مع مُتطلبات البيئة، و ينقرض من كانت صفاتُه غير مُتناسبة.
ت. الكروموسوم: الكروموسوم هو سلسلة من الجينات على شكل "شريط"، بعض الكروموسومات "طويلة" و بعضها "قصير"، تبعا ً لعدد الجينات على أيٍّ منها.
عدد الكروموسومات عند الإنسان ستٌّ و أربعون (46) ورث َ نصفها من أبيه (23) و النصف الآخر من أمِّه (23)، لذلك فإننا نقول أننا نملك 23 زوجا َ، بينما عددها ثمان ٍ و أربعون (48) عند أقرب ِ الكائنات إلينا من رتبة ِ order الأوليات Primates مثل: البونوبو، الشمبانزي، الغوريلا، الأورنجتان (إنسان الغاب)، فنقول أن هذه الكائنات تملك 24 زوجا ً.
و الآن بعد تعرفنا على دلالات كلمات : الجين الكروموسوم و الطفرة، نستطيع ُ الإجابة َ على السؤال الأوَّل ِ في الأعلى و الذي كان: " من أين أتى هذا الاختلاف الذي تكلم َ عنه الانتخاب الطبيعي؟ "
فتكون َ الإجابة ُ هي: إن حدوث الطفرات في الجينات التي تُكوِّن ُ الكروموسومات يأتي بكائنات مختلفة عن بعضها البعض، و كلما تراكمت الطفرات تراكم الاختلاف حتى ينتج َ بعد أجيال ٍ و عقود ٍ و آلاف ٍ و مئات آلاف ٍ من السنين كائنات ٌ جديدة ٌ تماما ً من أسلاف ٍ قديمة.
هل أعجبتكم اللعبة؟
حسن ٌ جدا ُ، لنتعمق أكثر!
قلنا أن لدينا 23 زوجا ً من الكروموسومات كبشر، و أن أقرباءنا القردة َ لديهم 24، تُرى لماذا ننقص عنها بزوج؟
تخبرنا العلوم أنه في وقت ٍ ما من تاريخ ِ تطورنا كان لنا نحن أيضا ً (24) زوجاً من الكروموسومات، لكن زوجين منهما اندمجا ليصيرا زوجا ً واحدا ً.
كيف نعرف ُ هذا؟ أليس هذا ضربا ً في الرمل ِ و تنجيماً و "سواليف حصيدة" تصلح ُ للتسلية أكثر منها كمادة علمية؟ شو هذا الكلام "اندمج و دخل في بعضو" و "بطل زوجين و صار زوج واحد" حكي ما بدخل المخ!
الجواب: لا، هذا ليس ضربا ً في الرمل و لا تنجيماً و لا قصصا ً للتسلية، إنها الحقيقة ُ العلمية ُ التي نستدلُّ عليها من البرهان الكروموسومي الصادق الذي لا يأتيه ِ الخطأ ُ من بين نيوكليوتيداته ِ و لا من بين مناطِقه الطرفية أو الوُسطى!
و هاتان الأخيرتان "مناطقه الطرفية و الوسطى" هما مفتاحا الفهم! فعلى كلِّ كروموسوم ثلاث ُ علامات ٍ مُميزة:
- علامتان (أو بالأحرى منطقتان نيوكليوتيديتان) تُعرف ُ واحدتهما باسم: Telomere، و ترجمتها للعربية "جُزء طرفي"، و موقعهما على طرفي "الكروموسوم" (عند أوله و عند آخره)، أي أنهما منطقتا حُدود، تحددان بداية و نهاية الكروموسوم. - - علامة (أو منطقة) وُسطى تُعرفُ باسم: Centromere أي "الجزء الوسطي" و موقعها في وسط الكروموسوم ، فهي التي تجمع جزئيه الواحد مع بعضهما، لأن الكروموسوم جُزءان ِ مُتطابقان ِ مربوطان ِ بواسطة الـ Centromere.
و الآن باستخدام هذه المناطق (العلامات) استنتج ْ قارئ الكريم كيف عرفنا أن الكروموسومين اندمجا مع بعضهما البعض. هل عرفت؟
نعم، إن الكروموسوم البشري الثاني (و هو الكروموسوم المُندمج من كروموسومين سابقين) يحتوي على ست علامات مميزة هنَّ:
- أربع علامات Telomere. - علامتا Centromere.
أما علامات ال Telomere فمواقعها: - طرفا الكروموسوم الجديد: علامة على كل طرف. - وسط الكروموسوم الجديد: علامتان بجانب بعضهما.
و هذا بالضبط ما نتوقعه من كروموسومان يندمجان بواسطة طرفيهما!
السؤال لكم الآن: أين تتوقعون أن نجد علامتي الـ Centromere؟
الجواب: حيث يجب أن تكون كل واحدة منهما، أي بين علامتي Telomere، و هو بالضبط موقعهما على الكروموسوم!
نعم نحن نشترك ُ مع الشمبانزي و البونوبو و الغوريلا و إنسان الغاب في أسلاف ٍ مشتركة، و لقد اتخذت أنواع القرود السابقة مسارات ٍ تطورية ٍ مختلفة ٍ عما اتخذه نوعنا، فأصبحوا ما هم عليه الآن، و أصبح نوعنا: الإنسانَ العاقل Homo Sapiens، لكن أصولنا مشتركة و ربما مصائرُنا أيضا ً، من يدري، فنحن ُ نحتاج هذا الكوكب َ مثلهم تماماً، لكنهم أفضل ُ منا في تحقيق التوازن ِ الطبيعي التلقائي مع الطبيعة، بينما نستغلها نحن ُ أبشع َ استغلال!
إن الحقيقة َ تشهدُ لنفسها، و العلم يشهد، و كذلك العقل البشري يشهدُ ثالثا ً!
فهل يكون ُ العقل ُ مُنقذنا و مخلصنا نحو حياة ٍ أفضل لنا،،،،
،،، و لهم أيضا ًّ!
#نضال_الربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة من سفر التطور – 4 – من ال SIV إلى ال HIV
-
المرأة الفلسطينية – بين الأمومة و السياسة.
-
بوح في جدليات - 9 - ديك أسكليبيوس.
-
عشتار - 4 – انبثاقُ الحياة.
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير - 2
-
الفيلا في وسط الغابة –الياكيم، باراك، أوباما و التاريخ.
-
في نجوى معاذ
-
عمَّا بين النقد المُنفلت و نجاعة التأثير.
-
قراءة في القداسة - 3 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
ذات َ كأس ِ قهوة - 2
-
قراءة في القداسة - 2 - عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
قراءة مغايرة في إرهاب شارلي إبدو.
-
قراءة في القداسة – عن المقدس و الطاهر و العلاقة بينهما.
-
ذات َ كأس ِ قهوة
-
قراءة في الوجود – 3 – عن الموت.
-
قراءة في الوجود – 2 – عن الحياة.
-
عشية الميلاد – نحتفل ُ في أرضنا.
-
قراءة في الوجود – عن الوعي.
-
قراءة في الشر -8 - كمصدر للمعنى ضد استحقاقات الوجود العبثي
-
بوح في جدليات – 8 – نباتيون، متعصبونَ، وحشيونَ و متحضرون.
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة وناسة الجديدة الرائعة على القمر الصناعي
-
فاكهة حارقة للدهون.. احرص عليها فى نظام الرجيم
-
عفريت الماء.. أعجوبة الخلق الذي يملك ما يحلم به البشر
-
ماذا تعرف عن النوبات القلبية الصامتة؟ العلامات والإسعافات
-
3 أنواع بهارات يُنصح باستخدامها يوميًا في الطبخ..ما هي؟
-
عشان صحته.. 7 أطعمة ابعد طفلك عنها
-
5 علامات مقلقة تشير إلى نقص المعادن في الجسم.. لا تتجاهلها
-
9 مشروبات صحية لتعزيز مستويات الكالسيوم في الجسم
-
أدوية شائعة الاستخدام قد تحارب الخرف!
-
اضطراب الوسواس القهري عند الأطفال.. الأعراض وطرق العلاج
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|