|
حول رواية الدوران في الوهم
كاظم حمود محسن
الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 21:45
المحور:
الادب والفن
الكاتب كاظم الحصيني لازال صراعه مستمرا رواية (الدوران في الوهم) أنموذجا
وجدان عبدالعزيز
الكاتب كاظم الحصيني ظل وفيا للقصة والرواية لعقود خلت ، رسخ من خلالها تجربته الكتابية ، وتجسمت ايضا رؤيته الخاصة عن الحياة والبحث في مظانها عن الجمال والحقيقة في محيطها الواقعي المرّ ، حيث عاش خضم ويلات الحروب وما رافقها من الضغوطات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، والتي جعلت منه كاتبا يتخفى بين الاسطر من خلال الرمزية والاحلام ، ومن خلال استثمار المدونات التاريخية وصناعة الايهام ، ومن ميزات هذا الكاتب الابتعاد عن الاضواء والانعزال في مشغله السردي الذي حقق له رؤيته الخاصة وخارطة طريق في مجمل كتاباته ، رغم انه بقي ضمن اسلوبه الخاص في الكتابة السردية ، وكأني به يعيش ليس قريبا من الاساليب الحديثة وما اصاب السردية من تطور في التقنية والاسلوب فاخذ من الحداثة القليل ، لكنه بقي كما اسلفت وفيا لسرديته الخاصة ، كما ان سرديته بقيت وفية في احتضان افكاره ورؤاه ، وتأتي روايته الجديدة (الدوران في الوهم) امتدادا لكتاباته السردية السابقة ، الا انه بنى هذه الرواية على الحلم والتخيل واستثمر فيها المدونة التاريخية ، وحاول جاهدا الابتعاد عن مرارة الواقع ، بيد انه سقط في احضان الواقع وتناوله بطريقة المحتج والرافض ، مرتديا قناع التخفي وايهام المتلقي من خلال تناصاته مع المدونة التاريخية هروبا من سلطات الواقع وضغوطاته الاجتماعية والسياسية والدينية التي تحاصره بتعسف ، مما جعله يركب موجة الايهام والدوران في الوهم كما تبدى ذلك من خلال عنونة الرواية .. جاء في الرواية : (اذن العدالة من يوم ما ولدت كانت مدنسة النسب ولهذا حمل"ديجانوس" فانوسه وقت الظهيرة ، رغم ان حرارة الشمس تكوي الجلود ، من لم يقل انه مجنون مخطيء ، لان جميع اهل القيم قالوا بجنونه ولم ينسب اليه الحكمة الا اولائك اصحاب الوجوه الصفراء والاجساد التي انحلها الجوع ومخرت بها السفن عباب البحار ، ليعمروا ارض ساداتهم ويتحملوا اسياطهم اللاهبة ) ، وتستمر نصوص الرواية في سخرية مرّة .. تطرح صراعات مختلفة في لغة جميلة خالية من الحشو الغير مبرر .. وتبقى القراءة للعمل المبدع فيها شقين : الاول ذات مبدعة لها خصوصيتها وفرادتها انطلاقاً من وجودها في عالم يؤثر فيها، وتتأثر به، وهناك ذات متلقية ايضا تحمل مواصفات معينة .. امام نص يحمل قدرة التحويل من الواقعي الى الخيالي الذي يمنح هذا الاخير صورة جمالية عن عالم معروف ومدرك، بيد ان فعل التحويل الجمالي اعطى للعادي ميزات ارتقت به الى عوالم غير مدركة .. يقول نور الدين : (إن الروائي يبحث عن قارئ.. والناقد يبحث عن قارئ. ويضيف أن الغائب في الرواية يجلوه الناقد، والغائب في قراءة الناقد يستكشفه قارئ آخر قد يكون ناقداً، وقد لا يكون.. من هذا المنطلق فإن الادب سلسلة متماسكة مترابطة، يفضي فيها نص الإبداع إلى نص النقد، والأخير إلى نص الإبداع.. وهكذا، إلى ما لا نهاية.) .. وحول علاقة الرواية بالتاريخ .. يقول الناقد جاسم عاصي : (إن علاقة الرواية بالتاريخ علاقة جدلية قائمة، إذا ما نظرنا إلى البنية التاريخية خارج منطقة المدوّن من أحداثه، ومن ثم النظر إلى الشفاهي من مجرياته التي تُتيح للروائي إمكانية ربط تلك الأحداث بما يمليه المنظور الذاتي والمخيّال السردي. لذا فهي تحصيل حاصل للعلاقات الزمانية والمكانية في ما هو ماض . لكن المتغيّر في مثل هذه الممارسة ، هي الكيفية التي تُحدد هذه العلاقة ، أي الأساليب التي من شأنها خلق بنية مُتصَورة للتاريخ، بالاستفادة من المسكوت عنه من أحداثه. فالرواية تتعامل مع الزمان من باب المتغيّر والمؤثر منه، وتتعامل مع المكان باعتباره يصوغ تاريخ الشخصيات. وكذلك مع الشخصيات باعتبارها ذات محمولات خاصة أغفلها المؤرخ عفوياً أو بقصد، فأن التحليل ومتابعة الأفعال وردودها أهم ما يعنيه الروائي بكل الحالات. من هذا نجد أن العلاقة قائمة بين الرواية والتاريخ تنطلق من الممارسة التطبيقية إزاء اشتباك هذه الوحدات "الزمان، المكان، الشخصيات، المخيّال" وخارج هذه الوحدات يكون عبارة عن مدوّنة "سيرة تاريخية" تتوفر فيها الأمكنة والأزمنة والشخصيات، لكن علاقة السرد معها محدودة بالتوصيفات حصراً دون الخوض في جمالية المبنى.) ، من هنا استثمر الكاتب كاظم الحصيني المدونة التاريخية واعطاها ابعادا متخيلة وحركها بعدما كانت ساكنة ، لهذا جاءت محملة بدلالات تحمل معاني منها ممكن تأويله ومنها تحتاج لقراءة اخرى ، والعلة تخفي الكاتب بين اسطرها باشاراته عن الكلام المسكوت عنه .. بمعنى تحتاج لقراءة اخرى وهكذا .. ثم ان الكاتب شغل صفحات الرواية بالصراعات المتعددة من صراعات المصالح وصراعات الرغبة وصراعات اخرى امتدت فوق جسد الرواية ، وفي احد نصوص الرواية الذي يقول : (اميرنا قائدنا مولانا لايعرف من اين نأكل فقد حجز نخيلنا لملذاته وترك اسوءه لجنده اولئك الذين ينظر احدهم بعين الاخر وتضيع الشكوى في صدورهم فلو اشتكوا لتعددت المعارج لماذا قاتلوا معه؟ ولو دعا ربه لمحقهم واستبدالهم له بجنود طيبين يثبتون ولائهم كل يوم بلوحمنا بعدما يحولوننا الى خراف وديعة ، فهو اتى ليقود خراف وديعة يأخذهم امامه الى فراديس ملأى بالطعام والخمر والنبيذ من قال لذاك الساذج المسمى "السيد ادريس" ان يزيل علامة السلطان عن بستانه ليلا ، لقد حلت لعنة السلطان عليه يقطع الفيافي ليلا على ظهر مهرة وما ان يسمع صوت كلب حتى يتخيل ان الامير يناديه ، فيحث مهره يسابق الريح ، هكذا حتى الف وحوش الصحراء وصار صديقهن يشرب معهن من بئر واحد ، وعندما تعرت امامه "سيدوري" تقيأ وابتعد اكثر بكت امرأته لطول غيابه ولا يعلم احد هل بكت خوفا من بيت لا يضم الا صغيرين ام ان الجسد ضج لمناداة الرجل؟ )الرواية ص17 .. وهكذا تظهر لنا مشاهد الرواية الخوف والهروب عن الاهل من جور الطغاة .. لتبقى الرواية مشحونة بالخوف والخذلان والاعتداء على الكرامات ، ومحاولة تعميق الجهل في جعل السكان يرضخون لمطاليب مولانا .. ويبقى المنقذ يعيش صراع الخذلان ، وقد يأتي من خارج المدينة او القرية ما يشبه المنقذ ، لكن دون جدوى .. وهكذا دار الكاتب وكنا في مداره بوهم من خلال ما جاء في نهاية الرواية ص131 : (حبال المشانق بايدينا وستتدلى جثث اخرى ولكن هل تعلمون ان العقارب والافاعي اجتمعت في جحر واحد وهكذا تربصوا حتى واتتهم الفرصة فانقضوا على الناس لسع ولدغ ، جثثنا في الشوارع مكدسة والهاربون طلبا للنجاة ، يمموا الصحراء لم ينج غير سيد ادريس ليقول انه سيعود مرة اخرى ، هكذا عاد مولانا ثانية وبيده تطير الرقاب به تهدم البيوت ويؤخذ رغيف الخبز من يدك ، اذن هل كنا ندور في وهم حين اعتقدنا ان كل شيء صار في مكانه الصحيح؟) ، وها ان الكاتب من خلال روايته (الدوران في الوهم) ، اثبت ان الصراع لازال مستمرا وسيبقى لم تصل الامور من خلاله الى مكانها الصحيح ....؟؟
#كاظم_حمود_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آذار صديقنا
-
خذونا بأوصافكم
-
الهجمه على هيفاء الأمين لماذا ؟
-
مع مالك سيف في أعترافاته
-
الطائفية أنتجت الأزمات
-
قصهقصيره جدا
-
نقد أدبي
-
الطائفية في العراق هل هي موجوده أم مستحدثه
-
العراق قبل الأنتخابات..... بعد الأنتخابات
-
المهد
-
أربعزن عاما من الكذب
-
الدم العربي وأنتصارات الحاكم
-
البحث لا عن وطن
-
قصة قصيره
-
هل الحوار مع داعش من سمات العصر؟
-
ماحدث في العراق والغموض
-
قصه قصيرة جدا
المزيد.....
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|