بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 06:51
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
جنرالات واقنعة
بشير الوندي
======
تمهيد
=====
مما لاشك فيه ان من مباديء الحرب او قواعد الاشتباك مبدأ كان له عبر التاريخ الدور الحاسم في انتصارات الجيوش الا وهو مبدأ قدوة القيادة الشجاعة للجيوش , وهو امر افتقدناه , وفقدنا بسببه فرصة بناء جيش وطني يستطيع ان يحفظ حياض الوطن , رغم اننا صرفنا على هذا الجيش 200 مليار دولار سُرِقَت معظمها على يد جنرالات ابتلعوها ومهدوا لداعش كي تبتلع ثلث العراق وتفجرالابرياء في ثلثيه , حتى علق احدهم ساخرا " لو اننا رشونا قادة الارهاب بخمسة مليارات من تلك الاموال لكفونا شر القتال "
==============
قيادات تربت على الخداع
==============
لقد اثبتت الاف المواقف ان جنودنا (في اتعس المواقف)
كان ادائهم مميزاً حين يعززون بقائد شجاع يتعايش معهم ويكون قدوة لهم في الاقدام , وان اداء هؤلاء الجنود الشجعان كان يرتبك ويتراجع في ظل قادة الخلفيات والغرف المكيفة .
لقد بنيت شخصيات هؤلاء القادة بناءاً خاطئاً بل واجراميا منذ عهد البعث , فقد شاركوا في الانقلابات والسلطة المدنية وذاقوا حلاوة الامتيازات فاصبحوا طبقة مترفة لاتطيق العيش مع المقاتلين في الجبهات , لاسيما هؤلاء الذين كانوا يحملون رتباً وسطية في تسلسل القيادة ممن تخرجوا في اواخر الثمانينات ومابعدها , وهي فترة امتازت بانهيارات في اخلاقية السلطة وفي ترسخ وحشيتها وتوجهها الامني والعسكري ضد شعبها .
لقد تربت تلك القيادات العسكرية على عقيدة امن القائد والنظام , فحتى في الاركان كان اطاريحهم التافهة تدور في فلك القائد , كفكر القائد في العمليات العسكرية , وحكمة القائد في القيادة والسيطرة ,وغيرها من المؤلفات السقيمة.
وتعودوا في عهد صدام على انعدام الراي والتملق للسلطة وتنفيذ اوامرها بلا رحمة حتى في ارتكاب المجازر وفي قيادة وحدات الجيش ضد الشعب في عشرات الاحداث منها الانتفاضة الشعبانية وحرب الشمال وحلبجة وغيرها.
لكنهم استعاضوا عن عقدة الإمّعة تلك بالكذب والتحايل على السلطة وتزوير الحقائق واسماع القائد مايرغب بسماعه ويرضي غروره , وكلنا يعرف كيف كانوا يصوروا لصدام الطاغية قدرتهم على دحر القوات الامريكية ,فيما كانوا يهربون اموالهم , ويستعدون لتغيير اقنعتهم انتظاراً للآتي ويمدون خطوط الاتصال بالعدو ,لانهم اكثر من يستشعر الخطربحكم مجساتهم .
وهو ماحصل بالفعل حيث اجادوا في المشي لاحقا في المواكب الحسينية بمسيراتها الى كربلاء بعد ان كانوا مسعورين في منع زوار الحسين عليه السلام.
=========
خبراء الاقنعة
=========
ما إن سقط نظام صدام ,حتى تناوش القادة العسكريون الصداميون المبادرة وبدأت ماكنة تلميع الوجوه والماضي والوثائق ليصبحوا بقدرة قادر مضطهدون وسجناء سياسيون ( وكلنا يعلم ان لاسجين سياسي بين العسكرفي عهد الطاغية , فاما اعدام او حياة مترفة )رغم ان تهم من كانوا مسجونين منهم كانت في معظمها بالاختلاس والجرائم الجنائية.
وللامانة , فإن معظم هؤلاء القادة ماكانوا لينجحوا في مسعاهم لولا ضعف القيادة السياسية الممسكة بالقيادة العامة للقوات المسلحة وميلها الى استطعام حلاوة المديح ,فوقعت تلك القيادة في براثن الاعيب العسكر الصدّامي المتمرس , حتى ان رئيس الوزراء المالكي صرح في حديث متلفز حين سُئل عن كيفية ادارته للدفاع والداخلية قال بالنص " بعض القادة في غرفة العمليات يسألونني :سيدي هل انت متأكد من انك لم تدرس في الاركان؟!!!" ولاشك من ان التملق كان واضحاً , وحب التملق كذلك .
كانت خطوتهم التالية في محو خطوط الخدمة استعدادا للمرحلة القادمة , وتم لهم ماأرادوا بتزوير رسمي محيت فيها نياشينهم وسيوف القادسية وصداقات السيد الرئيس , ليصبح الطريق ممهداً امامهم لرتب وامتيازات لم يحلموا بها .
============
امطار من الرتب
=============
امطر نظام مابعد صدام على القادة هؤلاء من الرتب والامتيازات مايفوق اي تصور واي تبرير عاقل , ويكفي لالقاء نظرة على مهزلة الرتب العسكرية ان نعلم ان وزارة الدفاع , طيلة 83 عام ,من عام 1920 حتى عام 2003, منحت 81 رتبة فريق فما فوق , ولكن من عام 2003 الى عام 2014 , منح النظام الجديد 112 رتبة فريق, لازال 97 منهم بالخدمة !!.
اما في الداخلية فالامر انكى , فهي منذ تاسيسها قبل قرن لم يمنح اي من ضباطها رتبة فريق , بينما في نظام مابعد صدام , وخلال اربعة سنوات فقط من عام 2010 الى عام 2014 منح عشرون من قادتها هذه الرتبة .
اما مادون ذلك فان لدينا 1924 ضابطاً برتبة عميد بينما لايتجاوز عددهم في الجيش الامريكي ال (240) وهذا مثال صارخ للفوضى .
============
الوحدة بخدمة آمرها
==============
لقد سيطر هؤلاء الجنرالات بمقدرات الجيش العراقي واصبحوا يعيشون عيشة السلاطين , وشفطوا الخزينة العسكرية بالعقود الفاسدة واستعباد الجنود والضباط الصغار وبرزت في عهدهم ظاهرة الجنود الفضائيين , وسرقوا معاشات الجنود واعاشتهم وملابسهم , وحولوهم الى خدم لنزواتهم , ففي تقرير للجنة تفتيشية على احد الافواج يحدثنا عن فوج من 400 جندي كانت في قدر غدائهم دجاجتين فقط .
وصاروا يبتكرون اساليب للابتزاز باسم مكافحة الارهاب فالسلاح والعتاد يسرق بمحاضر رسمية مزورة عن معارك وهمية ضد الارهاب , ويسوقون الكثير من الابرياء لمعتقلات داخل ثكناتهم ليتم ابتزاز عوائلهم , ليساهموا في تنمية الاحقاد الطائفية , وفي عزلة الجيش عن الشعب .
ولم يكتفوا بتلويث المؤسسة العسكرية ,وانما دخلوا لاول مرة في تاريخ العراق الحديث الى الاجهزة الامنية واشبعوها فسادا, فصار ضابط الركن مدير مخابرات بل حتى مدير مركز شرطة, واختفت الاختصاصات فضابط كيمياوي اصبح قائداً عسكرياً بقدرة قادر , وضابط مدفعي غدا قائد قوات للنخبة , وضحكوا على القائد السياسي بفزاعة امن النظام , ثم امن راس النظام فعزلوه في المنطقة الخضراء ليمنحهم الرتب والامتيازات مكافأة على حمايته , فيما كانت السيارات المفخخة تحصد الابرياء في الشوارع ولامغيث.
=========
اعداء الجنرالات
=========
لم يكن الخطر الامني هو الشغل الشاغل للقادة العسكريين الذين باتوا ممسكين بخناق المؤسسة العسكرية والامنية , ولكن الخطر الاكبر لهؤلاء هم ابطال وجنود مجهولون يتمثلون بمجاهدين حقيقيين قاتلوا نظام صدام ابّان جبروته , وهؤلاء لايجاملون قيادة سياسية ولا يتملقونها , ولو كانوا يستمرؤن التملق لما عارضوا النظام .
هؤلاء كانوا قد تمرسوا على القتال وفي ذات الوقت كانوا يدركون اساليب مطايا البعث , فكانوا لهم بالمرصاد , وكان لابد للجنرالات من ان يحاربونهم بكل الوسائل , فقادوا ضدهم حملات تشويه مقصودة ,وطعنوا في وطنيتهم واخلاصهم لوطنهم , كما طعنوا في جهادهم وفي معرفتهم العسكرية واستهانوا فيها من كفائتهم , وشنوا عليهم شتى دعايات السخرية لتثبيط معنوياتهم .
ولنكون اكثر صراحة , فإن القيادة الحكومية خلال السنوات الثمان الماضية كانت تميل الى ابعاد الابطال المجاهدين وتشجع على اقصائهم لكونهم ممن لايتملقونها , ولان معضمهم من فصائل سياسية منافسة للحكومة.
========
عراق الا ثلث
=======
وما إن بدأت معارك الانبار والفلوجة حتى انكشف المستور وافتضحت اقنعة الجنرالات وبانت عوراتهم , وتبين للقاصي والداني حجم المأساة والتي توجت بضياع ثلث الاراضي العراقية وخسارة قرابة الثلاثين مليار من المعدات العسكرية , والاهم منها انهار الدماء في مجازر لجنود جياع عزّل على يد بضعة الاف من الارهابيين ,وهروب القادة والجنرالات المخزي من سوح القتال حتى انبرى المجاهدون المقموعون للقتال باسلحة ومعدات هزيلة وبطعام تطوعي من الاهالي ليضربوا اروع امثلة ملاحم الفداء , وليعيدوا الامل لشعبهم في الانتصار , وليرفدوا الجيش بمقاتلين اشداء يشدون من عزم الجندي العراقي البطل الذي خذله جنرالات من ورق .
وبرغم كل ذلك , وبرغم افتضاح امر هؤلاء القادة , الا انهم لايزالون يسعون الى تفصيل اقنعة جديدة تتناسب وانتهاء حقبة المالكي , ليمارسوا ذات الادوار المشبوهة, دون ادنى شعور بالمهانة او بالمسؤولية , ويشجعهم على ذلك عدم تقديم اياً منهم للمحاكمة العسكرية جراء جرائمه , ولانستغرب (في حال تكلل جهاد ابطالنا بالنصر باذن الله) ان تعود ذات الوجوه الكالحة للتصدر المشهد العسكري وتيرز بطولاتها وتعلق فشلها على شماعة الاخرين وتبدأ مرة اخرى ماكينتها الاعلامية الصفراء ضد المقاتلين الاشداء الذين لبوا نداء الوطن دون ان يطالبوا بحقوقهم المهدورة ولابردّ اعتبارهم , واختصروا كل ذلك بمطلب الشهادة في سبيل الارض والعرض.
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟