|
البنك الدولي: العدالة هي الحل الوحيد للقضاء على الفقر
غسان عبد الهادى ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1325 - 2005 / 9 / 22 - 11:28
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
يدعو البنك الدولى فى تقريره السنوى الذى سيصدر بعنوان "تقرير عن التنمية فى العالم لعام 2006" الى تحقيق الإنصاف الذى لابد أن يكون جزءاً لا يتجزأ من أية إستراتيجية ناجحة لتخفيض أعداد الفقراء فى أى مكان من العالم النامي. ويقول فرانسوا بورغينون، النائب الأول لرئيس البنك الدولى لاقتصاديات التنمية ورئيس الخبراء الاقتصاديين، الذى أشرف على توجيه فريق إعداد هذا التقرير " إن الإنصاف "العدالة" يُتمِّم المساعى الرامية إلى تحقيق الازدهار الطويل الأمد. فزيادة الإنصاف أمر جيد بصورة مضاعفة من أجل تخفيض أعداد الفقراء، إذ يغلب عليه الانحياز إلى تحقيق تنمية شاملة قابلة للاستمرار، كما يؤدى إلى زيادة الفرص المتاحة أمام أشدّ الفئات فقراً فى أى مجتمع." ويقدم هذا التقرير الصادر بعنوان "الإنصاف والتنمية"، والذى شارك فى إعداده فريق مُكون من ثمانية أعضاء بقيادة الخبيرين الاقتصاديين فرانسيسكو فيريرا ومايكل ولتون، حججاً قوية مؤيدة لضرورة تحقيق الإنصاف، ليس كغاية بحد ذاتها فحسب، ولكن نظراً لأنه يحفز ـ فى الغالب ـ زيادة الاستثمارات ويجعلها أكثر إنتاجية، الأمر الذى يُفضى إلى تسريع عجلة النمو. ويُظهر هذا التقرير كيف تتسبب الهُوَّة الشاسعة فى عدم المساواة فى الثروات والفرص، داخل البلدان وفيما بينها، فى استمرار الفقر المُدقع لشريحة كبيرة على الأغلب من السكان، وهو ما يؤدى إلى هدر الإمكانيات البشرية، ومن شأنه فى كثير من الحالات إبطاء وتيرة تحقيق النمو الاقتصادى القابل للاستمرار. ويخلص مؤلفو هذا التقرير إلى أن من شأن السياسات المُنحازة لتحقيق الإنصاف أن تسد هذه الهُوَّة. فالمقصود هنا ليس المساواة فى الأجور، بل زيادة قدرة الفقراء على الحصول على خدمات الرعاية الصحية، والتعليم، وفرص العمل، ورأس المال، وحقوق الملكية الآمنة فى الأراضي. ويقتضى تحقيق الإنصاف، بشكل حاسم، زيادة المساواة فى الحصول على الحريات السياسية والنفوذ السياسي. ويعنى ذلك أيضاً كسر القوالب النمطية والتمييز، وتحسين القدرة على الوصول إلى أنظمة العدالة والحصول على خدمات البنية الأساسية. يقول بول وولفويتز، رئيس البنك الدولي، فى تَوْطِئَة هذا التقرير، " ينبغى أن تسعى الإجراءات العامة إلى توسيع مجموعة الفرص أمام أقلِّ الناس صوتاً وموارد وقدراتٍ. ولابد أن يتم ذلك أيضاً بطريقة تحترم وتعزّز الحريات الفردية، فضلاً عن تعزيز دوْر الأسواق فى توزيع وتخصيص الموارد." ولزيادة الإنصاف فى بلدان العالم النامية، يدعو هذا التقرير بوجه خاص إلى وضع سياسات من شأنها تصحيح أشكال استمرار عدم تكافؤ الفرص، وذلك من خلال تحقيق المساواة فى الفرص أمام الجميع فى المجالين الاقتصادى والسياسي. وسيؤدى الكثير من هذه السياسات إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية وتصحيح إخفاقات الأسواق. وتشمل هذه السياسات ما يلي: * الاستثمار فى الناس من خلال توسيع نطاق القدرة على الحصول على خدمات جيدة النوعية فى مجالى الرعاية الصحية والتعليم، وإتاحة شبكات الأمان للفئات الضعيفة؛ * توسيع نطاق الوصول إلى العدالة، والحصول على الأراضى وخدمات البنية الأساسية الاقتصادية، كالطرق والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والاتصالات السلكية واللاسلكية؛ * تشجيع الإنصاف فى الأسواق المالية وأسواق العمل وأسواق المنتجات، وذلك لتسهيل قدرة الفقراء فى الحصول على الائتمانات وفرص العمل، ولضمان عدم التمييز ضدهم فى الأسواق.
الإصلاح الزراعي
ويُعتبر الإصلاح الزراعى أحد الأمثلة التى أوردها هذا التقرير عن التغيّرات فى السياسات المُنحازة للفقراء. ففى ولاية البنغال الغربية بالهند، على سبيل المثال، أدى إصلاح نظام إيجار الأراضى إلى زيادة أمن حيازة المُزارعين المُسْتَأْجِرين، مع ضمان حصولهم على 75 فى المائة على الأقل من الإنتاج الزراعي. وكنتيجة لذلك، ازدادت إنتاجية الأراضى الزراعية بنسبة 62 فى المائة. كما ثبُت أن ازدياد قدرة الفقراء فى الحصول على الائتمانات وخدمات التأمين يمثل طريقة فعالة أخرى لتحقيق المساواة فى الفرص أمام الجميع لزيادة تحقيق الازدهار. وتُظهر دراسات أُجريت فى الهند وكينيا وزيمبابوي، من بين بلدان نامية أخري، أن الفقراء يضطرون إلى دفع أسعار فائدة أعلى بكثير من الأغنياء. ويخلص هذا التقرير إلى أنه، "علينا إذن أن نتوقع عدم قيام الفقراء بالاستثمار كما ينبغى عند مقارنة ذلك بالتأكيد بما ينفقه الأغنياء، ولكن أيضاً عند مقارنته بما سيكون عليه الحال إذا أدت الأسواق وظائفها بصورة سليمة." وبالإضافة إلى الإصلاحات الداخلية، يدعو هذا التقرير كذلك البلدان إلى تشجيع زيادة الإنصاف على الساحة العالمية، ولاسيما فى الأسواق الدولية للعمل والسلع والأفكار ورؤوس الأموال. ولتحقيق ذلك، يحث هذا التقرير البلدان الغنية على السماح بزيادة فرص الهجرة أمام العمالة غير الماهرة من البلدان النامية، والمُضى قُدماً فى تحرير التجارة بموجب جولة الدوحة فى إطار منظمة التجارة العالمية، والسماح للبلدان الفقيرة باستخدام العقاقير الطبية غير المُحددة الملكية، ووضع معايير قياسية مالية ملائمة للبلدان النامية. كما أكد هذا التقرير مُجدداً على أهمية زيادة المعونات الإنمائية وجعلها أكثر فعالية. ويمكن لمزيج من هذه السياسات ـ فى حال تطبيقه مع إيلاء اهتمام خاص لأوضاع البلدان المختلفة ـ أن يساعد على زيادة تكافؤ الفرص أمام الفقراء، الأمر الذى يؤدى مباشرة إلى زيادة مساهمتهم الاقتصادية فى مجتمعاتهم، ومن ثم تخفيض حدة فقرهم.
الآثار السيئة لعدم الانصاف
وبينما يشير تقرير عن التنمية فى العالم إلى الآثار السيئة المترتبة على عدم المساواة الشديد، فإنه يُميّز بوضوح بين المساواة والإنصاف. فالإنصاف، على حد تعبير مؤلفى هذا التقرير، ليس بطبيعة الحال نفس الشيء كالمساواة فى الدخول، أو الحالة الصحية، أو أية نتائج أخرى محددة. بل إنه سعى للوصول إلى وضع تتساوى فيه الفرص أمام الجميع، بمعنى عندما تكون فيه الجهود والتفضيلات وروح المبادرة الشخصية ـ وليست الخلفية العائلية أو الطبقة الاجتماعية أو العرق أو النوع ـ هى الفيصل فى التمييز بين المنجزات الاقتصادية للناس.
استحواذ النخبة على المؤسسات يؤدى إلى تقويض الإنصاف
يقدم هذا التقرير حججاً قوية تدعم حقيقة أن كلاً من الإنصاف والازدهار يُكمل بعضها بعضاً، مُستشهداً على ذلك بأمثلةٍ أدى فيها ارتفاع مستويات عدم المساواة على الصعيدين الاقتصادى والسياسى إلى وجود مؤسسات اقتصادية وترتيبات اجتماعية منحازة بشكل منهجى إلى مصالح ذوى النفوذ الأكبر دون غيرهم. ويرى هذا التقرير أن من شأن هذه المؤسسات تقويض قدرة أى بلد على تحقيق النمو وتخفيض أعداد الفقراء. يقول فرانسيسكو فيريرا، أحد كبيرى مؤلفى هذا التقرير، " تسفر المؤسسات غير المُنصفة عن تكاليف اقتصادية. إذ تغلب عليها حماية مصالح ذوى النفوذ السياسى والثروات، وغالباً ما يكون ذلك على حساب الأغلبية، وهو ما يزيد من عدم كفاءة المجتمع برمته. فإذا لم يتسن للفئات المتوسطة والأكثر فقراً استغلال مواهبها، فستضيع على المجتمع فرص الابتكار والاستثمار." ويُبرز أحد الأمثلة على المؤسسات غير المُنصفة من إحدى الدراسات الخاصة بالنساء المزارعات فى غانا، اللائى لا يملكن أية حقوق ملكية آمنة بشأن الأراضى التى يزرعنها. ونظراً إلى أن إمكانية حصولهن على هذه الأراضى أمر غير مؤكد، فإن هؤلاء النسوة يقمن بزراعة أراضيهن كل موسم زراعي، دون إراحتها أثناء بعض المواسم الزراعية، كما ينبغى أن يفعلن للحفاظ على خصوبة تلك الأراضي. وهن يفعلن ذلك خوفاً من استيلاء أشخاص ذوى مكانة اجتماعية أعلى منهن، وعادة ما يكونوا من الرجال، وذلك بذريعة أن النساء لا يزرعنها على الوجه المطلوب. ونتيجة لذلك، تدهورت إنتاجية أراضيهن، مما أدى إلى خلق حلقة مُفرغة من انخفاض الإنتاجية واتساع نطاق عدم المساواة.
الخلاص من عدم المساواة
تنشأ شِراك عدم المساواة عند استمرار عدم المساواة بين الأفراد والمجموعات مع مرور الوقت من جيل إلى آخر وداخل كل جيل. وتتسم هذه الشِراك بارتفاع فى معدلات وفيات الأطفال، وانخفاض فى معدلات إتمام الدراسة، والبطالة وانخفاض الدخول، وهو أمر يتكرّر مع مرور الوقت وعبر الأجيال. فالفرص، كبرت أم صغرت، تنتقل من الآباء إلى الأبناء ومن الأمهات إلى البنات. ويؤدى ذلك إلى تقليل الحوافز أمام الاستثمار والابتكار الفردي، فضلاً عن إضعاف عملية التنمية. ويضيف هذا التقرير أن حالة عدم المساواة تستمر من خلال تشابك الآليات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية معاً، كما هو الحال بالنسبة للمواقف والممارسات التمييزية المتعلقة بالعرق، والانتماء الاثني، والنوع، والطبقة الاجتماعية. ولمساعدة المجتمعات على الإفلات من شِراك عدم المساواة هذه، يؤكد تقرير البنك الدولى على أهمية تدعيم "وكالة" الفقراء والفئات المُستبعدة، أى قدرتهم على الإصرار على تمتعهم بآليات أكثر قوة للتعبير عن آرائهم، ولإخضاع السياسيين للمساءلة. ويمكن للفقراء والفئات المُستبعدة التى تشمل النساء كفئة من فئات المجتمع، من خلال الإصرار على زيادة الضوابط والتوازنات فيما يتعلق بإساءة استخدام النفوذ الاقتصادى والسياسى من قبل النُخب، إقامة التحالفات مع الطبقات المتوسطة دعماً للإستراتيجيات المؤيدة للتغيير المُنصف. وستعمل هذه الإستراتيجيات على تقويض هيمنة حكومة الأقلية وتحقيق المساواة أمام الجميع على الساحة السياسية، وذلك دون اللجوء إلى نوع السياسات الشعبية غير القابلة للاستمرار التى ثبُت فشلها فى الماضي. وتُكمل التوصيات التى قدّمها هذا التقرير الصادر بعنوان "الإنصاف والتنمية" الاستنتاجات التى خلص إليها تقريرا البنك الدولى عن التنمية فى العالم لعامى 2004 و 2005، واللذان ركزا على تعزيز قدرة الفقراء على الحصول على الخدمات، وتحسين مناخ الاستثمار. قال مايكل ولتون، أحد كبيرى مؤلفى هذا التقرير، " نحن نرى أن أى نهج للتنمية يستند بقوة إلى الإنصاف هو نهج يتسق مع الأطر التى شملها التقريران الأخيران عن التنمية فى العالم. فالإنصاف ـ فى الواقع ـ هو جزء جوهرى من حزمة التدابير اللازمة لتحقيق التمكين من أسباب القوة وتحسين مناخ الاستثمار. ويُعتبر هذا الهدف أيضاً حاسم الأهمية لتحقيق باقى الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة." المراجع والمصادر:
- تقرير بعنوان "التنمية فى العالم لعام 2006" صادر عن البنك الدولي. - تقرير بعنوان "الإنصاف والتنمية" صادر عن البنك الدولي.
#غسان_عبد_الهادى_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غناكم سبب فقرنا
-
التدخل الانساني ظاهرة غير انسانية
-
كالعادة، العالم العربى يحتل المراتب الاخيرة فى تسهيل الاستثم
...
-
متى تتحرر الدول النفطية من عقد الارتباط بالدولار؟
-
الطاقة البديلة تستبق زمن اللا نفط
-
لا يمكن تقليص الفقر في العالم بدون حقوق المرأة العاملة
-
لا سوق عربية مشتركة .. حتى على الانترنت
-
التجارة الحرة .. الأمل الأخير لتحسين العلاقات العربية وفق من
...
-
الاقتصاد العالمي عصا بيد الدول الكبري
-
اقتصاد يملك 2400 مليار دولار .. ولكنه بلا أفق
-
نفطكم ما يزال أرخص من الكوكا كولا
-
ارتفاع حرارة الكون ..الطريق الى نهاية العالم
-
الإصلاح الاقتصادى العربى .. بين كثرة الاقوال وقلة الافعال
-
تحديات الزيادة السكانية تكسر ظهر العالم العربي
-
الصين.. عملاق آسيوى سيبتلع أمريكا اقتصادياً فى عقدين
-
التكامل الأوروبى .. مفتاح التوازن العالمي
-
تكامل اقتصاديات المعرفة يخلق أملاً فى حل مشكلات التنمية العر
...
-
عندما تغيّر الصين العالم
-
الاقتصاد الفلسطيني: بصيص أمل فى ظلمة التحديات
-
البطالة والهجرة كارثة تحدق بالوطن العربى
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|