|
ثلوج النرويج ونساء العالم
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4756 - 2015 / 3 / 23 - 21:37
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أطل من النافذة على الثلوج تغطي "اوسلو" عاصمة النرويج، تكتسى الأرض والبيوت والأشجار حتى الأفق باللون الأبيض الشاهق، برودة الشمال فى الشتاء تبث النشاط فى العقل والجسم وتعيدنى للشباب، زجاج النافذة متين شفاف يسمح للعين ان تنفذ للسماء، ويظل الصقيع خارج القاعة المتوجهة بحرارة الشابات المبدعات من بلاد العالم، تتألق الثلوج بلون اللؤلؤ الشفاف تحت الشمس، وتنفذ الاشعة الذهبية داخل قلب البياض الناصع، تكتسب الأرض والسماء حمرة الدم يوحى بالدفء رغم البرودة الهابطة تحت صفر الصفر. وصلت من القاهرة والشمس بالافق تنحدر برفق فوق قمم الثلج، صديقتى النرويجية منذ ثلاثين عاما اسمها "ماريان" تعرف منذ لقائنا (عام 1983) اننى احب السير فى الثلج تحت اشعة الشمس، أخذتنى بالأمس إلى الميدان الرئيسى حيث مبنى البرلمان، وتمثال "هنريك ابسن" الكاتب المسرحى، تفخر "ماريان" به فخرا عظيما مثل الشعب النرويجى، يفخرون بالفنانين المبدعين، لكن هنريك ابسن يحتل موقعا مميزا، لايساويه إلا الملك هاكون السابع، ينتصب تمثاله فى الناحية الأخرى من الميدان،هذا الملك (1905 الى 1957) قاوم الاحتلال النازى خمس سنوات، منذ 9ابريل 1940 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عاش المنفى فى لندن، ولم يكف عن النضال حتى هزيمة هتلر، عاد الى النرويج (عام 1945) حيث استقبله الشعب استقبال الأبطال. اشارت"ماريان" الى ثلاثة ابنية فى الميدان، واحدة بيضاء والثانية حمراء والثالثة زرقاء، بألوان العلم الفرنسي، وقالت احتفلت النرويج العام الماضى (2014) بمرور قرنين على الثورة الفرنسية، وتم طلاء هذه الابنية بالالوان الثلاثة، الابيض والاحمر والازرق، احتفالا بالثورة ومبادئها الثلاثة، الاخاء والحرية والمساواة، ثم مصمصت شفتيها، بأسي: هذه الابنية الثلاثة التى ترمز للثورة الفرنسية كان المفروض ان تعبرعن مبادئها العظيمة ولاتتحول الى دكاكين ومراحيض عامة، تفخر "ماريان" باسمها، فهى تحمل اسم المرأة التى ترمز للجمهورية الفرنسية الاولى بعد الثورة، وكان الفرنك الفرنسى (قبل وجود اليورو) يحمل صورتها. ماريان النرويجية تتمتع بروح الفرنسية الثورية، تناضل منذ سنين ضد جشع الرأسمالية الشرسة بالنرويج، تقوم بتأليف كتابها الجديد عن انتهاك الأثرياء للطبيعة، رجال الاعمال الكبار، يقطعون الأشجار ويهدمون التماثيل فى الحدائق الاثرية القديمة والغابات، من اجل بناء الدكاكين التجارية والمراحيض العامة، النهم للاستهلاك وشراء أشياء لا يحتاجون إليها، تحت وطأة الإعلانات وإنفاق المال الذى لا يحتاجون إليه تحت وطأة السأم، هذه آلة الرأسمالية الجهنمية، الجشعة، تزيد من الهوة بين الفقراء والأغنياء، وبين النساء والرجال، فى النرويج وكل البلاد. فى القاعة الفسيحة اجلس وسط نساء العالم الشابات الثوريات المبدعات الجديدات، تجمعن من الشرق والغرب والشمال والجنوب، كاتبات روائيات، موسيقيات، قاضيات، طبيبات، مخرجات وممثلات سينما ومسرح، راقصات، مغنيات، شاعرات فنانات تشكيليات محاميات عاملات بالصناعة والزراعة، مقاتلات، وزيرات، خبيرات دوليات، وغيرهن من كافة المجالات. مؤتمر يجمع نساء العالم المناضلات بالإبداع الفكرى والفنى من اجل اسقاط النظام العالمى القديم،وبناء نظام جديد قائم على مباديء الثورات فى العالم: حرية عدالة كرامة بين الجميع بصرف النظر عن الجنس او الدين او الطبقة او الجنسية او اللون اواللغة او غيرها وقامت بتنظيم المؤتمر مجموعة من الشابات، ولدن بالنرويج،وتعلمن واشتغلن فيها أمهاتهن وآباءهن ولدوا وعاشوا فى بلاد متفرقة فى القارات الخمس، دفعهن القهر والبطش والفقر إلى الهجرة، تقود المجموعة شابة فنانة اسمها "ديبا خان" مخرجة افلام تسجيلية، سمراء البشرة، جاء اهلها من باكستان، ممشوقة القامة، ملامحها خليط من الهويات والاجناس، هذا المزيج المبهر من الدماء، يوحى بكسر الحدود والتمرد على القيود، يمنح الشخصية جاذبية خاصة بها وشجاعة على الابداع، وهدم الفواصل المصنوعة بين البشر. استمعت فى احدى جلسات المؤتمر الى شابات فلسطينيات، منهن كاميلا جبران، المؤلفة الموسيقية، قدمت اغنية من تأليفها وتلحينها، وتعبر عن آلام الشعب الفلسطينى وثورته المستمرة ضدالوحشية الصهيونية المدعمة بالسلاح الامريكى، وريم عبدالهادى التى تعمل فى رام الله، تكلمت عن معاناة النساء والاطفال تحت الاحتلال الاسرائيلى، والفنانة "ان باك" المصورة الفوتوغرافية المهاجرة لباريس، عرضت علينا مشاهد لنساء وأطفال تعرضوا للقتل وتقطيع اطراف الجسد بواسطة الآلة العسكرية الاسرائيلية، وتكلمت رنا الحسينى الكاتبة الصحفية الفلسطينية، عن نزوحها القسرى الى الاردن تحت وطأة البطش العسكرى للشعب الفلسطينى. من بغداد جاءت "ينار محمد" لتتحدث عن الاحتلال الامريكى للعراق، وتشجيع "جورج بوش الاب والابن وباراك اوباما" للتيارات الاسلامية القاتلة، من القاعدة الى داعش، لتفتيت العراق طائفيا والاستيلاء على بتروله وموارده، ومن طهران جاءت القاضية والمحامية "شيرين ابادي" الحاصلة على جائزة نوبل، تحدثت عن اهوال الامام الخمينى وخلفائه من الملالى واعوانهم بالداخل والخارج، لتفتيت الشعب الايرانى طائفيا ونهب بتروله وموارده، الخطة الاستعمارية الجهنمية المتكررة بالتعاون مع الحكومات المحلية. افتتحت المؤتمر الراقصة الفنانة الباكستانية "شيما كرماني" جاءت من كراتشى وقدمت رقصة هندية من اجمل الرقصات مع اللحن من تأليفها، والراقصة والفنانة التشكيلية التونسية "هالة فتومي" قدمت ختام المؤتمر بصور من فنها الجرافيك ورقصة تونسية مبدعة. على مدى يومين كاملين عشنا متعة الابداع والثورة مع نساء العالم الجديد القادم.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داعش ومخ الإيبولا
-
الاشتراكيون فى لندن وغاندى
-
مقطوعات الرؤوس والوجوه
-
اللا محسوس أخطر الأنواع
-
الخوف من حرية العقل والمرأة
-
من يذكر زينب فواز وأروى صالح؟
-
النساء المقاتلات فى جبال كردستان
-
الثورة الثقافية. وزوجتك
-
الثورة الثقافية فى مصر والصين
-
هل تتعلم النساء المصريات الدرس؟
-
إدانة الأم المقتولة وتبرئة القاتل
-
جهل الطب النفسى بجهاد النكاح
-
الكاتبة رفيقة العمر «8»
-
السيدة الأولى والتحولات السحرية
-
بقعة الإنسان السوداء
-
شجاعة التفكير خارج المنهج
-
وصمة البشرة والطبقة والجنس
-
الكاتبة رفيقة العمر
-
حقوق المرأة. وكيف نفكر؟
-
الكاتبة رفيقة العمر «٥»
المزيد.....
-
ضحيتها -الطالبة لالة-.. واقعة اغتصاب تهز الرأي العام في موري
...
-
الاغتصاب: أداة حرب في السودان!
-
غوتيريش: غزة بات لديها الآن أكبر عدد في العالم من الاطفال ال
...
-
-المانوسفير- يصعّدون هجماتهم ضد النساء بعد الانتخابات الأمير
...
-
حجاب إلزامي وقمع.. النساء في إيران مقيدات منذ أكثر من 45 عام
...
-
أيهم السلايمة.. أصغر أسير فلسطيني
-
سابقة في تاريخ كرة القدم النسائية السعودية
-
سجل وأحصل على 800 دينار .. خطوات التقديم في منحة المرأة الما
...
-
سجل وأحصل على 800 دينار .. خطوات التقديم في منحة المرأة الما
...
-
بزشكيان: قبل فرض قوانين الحجاب الجديدة يجب إجراء محادثات
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|