احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 4754 - 2015 / 3 / 20 - 22:50
المحور:
الادب والفن
سوف لن نتقيد في هذا الجزء بكل ما جاء على لسان الدكتور سليم علي الوردي في كتابه (علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية )والذي يناقش فيه المنهج الذي اتبعه الراحل الوردي في دراسة المجتمع العراقي , وذلك لأسباب عدة منها
اولا: ان الفصل الخاص بموضوعة ازدواجية الفرد العراقي في كتاب الدكتور (سليم ) جاء مقتضبا الى حد كبير (من الصفحة 50 ـالصفحة 52 ) على الرغم من اهمية الموضوع وتعدد زوايا النظر اليه .
ثانيا :ان الدكتور (سليم الوردي ) يؤكد في مورد موضوعة ازدواجية الفرد العراقي على تطابقه مع الراحل الوردي فيما يذهب اليه, على الرغم من اختلافه الواضح مع الراحل حول موضوعة اختزال الصراع داخل المجتمع العراقي على ضوء نظرية (البداوة والحضارة ) تطابق الدكتور(سليم ) حول اطلاق صفة الازدواج على شخصية الفرد العراقي لا يعني انه يتطابق مع كل ما يطرحه الراحل الوردي بهذا الشأن , فقد وفق الدكتور(سليم ) الى حد كبير الى الوقوف على اهم اسباب ذلك الازدواج مبينا ان الامر لا يقتصر على شعب دون اخر وهو نتاج عدة اسباب وعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وهو بعد ذلك لم يكتف بالكلام عن الازدواج بشكل تجريدي كما حصل مع الراحل الوردي الذي لم يكلف نفسه عناء البحث عن الاسباب التي كانت تقف وراء صفة الازدواج هذا ان صحت التسمية.
ثالثا : ان مصطلح الازدواج كان قد خضع بعد تأليف كتاب الدكتور (سليم ) (علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية ) عام 1978 الى عدة دراسات على يد اكثر من مختص في العلوم النفسية والتربوية والاجتماعية .
والان لنأتي الى ما يقوله الدكتور (سليم على الوردي ) حول ما يسمى (ازدواجية الفرد العراقي ) يقول (سليم ) (ربما يستخلص القارئ من رفضنا لأطروحة الصراع بين البداوة والحضارة باعتباره الصراع الرئيسي الذي يسم حركة تطور المجتمع العراقي , اننا نرفض ايضا موضوعة (ازدواجية الفرد العراقي ) في الواقع لا اعتراض لدينا على ظواهر هذه الازدواجية التي يعرضها الدكتور علي , ومن المغالطة نكرانها فنحن نلمسها في سلوكياتنا ومواقفنا وفي العديد من قراراتنا على انها بدأت تخف وتتضاءل ومصيرها الزوال ولكن كيف ؟
ويمضي (سليم ) متسائلا بقوله ( لكن ما الذي يقف وراء ازدواجية الفرد العراقي ومن اية تربة تمتص مقومات وجودها ؟ كي نجيب على هذا السؤال لا بد من دراسة تركيب المجتمع العراقي الحديث والعوامل المؤثرة في تكوينه وفي اتجاهات تطوره ) وبهذا المقدار يكون الدكتور (سليم ) مختلفا عن اسلوب الراحل الوردي في التعاطي مع مسألة في غاية الخطورة والاهمية لأنها تتعلق بشخصية الفرد العراقي حصرا .الدكتور سليم يحاول ان يفهم ظواهر الازدواج ويقف على مسبباتها ويشخص بعد ذلك الدواء الناجع لهكذا ظواهر اجتماعية مرضية ,وهذا ما لم يتحقق على يد الراحل الوردي الذي اكتفى بالكلام المجرد عن ازدواج الفرد العراقي يقول الدكتور (سليم ) (ان التناقض بين البنية الاجتماعية والاقتصادية المتخلفة من جانب والعلاقات السلعية الرأسمالية الجنينية المتنامية ببط شديد من جانب اخر هو الذي وسم تطور شعوب البلدان المستعمرة (بفتح الغين ) بسمة الازدواجية في كافة نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية والاخلاقية )ويمضي سليم الى القول ( ان التناقضات الاجتماعية هي التي تفرز الازدواجية في سلوك الافراد ولكنها تكتسب اشكالا مختلفة وتتفاوت في حدتها من مجتمع لآخر . ولو امعنا النظر في المجتمعات الرأسمالية المتطورة لوجدنا العديد من ظواهر الازدواجية في سلوك الافراد .الاستلاب بمضمونه الاجتماعي والاقتصادي ينعكس في نفسية الطبقات المحرومة من وسائل الانتاج وما يفرزه من نزعات اليأس والتمرد السلبي والانتحار الفلسفي والشعور باللاجدوى ,ان هي الا مظاهر لازدواج الشخصية . انها قمة الازدواجية عندما تحيا وانت تشعر بلا جدوى الحياة , ان تمارس العيش وانت تنتحر فلسفيا وباستمرار ,احقا ان ذلك نتيجة (البطر ) كما يقول بعض السطحيين ؟
لا نريد ان ندفع تهمة الازدواجية عن مجتمعنا ونلصقها بشعوب اخرى ولكننا نقول بأن النظام الاستعماري الذي يفرز من جسده مختلف الافرازات الاجتماعية النتنة التي تجد تعبيرا عنها في ظواهر اخلاقية وسلوكية متناقضة واحيانا مأساوية , هو نفسه الذي اورث مجتمعنا الازدواجية بل وجميع بلدان العالم الثالث, التي رزحت تحت سيطرته .لن نقضي على الازدواجية بمجرد الحديث عنها , ما لم نفتش عن مسبباتها الفعلية ,ان الاكتفاء بالتشكي منها ونقدها مع السكوت عن مسبباتها يجعلنا اقرب الى وعاظ السلاطين والجماهير تريد (وعاظا ) من نمط اخر يكشفون لها عن مشاكلها وسبل معالجتها ويستشرفون مستقبلها )والان وبعد ان انتهينا من كلام الدكتور (سليم )وهو يتناول موضوعة ازدواجية الفرد العراقي, نتحول قليلا حول عدد من الكتاب والباحثين المختصين في مجال دراسة الشخصية العراقية مع بيان مواقفهم من اطلاق صفة الازدواج على الفرد العراقي بالإضافة الى ما يتعلق بموضوعة الصراع بين البداوة والحضارة .
يقول الدكتور (قاسم حسين صالح )في مقاله الموسوم ب(ازدواج الشخصية العراقية ـتصحيح مفهوم ) والمنشور في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 21/6/2012 .ان الراحل الدكتور هو اول من الصق صفة (ازدواج الشخصية ) بالفرد العراقي ومع انه قد اشار في محاضرته التي القاها في خمسينيات القرن الفائت بأنه لا يدعي بأن محاضرته قد استوفت الشروط العلمية لها الا انه عاد في موطن اخر وهو يذهب الى ان شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الازدواج حيث يقول (واني وان كنت غير واثق من نتيجة هذه الدراسة ) الى ان يقول ( ولكني اجد كثيرا من القرائن تؤيد ما اذهب اليه )ثم يبين الراحل الوردي اهم تلك القرائن التي تؤيد ما يذهب اليه بقوله (ان المسلم العراقي من اشد الناس غضبا على من يفطر علنا وهو من اكثرهم افطارا ,وان الفرد العراقي من اكثر الناس حبا للوطن وتحمسا لخدمة العلم (الالزامية العسكرية )بينما هو في الواقع مستعد للتملص من خدمة العلم اذا آن الآوان ) ويذهب الوردي الى شخصية الفرد العراقي ليست شخصية منافقة او مرائية كما يتوهم البعض لكنها شخصية تعيش اكثر من شخصية ,اي انها شخصية (مريضة) مغيبة عما تقوم به من ادوار وافعال .
يقول الدكتور (قاسم حسين صالح )(في خمسينيات القرن الماضي شاع في امريكا مفهوم (ازدواج الشخصية ) وكان المثال هو رواية (ستيفنسن) (دكتور جيكل ومستر هايد )التي جرى تحويلها الى فيلم سينمائي جذب الملائيين من المشاهدين آنذاك , وحدث ان ظهرت في الخمسينيات ايضا حالة واقعية في امريكا لفتاة اسمها (sybil )كانت لها ثلاث شخصيات : شخصية عادية ,موظفة , وشخصية متدينة تذهب الى الكنيسة في ايام الآحاد , وشخصية مستهترة ترتاد نوادي الرقص والقمار في الليل )وكان قد جرى تحويل هذه الواقعة الى فيلم سينمائي بعنوان ( ثلاثة وجوه لحواء )وقد عرض عام 1957 حيث انتشر مفهوم (ازدواج الشخصية ) او تعدد الشخصية ,وهكذا اشاعت السينما والصحافة الفنية ان بطلة الفيلم كانت مصابة بمرض (الشيزوفرينيا ) وكان هذا خطئا علميا ومفاهيميا شاع بين العامة والاوساط العلمية ,مما اضطر عدد من الاطباء النفسيين الى التنويه في السبعينيات بأن ما يسمى ب(ازدواج الشخصية ) او تعددها انما ينضوي تحت العصاب وليس الذهان ,لان المصاب بهذا الاضطراب يتقمص ادوارا مختلفة ومتناقضة ,لكنه يقوم بكل واحد من تلك الادوار بشكل منطقي وطبيعي ,بعكس ما يحدث في (الشيزوفرينيا ) اذ يعبر الاضطراب عن انفصال الشخصية عن متطلبات الواقع حيث يتصرف الشخص بطريقة تبدو للآخرين مضطربة ولا تتلائم مع الوقائع الخارجية )ويشير الدكتور (قاسم ) بعد ذلك الى ان مفهوم (ازدواج الشخصية ) هو مفهوم طبي نفسي لا علاقة له بعلم الاجتماع وقد استبدل حديثا بمفهوم اخر الا وهو مفهوم ( اضطراب الهوية الانشطاري ) .
لقد اشاع الراحل الوردي مفهوم (ازدواج الشخصية ) في الفرد العراقي قبل اكثر من نصف قرن متأثرا بشيوع هذا المفهوم عبر السينما والصحافة ,وهو بذلك يتحمل الخطأ العلمي الفادح بذلك المفهوم كما يؤكد على ذلك الدكتور (قاسم حسين صالح ) يقول (قاسم ) ( وليته استخدم المفهوم مجازا او استعارة انما استخدمه بنفس المعنى الشائع لمرض ازدواج الشخصية في الخمسينيات . فهو يقول ( ان العراقي هو في الواقع ذو شخصيتين وهو اذ يعمل بإحدى شخصيتيه ينسى ما فعل آنفا بالشخصية الاخرى وانه اذا بدر منه بعدئذ عكس ذلك فمرده الى ظهور نفوس اخرى فيه لا تدري ماذا قالت النفس الاولى وماذا فعلت ) ويمضي (قاسم ) قائلا ( ان الوصف هذا ينطبق على حالة مرضية وليس على حالة سوية ,بمعنى ان المصاب به يعاني من اضطراب او مرض (ازدواج الشخصية ) بمفهومه الشائع في خمسينيات القرن الفائت ,او ما يعرف باضطراب الهوية الانشطاري بالمفهوم الحديث ,وليس من المعقول بطبيعة الحال ان يكون كل او معظم العراقيين مصابين بهذا الاضطراب العصابي او الذهاني .ان الذي قصده الوردي هو على وجه التحديد (التناقض بين الافكار والسلوك ) بمعنى ان السلوك الذي يتصرف به الفرد يتناقض مع الفكرة او القيمة التي يحملها ,ومن الامثلة على ذلك كمن يدعو الى ان تمارس المرأة العمل ضابط في سلك الشرطة او الجيش ,لكنه يمنع ابنته من التقدم الى كلية الشرطة او الكلية العسكرية ,ولا شك ان مثل تلك الحالات انما تكون بعيدة كل البعد من ان توصف ب(ازدواج الشخصية ) وان الاصوب علميا ان نصفها بالتناشز الاجتماعي والذي يعني التناقض والتنافر او عدم الانسجام بين ما يؤمن به الفرد وبين ما يقوم به ,وهو بطبيعة الحال لا يدخل في خانة الامراض العصابية والذهانية ,كما انه لا يختص بشعب دون اخر ,وانه لطالما كان نتيجة عوامل ضاغطة ما ان تضعف وتضمحل حتى يتوارى ذلك التنافر والتناقض .
يبدو ان منهاج الراحل الوردي القائم على التعميم وعدم التثبت في استخدام المصطلحات العلمية قد اوقعه في ما لا تحمد عقباه .ان التشخيص الخاطئ لدى الوردي ادى بالنتيجة الى توصيف خاطئ ,حينما وصف الشخصية العراقية بمرض (الازدواجية ) حيث يعيش الفرد العراقي بأكثر من شخصية لا تعرف الاولى ما قالت وماذا فعلت الشخصية الثانية ,وبهذا يكون جميع العراقيين مرضى بذلك المرض الوبيل. ولا اعرف عالما كان قد اقدم على ما اقدم عليه الراحل الوردي ,حينما وصف شعب بأكمله بذلك المرض العضال ,الذي عادة ما يصاب به الافراد وليس الشعوب والامم والجماعات .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟