تونس بعد عملية باردو لن تكون تونس ما قبل هذا التاريخ

مروان مجادي

الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 08:35
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

تونس بعد عملية باردو لن تكون تونس ما قبل هذا التاريخ .. هذه عملية فاصلة في تاريخ البلاد بلا شك
الإرهاب يغير تكتيكاته مرة أخرى أو بالأحرى هو ينتقل من مرحلة إلى أخرى في معركة يبدو أنها ستطول أكثر مما يتوقعه البعض .. الإرهاب يمر و ينتقل في هدوء وفق خطة محكمة لا زال هو ماسكا بزمام أمورها.
هل من تعريف واضح للإرهاب ؟ تعريف واضح ، دقيق و محدد .. الأكيد أن هذا ليس بالأمر الهين و لا المستحيل في نفس الوقت و مهما تعددت خلفيات التحديد المفهومي و محاولات التعريف و ما سينجر عن ذلك من استتباعات فإن تعريف العلوم الأمنية و علم الجريمة قد يفي بالغرض في هذا المستوى على الأقل ، بما يسمح بتحليل الظاهرة و فهمها و التعاطي الجدي معها.
فإلى جانب اسهامات العلوم الإنسانية الكلاسيكية (السيكولوجيا و السوسيولوجيا ) من رسم لمعالم الشخصية الإرهابية في بعدها النفسي و في علاقة بمحيطها الإجتماعي المتحرك و من تفكيك لظاهرة الإرهاب ، راكمت العلوم الأمنية و علم الجريمة خبرة معرفية لا يستهان بها مكنت من تعريف الجريمة الإرهابية على نحو مغاير نوعا ما .. مغاير بالأساس من ناحية زاوية الإشتغال المفهومي .. حيث ركزت على أمرين مهمين في فهم الموضوع أولهما الجانب الخارجي أو البنية الخارجية إن شئنا للجريمة الإرهابية و ثانيهما الجدل الداخلي الذي يحكمها
هذه الدراسة البنوية مكنت من تعريف الإرهاب على النحو التالي :
* توصيف الفعل ؛ خارجيا توصف الجريمة بالبشعة أولا و ترتبط أساسا بقذارة الوسيلة و لا مشروعيتها و باستنادها لمعطى عقدي ثانيا يتمحور حول فكرة الخلاص و تشتغل وفق مبدأ العمليات المسلحة بهدف التخويف الجماعي و تنفيذ المخطط (دولة الخلافة في هذه الحال ) يتم تنفيذها من قبل أفراد ينتمون روحيا و تنظيميا إلى جماعة بعينها و هو ما يمثل "الجزء الثابت" في بنية الإرهاب .
* تفكيك الفعل : الفعل معقد بلا ريب لكن يمكن تتبعه
تتحرك الجريمة الإرهابية بشكل كبير ضمن بناء جدلي حقيقي تتضارب فيه المصالح و السمات و الخصائص و يتغير بإستمرار ، إنه جو رهيب من المتناقضات التي تنشأ فيها الجريمة الإرهابية .. تناقض يدفع حتما نحو التحرك و التطور بشكل دائم
بنية الإرهاب الداخلية متحركة إذا و متناقضة و متشعبة تبرز أهم أوجه تشعبها في كونها فعل إنفعالي محكم التخطيط .. نعم فعل إنفعالي حددت اهدافه و طرق عمله سلفا بطريقة منهجية و منهجية للغاية ، فضلا عن كونه فعل فردي أو مجموعة أفراد يتوحد مع فكر مجموعة برمتها و فعل جماعي بالمقابل يترجمه أفراد ..
تضارب المصالح و تعددها و تقاطعها مع أكثر من جهة و داخل الإرهاب نفسه كظاهرة .. مثلا الإرهاب تتقاطع مصالحه مع مفهوم الدولة لم تمثله من كيان سلطوي قمعي فاشل في حل المشاكل إذ يستمد منه موجبات وجوده و يتناقض مع مقولة الدولة في نفس الوقت و تتضارب مصالحه معها لأنها نقيضه المباشر الذي يسعى إلى تقويضه ..
الجريمة الإرهابية لها أكثر من مصدر ؛ هنالك من ينفذ ، من يخطط ، من يحرك و من ينظر و من يتحكم في هذا كله أو من يدفع إليه عبر وسائل عدة ..
أهداف متضاربة و أطراف متعددة و فعل جماعي فردي في آن ..
إن الجريمة الإرهابية بهذا الإعتبار هي مزيج رهيب من كل شيء .. أعمق مما نتخيل تشتغل وفق بنية خارجية واضحة ثابتة تقريبا و داخلية معقدة و متحركة لحد بعيد ..
هذه المقاربة البنيوية في فهم الإرهاب دفعت علم الجريمة بالأساس إلى إعتبار الإرهاب أو تعريفه إلى أنه
أولا : جريمة منظمة أي أحد اقسامها و انواعها
ثانيا : جريمة خطيرة للغاية أكثر فتكا من الحروب التقليدية
ثالثا : جريمة معقدة يسهل توجيهها
رابعا : جريمة مركبة فيها الثابت و المتحول الداخلي و الخارجي
خامسا : جريمة سياسية بإمتياز على إعتبار تعدد الفاعلين و تضارب المصالح
سادسا : جريمة دولية بما أن الجريمة المنظمة عابرة للقارات أولا و بما أن خاصية سهولة التوجيه تمنح إمكانية الفاعلين الإقليميين و الدوليين للسيطرة و تصفية الحسابات ..
هذا ما تواجهه تونس و دول أخرى بالمنطقة كسورية و العراق و مصر إلخ ..
الإرهاب متحرك و متغير و ينفذ خطته بشكل محكم و بثبات منقطع النظير في تفوق واضح بخطوة على الشعب و قواته النظامية و دولته .. التي تتفوق فيها هذه المكونات على بعضها في رغبتها في مواجهة حرب الإرهاب ..
الجريمة الإرهابية هذه الجريمة المنظمة المعقدة ، السياسية و الدولية و التي ترتبط بشتى أنواع الجرائم الأخرى من تجارة المخدرات الى الجوسسة و المتعددة الأطراف من مافيا الإقتصاد إلى المنفذين المؤدلجين .. هي التي استشرت اليوم في تونس و هي التي انتقلت اليوم إلى مرحلة أخرى أبعد من مرحلة التمترس بالجبال و الإنتشار و إعادة الإنتشار و خلق البيئة الحاضنة و التطبيع السياسي و استهداف الأمن و الجيش و السياسيين فقط ..
تونس بعد عملية باردو لن تكون تونس ما قبل هذا التاريخ .. هذه عملية فاصلة في تاريخ البلاد بلا شك ..
الإرهاب ينزل إلى المدن و بقوة .. يضرب عمق الأمن القومي .. منطقة سيادة .. سياح اجانب ، مدنيين في محيط مجلس النواب ..
الإرهاب يبدأ حرب المدن و الشوارع ..
ما يسميه البعض بخطة " الذئاب المنفردة " ما قد يعطي إنطباعا بانها عمليات معزولة من أفراد متعصبين يصعب توقع أفعالهم و التعرف عليهم فحسب.. الذئاب المنفردة في ضل الجريمة المنظمة تعني فك الإرتباط مؤقتا مع التنظيم الجماعي مع أكبر ذئب طاعن في السن ..
تعني إبعاد الأنظار عن قطيع الذئاب لحين .. لحين الحسم العسكري الجماعي و إسقاط المدن ..
الجريمة الإرهابية جريمة سياسية .. الواجهة السياسية للإرهاب تختفي خلف شعارات محاربته فيما تمتد يده لمفاصل الدولة أكثر من ذي قبل ..
الإرهاب جريمة سياسية يستفيد من ضعف الحزب الحاكم العاجز ..
الجريمة الإرهابية جريمة دولية لذلك حرصت هذه الأطراف على وضع كل صاحب يد مرتعشة في منصب سيادي في حكومة هجينة يعجز رئيسها على قراءة جملة مفيدة دون تلعثم .. و حرصت على خلص وفاق مصالح مع حزب له باع و ذراع في تخريب البلاد و اغراقها في الظلامية ..
فعلوا ذلك حتى يحصل ما حصل و ما سيحصل ..
يحاولون خلق حالة فوضى عارمة ، تفلس الدولة ، تتفكك .. تنهار .. يستهدفون الناس عشوائيا .. ثم لحظة الإنقضاض و الإجهاز على المدن ..
تونس بعد عملية باردو لن تكون تونس ما قبل هذا التاريخ .. هذه عملية فاصلة في تاريخ البلاد بلا شك .. انها المرحلة ما قبل الأخيرة بنصف مرحلة أخرى فقط .. و حينها سيكون النموذج اللبناني إبان الحرب الأهلية لا من الناحية العرقية و الطائفية و انما من زاوية تضارب المصالح و طبيعية الجريمة الإرهابية التي تغيرت مع تغيير الشكل .. ( من القاعدة إلى داعش .. إلخ ..)
علم الجريمة بهذا التعريف المخصوص للإرهاب قد يشير إلى الحل الصحيح .. الحل المستعجل طبعا الذي يجب أن يسند بحلول عميقة و غير مباشرة ثقافية و إقتصادية و إجتماعية أساسا ..
هذا الحل لن يكون غير فك الإرتباط بالإرهاب و عكس الهجوم عليه في كل مستوياته .. فك الإرتباط و إجبار المتنطعين على ذلك ..
أول خطوة صحيحة هي محاربة وهن السلطة و المطبعين مع الإرهاب ..
يجب خلق ذهنية مضادة لرصاص الإرهابيين عبر شن حرب عليهم من مافيا الإقتصاد إلى شيوخ النكاح إلى حاملي السلاح في وجه الوطن مع تحصين البلاد من الداخل و الخارج و تكنيس ذوي الإرتباطات المشبوهة ...

#مروان_مجادي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات