أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمير أمين - بذور الشيوعية في سنوات الطفولة الأولى















المزيد.....


بذور الشيوعية في سنوات الطفولة الأولى


أمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 4752 - 2015 / 3 / 18 - 20:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للحديث عن البذور الأولى للأفكار الشيوعية التي زرعت وترسخت في سنوات الطفولة الأولى لابد من الحديث عن البيئة الفقيرة التي نشأت فيها عائلتنا وسط عوائل كادحة في غالبيتها الساحقة والتي كان عدد كبير منها متعاطفاً مع الحزب الشيوعي العراقي ومسانداً له في نضاله الشاق والمرير ..ولدت في بيت صغير مستأجر بمبلغ ضئيل من البيوت المتهالكة التي يملكها أحد الجيران وكان هذا البيت من القدم بحيث كان الملح يتساقط من جدرانه الداخلية وتظهر أثواب الحيات الصغيرة التي تخلعها بين ثناياه بين الفينة والفينة فكنا نمسكها بأدينا ونتفحصها ونرميها بعيداً خارجه..كان والدي نائب ضابط أحيل على التقاعد لأسباب صحية براتب ظل كما هو عليه لحوالي ثلاثين عام دون أن يزداد ديناراً واحداً بينما كنّا نكبر ويزداد عددنا حتى وصلنا الى أربع أولاد وأربعة بنات بعد أن فقدنا إثنين من إخوتنا الصغار ..وكان والدي في شبابه المبكر من أوائل الفدائيين العراقيين الذين إشتركوا بالثورة الفلسطينية مع عدد قليل من أصدقاءه عام 1936 قبل قرار تقسيم فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل وكان وقتها بعمر 25 عاماً ثم ما لبث أن سافر مع المقدم الركن الشهيد عبد الكريم قاسم وعدد من الضباط العراقيين والجنود حينما كان برتية نائب ضابط في الجيش العراقي الى فلسطين عام 1948 حيث إستبدلت رتبته الدائمة برتبة مؤقتة وخلال المدة التي قضاها في فلسطين وهي ملازم ثاني مجند وقد تشبع بالأفكار الوطنية والقومية بشكل عام وكان نصيراً للسوفييت وعمل سكرتيراً لجمعية الصداقة العراقية السوفيتية لفرعها في الناصرية والتي تأسست بعد نجاح ثورة 14 تموز الخالدة وكان متأثراً بالقادة الروس وخاصة لينين وستالين وخروشوف فكان يأخذنا معه لدكان الحلاّق في الناصرية الفقيد حسين صمد وحينما ندخل اليه كان والدي يقدمنا له ..جئتك بلينين وستالين وخروشوف حسب التسلسل أنا وإخوتي سمير وجمال على أنني لينين وأخي سمير ستالين وأخي جمال خروشوف فيرحب بنّا الحلاق بأهلاً بالأبطال !! ثم يقوم بقص شعر رؤوسنا واحداً تلو الآخر بينما ينهمك بحديث مطول مع والدي عن السوفييت والاشتراكية التي بنوها وعن لينين وعبقريته وكنّا نستمع اليهما بإنصات وكان والدي شديد التأثر بلينين ويعتبره قائداً عبقرياً فذاً نجح في قيادة الثورة نحو النصر وكان يعتبر ستالين رجل حديدي صلب حافظ على الثورة وقاد الجيش الأحمر للانتصارات وكان يشيد بحماقات خروشوف وكيف أنه وقف بالأمم المتحدة وهدد إسرائيل وفرنسا وبريطانيا وكان ممسكاً بحذاءه ويصرخ بهم ويعطيهم مدة قليلة من الزمن لكي ينسحبوا من عدوانهم الغاشم على مصر عام 1956 وإلاّ سيستخدم القوة ضدهم ..!..كان الحلاّق يستمع الى والدي ولكنه يتكلم أكثر منه في الشؤون السياسية عامة وهذا ما كنت أتذكره لاحقاً بعد أن دخلت للمرحلة الابتدائية من الدراسة وأخذنا درس في القراءة تحت عنوان الحلاّق الثرثار حيث كنت أتذكره وأنا أمرّ على سطور تلك القصة المضحكة حينما كان يحلق رؤوسنا ويتكلم كثيراً وبدون إنقطاع الى أن ننتهي من الحلاقة ويعطيه والدي مبلغ ثلاثة دراهم عن ثمن حلاقتنا نحن الإخوة الثلاثة ولو أن أحاديثه كانت ممتعة وشيقة ومفيدة إلاّ أننا نصاب أحياناً بالصداع لطول الوقت الذي نمضيه عنده وقربه من آذاننا وأدمغتنا لحظة الحلاقة وخوفنا من عدم إنتباهه ووصوله بالقرب من شحمة أذننا بمقصه الذي يحدث طقطقة مسلية ومرعبة أحياناً .. لم ينتمي والدي في حياته للحزب الشيوعي لكنه كان متعاطفاً مع الحزب ويميل للأفكار الاشتراكية لذلك حينما تم إجهاض ثورة 14 تموز بإنقلاب 8 شباط الدموي عام 1963 لم يعتقل والدي بسبب كونه مستقل عموماً ..وكان يحب الأفلام السوفييتية ويصطحبنا معه اليها في عدد من المرات وخاصة كان يأخذ معه أختي الشهيدة موناليزا وأتذكر أنه أخذنا لنرى فلم سوفيتي كان إسمه أب جندي..وكانت لديه مكتبة كبيرة إستولت عليها الحكومة الملكية وأفرغتها من خيرة الكتب وتركت له بضعة مئات من القصص والروايات البوليسية والعاطفية والتي وضعها في عدة صناديق وأتذكر منها قصص الطفلة المفقودة وماجدولين وروبن هود وأرسين لوبين وغيرها والتي كنّا نقوم بقرائتها في العطلة الصيفية لقتل وقت الفراغ وكان هو يأخذ واحدة منها ويقوم بقرائتها في المقهى إذا لم يكن معه منافس في لعبة الطاولي والدومينو اللتان كان بارعاً فيهما وكان دائماً يحالفه الحظ بالفوز على أقرانه ويحتسي عدة كاسات من الشاي الساخن اللذيذ مجاناً وعلى حساب اللعبة . وحينما كنّا صغاراً وقبل أن ندخل للمدرسة كانت الوالدة تصحبنا معها الى مقر رابطة المرأة العراقية الكائن وسط مدينة الناصرية فتحمل إثنين منّا ويتشبث الثالث بأثواب عبائتها بينما كانت حاملاً بإختي إنتصار..وكان مكان مقر الرابطة يبعد حوالي نصف ساعة مشي عن بيتنا حيث كانت والدتي عضواً نشطاً في الرابطة النسوية وكذلك كانت والدتها وعدد من نساء جيران المحلة فكنا نستمتع بأحاديث النساء عن كوبا وكوريا والزعيم عبد الكريم ونطرب لأغانيهن وأناشيدهن وتبهرنا ملابسهن الزاهية والمرصعة بالورود والدانتيل والقلائد التي تزين صدورهن حينما يضعن العباءة جانباً لحظة دخولهن للمقر ...وكنّا نستمع للفقيدة أم زهير .. تنزيل والدة الشاعر زهير الدجيلي حينما كانت تعلمهن القراءة والكتابة وهناك آخريات يقمن بتعليمهن الخياطة والتطريز ونستلذ بطعم الحلويات التي يوزعنها لبعضهن وتكون حصتنا وافية ومضمونة نحن الأطفال ..وعادة ما يكون الطفل فضولي وكثير التساؤل عن أي شيء يسمعه أو يخطر بباله فنسأل والدتنا عنه وننتظر الإجابة بفارغ الصبر وكثيراً ما يختزنها مخنا الصغير لعدة سنوات ثم يقوم بتنقيحها وشطب الأخطاء والنواقص العالقة بها عبر السنين فتتكون لدينا ثقافة ولو بسيطة عن عدة أمور سياسية وثقافية تكون الأساس الذي يتبلور فيه وعينا حينما نكبر ونشق طريقنا في الحياة بشكل عام وأيضاً تبقى الأناشيد الجميلة والأغاني وبعض الأشعار في ذاكرتنا ردحاً من الزمن ومن المؤسف أن بعض الكبار يستخفون بأسئلتنا ويعطوننا جواباً مضحكاً نكتشفه بعد عدة سنوات فنغضب منهم وأتذكر مرة سمعت بإسم شكسبير وكنت في الصف الخامس الإبتدائي فسألت عنه أحد الكبار وعن معناه فقال لي بجدية ..إنه شيخ الزبير والإنكليز يسمونه شكسبير..!! فإقتنعت بالإجابة حينها ولكن بعد سنوات كم حقدت عليه وعلى نفسي التي صدقت به . وغير ذلك الكثير من الأجوبة الخاطئة التي تلقيتها في حياتي من كبار السن والذين كانوا لا يأخذون أسئلتنا محمل الجد..على الرغم من أن بعض الإجابات الخاطئة والتي لم أقتنع بها جعلتني أبحث عن مصادر لمعرفة صحتها ونجحت في بعضها على الرغم من الغصة التي عانيت منها ولا أرى تفسيراً منطقياً لسبب الإجابة الخاطئة من قبل بعض الكبار عن تساؤلاتي لهم..هذا يعني أن الأساس لزرع البذور الأولى للفكر الإشتراكي وخصوصاً للمباديء الشيوعية بدأ من خلال تأثير الوالد والوالدة والمكتبة التي وجدت لحظة ولادتنا بالإضافة للبيئة الفقيرة المعدمة ومكان السكن الذي عشنا به عدة سنوات لحين حصول عائلتنا على بيت صغير من بيوت الإسكان التي منحها الشهيد الفريق الركن عبد الكريم قاسم الى فقراء الشعب العراقي ومنهم العسكريين فكانت حصتنا بيت صغير متكون من غرفة وهول وحديقة أمامية وأخرى خلفية في الصوب الثاني من المدينة والذي سمي بصوب الشامية وكم كنّا سعداء في السكن به والعيش بمحبة وإلفة مع جيراننا وقد كنت حينها قد نجحت للصف الثاني الإبتدائي وداومت في أحد صفوف مدرسة أبو تمّام الابتدائية..وهنا لابد من الإشارة الى ضرورة عدم ترك الأطفال لكي يواجهوا قدرهم ومصيرهم بأنفسهم , بل يجب الأخذ بأيديهم وتربيتهم على التعلم وحب الآخرين والتضحية في سبيلهم وتعزيز شعورهم بالمسؤولية إتجاه وطنهم وشعبهم وعدم الاستخفاف بمشاعرهم وتطلعاتهم مهما صغرت وإحتضانهم وزجهم في الحفلات والسفرات التي ينظمها الشيوعيون في الداخل والخارج لأنها ستبقى ذكرى راسخة في أذهانهم تعكس سلوك الشيوعيين وحبهم للحياة والتفاني من أجل نهضة وطنهم وخير شعبهم..تحية للشيوعيين الأماجد وأصدقائهم ومناصريهم في عيد تأسيس الحزب الشيوعي العراقي والتي يحتفل بها الحزب وجماهير الشعب الخيرة في كل عام من آذار الربيع...



#أمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى رحيل ملك الصعاليك الشاعر عبد الأمير الحصيري
- مرحى لمؤتمر حزبنا الشيوعي التاسع ..!
- رحيل الصديق هاني ناجي و 166 شهيد يدخل عامه الثلاثين!
- أيها العراقيون : إرسوا على بر قبل فوات الأوان !
- وجهة نظر حيادية لأحداث الربيع العربي .
- الوقوف أمام ضريح لينين !
- ستار كناوي ..خمسون عام على ميلاده..ربع قرن على الرحيل..!
- إنصاف الأكراد الفيلية مهمة وطنية عظمى !
- في ذكرى إستشهاد سكرتير محلية الناصرية مزهر هول راشد
- الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم باني مدينة الثورة ببغداد !
- الشهيدة موناليزا- ستون عام على ميلادها..ربع قرن على الرحيل !
- نقاط متفرقة لمؤتمر الشيوعيين العراقيين التاسع ٠٠ ...
- في ذكرى إستشهاد النصير الشيوعي جبّار...
- الربع دينار ..أقبّل جبينك !
- دكيت بابك يا وطن وانة غريب ببابك !
- ذكرياتي مع إتحاد الطلبة العام في الناصرية !
- هنا إذاعة صوت الشعب العراقي !
- سجل الشيوعيين العراقيين حافل بالتهميش والمضايقات !
- هل كان الشاعر بدر شاكر السياب شيوعياً !!!
- المرأة العراقية وثقل الحجاب على رأسها


المزيد.....




- إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل ...
- ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
- حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
- عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا ...
- ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
- أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
- تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
- مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس ...
- العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
- ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمير أمين - بذور الشيوعية في سنوات الطفولة الأولى