محمد التهامي بنيس
الحوار المتمدن-العدد: 4752 - 2015 / 3 / 18 - 16:16
المحور:
الادب والفن
لا ينفع الاعتذار
شعر في العشر سنوات الأولى من تقاعده من مهنة القضاء . أنه فقد كل شيء , واختار الانعزال كحل لملاحقة أعين وألسنة من عرفوه أو احتكموا إليه أو قادتهم ظروفهم للمحكمة على عهده . وبدا أنه يجر وراءه سوء العلاقات الاجتماعية . إذ لم تشفع له سنه المتقدمة , أن يكون محترما بعد تقاعده . مل منه الجميع , بل حتى نفسه ملت منه , فهو يشعر بغربة كبيرة , ويتصور المجتمع غريبا عليه قدمه مشفق لحاله لجماعة من رواد مقهى الحي . فوجد الترحاب الذي يؤهله تدريجيا في الوسط , رغم الاختلافات الاجتماعية وتنوعها لدى الرواد . الذين عاملوه بما يزيل من ذهنه . أن الحياة قد باعته , ولا يمكن أن تشتريه مرة أخرى , ونظرا لما خصته به الجماعة من اعتبار وتجاوز . بدأت حالته تتغير لقابلية تأقلمه , وكنتيجة لنوع الحوار وتبادل الآراء والانفتاح على قراءة الصحف والاستئناس بجهاز الكومبيوتر على المحمول والاستماع إلى أنواع من الموسيقى واستهلاك النكت كمتنفس . شعر بوجوده في المجتمع لكن بقيت أشياء لم تتغير في هذا القاضي . حنينه إلى المراهقة التي لم يعشها . كما لم يعش طفولته . جره غرور التأقلم السريع , إلى التحرر من كل شيء . التحرر من كل الضوابط والثوابت والأعراف , حتى الدينية منها , فلم يستطع المحافظة على صداقات من حوله رغم إحاطته بالاحترام ومنحه الحب والحنان . وبدلا من أن يخرج من قوقعته بتقوية الصلات الاجتماعية التي أعفته من التردد على الطبيب النفساني . صار سلطويا في حديثه , متقلبا في مزاجه , عنيفا مع المتعاطفين معه . ولم يفكر في ردة الفعل . فنفر منه الأول وصبر له الثاني قبل أن ينفر بدوره , وهكذا وتباعا خسر جماعته . وقرر أن يستبدلها فلم يكن الحظ حليفه واقتنع أنه ليس من السهل الاندماج من جديد . وأن الحياة باعته هذه المرة بلا ثمن ولا تعويض . وها قد عانقته الوحدانية وسيطر عليه الانعزال حتى أنك تراه يوبخ نفسه ويعلن أسفه ونذمه . ولكن غور الجراح كان أعمق من الاعتذار ولم يبق من داع للانتظار
محمد التهامي بنيس
17-3-2015
#محمد_التهامي_بنيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟