كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1323 - 2005 / 9 / 20 - 11:15
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يرى المتتبع لشؤون العراق الداخلية سير عمليتين مترافقتين ومتزامنتين تؤثران سلباً على مسيرة العراق السلمية والديمقراطية وتعرقل رغبة المجتمع في التوجه صوب الحياة الحرة والمؤسسات المدنية والديمقراطية, وهما:
1. استمرار الإرهاب العدواني من جانب قوى الظلام والاستبداد والقهر السياسي والاجتماعي في العراق وسقوط المزيد من الضحايا البريئة من بنات وأبناء هذا الشعب. ويزداد دور قوى الإسلام السياسي الوهابية السلفية المتعفنة الإرهابية في مجمل العمليات وتنخرط جمهرة من البعثيين وأجهزة الأمن البعثية السابقة وبعض القوميين الشوفينيين في إطار هذه الحركة أو على حواشيها أو مساندة لها ومشاركة معها في القتل والتدمير وإشاعة الفوضى والخراب والفساد في البلاد.
2. استمرار القوى الطائفية من أبتاع المذهب الشيعي وأتباع المذهب السني في تصعيد الصراع وتعميق النهج الطائفي السياسي المقيت في البلاد بهدف تأمين ثلاث مهمات تتحكم بها وبمسيرتها الراهنة, وهي:
أ?. ضمان جعل الدولة تحت الوصاية الدينية والشريعة أو ما أطلق عليه في الدستور المشروع بأحكام وثوابت الإسلام.
ب?. سعى القوى الطائفية السياسية, الشيعية منها والسنية, إلى تشديد الصراع المذهبي بهدف جعل عملية الاستفتاء والانتخابات القادمة بشكل خاص خاضعة لهذه الوجهة في الاستقطاب المذهبي السياسي, بما يسهم في إعطاء أتباع المذهب الشيعي الشيعة أصواتهم لتلك الأحزاب الطائفية, وإعطاء أتباع المذهب السني أصواتهم إلى الأحزاب السنية الجديدة, وبالتالي تشكيل مرجعيتين للشيعة والسنة تتناطحان بينهما على السلطة في العراق, علماً بأن أتباع المذهب السني لم تكن لهم مرجعيات كما هي لدى المؤمنين من أتباع المذهب الشيعة, ولكن الأجواء الطائفية السائدة وخشية فقدان المواقع التي كانت لها في السابق دفع المؤمنين والسياسيين من أتباع المذهب السني إلى تشكيل مرجعية سنية أعلن عن قيامها رسمياً في الحادي والعشرين من أيار/مايو 2005, علماً بأن هذه المرجعية كانت قد بدأت تعمل قبل ذاك بحدود سنة ونصف السنة.
ت?. إبعاد القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية عن ساحة الصراع السياسي, وخاصة في القسم العربي من العراق, وجعلها الخاسرة في الانتخابات القادمة بسبب تشديدها للصراع الطائفي من خلال جر قوى ديمقراطية وعلمانية وليبرالية إلى مواقع التصويت لها تحت ضغط الصراع الطائفي السياسي الجاري والمتفاقم حالياً.
والاتجاه الطائفي السياسي السائد حالياً في العراق قد جاء نتيجة عوامل خمسة, وهي:
1. السياسات الطائفية المزرية والاستبدادية العدوانية التي مارسها النظام ضد أتباع المذهب الشيعي من عرب وكرد وتركمان, دع عنك سياسته ضد الشعب الكردي, التي فجرت الشعور لدى جمهرة من الشيعة وبعض الأحزاب الإسلامية السياسية بضرورة الخلاص من ذلك من خلال تسلم السلطة.
2. تداعيات الحرب والاحتلال وسلوك الإدارة الأمريكية وسياساتها في العراق منذ البدء قد ساهمت مساهمة كبيرة في خلق الشعور المتناقض لدى المتدينين من أتباع المذهبين, شعور لدى أتباع المذهب الشيعي بأنهم المنتصرون, وأنهم الأكثرية التي ينبغي لها أن تحكم؛ وشعور لدى أتباع المذهب السني بأنهم الخاسرون من سقوط النظام, في حين كان الخاسر الوحيد من سقوط النظام هم أيتام النظام وليس غيرهم, وأن عليهم أن يقاوموا محاولات الهيمنة الشيعية على البلاد.
3. الرغبة الجامحة لدى أحزاب الإسلام السياسي الشيعية أن تفرض نفسها على الساحة السياسية وأن تحكم البلاد بأي ثمن كان, وهي بذلك قد تخلت عن أي إحساس بضرورة الاعتراف بالآخر والتفاعل معه ومع بقية أطياف المجتمع العراقي, فالمصلحة الطائفية السياسية هيمنت على إحساس ومشاعر قادة تلك الأحزاب الحاكمة في الوقت الحاضر. وخلقت هذه الرغبة الجامحة رغبة أكثر جموحاً لدى أحزاب الإسلام السياسي السنية بأن عليها أن تقاوم وأن تفرض نفسها بشتى السبل, ولم تجد من معين لها غير قوى الإرهاب البعثية والسلفية, مما جعلها تحت رحمتها ويصعب عليها اليوم التخلي عنها, إذ أنها رهينة لديها ومهددة بالموت على أيدي السلفيين من الوهابيين والمتطرفين من أتباع المذهب السني ومن قوى البعث المخلوع.
4. الضعف الشديد والتبعثر الذي تعاني منه الأحزاب السياسية الديمقراطية بمختلف أطيافها, وخاصة في القسم العربي من العراق. وهي نتيجة منطقية لسنوات الاستبداد والعدوان من جهة والاغتراب عن الواقع العراقي من جهة ثانية, والمنافسة على المواقع من جهة ثالثة, ومحاولة البعض ممارسة الغزل بأشكال مختلفة مع قوى الإسلام السياسي لتجنب تهديداتها وإرهابها رابعاً أو للحصول على مقاعد لها من خلال وجودها تحت خيمتها الفكرية الدينية. كما لم تلعب القوى الكردستانية دورها المنشود في تعبئة كل القوى الديمقراطية العراقية, في وقت هي بأمس الحاجة إلى هذه القوى لا في المدى الراهن فحسب بل وعلى المدى المتوسط والبعيد أيضاً. كما لم تمارس بعض القوى الديمقراطية دورها في وعي الواقع العراقي وضرورة التفاعل مع التحالف الكردستاني من خلال التفهم المتبادل للمشكلات وإيجاد صيغ عملية للتحالف السياسي في ما بينها والقبول بمساومات سياسية لا تسيء للأطراف المختلفة.
5. ولا شك في أن القوى الإقليمية العربية والفارسية والتركية تمارس أدواراً تخريبيةً كبيرةً في تصعيد الإرهاب والصراع الطائفي والقومي في العراق. وهي لا تمارسه بتدخل سياسي إعلامي فحسب, بل بتأييد واسع لقوى الإرهاب ودعمها بشتى السبل وتنظيم جماعات تشارك في عمليات الإرهاب, إضافة إلى تشجيع قوى الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعة على التصلب في مواقفها للتوافق مع واقع إيران الديني ودعم قوى الشيعة وخاصة في الجنوب ومنها مدينة البصرة. وما يجري في هذه المدينة دليل قاطع على صحة ما أقول.
لقد تحول العراق إلى ساحة للصراع المحلي والعربي والإقليمي والدولي. وهو أمر يمكن أن يؤثر بقوة وقسوة على المجتمع العراقي حالياً وعلى مستقبل تطوره. والأخطر من كل ذلك هي الحماية التي تتلقاها قوى الإرهاب في العراق من الدول المجاورة, وبشكل خاص من سوريا وإيران ولبنان والأردن ومصر واليمن والسعوديةً والدول المغاربية, رغم أن هذا الدعم ليس كله حكومياً أو بسبب دور الحكومات به, إذ بعضه يأتي عبر قوى الإسلام السياسي والقوى القومية اليمينية المتطرفة وقوى البعث في الدول العربية. فبعضه سياسي إعلامي, وبعضه الآخر مالي وبعضه الثالث يتجلى في إرسال المقاتلين الانتحاريين, كما صرح بذلك علناً السيد خالد مشعل, الأمين العام لحماس في فلسطين من على منبر جامع الكويتي في دمشق في خطبة الجمعة, وبعضه الآخر حكومي, كما في حالة سوريا وإيران على نحو خاص. كما أن هناك من يشارك بتقديم كل أشكال الدعم لقوى الإرهاب والإجرام.
كل الدلائل التي تحت تصرفنا تؤكد بأن ما يجري في العراق ليس مقاومة, بل نشاطاً إرهابياً تخريبياً يحاول تعطيل عدة عمليات أساسية يفترض أن تحصل في العراق خلال هذه الفترة, وهي:
• إعاقة إشاعة الاستقرار والطمأنينة في نفوس الناس بهدف تعطيل السير بالعملية السلمية.
• إعاقة عمليات إعادة إعمار العراق وإعادة الحياة الطبيعية إلى مجاريها الاعتيادية ليتسنى للمجتمع ممارسة عملية تنمية اقتصادية وبشرية. ويجد المتتبع ذلك في عمليات التخريب في مشاريع الماء والكهرباء أو النقل أو أنابيب تصدير النفط الخام أو منع إيصاله إلى مصافي التكرير والتوزيع لإشاعة روح التذمر في المجتمع.
• إعاقة عملية تسريع إخراج القوى الأجنبية من العراق واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية واستعادة القرار السياسي العراقي بشكل كامل لكي تبقى تذرف دموع التماسيح على فقدان الاستقلال وضد المحتل.
وأولئك الذين يتحدثون عن المقاومة لا يريدون رؤية حقيقة ما يجري في العراق, ويبدو أنهم يهللون بفرح غامر عندما يستمعون إلى قنوات التلفزة وهي تنقل لهم أخبار مقتل عشرات من العمال العراقيين الكادحين الذين يقفون في المسطر يومياً للحصول على فرصة عمل, وأكثرهم من الكادحين العاطلين عن العمل الذين تنتظرهم عوائلهم وتنتظر الأجر الذي يمكن حصول العامل عليه لتوفير لقمة العيش بكرامة وعرق الجبين. أو أولئك الزوار الذين قتلوا على جسر الأئمة والذين دفعوا على زيارة الكاظمين دفعاً لتعبئة الناس حول الأحزاب الإسلامية السياسية, وهي تدرك المخاطر الكبيرة التي تواجه هؤلاء الزوار على أيدي الإرهابيين, وهي تبشرهم اليوم بدخول الجنة وزيادة أجرهم بعد فقدان حياتهم العزيزة! ولو أخذنا شهر أيلول/سبتمبر 2005 الذي نحن فيه لوجدنا أن عدد قتلى العراقيين قد بلغ حوالي 1500 إنسان بين امرأة ورجل من مختلف الأعمار إضافة إلى جمهرة من الأطفال. وإن من قُتل من القوات الأجنبية يتراوح بين 10 - 15 إنسان. فهل هذه, أيها السادة المهووسون بالمقاومة, مقاومة حقاً, أم أنها عمليات قتل متعمد للعراقيات والعراقيين لإشاعة الصراع الطائفي السياسي, لإشاعة عدم الاستقرار والفوضى في العراق؟ هل التناسب بين 1 من القوى الأجنبية مقابل 10 أو 15 من الناس العراقيين هي مقاومة أيها العقلاء؟
إن ما يجري في العراق مأساة حقيقية تؤججها القوى السياسية الظلامية والعدوانية من بقايا النظام وأيتامه وقوى الإسلام السياسي من أتباع الإرهابيين بن لادن والظواهري والزرقاوي الذين يمارسون الجريمة بأشكالها المختلفة في العراق وفي غير العراق. ومن المؤسف حقاً أن تسقط قوى سياسية علمانية في خانة هذه القوى وتؤيد أفعالها أو تسكت عما يجري في العراق من قتل وتخريب بحجة دعم المقاومة وتحاول تخوين الآخرين. إنها الجريمة بعينها ولا يمكن تسميتها بأي اسم آخر. والغريب أن هؤلاء يدعون إلى تحالف وطني يضم جميع الإرهابيين, في حين أنه قائم الآن ويمارس عمله في قتل السكان الآمنين في العراق!
إن الأمل يحدونا بأن القوى الديمقراطية والوطنية الواعية ستجد اللغة المناسبة في ما بينها وتجد القواسم المشتركة التي تضعها على طريق التعاون في ما بينها لتجاوز الصعوبات الراهنة ووضع حد للمآسي الجارية. كل منا يدرك تماماً بأن الإرهاب لا ولن ينتصر على إرادة الشعب وقواه الخيرة, إلا أن هذا الإدراك يفترض أن يرتبط بنشاط فعال لوضع حد لهذا الإرهاب أولاً ليمكن تحقيق المهمات الأخرى ثانياً.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟