إياد أبازيد
الحوار المتمدن-العدد: 4748 - 2015 / 3 / 14 - 09:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الذكرى السنوية الرابعة للثورة السورية, ثورة الكرامة المباركة ,
إلى العيون التي غابت شمسها عن دنيا البشر وأشرقت في جنات النعيم .
إلى الشهيد الذي أدمى القلب بفراقه.
من قال إن رؤوس الجبال لا تنحني والأشجار لا تركع والسحاب لا يسقط والنجوم لا تنطفئ .. بل يحدث كل ذلك عندما تزلزل الأرض وتنفض لبها لتقذف رجالا يتحدون الظلم .
انتفضوا لنبض الحياة الساكن في جذور أمتنا ... أبناء الأرض المحروقة بأمطار النار ....و القرى المهدمة على رؤوس ساكنيها ... أبناء المهجرين .. لن تسقطوا ، ولن تبكي حفنة جسد و أترابنا تحت التراب .
في 18 آذار 2011 كانت قد انطلقت أعظم ثورات التاريخ من جنوب سورية من المسجد العمري في درعا البلد التي ثارت من أجل حرية و كرامة سوريا و شعبها الأبي و باستمراريتها الجبارة أسقطت الأقنعة على القاصي و الداني و كشفت زيف كل القوى الإقليمية و العالمية .
نعم إنها بحق الثورة السورية العظمى التي أشعل شرارتها أطفال بعمر الورد كانوا هم الأشجع و الأكثر جرأة و وعياً و السباقين في التعبير عما يجول في خواطرنا جميعاً لعقود طويلة مضت.
إليكم أيها الأنبياء الصغار أكتب هذه الكلمات :
أبعث لكم سادتي الأطفال الرجال بعد التحية و السلام عليكم , هذه الرسالة و تفصل بيننا مسافات كثيرة , مسافة شرفية و مسافة تقديرية و مسافة بطولية , و هناك مسافة روحية بيننا , فأنتم هُناك حيث سطرتم طريق المجد و العزة , و نحن بذهول نشاهده , و نخبركم أيها السادة العظام بأن أصابعكم الطاهرة التي أشعلت النور لنا لم و لن تذهب هباءً منثوراً , و بأن أظافركم الطاهرة كانت هي الشمعة التي أنارت طريق كل سوري , فقد كنا يا سادة نعيش في ظلام دامس , و لا نستطيع أن نرى طريقنا حتى أصبحنا نظن ان الظلام هو الشىء الوحيد الحقيقي في الكون .
بكل فخر أبعث لأبناء حارتي و أعتز بهم رسالة إكبار وإجلال إلى هؤلاء الصغار الكبار الذين أيقظوا سبات شعب طال رقاده، وعظمت محنته، وطال قهره وظلمه وإذلاله.. رسالة إلى هؤلاء الرياحين الذين فاحت أزاهيرهم مسكًا فواحًا على النفوس البائسة والقلوب الداكنة.. رسالة إلى هؤلاء الشموس المشرقة التي أضاءت ظلمة العزائم والإرادات الخائرة.. الأطفال الرجال الذين ألقوا حجرًا كبيرًا في ذاكرة الشعب العريق، فذكروه بأمجاده التليدة، ومشاهده الخالدة.
ليس فقط من أجلكم اجتمع رجال درعا ليلاً في السابع عشر من آذار 2011 . لكن أنتم كنتم شرارة الثورة و أنتم من أشعلتم ظلامنا و حولتموه لنور يرينا أبعد مما كنا نحلم , أنتم من ارشدنا لهويتنا الحقيقية , التي أعادت لنا الكرامة المسلوبة , كنتم المفتاح الذي فُتح به سجننا الذي سُجنّا به منذُ عقود , براءتكم هي التي أعادت الشرف لنا بعدما فقدناه لسنين طويلة , عفويتكم هي السكين التي نحرنا به الخوف و الهلع من ذواتنا ,شجاعتكم هي من ارجعتنا لذاتنا الأصيلة الرافضة للوهن و الضعف , صِدقَ تصرفكم جعلنا نعرف قيمتنا و قوتنا و ندرك بأننا نستطيع أن نفعل المستحيل إذا نهضنا , أنتم بإختصار يا سادتي العظام من ارجعنا لهويتنا التي فقدناها منذُ سنين .
في تلك الليلة و الجميع كان غاضب يمر أمام كلّ منهم شريط قهر و استبداد لا ينتهي بدأ بولادتهم و وصل الآن إلى ذروة ما يمكن للصبر أن يحتمله.
الاقتراحات كانت كثيرة , لكنها انتهت بكلمة مزلزلة من كبيرهم ختمها عندما رمى عقاله أرضا بقوله
” هذا العقال ما يرجع إلا و الحرية ترفرف فوق روسنا”
في اليوم التالي في الثامن عشر من أذار من الجامع العمري في درعا البلد خرجت جموع الرجال إلى الساحات تهتف بملء أفواهها
“الله..سوريا ..حرية و بس” معلنين انطلاق أعظم ثورات التاريخ .
في كل تالية يعلو الصوت أكثر كأنهم يزيحون الصدأ الذي تراكم من أصواتهم .
لهتافهم دوي ملأ سماء الوطن , و هتافاتهم كانت كمثل الكفر بمعتقدات قطاع الطرق الجاثمين فوق قلوبنا منذ حين.
لم يكن لذلك جواباً إلا زخ للرصاص مطر شتاء منهمر
صدور عارية إلا من قلوب ملؤها الإيمان بالوطن و الحرية يقابلها أجساد خاوية تحمل الأسلحة النارية تطلق الرصاص حياً ليدخل قلب الحي فتحيا الشجاعة في قلوب الرجال و تسطر العهد بأننا على ما بدأنا مستمرين
اختلطت المظاهرات و أعراس تشييع الشهداء ببعضها, فكل مظاهرة تزيد الشهداء و كل عرس شهيد يزيد المظاهرات.
و كل يوم أصبح لدينا دماً طاهراً يروي الأرض الظمآى للحرية و الكرامة و العزة.
انطلقت تلك النار التي ستطهر أرضنا من طغاة الليل المستبدين , وقد علمنا التاريخ أن النصر للأوطان و الشعوب , و آن الآوان لينال الشعب السوري كغيره من شعوب العالم حريته وكرامته التي فقدها منذ عقود طويلة ...
كانت الدبابات القمعية على وشك أن تنتهي صلاحياتها لولا أن هبّ الشعب السوري لحظة حرية, فطوقت الدبابات كل المدن و البلدات الثائرة و حوصرت بقوات الظلام التي كان جولاننا المحتل على مرمى بصرها, إلا أنها أبت إلا أن توجه مدفعيتها إلى صدور أولئك الذين يشاطرونهم هواء و ماء الوطن.
عمّ الخراب و الدمار كلّ مكان طالته جنازير دباباتهم و مدرعاتهم, قطعت المياه و الكهرباء و الاتصالات و علّت ضحكاتهم على صدى قول قائدهم ممسكا باللاسلكي”سيدي ,انتهت المهمة و سترجع الامور كما كانت, بل و أفضل مما كانت عليه”
و في تلك اللحظة التي ظن الشيطان بأن الرجال استكانت,هبّت سورية عن بكرة أبيها حشودا مرعبة تزلزل الأرض, مطلبهم لم يكن لديهم طمع في ما عداه فإما الشهادة أو الحرية , كان هذا جلياً جداً في هتافاتهم “الموت و لا المذلة” و بدأ الشهداء يحلقون للسماء للعلياء حتى أنك لترى أولهم فوق الأرض و أخرهم في أعلى السماوات.
و اشتد الحصار حيث تذرف الجبال سهولها باتجاه البحر لبى الرجال و النساء النداء و خرجوا متزاحمين صرخاتهم تشق عباب السماء
“الشعب يريد إسقاط النظام”
“الله سوريا ..حرية و بس”
كان ذلك كمثل الصاعقة على أولئك الجاثمين على احلامنا فلقد اهترأت عقولهم نتيجة استكانتنا ليس لجبن و إنما لقهر و قتل و دمار و لكن اليوم ليس كالأمس.
أحاطت فرق الموت بالهاتفين بالديمقراطية و الحرية ينظرونهم من بعيد تعلو وجوههم نظرة خوف يحاولون الضحك بصوت عالٍ لكي تتبدل معالم الخوف في وجوههم إلى غيرها من معالم .
و لأن دماء الحرية تعكس الخوف على وجوههم, فقد كان حرصهم واضحاً على رش المياه في الطرقات . سيارات لإزالة أثار الدماء من شوارع الحي.
ألم يعلم هؤلاء الطغاة بأن الدماء الطاهرة لا يمكن لشيء أن يزيل أثرها!
ألم يعلم أولئك القتلة بأن كل قطرة دم ذرفت , ستحول أيامهم إلى جحيم في هذه الحياة قبل الحساب.
نعم إننا نكتب التاريخ من جديد , إنها الثورة السورية العظمى, الثورة المعجزة عند حدوثها والمؤثّرة عند استمرارها والقوية بثباتها و المذهلة بأبنائها.
عام جديد وثوارنا مصرون على أن يكونوا أمل و ضمير الشعب في سورية بل ضمير الإنسانية جمعاء رافعين شعار "الموت و لا المذلة" و ثورتنا تزداد نضوجاً و قوة و تحقق الانتصار تلو الآخر , و مؤكدين بأنه أمم تنهض و أمم تمرض و تستمر حركة التاريخ , يكتبون التاريخ من جديد بثورتنا المباركة التي كانت معجزة عند حدوثها ومؤثّرة عند استمرارها وقوية بثباتها ومذهلة بأبنائها و انتصاراتها.
#إياد_أبازيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟