|
شربنا من ماء واحد
ارا خاجادور
الحوار المتمدن-العدد: 4747 - 2015 / 3 / 13 - 15:16
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
إستلمت رسالة من الرفيق باقر إبراهيم قبل أيام قليلة، أثارت في نفسي سيلاً طافحاً من الشجون والذكريات. العامل الرئيسي الذي حرّك تلك المشاعر ما تضمنته الرسالة من أخبار عن الرفيق كاظم فرهود (أبو قاعدة)، وإنطباعاته عن كتاب (نبض السنين)، وما سجله كاظم من إرتياح بصدد الآراء والمواقف المسجلة في الكتاب، وبصفة خاصة الموقف من الإحتلال وإدانته وإدانة كل ما رافق الإحتلال وما ترتب عليه.
أقول: كانت فرصة طيبة لأبي خولة زيارة كاظم بمناسبة قدوم إبنته ميسون وحفيده بعد فراق طويل، وكم كنت أتمنى أن أكون حاضراً بهذه المناسبة، فقد طال الفراق على العديد من الرفاق والأخوة والأصدقاء بسبب محن الجميع ومحن البلاد أيضاً الى جانب الظروف الخاصة بكل عزيز، ومنهم كاظم.
أحجم هنا عن ذكر كل ذلك الكلام العزيز والطيب والمؤثر في النفس، الذي جاء على لسان أبي قاعدة، والإنطباعات المشتركة بينه وبين أبي خولة حول الكتاب. وعلى الرغم من أني إستأذنت كاتب الرسالة بالإشارة إليها والى مضمونها، لكن أتوقف عند الشأن العام فيها، والذي هزني ودفعني لكتابة هذه المادة، وأن أختار إحدى جمل أبي قاعدة، لتكون عنواناً لها.
أبدى كاظم إهتماماً بالشؤون التي تتعلق بالعمل النقابي ودور العمل النقابي في النضال العام والطبقي، وتوقف ملياً عند إنصاف سيّر ونشاط ودور شهدائنا، بما فيهم الذين لعبوا أدواراً مهمة في المجال النقابي، الذين توقف الكتاب عندهم: ومنهم: طالب عبد الجبار؛ ستار خضير؛ وسليم إسماعيل، وكم يتمنى المرء أن يمتد الوقت لإنصاف نظرائهم الآخرين.
عبرَّ كاظم بإنسيابية الشيوعيين الصادقين المعهودة عن إتفاقه في الرأي بصدد الموضوعات المطروحة في الكتاب بقوله وبالحرف الحرف الواحد: "نحن نتفق في الآراء فكلانا شربنا من ماء واحد". أنظرُ هنا الى روح هذه الجملة، لأنها لم تكن تأكيداً على جانب العلاقة الثنائية، على أهميتها، وإنما أبعد من ذلك بمسافات بعيدة، بل بعيدة جداً، لأنها تصف حالة أجيال من الشيوعيين العراقيين، الذين تربوا على قيم عظيمة زرعها الرفيق فهد، وساهم في إنمائها سلام عادل وكل الشيوعيين العراقيين الحقيقيين بكل أدوارهم ومراحلهم مستوياتهم النضالية والفكرية، إنها روح الوطنية الصادقة والأممية الحقة وروح الإخلاص للوطن والإستعداد لكل المهمات من أجل مصالح الشعب بكل راحة ضمير.
حين نظرت الى إنطباعات كاظم الحالية عادت بي الذاكرة الى أيام هامة من تاريخنا المشترك: أيام السجون والمعتقلات؛ أيام النضال السري والعلني؛ أيام عملنا النقابي في عهد ثورة تموز في بدايتها؛ هو كان رئيس الجمعيات الفلاحية، وأنا سكرتير الإتحاد العام لنقابات العمال؛ أيام الصراع الفكري الأصيل؛ أيام حيوية النضال والضمير؛ أيام إنتزاع الحق وليس مجرد الرجاء من أجله، هذا الى جانب خصوصية العلاقة الوطيدة مع أبي قاعدة خلال عهد الأخويين الراحلين عارف، وما عُرف عهدذاك بالعمل الحاسم، حيث أسند الحزب للرفيق كاظم فرهود (أبو قاعدة) مسؤولية خط حسين، الرديف الشعبي للعمل العسكري، حيث كانت عزيمة الشيوعيين قوية لإعادة ثورة تموز 1958 الى مسارها الأول عبر العمل الحاسم، المبني على قوانا الذاتية في الجيش من الجنود والضباط، الذين هم داخل الخدمة و خارجها، وذلك الى جانب الدعم الشعبي الواسع، الذي كان من المقرر أن يُنظم عند التنفيذ من خلال ما عُرف بخط حسين، وهو مليسشيا شعبية تحفظ النظام العام، وتمنع ظهور أية حالة من حالات النهب وأعمال الشغب، مليسشيا من أبناء الشعب لحماية الشعب، خاصة في بغداد، التي تتمتع بأهمية قصوى على أكثر من صعيد. ولابد هنا أن نشير الى جانب ما تقدم الى وجود دعم قوي من أشقائنا، ومنهم التشيك بصفة خاصه، وقد جرى إختير كاظم لهذه المهمة، لأنه قائد شعبي وثيق الصلة بمحيط الحزب.
حصل في تاريخنا الكثير من القسوة على بعضنا البعض في التقويم، وكثيراً ما حرم مناضلون من الإعتراف بأدوارهم في فترة ما، أو موقف ما، أو حتى لحظة ما. ولكن لحظات الصفاء الإنساني لا يمكن إلا أن تسود فيها الموضوعية المحاطة بنسائم إنسانية الحزب نفسه والقيم الفهدية، التي مزجت بمهارة عالية وبراعة واعية بين القيم العراقية وأجمل ما قدمه الفكر العمالي الحديث، ولا يمكن للزمن إلا أن يصقل النتوآت، التي تخلقها مرارات النضال أو العدو السياسي والطبقي، وأحياناً بعضنا للبعض أيضاً.
إن جمال العيش المشترك، ولكن برؤية واضحة، الى جانب ذكريات الماضي بنجاحاتها وإخفاقاتها المشتركة تظل عوامل حيوية في فهم الحاضر والتأثير فيه وعليه، على نطاق الفرد والجماعة، وإن الحاضر إن لم يكن إمتداداً للماضي، فهو على الأقل جزء منه، وكلاهما من المحركات القوية للمستقبل. وينبغي لمن يتذكر أن يجلس الحقائق والأحداث على مقاعدها الحقيقية وبصفاء نية وهدف وصدق سريرة، وتقويم موضوعي ضمن الظروف الملموس، وعكس ذلك لن يأتي أو يصدر إلا عن نفوس نضب رحيق الحياة فيها، وذوات جفت جذورها لضيق الأرض عليها بما وسعت الأرض للآخرين.
مرة أخرى تحية لكاظم ... تحية للماضي والحاضر ولأمل المستقبل ... مضت عقود لم نلتقي خلالها ... ولكن هو في بغداد وزع مقالاً نشرته قبل سنوات في الخارج ... وأنا تثيرني كلمة طيبة منه: "شربنا من ماء واحد" ... وهو وأنا الآن في قارة واحد، وقد لا تزيد المسافة، التي تفصل بيننا عن المسافة بين دهوك والبصرة أو الموصل، ولكن هناك في الوطن بات الأمر صعباً أو متعذراً، لأسباب نراها على الأرض. وهنا في الغربة لا نستطيع اللقاء أيضاً، ولكن لأسباب أخرى مختلفة، لا نستطيع تحقيق لقاء مشترك لضيق ذات اليد، لأننا من عامة الشعب، ولسنا من خاصة الخاصة ... وعلى الرغم من كل ذلك، وليس من باب أوهام التحدي، بل من خلال قراءة تاريخ العراق، ومعرفة خصال شعبه، وبصفة خاصة خصال كادحيه، حتى وإن تعثرت تلك الخصال بعض الوقت، أو أوهنها الزمان، والعدو سواءً كان عدواً محلياً أو إقليمياً أو عالمياً، أقول: إن قوة الحياة نفسها، وما تفرضه من صراع موضوعي لا يمكن تجاهله، الى جانب عظمة الموروث سوف تُنهض تلك العوامل مجتمعة كادحي الشعب، وكل الأبناء الأوفياء.
إن الأفراد الأوفياء يستطيعون تحقيق لقاءاتهم بوسائلهم الخاصة، بما فيها الروحية، وبما فيها مثل هذه الرسالة الى كاظم، وتلك الوسائل هي الأقوى والأبقى وهي الظافرة في نهاية المطاف. وربما يقول قائل، أو يصف واصف هذا الكلام بالإنشائي، وهذا من حق ذلك القائل أو الواصف، ولكن من حقي أن أقول أيضاً: إن التجارب النضالية ونوع التضحيات هي مختلفة أيضاً.
تحية لكل من يحترم العيش المشترك والتضحية المشتركة والعطاء المشترك، ومن كل حسب قدرته.
#ارا_خاجادور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مآثر الدكتور عبد الصمد نعمان الأعظمي
-
عواصف هوجاء تتعاقب على بلادنا
-
يبقى سليم إسماعيل بيننا
-
وهل الشيوعيون فاسدون أيضاً؟!
-
-عمليتهم السياسية- تتفجر من الداخل
-
كلام عن الجيش في العمليات الثورية الراهنة
-
العرب في الذاكرة الأرمنية
-
المراوحة بين الإحتلال الظاهر والمبطن
-
العدوان على ملجأ -معسكر أشرف- وأشياء أخرى
-
خطوة قصيرة لكن راسخة ... أحسن
-
بين قاسيون وأرارات
-
إتجاه الجهد الرئيسي لخطط الإيهام الراهنة
-
تحرير رهائن أم قتل رهائن؟
-
عمال العراق يواصلون النضال ويعربون عن إعتزازهم بالتضامن الأم
...
-
عيد العمال ومجد المنسيين والمحرومين والمضحين
-
النقابيان آرا خاجادور وعبد القادر العياش ينعيان الأستاذ خالد
...
-
الكسندر مياسنيكيان وتجربته الأممية
-
يوم الشهيد الشيوعي
-
معايدة ومناشدة وحدثان... وأيام غزة
-
كلمة بصدد السياسة فن الممكن
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|