أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الوهاب عتى - الإرهاب .... بضاعتنا رُدّت إلينا.















المزيد.....

الإرهاب .... بضاعتنا رُدّت إلينا.


عبد الوهاب عتى

الحوار المتمدن-العدد: 4746 - 2015 / 3 / 12 - 22:07
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


الإرهاب مظهر من مظاهر العنف الذي يمارسه الإنسان داخل المجتمع، وهو ليس وليد اليوم، بل هو ممارسة ضاربة في جذور التاريخ. و قد عانت الإنسانية من هذه الظاهرة في أكثر من مرة و في أكثر من حقبة. الإرهاب إذن، هي كلمة تدل على إستعمال القوة و التخويف من طرف أفراد أو جماعات (منظمة أو غير منظمة) لإرغام السلطات محلية كانت أو دولية على الخضوع و تحقيق مطالبها سياسية كانت، أو إقتصادية أو إجتماعية أو دينية. فبالرغم من كثرة الكلام و تعدد الآراء و المصطلحات حول الإرهاب في العالم، إلا أنه لم يكن من المستطاع الإجماع على وضع معنى شامل و جامع للكلمة. فحسب القاموس العربي، الإرهاب تعني مجموع أعمال العنف التي تقوم بها منظمة أو أفراد قصد الإخلال بأمن الدولة وتحقيق أهداف سياسية أو خاصة أو محاولة قلب نظام الحكم. غير أنه لا يختلف الإثنين عند القول أن كل المجتمعات تعاني بشكل مباشر أو غير مباشر من إستفحال هذه الظاهرة العالمية الجديدة التي تنتشر بسرعة البرق و بدون توقف: ظاهرة الإرهاب الإسلامي.
هكذا، فقد كثرت الحركات و تعددت الأسماء و الهدف واحد، و هو القتل، إتلاف و تدمير مآثر من التراث الإنساني تحت غطاء ديني و بإسم الجهاد. فلا يمر يوم إلا و ظهرت أخبار و ممارسات لا يقبلها عاقل يكون أبطالها ينتمون إلى الإسلام كدين و شريعة. "داعش" مثلا، تلك الحركة التي تطلق على نفسها إسم "الدولة الإسلامية في العراق و الشام"، تلجأ في تصرفاتها الشنيعة إلى تصريف و تطبيق قوانين مبنية على قواعد إسلامية محضة مستمدة من القرآن و الأحاديث النبوية في مواجهتهم للحضارة و التقدم.

الممارس للإرهاب بإسم الدين يقوم بقراءة التاريح و السياسة من زاوية المسلمات الدينية التي تنبني على الأفكار التقليدية، و لا يقرأها من المنظور التاريخي و العلمي الذي يعتمد على النسبية و نظرية التطور كمبدأ أساسي لإستمراريته. هكذا، فعندما يقدم على فعلته هذه، فهو يستمد و يستند في المقام الأول على تشريعات و نصوص دينية، مفسرة على هواه، قصد العمل على مواجهة التقدم و التطور العلمي و الفكري و التصدي لأي تغيير في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة بالخصوص. هذا التصدي يكون نتيجة إحساسهم بالفشل المسبق قبل وصول التقدم و العصرنة إلى مجتمعهم. و هذا ما يؤكده السلفي المسمى عبد الله عزام في أحدى خطبه المنشورة في عدة مواقع إلكترونية و هو يخاطب العالم قائلا: "ليعلم الشرق و الغرب أننا إرهابيون و أننا مرعِبون (يقصد هنا المسلمون)، و الإرهاب فريضة دينية"، مستدلا على فكرته بالآية: "و أعدوا لهم ما إستطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم و الله يعلمهم و ما تنفقو في سبيل الله يوف إليكم و أنتم لا تظلمون"، (سورة الأنفال، 60). في نفس السياق، الحركة الوهابية التي تعمل على تكفير الناس جماعات و فرادى مستندة في تشريعها هذا على تعاليم الدين الإسلامي، و في تحالفها مع عائلة آل سعود سنة 1745، كان "الدم الدم، الهدم الهدم" من أهم البنود المتفق عليها، حسب بيان للمرصد العربي للتطرف و الإرهاب. مما أتاح لهم غزو و سفك دماء الأبرياء و سبي النساء والأطفال ونهب أموال الغير.
إن نشوء حركات إرهابية إسلامية على مدى تاريخ الدول ذات أغلبية ديموغرافية مسلمة هو ناتج عن الخلل السياسي و الإجتماعي الذي تعاني منه الدولة، عند تسييرها الروافد الثقافية، و الدينية و تنمية الهوية الوطنية التعددية. و هو الأمر الذي تم بشكل خاطئ و غير مفهوم في أرجاء كل هذه الدول التي تستعمل الإسلام كقانون دستوري و التركيز على الشريعة في الحكم السياسي. بالإضافة إلى إستفادة هذه الجماعات المتعصبة من الحالة المعيشية و الفكرية المزرية التي يعيشها المواطن و المواطنة.
إن العمليات الإرهابية التي تنفذها الحركات الإسلامية و كذا الإرهاب الفكري الذي تمارسه الدول التي تأخذ من الشريعة الإسلامية مصدر قوانينها، على كل المثقفين الأحرار و المؤمنين بمبدأ الإختلاف تحت راية "الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر"، ما هو إلا حصاد لما تم زرعه في الكتب المدرسية. مما يجعلها تنتج أشحاص متشبعين بمبادئ و قيم دينية لا تتناسب مع القيم الإنسانية التي تسمو فوق الأولى. و بالتالي فالدولة بإستعمال منظومتها التعليمية تقوم بصنع أفراد مقيدين و مسيرين في تعليقاتهم و تحليلاتهم التي لا تنبني على أساس علمي و عقلي، حيث يكونوا محبوسي القيم الدينية التي يغلب فيها النقل عن الفهم و النقد، منتجا في النهاية أفرادا ضِعاف الشخصية و عديمي الفكر، و لا ينظروا إلى التقدمات العلمية و السياسية و الإجتماعية في العالم بمثابة تطور و إنتصار للعمل الديموقراطي كنظام سياسي عادل يقوم على حماية و إحترام حقوق الفرد و حرياته، بقدر ما ينظرون إليها كدليل على إنحطاط و تردي المجتمعات و إنتشار اللادينية، و بالتالي وجب التصدي لها بكل الوسائل و بأن ثمن. محاولين في نفس الوقت جعل العالم تحت راية الأحادية الفكرية و الدينية، و بالتالي محاولة أسلمة الديموقراطية و التقدم عوض العمل على دمقرطة و تطوير الإسلام و جعله مناسبا مع الواقع المعاش.

فالإرهاب هو بالفعل وجد من رحم التعصب و التطرف و الكراهية و الطغيان و عدم الإعتراف بالمختلق و كذا عدم قبول النقد. و ممارسه يملئه الغرور و الكبرياء، عندما يطبق الشعائر بناءا على أفكار و تعاليم غير علمية، كونه ليس حرا في إمتلاك وعي مستقل و شخصي يسمح له بطرح التسائلات الممكنة و البحث عن إجابات مرضية، و بالتالي يتمكن من معرفة الفكرة الصحيصة من غيرها. هو يدعي المثالية و يحث أتباعه على النظر بعيون التفوق على كل شئ يحيط به أو يصدر من الطرف الأخر و التعامل معها بمثابة أشياء لا تسمو إلى تفكيره و إعتقاده، إذ يعتبر كل العلوم و الديموقراطية و مفهوم المجتمع المدني و التقدم من سيمات الإنحطاط الأخلاقي، و المسبب لكل المشاكل و العاهات الإجتماعية، من فقر و إنحراف أخلاقي. إن الإرهاب الديني الأصولي يدعي و يحاول أن يوهم العالم بمحاربته للشر. لكن هل يوجد شرُُ أكبر من تدمير التراث الإنساني و قتل الناس بدون حق، و إستلاب الحق في إمتلاك تفكير حر؟

لقد أقدم المسلمون و علمائهم بتزوير نسبة مهمة من تاريخ الإنسانية. هكذا قاموا بمحو كل الإنجازات التاريخية التي سبقت الإسلام و أطلقوا عليها إسم "عصر الجاهلية" متناسين كل الإنتاجات الفكرية و الشعرية و التاريخية للأمم السابقة. فتلك إنتاجات إنسانية في المقام الأول سيئة كانت أم جميلة. هكذا إذن، أصبح تواجد المادة الدينية في المجتمع بمثابة الأداة الأولى التي تساعد على الإقصاء الفكري و العلمي و زرع الإختلاف في المجتمع. مما يجعلنا نعتبر أن الدين و الفكر الديني هو المعيق الأول لفاعلية قانون التطور و النمو، بإعتباره العنصر الأساس الذي ينتج الإكتئاب و الكسل و الذي يقوم على إعاقة و الحد من التفكير المستقل قصد السمو بقيمة الحياة الإنسانية، كما يقول الفيلسوف فرييدريك نيشيه.
الغريب في الأمر، فبعد كل عملية إرهابية فكرية كانت أم جسدية تخرج بعض الأصوات المنددة و تقول ببراءة الإسلام من تلك العمليات، قائلين بأن هؤلاء الإرهابين لا ينتمون إلى الإسلام المعتدل، و أن الإسلام لا يأمر بالقتل و تدمير التراث الإنساني. لكن أين ينتهي الإسلام المعتدل؟ و من أين يبدأ الإسلام المتطرف؟ علما أن الإسلام هو دين واحد مركزه الأساسي هو القرآن الكريم و السنة و ليس هناك معتدل و غيره. لكن، لنقل بحقيقة تواجد هذا الإعتدال في الدين، فلماذا يا ترى لم تخرج مسيرات تنديدية عندما دمرت المكتبات التاريخية (تعتبر من التراث الإنساني) في مالي و سوريا مثلا، أو عندما يُغتال أو يُجلد مفكر بسبب أفكاره و مواقفه، بالحجم الذي عشناه عندما نشرت رسومات قيل أنها تهين الإسلام و المسلمين؟ إن الكثير من الذين يعمدون إلى القول بالإسلام المعتدل يمارسون في أكثر من مرة إرهابا أبشع: الإرهاب الفكري.

هكذا، فالعمل الأول الذي يجب القيام به هو الإعتراف بالمشاكل التي يعاني منها الإسلام كدين، و هي بالفعل مشاكل متأصلة و متجذرة في أعماق التفكير و الثقافة السائدة في مجتمعاتنا. فلا يمكن القضاء على هذه الظاهرة دون النزول لأرض الواقع و مناقشة مصدر نشأتها. مما وجب على الجميع الذي يدعي الإعتدال و الحضارة و التقدم العمل على تنمية و حماية عناصر الإختلاف المكونة للمجتمع قصد التمكن و الحدو نحو تشكيل مجتمع متفتح قادر على التعايش. هذه العملية الحساسة التي تعتبر الأساس يتم الوصول إلى تحقيقها بتكوين مدرسة عمومية تعترف بالإختلاف و النسبية العلمية. الشئ الذي يحتم علينا إعادة النظر في شوائب منظوماتنا التعليمية و القيام بإلغاء تلك الأفكار التي تقوم على المطلق و رفض الآخر، كونها تتناقض مع القيم الكونية للإنسان. هكذا يجب بالتالي خلق مدرسة عمومية محايدة دينيا، حيث يتم تدريس و تعليم مختلف الثقافات و الديانات، آخذين بالتالي بمبدأ الحوار قبل القتال، كما قال وينستون شورشيل، ذلك الرجل الذي لم تكن تخيفه المعارك الميدانية. قصد التمكن في الأخير بخلق مجتمع تتبوأ فيه كرامة و حرية الفرد مكاناتها الحقيقة، بإعتبارها من المسلمات التي لا تقبل النقاش و التنازل.




#عبد_الوهاب_عتى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب ... بضاعتنا رُدٌت إلينا.
- العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع
- أساس إستمرارية المجتمع، الثقافة!
- المؤسسة التعليمية... الحق في التعليم و المعرفة
- العِلمانية ، العَلمانية و الديموقراطية


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - عبد الوهاب عتى - الإرهاب .... بضاعتنا رُدّت إلينا.