|
القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الثامنة -
محمد البكوري
الحوار المتمدن-العدد: 4744 - 2015 / 3 / 10 - 08:19
المحور:
الادب والفن
الصباح الباكر يرخي بظلاله المشعة على مقصورات هذا القطار المكفهر... تبدا الخيوط الاولى للشمس في الانقشاع ...ايذانا منها ببداية يوم سيكون بلا شك حافلا بالاشراقات المتجددة ... تبدا اجسادنا المتعبة تحس باجواء الرطوبة المنبعثة من بحر "العدوتين "،بعد ان افتقدنا للانتعاش الجاف المنغرس في اعماق تلك الجبال التي تركنها شامخة وراءنا . بعد بضع دقائق سنصل الى "محطة سلا المدينة" ،و المهم اننا سنصل الى مدينة سلا في الوقت المناسب اي قبل "العصر" ، سمعت عن سلا و"اياك من البلا "،سمعت عن تابريكت، سوق الكلب، قرية سيدي موسى، حي كريمة ،حي السلام ،واد ابي رقراق ...اخيرا حط القطار الرحال ... اف ! تعبنا من هذا الترحال ، بدا المؤطرون في عدنا و حسابنا كقطيع تائه في احضان الفراغ ... اننا امانة جسيمة ملقاة على عاتقهم ...اتذكر اللحظات التي سبقت مغادرتنا "الفيلاج" ...هذه ام ،مرصعة بالذهب ،تؤكد على احد المؤطرين وهو استاذ التربية البدنية على ان يهتم بابنها و ان يلبي جميع طلباته "و ما يخلهش مخصوص من شي حاجة" وكلشي بحلوتوا "... هذا اب ، منفوخ الكرش ، يضع في جيب سروال ابنه مبلغا ماليا سمينا "باش يبرع راسو" ... انهم نماذج لابناء طبقة ارستقراطية صاعدة بتاونات ...جزء منها عرف من اين ياكل الكتف ، باع و شرى في الاراضي، كون رصيدا فيوداليا هائلا، خدم فنوار، في التجزيء السري، في الاستفادة من اراضي المعمرين ،كال وشرب من نهب الاراضي او التي قام بشراءها "بجوج دريال" ...وجزء اخر منها باع و اشترى في التبويقة ، في زهرة الخشخاش او مادة صناعة الاحلام ، غامر ،جازف "ما عندو ما يخسر" ليكون من نفسه بورجوازية متعفنة "الحصول ...ما عندنا الغلة ... الله يجبلم التيسير و الله يعونم على التعفن ديالهم ..." اما نحن ابناء الطبقة الكادحة ، فاتذكر اني اخذت معي مبلغ "خمسة و سبعين درهم " ك"ارجون دو بوش" ، وكم كانت فرحتي غامرة بهذا المبلغ الذي تحصلت عليه من عرق جبيني من عملي الدؤوب لمدة شهر في "رحى دعمي " ،الموجودة في حي "حوييط يدو"، وتلميذ اخر يتيم الاب، اعطته امه الارملة خمسة و اربعين درهم ،بعد ان "دبرت عليها بالريق الناشف" ، و الادهى من ذلك انها مسكينة ،"منين عرفت ان ولدها غادي يمشي مراكش،" طلبت منه ان يوفر جزءا من هذا النزر القليل من المال لشراءه لها بلغة مراكشية ، وليجيبها هو بتفكه : "كوني هانية الواليدة ،غادي نشري لك بلغة و جلابة و شاشية ...و يشيط الخير" ولترد عليه هي بسذاجة الام الحنون : "سير اولدي كيف غادي تكسيني الله يكسيك برضى و يغطيك برضى " ... ام اخرى جابتها في التسعين ...ظنت ان ابنها ذاهب الى البقعة الطاهرة ،فاصرت ان تقول له : "سفر مبرور و ذنب مغفور ،و ما تنساش اولدي جيب لي معك الباروك ،شوية دلمسك وشي سبيح وشي طاكية و شي نص يترو دلما تزمزم..." "ايما راني ماشي لمراكش مامشيش لحج " ،"المهم اولدي انما الاعمال بالنيات ،و زيدون هاديك حتى هي ارض طيبة، بقعة طاهرة ،راها بلاد سبعة رجال ......شاي الله اسبعة رجال وطلب التسليم اولدي من مول القصور..." "واخا ايما ،غادي نطلب تسليم من مول القصور و مول القصاير و مول مجامر و حتى لالة عايشة مولات البحر و لالة ميرة ، ما يكون غير خطرك ايما العزيزة "، يقول لها ذلك و هو يعي تمام الوعي ويدرك تمام الادراك ،رغم حداثة سنه، ان امه المكلومة بوفاة زوجها "الحاج" الذي شاءت الاقدار ان يموت في الطواف بالحرم المكي، فخاب رجاءها في العودة الميمونة للحاج ،سالما غانما، محملا بالهدايا و الباروك ... بدت كانها "شرفت و هرفت و بدات كدخرف ،و دخول و دخرج في الهدرة "، وماعليه الا ان يجاريها في تفكيرها "والله يحسن العون "... انها ترى فيه الحاج الذي ذهب و لم يعود ومات الموتة التي يتمناها الجميع "و الله يسمحنا من الوالدين وصافي" ... انه رغم الحاجة و الفاقة ، فانهم يصرون على القول: "راه حنا نقطعوها من لحمنا باش نعطيوها لكم ... المهم ماد بقاوش مخصوصين... " وهو الشيء الذي يصدر من دواخلهم قولا ،ويطبقونه فعلا "راه الاب منهم يقيل نهار و ما طال يضرب فبالة و الفاس ،باش يجيب اربعين درهم ... يشري بها جميع ضرورات الحياة ... ولا شاطت شي حاجة ،مايخليهاش لدواير زمان ...و لكن يصر على ان يعطيها لك، باشي تمشي عند "حسن" مول الزريعة ...و تشري بها الحمص ،اوشي موصاصة ، او شي بيمو ..."انه بذلك يصر ان يشتري السعادة التي يدفع الكثيرون الملايين من اجل الظفر بها لكن هيهات لا يستطيعون ... السعادة ،هي عندما كنا نجتمع على شي كيلو سردين ديال الحسيمة وكدقليه الواليدة و ديرنا معاه الشرمولة... السعادة، هي عندما كنا كنشربو القهوة الكاحلة في هذاك البريق الكبيرونسهرحتى يطلع الصباح ... السعادة ،هي مكيمشي الضو في الليالي الممطرة ونشعلوا الشمع او اللمبا و تجمعو كاملين على الطابلة ، و نضربوا البيصرة التي تدفي جوفنا، ونسخنوا بالعافية ديال مجمر ،ونعسوا انا و اخي ونغطيو بكاشة واحدة و نتبادل اطراف الحديث الشيق في الاجواء الباردة ... السعادة ،حينما نستيقظ في الصباح الباكر او نفيقوا مع النبوري ونوجدوا المساقط و نمشيوا جماعة الى "الشريعة"، في موسم جني الزيتون ، ونخليو شي بركة نبيعها في "كعدة الجامع" عند عمي "تعيلي" ونشريوا بها كيلو او جوج ديال مندارين و نمشيوا لحمام نكمدوا عظيمتنا ... السعادة ،هي نهار انمشيوا انا و خوتي الى "مرجع بودة " لجني الكرموس ،والى "عين عمر" لجني السفرجيل ، ونضربوها بشي عومة في واد "ميكي" او واد "القبطان" او واد "الصباب"، ... ونقلبوها صيادة للحوت عن طريق شبكة نصنعها بتيشورطات ديالنا ولنقوم مباشرة بشوائه واكله بعد رشه بالقليل من الملح ... فيالها من لحظات سعيدة !ستظل منغرسة في ذاكرتنا المشروخة ... انها سعادة الفقراء،الذين يكدسون الامال التي لن تضيهها باي حال من الاحوال تعاسة الاغنياء الذين يكدسون الاموال ... لم نمتلك ما نملا به الجيوب وفي المقابل امتلكنا ما عبانا به القلوب ... هذه هي الحياة تعطيك بيد و تاخذ منك بالاخرى ...و ما كاين حتى شي حاجة كاملة مكمولة "ولكل شـيءٍ إذا مـا تـم نقصـانُ فلا يُغرُّ بطيـب العيـش إنسـانُ " ... اتذكر كل ذلك وان اسمع الاستاذ المؤطر ينادي : "واحد واحد ، شدوا الصف ... يالاه "راسمبلوموا "امام باب المحطة ..." نحن تلاميذ "اعدادية النهضة " سنلتقي مع تلاميذ اعداديات اخرى من مدن مختلفة ... سيتم منحنا اقمصة صفراء ،لم اعرف جدوى ذلك لكن اصفرار وجوه العديد منا جعلني اظن ان المؤطرين جازاهم الله عنا خيرا وعوض افطارنا منحونا هذه الاقمصة حتى نصبح كالتاثة ،نتلون بالوان المنطقة و الحالة النفسية التي نحن عليها ..."يالاه كلشي يلبس هاذ شي و يمشي يشد بلاصتو غادي نديرو مسيرة من "سلا المدينة "الى "باب المريسة " ...كانت الساعة حوالي الثامنة صباحا ...كنا كلنا اذانا صاغية ،سمعنا الهدرة وكل واحد تسمر فمكانو ...وجوهنا بشوشة على شاكلة "تشيز"... كروشنا خاوية كتعيط العداو بلي خلقها ... اقدامنا متعبة بجلوس غير سوي على ارائك المقصورات... جفوننا مرهقة من قلة النوم ... المهم "اشباه بشر" طلب منهم القيام بهذه المسيرة ،المسماة مسيرة الامل و املنا جميعا ،ان تمر وتنتهي باقصى سرعة حتى نتمكن من الخلود الى النوم و الظفر بقسط من الراحة لمواصلة الرحلة ، بكل شغف ومتعة ... يتبع...
#محمد_البكوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المجدوب- الذي ... والمراة التي ...
-
8مارس بالمغرب وسؤال المناصفة
-
9مارس بين حكامة الدستور و دستور الحكامة
-
القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الساب
...
-
-مجلس المنافسة: من النوظمة الى الحوكمة-
-
القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الساد
...
-
الكوارث الطبيعية بالمغرب: من تدبير الازمات الى حكامة المخاطر
-
القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الخام
...
-
طيف
-
- نصف السماء- من اجل -كل السماء-
-
القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الراب
...
-
تنغير -الافرانية-
-
اثداء مقدسة و اخواتها المدنسة
-
القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الثال
...
-
نقطة الفراغ
-
-القامرة -التي في خاطري و -القاهرة -التي في خاطرك -المحطة ال
...
-
سيدي المخفي
-
-القامرة -التي في خاطري و -القاهرة- التي في خاطرك -المحطة ال
...
-
انسكلوبيديا المرح السياسي بالمغرب
-
كفاك سيدي الرئيس... يكفيك سيدي الرئيس
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|