|
نصوص قانونية جديدة لحماية المرأة من العنف في الجزائر .. الأسباب والتداعيات
عبد المجيد رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4743 - 2015 / 3 / 9 - 01:59
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
صادق نواب البرلمان الجزائري قبيل الثامن من مارس الجاري على مشروع القانون المعدل والمتمم لقانون العقوبات المتضمن إجراءات جديدة لحماية المرأة من كل أشكال العنف. وقد أثار هذا التعديل جدلا واسعا في أوساط الأحزاب السياسية والمجتمع المدني في الجزائر، بالنظر أولا إلى عملية التصويت ذاتها التي حامت حولها الشكوك بمدى مصداقيتها بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، كما تقول بعض الأحزاب المعارضة. وشهدت عملية التصويت، امتناع نواب حزب العمال عن الإدلاء بأصواتهم وغياب نواب أحزاب تكتل "الجزائر الخضراء" الذين طالبوا سابقا سحب المشروع بسبب "تنافيه مع مبادئ وثقافة المجتمع الجزائري". في الطرف الآخر، أكد وزير العدل الجزائري أن القانون راعى خصوصية المجتمع الجزائري الثقافية والدينية، وأن هذه المصادقة من شأنها سد الفراغ القانوني والتكفل بالظواهر التي يعرفها المجتمع مثل المضايقات التي تعاني منها المرأة، سيما في الأماكن العمومية والتي أفضت إلى "جرائم قتل في العديد من الأحيان".
إملاءات خارجية أم ضرورات مجتمعية؟ أثارت عديد الصحف الجزائرية مسألة الاختيار الطوعي من غيره لهذا التعديل، حيث أشارت إلى وجود "ضغوطات من الخارج" أملت على السلطة إجراء التعديلات على قانون العقوبات. وفي ذلك، يرد وزير العدل بقوله أن مشروع القانون "لم يتم إعداده تحت أي ضغط"، مؤكدا أن القرار سيادي للجزائر ولا يوجد إملاءات لا خارجية ولا غير خارجية، بل هي إملاءات المجتمع الجزائري. وتستند الصحافة الجزائرية في موقفها إلى العريضة الموقعة من قبل أزيد من 198 ألف عضو ومتعاطف مع منظمة العفو الدولية التي سلمتها للحكومة الجزائرية من أجل المطالبة بحماية النساء والفتيات اللواتي يتعرضن إلى العنف. وكانت مديرة هذه المنظمة، أوصديق حسينة، دعت السلطات الجزائرية في وقت سابق إلى إصلاح الأحكام التشريعية التي لا توفر الحماية لضحايا العنف ضد المرأة، واتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل لجوء الضحايا إلى سبل الانتصاف القانونية مع الاستفادة من الدعم الطبي المناسب. وشددت منظمة العفو الدولية على ضرورة إلغاء المادة 326 من قانون العقوبات التي تتيح للجاني الإفلات من المحاكمة عن طريق الزواج من الفتاة التي اغتصبها وتعرضها لخطر الزواج القسري، وتبني تدابير لحماية الضحايا والشهود في قضايا العنف ضد المرأة من المضايقات أو الردود الانتقامية. وكانت مصالح الشرطة الجزائرية كشفت عن تسجيل 6.985 حالة عنف ضد النساء عبر مختلف ولايات الجزائر، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الفارط 2014. وتعرضت 5.163 امرأة من بين إجمالي ضحايا هذه الظاهرة إلى عنف جسدي بنسبة تزيد عن 73 بالمائة مقابل تعرض 1.508 منهن إلى سوء المعاملة، و205 أخريات إلى اعتداءات جنسية، و27 منهن للقتل العمدي. وتظل السيدات المتزوجات هن الأكثر عرضة لحالات العنف بنسبة تزيد عن 55 بالمائة مقارنة بفئات العازبات والمطلقات والأرامل. وتشير نفس الإحصاءات أن العنف على النساء في المجتمع الجزائري لم يعد مقتصرا على فئة عمرية محددة، بل امتد إلى كل الشرائح العمرية، ومس أيضا السيدات على اختلاف مستوياتهن التعليمي سواء عاملات أو ماكثات بالبيوت. والمخيف في الأمر، أن هذه الأرقام غير نهائية ولا تعبر عن الواقع الذي تعيشه المرأة الجزائرية، بالنظر إلى عدم تقدم الكثير من اللائي يتعرضن للعنف للتبليغ عن الإساءات بحكم العادات والتقاليد، وتراجعهن عن تقديم شكاوى ضد أفراد العائلة. وأوضح المرصد الجزائري للمرأة، أن هذا الوضع مثير للقلق ويستحق الوقوف عنده بغيه إيجاد الحلول المناسبة له، رغم تسجيل تراجع في أرقام العنف خلال الثلاث سنوات الماضية بالنصف تقريبا، نتيجة عمليات التحسيس والتوعية بمختلف الوسائل المتاحة. تشارك فيها عدة أطراف تسعى إلى مواجهة هذه الظاهرة التي تنعكس سلبا على واقع الأسرة الجزائرية، ويكون الأطفال أولى ضحاياها. مبررات التحفظ على التعديل جاء تعديل القانون الخاص بالعقوبات بمواد رادعة لوضع حد للعنف ضد المرأة، حيث تصل العقوبة إلى السجن المؤبد في حال توفيت الضحية، و20 سنة في حال ترتب عنه عجز أو عاهة مستديمة، وتشدد العقوبات الأخرى التي تتراوح بين غرامات من 50 ألف و500 ألف، والسجن من 15 يوما إلى 10 سنوات، حسب درجة العنف وحالة الضحية كالقاصرات أو المعاقات أو المريضات. تضمن قانون العقوبات الجديد، مواد قانونية توفر الحماية للمرأة في بعض الحالات التي تكون فيها أكثر عرضة للعنف، سواء بحكم وضعها الاجتماعي أو العائلي أو المهني، حيث استندت وزارة العدل على معطيات من الواقع تشير إلى ارتفاع ظاهرة تعنيف المرأة وتعرضها للتحرش في الوسط المهني. وتكفل المادة 266 مكرر، حماية خاصة للزوجة من السلوك المنحرف والاعتداءات العمدية التي تحدث جروحا أو تؤدي إلى بتر أحد الأعضاء أو إلى عاهة مستديمة أو إلى الوفاة، مع إدراج عقوبات متناسبة مع الضرر الحاصل للضحية. ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة القانونية حفاظا على فرص استمرار الحياة الزوجية، إلا في حالة وفاة الزوجة حيث يكون الصفح عذرا مخففا للعقوبة فقط. وتم أيضا تعديل المادة 330 من القانون المتعلقة بالإهمال العائلي، لحماية الزوجة من الإكراه والتخويف الممارس عليها من أجل حرمانها من مواردها، وتقر بعقوبة السجن من ستة (6) أشهر إلى غاية سنتين، وبغرامة مالية من 50 ألف إلى 200 ألف دينار. وأصبح موضوع الأسرة وقوانينها، بعد هذا التعديل، مصدر استقطاب لنقاش سياسي داخل منظومة المجتمع الجزائري. فالكثير من المختصين يرون أن هذه الأحكام قد تزيد من نسبة الطلاق كون العقوبات ستشكل حاجزا لأدنى حوار أو نقاش أسري بشأن أبسط الخلافات خشية وقوع انزلاق يؤدي بالزوج إلى "20 سنة حبسا نافذا"؛ وهي عقوبة قاسية، برأي المتابعين، خصوصا أن العلاقات الأسرية تبنى في الغالب على التفاهم وأن مسألة العقوبات قد تفتح بابا آخر من أبواب النزاعات العائلية التي تقضي على كيان الأسرة وعلى تماسكها. ومن بين ردود الفعل، رأت حركة البناء الوطني، أن قانون العقوبات الذي صادق عليه البرلمان، تنقصه الشرعية والمصداقية الدستورية، وهو قانون لم يتم تمحيصه وتدقيق نصوصه بشكل كاف، ما من شأنه أن يهدد استقرار المجتمع ويصدع انسجامه في أهم خلية وهي الأسرة. وحذرت الحركة من انعكاسات مستقبلية خطيرة من تطبيق هذا القانون، وقالت أنه كان من الأجدر التأسيس للتراحم وليس باستغلال موضوع العنف للتقنين لضرب أركان الأسرة. وفتح هذا التعديل شهية الشبان الجزائريين العازبين للإدلاء بآرائهم بتعليقات ساخرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وفتحوا صفحات جديدة للتعبير عن مواقفهم، واعتبروا العقوبات المفروضة التي تنجم عن سوء معاملة زوجاتهم في المستقبل مدعاة لتمديد فترة العزوبية، أفضل لهم من الزواج ثم الدخول إلى السجون!!.
واقع المرأة الجزائرية من يتوقف عند ظاهرة العنف ضد المرأة في الجزائر دون متابعة الفضائل التي تنعم بها اجتماعيا وسياسيا، قد يخرج بتصور خاطئ عن الوضع الصحيح لشقائق الرجال. فالأغلبية الساحقة من نساء الجزائر يتمتعن بالكرامة وحسن المعاملة في أسرهن وأعمالهن، حيث يشغلن وظائف سامية في مؤسسات الدولة كوزيرات في الحكومة ونائبات في البرلمان وموظفات في مختلف الأجهزة الإدارية والتعليمية، وهن أيضا ربات بيوت ناجحات. وتشير دراسة حديثة نشرت شهر فبراير الماضي، أن متوسط الراتب الشهري للنساء في الجزائر يعادل أو يفوق الأجر الذي يتقاضاه الرجل مقارنة بذلك في المجتمعات الغربية. ويؤكد الديوان الجزائري للإحصائيات أن هذا الارتفاع مرده إلى الكفاءة العلمية للمرأة الجزائرية، بحيث أن نحو 44 بالمائة من النساء الأجيرات يتمتعن بمستوى جامعي، مقابل 10 بالمائة فقط بالنسبة للرجال الأجراء. كما حظيت المرأة الجزائرية بعدة قوانين تصب في مساعدتها مهنيا واجتماعيا، منها على سبيل المثال لا الحصر، قانون يتضمن إنشاء صندوق النفقة الغذائية الموجه للمرأة المطلقة، سيغنيها عن اللجوء إلى الإجراءات القضائية التي تكفلها مصاريف باهظة، والتوجه إلى الخزينة العمومية والحصول على النفقة الغذائية لأبنائها دون انتظار تسديد الطليق، وتطبق على المخالف إجراءات قانونية في حالة عدم دفعه المبالغ المستحقة. وفي ظل التجاذب السائد في الساحة السياسية في الجزائر بين معارض ومؤيد لقانون العقوبات لحماية المرأة ضد العنف؛ يظل الحوار والتفاهم بين الزوجين، والتحسيس والتوعية بمخاطر العنف في الأسرة وداخل المجتمع، أفضل سبيل للوقاية وأحسن حل لمعالجة هذه الظاهرة، قبل الوصول إلى أروقة المحاكم.
#عبد_المجيد_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنصرية تهدد تماسك المجتمع الجزائري
المزيد.....
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
إعلامية كوميدية شهيرة مثلية الجنس وزوجتها تقرران مغادرة الول
...
-
اتهامات بغسيل رياضي وتمييز ضد النساء تطارد طموحات السعودية
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
المزيد.....
-
جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي
/ الصديق كبوري
-
إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل
/ إيمان كاسي موسى
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
الناجيات باجنحة منكسرة
/ خالد تعلو القائدي
-
بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê
/ ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
-
كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي
/ محمد الحنفي
-
ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر
/ فتحى سيد فرج
-
المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟
/ مريم نجمه
-
مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد
...
/ محمد الإحسايني
المزيد.....
|