أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11















المزيد.....

هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1322 - 2005 / 9 / 19 - 10:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد وجد العلوي في تعارض مثقفية المثقف وسلطوية السلطة مضمون وماهية المعارضة بحد ذاتها. لاسيما وأن المعارضة هي ليست ترفا ثقافيا كما هو معهود فيما يعرض على شاشات التلفزة، بل هي "عمل قسري ونضال" كما يقول العلوي. ومن هذا المنطلق انتقد الشعار الذي أطلقه أمين الريحاني لنفسه قبل عقود طويلة. والمقصود بذلك شعاره القائل:"قل كلمتك وأمش"! وهو انتقاد سليم في حال تطبيقه على الظروف الحالية، كما كان سليما في بدايات القرن العشرين بالنسبة للعالم العربي. فقد كان الريحاني يقول به في زمن كانت الحياة جامدة والحركة بطيئة ووسائط الاتصال شبه معدومة، والكلمة كانت طائر المعرفة والتنوير والتحريض. أما الآن فإنها جزء من الثقافة المزيفة للديمقراطية الأكثر زيفا كما يقول العلوي. لهذا اعتبر المعارضة عملا قسريا لا يمكنه الإقرار والفعل حسب شعار "قل كلمتك وأمش"، لان الكلمة لا تمشي إلا وصاحبها معها. لأنه إذا "قالها ومشى تكون كالريح يخرج من بطن المتخوم. وتدخل عندئذ في باب طب الأبدان لا الأرواح".
شدد العلوي على القيمة النظرية والعملية لما دعاه بالطابع القسري للثقافة المعارضة. وذلك لأن العمل حسب قاعدة "قل كلمتك وأمش" تحول المعارضة إلى موضة. والدولة تحب هذا النوع من المعارضة، لأنه يظهرها ديمقراطية ولا يكلفها شيئا. بينما المعارض الحقيقي لجوج، كما يقول العلوي. وهي "لجاجة" تعادل معنى الالتزام الدائم بحق المعارضة والاستقلال في الرأي والهجوم الدائم والبقاء في الحيز الذي يفترضه العقل والوجدان والضمير. لهذا طالب المثقف أن لا ينتظر إذنا من الدولة لكي يعارضها. وأشار بهذا الصدد في إحدى مقالاته كيف دعنه إحدى الحركات القومية الكردية العراقية لزيارة شمال العراق وقالت له "نرحب بك تأتينا وتشتمنا في التلفزيون"، فأجابهم بأنه لا يشتمهم بإذن منهم، بل رغما عنهم وبوسائله الخاصة لا بوسائلهم. ووجد في ذلك ما اسماه بمكيدة السلطة والقيادات السياسية حين تطلب من المثقف أن يعارضها فيتكلم وان يأخذ الإذن منها. حينذاك يكون المثقف مأذونا لا آذنا ومكتوبا لا كاتبا ومخلوقا لا خالقا.
لقد أراد العلوي أن تتماهى حقيقة المثقف مع حقيقة المعارضة. إذ بالقدر الذي يصنع المثقف معارضة للسلطة، تصنع المعارضة المثقف الحقيقي. بعبارة أخرى، إن معيار المثقف الحقيقي هي حقيقة معارضته للسلطة والبقاء ضمن تقاليدها بالشكل الذي يجعل منه كيانا فاعلا وخالقا لأعماله كلها. وهو كيان له كينونته الخاصة في التاريخ العربي والإسلامي، أسس له العلوي ضمن تفسيره لقيمة الدولة وتطور الثقافة في عالم الإسلام.
انطلق هادي العلوي هنا من اعتبار عالم الخلافة في بدايتها (الراشدين) هي دولة بالمعنى المخصوص للدولة، أي أنها ليست مجرد دولة دينية. وكان هدفها بناء دولة لا معشر. وضمن هذا الإطار يمكن فهم مجرياتها وأحداثها السياسية وتقييم شخصياتها وأفعالهم. وهي نتيجة مترتبة أساسا على ما في الإسلام نفسه. فقد تجسد الإسلام منذ البدء في دولة ومجتمع بطريقة دنيوية تستمد صفتها الدينية من عقيدة الوحي، التي وفرت الإطار العام لمجتمع دنيوي في تركيبه العام. لهذا كان من الطبيعي أن يصطبغ تاريخه منذ البداية بالشقاق السياسي والاجتماعي. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار كون الدولة الإسلامية بعد الراشدين لم تتقيد بأحكام الشريعة إلا في القضاء الذي بقي يدار وفق الشريعة فيما لا يمس سياسة الدولة ومصالح أربابها، من هنا يمكن رؤية أحد الأسباب الجوهرية الفاعلة في بلورة تقاليد المعارضة والاعتراض على السلطة، كما يقول العلوي. وهي معارضة تكشف عن جوهرية العدل في الإسلام والفكر الإسلامي المعارض. ذلك يعني أن ابتعاد الدولة والسلطات عن حقيقة العدل الإسلامي جعل من فكرة المعارضة وارتباطها برجال الفكر (المثقفين) كثقافة معارضة.
وقد كانت هذه الثقافة المعارضة أمرا جليا في كل نشاط المثقفين للقرن الأول الهجري. إذ نعثر على "خط المعارضة" عند فقهاء القرن الأول والمتكلمين والزهاد ثم المتصوفة لاحقا. والشيء نفسه يمكن قوله عن الزنادقة، الذين كان اغلبهم معارضا للسلطة باستثناء القليل منهم. أما الفلاسفة فقد بقوا على خط الحياد كما يعتقد العلوي. بل نراه "يحصي" نسبة المعارضة بحيث يجعلهم النسبة الأكبر في تاريخ الإسلام الأول. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن "النسبة لا تزيد على اثني عشر بالمائة من مثقفي ذلك العصر كانوا مع الدولة. والباقي توزع على المعارضة أو الحياد أي المقاطعة السلبية. واغلبهم كان من الشعراء والكتاب والنسبة اقل من الفقهاء". مما جعله يقول بأن الشريعة المحمدية عاشت أساسا في ضمير الفقهاء العظام أما من خلال اعتنائهم الدقيق بأحكامها أو من خلال انخراطهم في نشاطات المعارضة. وهي ظاهرة نعثر عليها في العهد الأموي بأجمعه وجزء ليس يسيرا من العباسي. وهي مواقف ظلت سارية من حيث معارضتها لكل ما يمس حقيقة الشريعة الإسلامية في رفضها للتصرفات الكيفية كالقتل من غير حد، أو جباية الأموال خلافا لأحكام الضرائب، ونقض العهود، وإساءة معاملة أهل الذمة وغيرها. بل أن الكثير من الفقهاء الذين أثارهم سوء سلوك الملوك والأمراء والسلاطين وجدوا في الشريعة نفسها ما يرجعون إليه في الاحتجاج ضد السلطة. واستشهد بنموذج السخاوي في كتابه (الإعلان بالتوبيخ عن ذم التاريخ)، الذي أشار فيه إلى أن "الشرع هو سياسة، لا عمل السلطان بهواه ورأيه". وقد أوصله هذا الموقف إلى أن يرى ضعف الفكر السياسي الإسلامي القديم في كون اغلب القائمين عليه لم يأتوا من صفوف المعارضة. من هنا كان اقرب في آرائه إلى الحلم منه إلى الواقع، إضافة إلى تماثل مبادئه العامة بصرف النظر عن اختلاف الزمان والمكان.
لقد أراد العلوي القول، بأن المعارضة الحقيقية عادة ما ترتبط بما اسماه بمثقفية المثقف، أي بالمستوى الذي يجعل من الثقافة وحدة متكاملة في العلم والعمل. وهو السبب الذي جعله يضع الشعراء خارج إطار المثقفين المعارضين. كما أنه نفس السبب الذي جعله يدرج في فلك المعارضة شعراء بحجم بشار بن برد وأشباهه الذين كانوا "شعراء مثقفين" كما يقول العلوي.
وإذا كانت مصادر المعارضة هي السبيكة المتكونة مما دعاه العلوي باللقاحية الجاهلية والمشاعية الآسيوية، فإنه أراد بذلك أن يبرز قيمة الدفاع عن الحرية والعدل، باعتباره جوهر المعارضة الفعلية للمثقفين. من هنا استنتاجه القائل، بأن "منظومة الفضائل الراقية هي التي طورها زنادقة الإسلام من الفلاسفة والمتصوفة وأفذاذ المفكرين لا غيرهم". وليس اعتباطا أن تبلور ثقافة المعارضة الإسلامية للسلطة فكرة العدل بالشكل الذي تجعل منها معيارا أعلى للحكم على كل شيء. وذلك لان مقصود العدل عندهم لم ينحصر فقط بالعلاقات والتصرفات التي تنظر فيها سلطات القضاء بقضايا حقوق الأفراد ونزاعاتهم، بل وتشمل سلوك السلطات مع الرعية وقوامه عدم اتخاذ القمع والتنكيل وسيلة للحكم. بل سعى بعض المثقفين من دعاة العدل، كما يقول العلوي، إلى تغليب عنصر العدل في المعادلة السياسية لكي يتوصلوا إلى فكرة مفادها "إن الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم".
ووجد في هذه المعادلة مضمون المعارضة الإسلامية الحقيقية للسلطة. وهي معادلة مثلها وتمثلها تاريخ المعارضة العريق والعميق للمثقفين المسلمين في مواجهتهم للسلطة. لهذا نراه يجمع ويبرز أية ظاهرة أو شخصية منها من اجل البرهنة على أن تاريخ الثقافة والمثقفين المسلمين العظام هو تاريخ معارضة السلطة. بل انه وجد فيه "الخط الأكبر" للتاريخ الإسلامي الذي انتظمت فيه فصائل متنوعة ومتصارعة أحيانا مثل الشيعة والخوارج والقدرية في المرحلة الأموية. والشيء نفسه يمكن قوله عن مدارس الفقه. فقد كان أبو حنيفة مثقفا معارضا حيث أفتى بتأييد وثبات الشيعة كما كان الحال بالنسبة لموقفه من انتفاضة زيد بن علي. ودعم بالمال انتفاضة البصرة بقيادة إبراهيم بن عبد الله. بل انه كان رائد حركة المقاطعة للسلطة والعمل في إداراتها وقضائها. والشيء نفسه فعله سعيد بن جبير وسفيان الثوري اللذين أيدا المعارضة المسلحة ضد السلطة. والشيء نفسه يمكن قوله أيضا عن الشعراء الكبار أمثال الكميت بن زيد ودعبل الخزاعي والفرزدق وبشار بن برد ولاحقا المعري الذي مّثل بحد ذاته ظاهرة منفردة، كما يقول العلوي.
إن كل هذه التقاليد العريقة للمعارضة التي تجسدت في رؤى ومنظومات فكرية كما ظهرت في الفرق الإسلامية الكلامية والمدارس الفقهية والتصوف وبعض الشعراء والفلاسفة تشير إلى وجود "مبادئ أخلاقية واجتماعية متفق عليها في أوساط المعارضة هي الحاكم على الأهداف" كما يقول العلوي. وهو السبب الذي يفسر انفتاح اغلب الحركات المسلحة المناهضة للسلطة على مختلف مدارس الفكر، رغم اختلافاتهم النظرية. كما هو الحال على سبيل المثال في انفتاح حركة الحارث بن سريج على القدرية والجهمية والشيعة، وانفتاح حركة زيد بن علي وعبد الله ابن إبراهيم على أبي حنيفة، وانفتاح حركة الزنج على مختلف المدارس بما في ذلك المعتزلة.
وأعتبر هادي العلوي هذه القواسم المشتركة للمبادئ الأخلاقية والاجتماعية المتفق عليها في أوساط المعارضة، حكما فيصلا ونهائيا في مفهوم المثقفية.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هادي العلوي - الثقافة والسلطة كالعقل والطبع 5 من 11
- هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11
- هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11
- هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11
- هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
- الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
- أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن ...
- الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام
- جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 5 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 4 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 3 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 2 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 1 من 6
- حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة
- هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟
- أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
- إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2


المزيد.....




- رجل يروي ضاحكًا كيف انتهى به المطاف على قارب -كاياك- داخل من ...
- ما الذي سيتغير في إيران تحت حكم مسعود بزكشيان؟.. جواد ظريف ي ...
- انفجارات قوية في بيروت.. والجيش الإسرائيلي يُعلن استهداف مقر ...
- صحيفة يديعوت أحرنوت: هدف الغارات الإسرائيلية العنيفة على ضاح ...
- -مرارة الفشل الذريع أمام حماس تطغى على الإنجازات العسكرية أم ...
- -العشاء في الأبيض-.. سباحةٌ في بحر الأناقة والجمال احتفالا ...
- الانتخابات النمساوية: المحافظون في معركة كسر عظم مع اليمينيي ...
- مراسلنا: غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية (فيديوهات)
- الجيش الإسرائيلي يعلن مهاجمة مقر القيادة المركزي لـ-حزب الل ...
- كلمة -انتفاضة- تحيل ناشطا للقضاء في فرنسا


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11