|
لبنان الذي غدرناه
أسعد العزوني
الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 12:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما ان درجت عجلات الطائرة على مدرج مطار عمان الدولي متجهة إلى بيروت ، عاصمة العرب المغدورة ، عربيا ومحليا ، حتى بدات خلايا المخ عندي ، بفتح ملفات الذاكرة ، بسرعة الأحداث المأساوية في المساحة الممتدة من الماء إلى الماء ، ويطلقون عليها زورا وبهتانا "الوطن العربي". ورغم أن هذا الوطن من المحيط إلى الخليج ، طارد لأبنائه ، إلا أن هناك من ضحى بمستقبله وبنفسه وحتى بكرامته ، وبقي يناضل متطوعا وقدر إستطاعته ، علّ وعسى أن يحدث ثغرة مهما كانت ضيقة للنفاذ إلى حقل التغيير ، وقد دفع الثمن غاليا. أعود إلى لبنان الذي كان منارة العرب و قبلتهم الثورية ، وملهمهم الفكري ،حتى أن الواحد فينا كان يعتبر نفسه قد ولد من جديد عند زيارته للبنان ، ويا لهول الفرحة إن حظي بغمزة أو إبتسامة من لدن حسناء بيروتية ، وقمة الفرح أن يحظى بتناول فنجان قهوة معها. كانت بيروت عاصمة العواصم ومنبع الثورات ، إلى درجة أن قصيدة وطنية واحدة يتم نشرها في بيروت ، كانت تحرك الشوارع العربية وتلهب المظاهرات والمسيرات الحاشدة في العواصم العربية. ولو نظرنا إلى الصحافة اللبنانية أيام زمان ، لوجدناها غير شكل ، ومحظوظ من إستطاع بطريقة أو بأخرى ، نشر قصيدة أو مقال له في بيروت. كانت بيروت خلية نحل يؤمها الجميع ، وبطبيعة الحال انها لم تكن خالية من الوجود الإستخباري العالمي ، وما أزال أذكر أن أول زيارة لي لبيروت كانت عام 1971 ، إذ شاركت في مظاهرة بشارع الحمرا ،وما أزال أذكر أيضا ، أن دركيا لبنانيا قد تمكن مني وضربني ب"القايش "على ظهري عدة مرات وأوجعني كثيرا ، لكنني كنت فرحا أنني شاركت في مظاهرة ببيروت ، وهذا ما أنساني ألم ضربات "القايش". أفضال بيروت علينا كعرب ، أكثر من أن تحصى ، فهي التي ردت الإعتبار لنا جميعا ، بإحتضان المقاومة ، وهذا ما جعلها هدفا للقاصي المتآمر ،الذي يشعر بالغيرة ، والداني المتآمر الإنعزالي الذي تحالف مع "مستعمرة " إسرائيل ، ضد لبنان ، وظن ، وأغلب الظن يقين ، أن هذه ال"إسرائيل " ستمنحه دويلة ، ولذلك رحب بغزو شارون لبيروت و سهل له مع قوة إقليمة كبرى إحتلالها صيف العام 1982. من هنا إشتدت المؤامرة على بيروت ، ووجد الفلسطينيون واللبنانيون أنفسهم في عين المؤامرة ، التي بدات تدب سوءا على أرض الواقع ، بتآمر الجامعة العربية ونظام حافظ الأسد ، من خلال أخبث وأوسخ مؤامرة أطلقوا عليها "قوات الردع العربي". لا أنكر ذكاء ذلك النظام الذي مرر لعبته وضحك على الجميع ، وأنا هنا أفترض حسن النية لديهم ، حيث قام بإشراك عدد من الجنود العرب في قوات الردع ، للتمويه والحصول على التمويل ، وقد إنتهوا إلى الزواج من جنوبيات ومغادرة لبنان ، ليبقى الجيش السوري وحده هناك يعيث فسادا ضد اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء. عند ذلك يكون الدب قد دخل إلى الكرم اللبناني بتفويض عربي، وخلا له الجو ، وأخذ يضرب هذه الطائفة بتلك ، حتى أن من جاء لجلهم بحجة حمايتهم لم يسلموا من أذاه ، واصبح السيد المطاع يعين الرئيس والوزير والنائب في البرلمان ، والويل والثبور لمن خالفه الرأي والموقف، وما يزال ملف المخطوفين اللبنانيين مفتوحا ، ورحم الله الشهداء الذين قضوا في الزنازين والمعتقلات ، ومن قضى بالرصاص غدرا أو بالتفجير وفي المقدمة الزعيم الراحل كمال جنبلاط ، الذي كان من أهم حواضن الثورة الفلسطينية. لم تعد بيروت كما كانت ملاذا للحرية ، فلا صحافة تقرأ ولا فكرا يتبع ، ومن أغرب التحولات أن هناك من تآمر على الفلسطينيين بالسلاح ، وآخرين من "الهبل" ، الذين طلبوا من الزعيم الفلسطيني الراحل عرفات الرحيل عن بيروت كونها كما أخبروه ليست مدينة فلسطينية. بيروت بعد ذلك ، لم تعد بيروت الثورة والجمال والفكر ، بل أصبحت بفعل فاعل أداة مختطفة ، يصارع فيها الكل الكل ،وتشهد منذ مدة محاولات لنزع ما تبقة من كرامتها ، وهويتها العربية ، وتشويه النصر المؤزر الذي حققه حزب الله على الجيش الإسرائيلي صيف العام 2006 ، حيث مرغ أنف "مستعمرة " إسرائيل ليس في وحل المستنقع الآسن فقط ، بل في روث إسطبلات الخنازير والخيول والبقر، الأمر الذي أزعج البعض المـتآمر أصلا على بيروت ، لأن هذا الجين ليس موجوداعندهم. لبنان اليوم ، أصبح نموذجا لمشروع الشرق الأوسط الوسيع أو الكبير او الجديد ،لا فرق ، لأن البعض تمسك بطائفيته البغيضة ، وتمترس خلفها غارزا سيفه المسموم في خاصرة الوطن الذي مر عليها عدة أشهر لم يتمكن زعماؤه من إختيار رئيس . لبنان الذي نعرفه وعرفناه ، لم يعد هو لبنان الذي كان ،حتى أن جمال حسناواته ، لم يعد طبيعيا من صنع الخالق عز وجل وهبة منه ، بل أصبح نتاج عيادات التجميل وبتمويل من البنوك التي تمنح القروض لهذا الغرض . الأغرب أيضا أن بيروت بعد أن كانت خندقا للثورة ، أصبحت بفضل البعض المتآمر طاردة للثورة ، حتى أننا بتنا نسمع من يطالب بنزع سلاح حزب الله وسلاح المخيمات اللبنانية على حد سواء . وما يؤلم أنه جرى توريط حزب الله في مجابهة اخرى ، وجد نفسه مضطرا لها حفاظا على وجوده ودفاعا عن شريان الحياة بالنسبة إليه . وما نعجب له حتى إقليميا أن الطائفية البغيضة باتت تلطمنا صبحا ومساء وبدون قفازات أو سواتر ، بعد نصر حزب الله المؤزر على "مستعمرة " إسرائيل . أخشى أن يتطور تنسيق البعض مع "مستعمرة " إسرائيل، إلى تحالف علني على الأرض ضد حزب الله ، لتكتمل الدائرة ، وينزلق لبنان المثخن بالجراح وبالغدر ، إلى ما كان رئيس وزرائه الأسبق رياض الصلح يفكر فيه ، وهو توقيع معاهدة صلح مع العصابات الصهيونية ، ومن وراء ظهر بريطانيا التي قامت بإغتياله خلال طريق عودته إلى بيروت برا قادما من عمّان ، بعد أن إتفق مع الملك عبد الله الأول على ذلك، حيث إغتيل الأخير أيضا في القدس لذات السبب. كان المطلوب من القوى الأخرى ألا تسمح لجبهة الجولان وجنوب لبنان ، بإنخفاض سريع في درجات الحرارة الثورية حتى التجمد والإنجماد في عز أيام الصيف ، وأن يتم تفعيل جبهتي غزة والضفة الفلسطينية ، لأن المقاومة هي فعل مستمر على الأرض. عند ملامسة عجلات الطائرة أرض مطار بيروت ، تذكرت الرئيس اللبناني المقاوم فخامة إميل لحود الذي تحدى الجميع في قمة بيروت العربية عام 2002 ،ورفض الموافقة على ما يحلو للبعض أن يطلق عليها "مبادرة السلام العربية " رغم أنه المضيف ، وقال مخاطبا المعنيين :لدي في لبنان نصف مليون لاجيء فلسطيني ، ويريدون العودة إلى بلدهم ، ولا يوجد في المبادرة ما ينص على ذلك. خلال تواجدي لعدة أيام في بيروت ، تبين أنها بدأ ت وإن بصعوبة ، إستعادة ألقها الفكري والثقافي ، وعادت ملاذ الحرية للجميع .
#أسعد_العزوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنتفاضة الثورة ..الطريق إلى الدولة غير سالك ..جديد الباحث
...
-
لقاء في منتدى الفكر العربي يناقش كتاب د. باسل البستاني نحو ر
...
-
حركة الحيوانات أسهل من حركة المواطنين في العراق
-
ندوة بمقر حزب الوحدة الشعبية في الزرقاء بعنوان: -المستجدات ا
...
-
سر المجد ..قراءة في سيرة وشخصية طلال أبو غزالة
-
الدولة اللبنانية معطلة
-
يسعدك يا هند
-
على ضفاف نهر الأردن ...حزن على حزن
-
د. الصادق الفقيه، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي يتحدث عن
...
-
الأخوة الأقباط ..عظم الله أجركم
-
عذرا يا عراق ..أضاعوك
-
قراءة متحفظة لرواية جريئة كتبها فيصل الشبول
-
أمريكا تعمل على توريط الأردن ..إستشهاد الطيار الأردني نموذجا
-
سؤال يبحث عن إجابة مقنعة ومنطقية
-
-الله أرسل داعش لحماية يهود-
-
صحوة الضمير الغربي..الألماني - نموذجا ... في وقتها
-
ميسر السعدي -أم محمد - ..فاضلة بحجم الوطن
-
يهود يعارضون الصهيوينة))) -دموع التماسيح - ..ماركة يهودية –ص
...
-
نتنياهو يتخبط إنتخابيا في الجهات الأربع
-
العزوني وكلانسي ..ضحايا لوبيات الضغط اليهودي في واشنطن
المزيد.....
-
مقتل 10 أشخاص في هجوم مسلحين على قرية علوية بريف حماة وفتح ت
...
-
ماذا دار بأول اتصال بين ترامب والسيسي بعد إعلان مقترحه لنقل
...
-
اجتماع عربي يرفض -تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم-، وإسرائيل تف
...
-
النرويج تفرج عن سفينة يقودها طاقم روسي بعد الاشتباه بدورها ف
...
-
السودان: مقتل العشرات في هجوم للدعم السريع على سوق بأم درمان
...
-
من أصحاب الأحكام العالية.. من هو المصري الذي أفرجت عنه إسرائ
...
-
بحرية الحرس الثوري الإيراني تكشف عن -مدينة صاروخية- جديدة
-
راجمات الصواريخ تدك القوات الأوكرانية
-
ترامب يقيل روهيت تشوبرا مدير مكتب الحماية المالية للمستهلك ا
...
-
السفير الإيراني يوضح مستقبل العلاقات بين موسكو وطهران في عهد
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|