|
تسعة أسئلة، بل عشرة، تنتظر الاجابة من الادارة الأميركية
ميشيل حنا الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 4740 - 2015 / 3 / 6 - 17:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ملاحظة: هذا ليس مقالا بل فصل من فصول كتابي الجديد الذيسينشر في شهر نيسان (ابريل) القادم. بعنوان: "حرب لتصفية داعش .. أم حرب لتفكيك القاعدة؟" ****************
في بحث سابق، تعرضت لتسعة قضايا اقتضت طرح تساؤلات حولها. والأسئلة التسعة التي ينبغي طرحها هي كالتالي:
1) هل كان الانشقاق بين النصرة ودولة العراق الاسلامية، انشقاقا عفويا فرضته خلافات طارئة، أم كان انشقاقا مخطط له من قبل تنظيم دولة العراق الاسلامية، تمهيدا لاعلان داعش، وتبريرالاعلان عن انفصالها عن القاعدة التي كانت عضوا فاعلا فيها ؟ 2) لماذا لم تعترض القيادة العسكرية الأميركية المحتلة للعراق، على بيان أصدرته دولة العراق الاسلامية حديثة النشأة، يعلن تحت نظر وسمع قوات الاحتلال، انضمام تلك الدولة الى تنظيم القاعدة، مع أن اخوة للأميركيين في السلاح، كانوا في حالة حرب ضروس مع تنظيم القاعدة الأم في أفغانستان؟ 3) لماذا تبدلت أهداف تنظيم دولة العراق الاسلامية، من مقاومة المحتل كهدف أساسي، الى مقاومة الحكومة العراقية، بذريعة كونها حكومة معينة من قبل المحتلين، وذات صبغة تنتمي للطائفة الشيعية المخالفة لتوجه الدولة الاسلامية ذات الصبغة السنية. فما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تبدل أهداف المقاومة؟ 4) لماذا سعت الدولة الاسلامية الى احتواء تنظيم "الجهاد والتوحيد" الذي أسسه "أبو مصعب الزرقاوي" ونجحت بضمه اليها، وبالتالي تم استبدال أهدافه من مقاومة المحتل الأميركي الى مقاومة الحكومة الشيعية عبر تفجيرات يومية في مراقد أو مواقع شيعية، مما أثار الطائفية وقسم الشعب العراقي الى شعبين، عوضا عن رص صفوفه صفا واحدا مقاوما للمحتل الأميركي؟ 5) ما هي الأسباب الكامنة وراء الغزو الأميركي المفاجىء للعراق في شهر آذار 2003 (والذي لم يكن مفاجئا تماما ، لأن الكونجرس قد أصدر قرارا بتخويل جورج بوش الابن بغزو العراق منذ شهر تشرين أول (أوكتوبر) 2002) بذريعة أن العراق يقدم الدعم للقاعدة، اضافة الى ذرائع أخرى عديدة، منها - استنادا لتقارير استخبارية ملفقة - اقتراب العراق من انتاج قنبلة نووية، الأمر الذي أثبت التحقيق الدولي اللاحق عدم صحته؟
فاذا كان للعراق صلة ما حقيقية بالقاعدة، فلما لم تقم الولايات المتحدة بغزوه في وقت مقارب لغزوها لأفغانستان، طالما أن الأمرين مرتبطين ببعضهما البعض؟ أم ترى أن توقيت الغزو الأميركي للعراق، والذي جاء بعد سنة وستة أشهر من بداية الغزو الأميركي لأفغانستان ( بدأ غزو أفغانستان في الشهر العاشر من عام 2001 أي بعد أسابيع قليلة من عملية تفجير أبراج نيويورك)، كان نتيجة تكون قناعة مبدئية لدى حكومة جورج بوش الابن، باستعصاء تحقيق نصر حاسم يستأصل وجود القاعدة فيها.
ويبدو أن الشكوك لدى بوش في امكانية حسم مسألة القاعدة عسكريا، قد بدأت منذ الثاني من الشهر العاشر 2002 ، عندما تقدم الى الكونجرس يطلب موافقته على اعلان الحرب على العراق. ومع أن موا فقة الكونجرس قد صدرت منذ السادس عشر من تشرين أول 2002 ، الا أنه لم يبدأ الحرب الا في العشرين من آذار 2003، ربما عندما اكتملت استعداداته العسكرية ، أو اكتملت قناعته بأنه لا سبيل لحسم مسألة القاعدة عسكريا، حيث كان قد مر على الشروع بالحرب في أفغانستان سبعة عشر شهرا ، دون ظهور بوادر احتمالات للحسم العسكري مما دفعه لأن يشرع بتنفيذ السيناريو الجديد الذي كان يدور في دماغه كاحتمال آخر للحل..
فالرئيس بوش الابن، الذي هزته التفجيرات في نيويورك، واعتبرها تحديا شخصيا له، اضافة الى كونها تحديا للولايات المتحدة، قد عجل بغزو أفغانستان، دون دراسة متأنية لجغرافيتها، أو لطبيعة سكانها الموصوفون بالمقاتلين الأشداء، مما حمل معه احتمالات فشل حملته العسكرية تلك، وما قد يصاحب ذلك من اتهامه بالتهور والرعونة.
والفشل المحتمل، لم يكن مرده فحسب وعورة الطبيعة الجغرافية لبلاد الأفغان بجبالها الشاهقة، بل كان أيضا شراسة المقاتلين من طالبان، والروح الانتحارية لدى مقاتلي القاعدة. فاذا كانت هذه البلاد قد استعصت لقرون طويلة على القوات البريطانية التي سيطرت على كامل شبه الجزيرة الهندية، لكنها وقفت عاجزة عن المرور بأمان من باكستان، عبر "ممر خيبر" الضيق جدا، الى أراضي الأفغان المجاورة. كما استعصى على قوات الاتحاد السوفياتي السيطرة عليها في الثمانينات، وهي القوات المعروفة بقوة بأسها وقدرتها على الصمود، والتي واجهت الألمان على مدى عامين في معركة ستالينجراد الشهيرة، كما صمد أسلافها الروس في وجه غزو نابليون لموسكو وردوه على أعقابه مهزوما ... فكيف يمكن ذلك للقوات الأميركية المرفهة نوعا، والتي هزمت في فيتنام قبل بضعة عقود، واحتاجت لتحالف ضم 29 دولة لتواجه العراق في حرب 1991، و تردد الرئيس جورج بوش الأب عن دفعها للدخول أيضا في مواجهة أخرى مع القوات الايرانية التي غزت العراق عام 1991 وبلغت مشارف بغداد، فاختار مضطرا لأن يعقد صفقة للدبلوماسية السرية مع الرئيس صدام حسين، الذي كرهه بنفس القدر الذي كره فيه الكوليرا، وكره الايراينيين المهددين لحلفائه في دول الخليج كرهه للطاعون، فاختار الاتفاق مع من اعتبره كوليرا .. ليمنع انتصار الطاعون.
وكان مضمون الاتفاقية السرية التي عقدت باشراف سوفياتي، يقتضي السماح للعراق باعادة تجميع قواته التي تشرذمت خلال الحرب، وتجديد أسلحتها التي دمر الكثير منها خلال تلك الحرب.. بأسلحة سوفياتية حديثة (نقلها جسر جوي الى بغداد)، اضافة الى السماح للعراق باستخدام الهليكوبترات العسكرية مع تعهد باطلاق سراح الأسرى العراقيين بسرعة فائقة (وكان عددهم كبيرا)، وذلك لتمكينه من طرد الايرانيين من العراق، والذين كانوا يسعون للحلول محل الرئيس صدام ، (الذي ظنه الايرانيون قد هزم تماما)، في مركز السلطة في العراق.
ومقابل ذلك، تعهد بوش الأب، بعدم التعرض مستقبلا للنظام العراقي، كما تعهد من قبل في عام 1962 الرئيس جون كنيدي، بعدم التعرض للنظام الكوبي، مقابل سحب السوفيات لصواريخها من كوبا. وحافظ الأميركيون على تعهدهم لكوبا، كما بقي الرئيس صدام في موقع الرئاسة لاثنتي عشر عاما أخرى، علما أن محاربة الرئيس صدام للايرانيين، لم يكن بالضرورة نتيجة صفقة الدبلوماسية السرية، بل نتيجة طبيعية لحرصه على رد عدوان ايران على بلاده، التي توغل فيها المهاجمون كثيرا فيعمق الأراضي العراقية.
فما الذي اضطر بوش الابن يا تري في عام 2003، الى نقض تعهد والده بعدم غزو العراق، فغزاه متذرعا بأسباب واهنة، ويعلم أنها كاذبة، ومنها ما ادعاه من علاقة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة.
ماهي أسبابه الحقيقية للقيام بخطوة اقتضت الكذب على المجتمع الدولي، كما أدت الى الحاق الأذى بالشعب العراقي؟ هل كان الرئيس بوش الابن يبحث عن نصر سهل يغطي على هزيمته التي باتت محتملة في أفغانستان؟ أم كان يبحث عن موقع يستخدمه لأهداف أخرى، منها ايجاد الأرض الملائمة لتأسيس "قاعدة" أخرى تشابه وتنافس تلك "القاعدة" في أفغانستان التي ساهمت الولايات المتحدة في الثمانينات، نتيجة طيش مسؤول أميركي آخر، في زمن سابق، بوضع البذور لنشأتها وتأسيسها؟
الفصول القادمة من الكتاب ستلقي الضوء على الأهداف والنوايا الحقيقية التي ربما كانت تجول في ذهن الرئيس بوش الابن، كاتب السيناريو المثير لكيفية محاربة تنظيم القاعدة الأفغاني، بوسيلة أكثر جدوى من استخدام القوات الأميركية في حرب مباشرة ضد تنظيم القاعدة.
****************
6) غموض آخر واكب عملية اطلاق سراح عدد من الضباط العراقيين المعتقلين في سجن "باكو" في نهايات عام 2004، حيث قام هؤلاء في عام 2006 بتشكيل تنظيم دولة العراق الاسلامية. وقد تبع ذلك اطلاق سراح "أبو بكر البغدادي" في وقت مقارب لتشكيل ذاك التنظيم.
وفي مرحلة لاحقة، تم اطلاق سراح سجناء ينتمون الى القاعدة ومتواجدون في سجن "غوانتانامو". وقد سارع هؤلاء أيضا الى الالتحاق بتنظيم الدولة الاسلامية فور الافراج عنهم، كما أكد "هيجل" وزير الدفاع في حكومة الرئيس "أوباما".
فهل شكل هذا التوقيت الغريب لاطلاق سراح سجناء "باكو"، المشهد الثاني من سيناريو الحرب على العراق، والذي شكل غزو القطرالعراقي المشهد الأول فيه، خصوصا وقد جاءت تلك الخطوات بعد مضي ستة أعوام على الشروع بالحرب ضد القاعدة في أفغانستان، عندما بدأ يتأكد لبوش الابن بشكل يقيني ونهائي، عجز قواته المتواجدة هناك عن حسم الموقف عسكريا رغم استخدام الكثير من قواته وقوات الناتو العسكرية.
7 ) تأسست اذن دولة العراق الاسلامية كعضو في تنظيم القاعدة، وتحولت الى داعش، ولكنها سرعان ما انفصلت عن القاعدة التي كانت تمولها وتدفع فاتورتها. ومع ذلك، بدت عليها فجأة مظاهر الثراء والقوة وامتلاك الأسلحة الكثيرة بشكل لفت الانتباه رغم انقطاع مصدر تمويلها السابق وهو تنظيم القاعدة. وبدت هذه المظاهر قبل أن تستولي على أراض واسعة تواجدت فيها بعض آبار النفط التي وفرت لها تدريجيا بعض الدخل من انتاجها.
ولم يستطع أحد تحديد مصدر هذه القوة المفاجئة من حيث التمويل الوفير أو التسلح الكبير، الذي جعلها تبدو تدريجيا أكثر قوة وقدرة على التأثير والحسم، من فصائل المقاومة المسلحة الأخرى مجتمعة والمتواجدة على الأراضي السورية. فهذه القوة الغريبة المتزايدة يوما بعد آخر، والتي جاءت من المجهول، فكأنها هبطت عليها بسفينة من الفضاء، قد زادت حجم علامة الاستفهام حولها، خصوصا وقد شاب الغموض نشأتها، وأسباب انفصالها عن تنظيم القاعدة، بل واعلانها بثقة تامة تحديها لأيمن الظواهري - أمير القاعدة، وما تبع ذلك من ظهورها كقوة منافسة ومتحدية لتلك المنظمة الكبرى العتيدة، والتي باتت عريقة في الاعمال الارهابية. فهل كان ذلك هو المشهد الثالث من سيناريو الحرب على العراق، الذي بدأ يتبلور تدريجيا وكأنه الصورة الأخرى للحرب ضد أفغانستان...ولكن بأسلوب آخر لا يستخدم القوات المسلحة أوالطائرات، بل الميكيافيلية والدهاء.
8) الأكثرغرابة، عدم حصول أي درجة من الدهشة لدى الحكومة الأميركية، سواء ازاء الثروة وكمية السلاح التي هبطت على داعش من المجهول، أو ازاء تمادي تلك المنظمة المنتسبة لمفهوم القاعدة الجهادي التكفيري في أعمالها الاجرامية البربرية ، فلم تسع بالتالي لقصفها ولو لمرة واحدة، مستخدمة طائرات "درون" بدون طيارالتي شاع استخدامها من قبل الأميركيين في قصف رجال القاعدة المتواجدين في باكستان واليمن والصومال.
وتدريجيا بدأ يلوح في الأفق تساؤل غريب حول ما اذا كان لدى الولايات المتحدة مفهوم يميز بين قاعدة شريرة متواجدة في المواقع التي تقصفها فعلا، وقاعدة ملائكية تخدم مصالحها فلا تتعرض لها، لكونها تقاتل عدوا مشتركا بينهما هو الرئيس بشار الأسد.
لكنها لم تفسر أيضا صمتها عن نشاط الدولة الاسلامية في داخل العراق الذي لا يخدم مصالحها، وربما يضر بها، لكون التفجيرات اليومية التي تنفذها تلك الدولة هناك، قد تؤدي الى استدراج تدخل ايراني في القطر العراقي، وهو ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة ... بل من أجل تجنبه، اضطر جورج بوش الأب كارها، الى عقد صفقة الدبلوماسية السرية السابق الاشارة اليها ، والتي حالت دون تدخل أميركي جديد في العراق لسنوات طويلة، مما أتاح الفرصة للرئيس العراقي الراحل، للبقاء في السلطة اثني عشر عاما أخرى، كانت تنغص صدر السياسيين الأميركيين غيظا يوما بعد آخر.
فهل شكلت الفلسفة الأميركية "البوشية" حول ملائكية بعض الجهاديين التكفيريين دون الجهاديين الآخرين الأشرار، فلسفة جديدة حقيقية، أم كانت مجرد غطاء لمشهد آخر من مشاهد سيناريو حرب العراق الذي كتبه جورج بوش الابن، وأنتجته أجهزة ال"سي آي ايه"، وأخرجته القوات الأميركية التي احتلت العراق، و أشرف على تنفيذ فصوله "بوب بريمر" الذي كان مشرفا على ادارة مقاومة الارهاب ، وبات الحاكم العسكري للعراق بعد احتلاله، ؟ وماذا كان المضمون أو المفهوم الحقيقي لهذه الفلسفة الغريبة العبقرية والمستحدثة؟ سؤال تجيب عليه الفصول القادمة في هذا الكتاب.
9) ثم أعلنت الحرب أخيرا على الدولة الاسلامية في الثامن والعشرين من أيار ( مايو) 2014، في الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما في كلية "وست بوينت" الحربية وموقعها في نيويورك، خلال حفل تخرج لبعض الضباط العسكريين الجدد. وأعلن في ذلك الخطاب أنه لن يستخدم القوات الأميركية المسلحة، وأن مشاركته في الحرب، سوف تقتصر على استخدام سلاح الجو الأميركي، مع ارسال عدد محدود من الخبراء العسكريين الى العراق لتدريب القوات العراقية على وسائل مكافحة الأعمال الارهابية.
و تبعها تأكيد لهذا الاعلان، في خطابه التاريخي في العاشر من أيلول (سبتمبر) 2014 الذي القاه عشية الذكرى الثالثة عشرة لتفجير البرجين في نيويورك. وفي كلي الخطابين، أكد الرئيس الاميركي اعلانه الحرب على الارهاب، مع اشارة واضحة الى "داعش". لكن ذاك الاعلان رافقه استدراك صريح لما أشار اليه تلميحا في خطابه الأول، وذلك بأن الحرب تسعى لتحجيم داعش... كخطوة نحو انهائها لاحقا. واستخدم الرئيس تعبير (DEGRADE ) أي (تحجيم)، الذي لا يؤدي الى الوفاة ... الا.. ربما، في مرحلة لاحقة.
وفي خطاب ثالث بتاريخ الحادي عشر من شباط (فبراير) 2015، وجهه أوباما الى الكونجرس الأميركي، طالبا منحه موافقة الكونجرس على مواصلة تلك الحرب لمدة ثلاث سنوات، واعدا مرة أخرى بعدم استخدام القوات الأميركية المسلحة في تلك الحرب الا عند الضرورة القصوى.
وأقدم الرئيس أوباما على توجيه ذاك الخطاب الى الكونجرس، امتثالا لنص دستوري صادر عام 1973، يفرض عليه الحصول على موافقة الكونجرس خلال ستين يوما من اعلان الولايات المتحدة الحرب على دولة ما. واستنادا لسابقة هامة مماثلة في التاريخ الأميركي الحديث، قام الرئيس الأميركي روزفلت باعلان الحرب على اليابان فور مهاجمة طائراتها ل"بيرل هاربر" في عام 1941 ، لكنه طالب الكونجرس لاحقا بمنحه الموافقة على اعلانها رغم أن النص الدستوري الملزم المشار اليه، لم يكن قد صدر بعد.
وهذا اقتضى التساؤل: متى أعلن أوباما الحرب فعلا على الارهاب الداعشي؟ هل كان في 28 أيار 2014، أم كان في 10 أيلول 2014 ، أم ترى كان في 11 شباط 2015 ؟ لأنه اذا اعتبر أن اعلان هذه الحرب قد تم منذ 28 أيار 2014، كان سيتوجب على "أوباما" أن يسعى للحصول على موافقة الكونجرس في مدة أقصاها ستين يوما، أي قبل السادس والعشرين من تموز (يوليو) 2014... موعد انتهاء الستين يوما الدستورية التي تفرض عليه الحصول على موافقة الكونجرس القانونية الدستورية.
وعلى أرض الوا قع ، لم يكن من الضروري للرئيس أوباما أن يحصل على موافقة الكونجرس على اعلانه الحرب على الارهاب، لأن الحرب على تنظيم القاعدة الارهابية ، كانت قد أعلنت من قبل جورج بوش الابن منذ زمن بعيد هو شهر تشرين أول (أوكتوبر) 2001. وكان قد مضى عليها، لدى اعلان أوباما الحرب على داعش، قرابة الثلاثة عشر عاما. وهي حرب كانت لم تزل قائمة لدى اعلانه الحرب على داعش. وبالتالي لم يتوجب عليه الحصول على موافقة الكونجرس في المواعيد الدستورية المحددة، لاعلانه الحرب على داعش، باعتبار انها تشكل امتدادا للحرب على الارهاب القائمة في أفغانستان... الااذا قدر أن داعش لم تكن، أو تعد جزءا، من القاعدة التي انفصلت عنها منذ عام 2013. وبالتالي فان الموافقة السابقة على اعلان الحرب على القاعدة، لم تعد تشمل هذه الحالة الجديدة، رغم أن الرئيس أوباما قد تحدث منذ خطابه الأول في وست بوينت ، عن اعلانه الحرب على الارهاب الذي تمثله القاعدة وداعش.
والمعلوم على أرض الواقع، أن الطائرات الأميركية قد بدأت بقصف مواقع داعش منذ الثامن من حزيران 2014، وذلك بعد أن سيطرت داعش على مدينتين رئيسيتين في شمال العراق هما الموصل وتكريت، كما سعت للسيطرة على مدينة كركوك النفطية لولا تصدي "البشميركاه" الأكراد لها. وردا منها على ذلك التصدي، بدأت داعش تزحف نحو "أربيل" عاصمة اقليم كردستان. ففي هذه اللحظات، بدأت الطائرات الأميركية حربها الفعلية المعلنة قبل اثني عشر يوما في خطاب أوباما في وست بوينت. فاذا اعتبر أوباما تاريخ الشروع بالقصف، هو الموعد الفعلي للشروع بالحرب، كان يتوجب عليه اذن أن يتوجه بخطابه ذاك الى الكونجرس، منذ الثامن من أيلول (سبتمبر) 2014.
وقد وجه فعلا خطابا هاما حول قضية الحرب ضد داعش في العاشر من ايلول كما سبق وذكرت. لكن ذلك لم يكن هو الخطاب الدستوري الموجه الى الكونجرس، بل كان خطابا بمناسبة خاصة هي تلك الهجمة غير المسبوقة في التاريخ، والتي أدت الى تدمير البرجين في نيويورك ومهاجمة البنتاغون في منطقة واشنطن، قبل ثلاثة عشر عاما.
ولكن لو اعتبرنا أن الاعلان الفعلي للحرب، لم يكن في خطاب أوباما في " وست بوينت"، بل كان في العاشر من أيلول 2014، (ذكرى تدمير البرجين)، فان الالتزام الدستوري كان يوجب عليه التقدم الى الكونجرس بطلب موافقته على اعلان تلك الحرب، في موعد أقصاه العاشر من تشرين ثاني 2014 . لكنه لم يفعل ذلك أيضا في حينه، بل انتظر ثلاثة شهور أخرى تلت على ذلك الخطاب، ليتقدم أخيرا بطلبه الى الكونجرس ممتثلا لمطلب دستوري مفروض عليه وعلى كل الرؤساء الأميركيين السابقين واللاحقين، علما أن المفاهيم الدستورية في الولايات المتحدة هي مفاهيم مقدسة، لا يجروء أي من الرؤساء على تحديها أو تجاوزها. فما هو سبب تردد أو تأخر الرئيس أوباما في تقدمه بذاك الطلب؟ هل كان ينظر الى تلك الحرب نظرة غير جدية، ولم يعتبرها حربا حقيقية فعلية، بل مجرد خطوة تكتيكية تسعى لتحقيق أهداف أخرى لم تعلن بعد؟؟؟
فالحرب المعلنة، كما يلوح في الأفق للوهلة الأولى، تبدو حربا رحيمة تسعى للتحجيم لا للقتل... الذي ربما يأتي في مرحلة لاحقة، رغم أن الطرف الآخر في تلك الحرب، يواصل نشاطه الذي لا يستكين أبدا في القتل وقطع الرؤوس واعدام الأسرى بشراسة لم يعرفها التاريخ مسبقا. وكان آخرها في 15 شباط 2015 عندما أعلنت داعش - ليبيا عن قطعها رؤوس 21 مصريا مسيحيا قبطيا كانوا قد جاءوا الى ذلك البلد سعيا وراء كسب رزقهم ورزق عائلاتهم من خلال العمل في القطر الليبي. وكان الرئيس أوباما قد أكد منذ خطابه الأول في وست بوينت، أن الحرب سوف تستغرق زمنا طويلا، وأنه سوف يدعو لتشكيل تحالف واسع لخوضها. وهذا التأكيد حول حرب طويلة، كرره الجنرال ديمسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، كما كررته البيانات الصادرة عن المؤتمرات التي عقدتها الدول المنضوية تحت علم التحالف. وأولها كان مؤتمرعقد في جدة منذ شهر حزيران 2014 وضم عشرة دول سارعت للانضواء تحت لواء التحالف المذكور. ومؤتمر ثان عقد في باريس بعد أيام قليلة، وضم عددا أكبر من الدول. ثم مؤتمر ثالث عقد في واشنطن بعد مؤتمر باريس بوقت قصير، وشارك فيه ثلاثون رئيس هيئة أركان جيوش انضمت بلادهم للتحالف، علما أن عدد الدول المنضوية تحت لواء التحالف كان قد تجاوز عندئذ الخمسين عضوا. وهذه المؤتمرات حرصت على التلميح، ان لم يكن التأكيد، بأنهم يسعون الى تحجيم "داعش".
ولا بد هنا من التوقف لدى بعض النقاط:
1) هل كانت الحرب المعلنة تسعى لتصفية داعش أم لتحجيمها فحسب؟ 2) متى بدأت الحرب الفعلية ضد داعش؟ هل بدأت في الثامن والعشرين من أيار (مايو)؟ أم بدأت في العاشر من أيلول، أم ترى اعلنها بشكل نهائي وأكيد خلال الخطاب الموجه الى الكونجرس في الحادي عشر من شباط 2015؟ فما هو السبب الحقيقي في عدم قيام أوباما بتحديد موعد حقيقي لبداية تلك الحرب؟ 3) اذا كان أوباما يتوقع لتلك الحرب أن تدوم عدة سنوات، كما جاء في خطاباته، وفي تصريحات الجنرال ديمسي - رئيس هيئة الاركان ألأميركية المشتركة، وكذلك في البيانات الصادرة عن دول التحالف بما فيها تصريح للعاهل الأردني الذي شاركت حكومته بقوة في ذاك التحالف، فلما حدد أوباما اذن موعد الثلاث سنوات لدى تقدمه للكونجرس بطلبه لاجازة تلك الحرب؟ هل كانت لديه رؤية خاصة لم تتبين له الا في وقت لاحق؟ 4) لهجة أوباما لدى اعلانه الأول عن الشروع بتلك الحرب في 28 أيار 2014 وفي خطابيه اللاحقين، كانت في مستوى لهجته لدى تهديده بقصف سوريا ردا على ما وصف باستخدامها للسلاح الكيماوي في غوطة دمشق في عام 2013. لكنه تهديد عدل عنه فيما بعد، دون أن يقررالعدول عن تهديده لداعش رغم امتداد في الزمن بين خطابه في أيار2014 ورسالته الى الكونجرس في شباط 2015 ، مما كشف عن وجود فراغ في قدرته على الصبرعلى أعمال داعش، أقل من قدرته على الصبر على الرئيس بشار الذي اعتبره الرئيس الأميركي دائما عدوا لدودا يسعى لاسقاطه أو تحجيمه. فلما تبدلت أهداف الرئيس الأميركي من غضب على بشار الى غضب مفاجىء وعنيف على داعش التي اعتبرها لفترة طويلة قاعدة ملائكية تخدم أهدافه؟ ولما لم يفكر أبدا بالتراجع، كما تراجع سابقا عن تهديده شديد اللهجة لسوريا ؟ هل هناك وراء الأكمة ما وراءها كتجاوز داعش مثلا لكل الخطوط غير المسموح بتجاوزها؟
الواقع أن هذه التساؤلات الأربعة الأخيرة مجتمعة، يفترض تحويلها الى سؤال عاشر يضاف الى سلسلة الأسئلة التسعة السابقة. فهل هناك سر ما غامض في العلاقة بين الولايات المتحدة وداعش، بدأ يثير الكثير الكثير من التساؤلات حول ظهورها الطارىء، وتحديها للقاعدة، ودخولها في تحد تنافسي معها، اضافة الى ثروتها المفاجئة، وتبديلها لأهداف المقاومة العراقية من مقاومة الاحتلال الى محاربة طائفة الشيعة، وغير ذلك من الأمور الغامضة...
تساؤلات كثيرة قد لا تنتهي أبدا .فما هو ذلك السر الغامض الكامن وراءها يا ترى؟
سؤال تجيب عليه الفصول اللاحقة في الكتاب .
#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
داعش تبلغ أعلى مراحل البربرية باعدامها معاذ كساسبة
-
هل الحرب الأميركية ضد الارهاب الداعشي، هي حرب لاغتيال داعش،
...
-
المخطط الأميركي لتفكيك -القاعدة-، بدءا بغزو أفغانستان عام 20
...
-
لا تندهي .. ما فيه حدا آذان أصابها صمم، فلا تسمع رجع الصدى .
...
-
هل كان الصاروخ الذي ادعت داعش اسقاطه للطائرة، أول الأخطاء ال
...
-
ولادة الفكر الارهابي نتيجة متوقعة للفراغ الذي تركه اغتيال ال
...
-
لما الاستغراب لوصول الاسلام السياسي الى السلطة في تونس ومصر
...
-
أخطار تهدد الخليج، وأخرى تهدد أوروبا، وأخطار تهدد الشرق الأو
...
-
كيف تحولت -عين العرب- الى -كوباني-غراد-، وهل سيؤثر ذلك على ا
...
-
هل تصبح -كوباني- معركة مصيرية لمستقبل تركيا في حلف -الناتو-
...
-
من استدرج من الى حرب سوريا؟ دول الخليج؟ أميركا؟ أم تركيا أرد
...
-
هل تصبح -عين العرب- معركة مفصلية تحدد جدية التحالف في محاربة
...
-
قصيدة سياسية بمناسبة عيد الأضحى
-
الورقة اليمنية وورقة -داعش-، والمتغيرات المتوقعة بسببهما في
...
-
هل نقطع رأس داعش أم نقطع رأس المؤامر ة؟
-
هل نحارب الفكر السلفي التكفيري بمحاربة العروبة باعتبار بلاد
...
-
الأردن وسياسته الضريبية كحل غير مجد لمشاكله الاقتصادية
-
من يقطع رأس داعش.. قاطعة الرؤوس؟ ولماذا تتلكأ الولايات المتح
...
-
السمات الغريبة التي تميزت بها الحروب في العقد الحالي من القر
...
-
الزلزال في غزة، والضحايا من الأطفال الأبرياء، في قصائد الشعر
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|