|
هل التطرف الديني بديل لعصر التنوير العربي؟!
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 4737 - 2015 / 3 / 3 - 22:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
*الثقافة العربية نقلت مفهوم الحداثة بشكله وليس بمضمونه* اصوات الفئات المتنورة لا تصل لمن نشأ في ظل نفي العقل* ما يشغل العالم العربي ليس العمران انما الحد من التطرف الديني* الحداثة هي حرية الإرادة* الاستبداد السياسي يندمج مع استبداد ظلامي يتحدث باسم السماء* صراخنا حول تراثنا وحضارتنا هو تمويه للحقيقة وخداع للنفس*
بقلم: نبيل عودة
ظهر مفهوم الحداثة في الحضارة الغربية قبل حوالي قرن من الزمان، حيث أطلقت العقل من قيوده، محدثة أهم نهضة في تاريخ البشرية. حررت الفكر من الكهنوت الديني ومحاكم التفتيش وقمع العلم، اعتمدت المنطق العلمي والبحث طريقا وتخلصت من فكر الخرافات والخوارق. الثقافة العربية نقلت مفهوم الحداثة بشكله وليس بمضمونه، بل والبعض "سبق" المصادر التي انطلقت منها الحداثة وفسر ما لم يفسر بعد في الغرب، طرح مفاهيم جاهزة اعتمدت الاجتهاد اللغوي بالأساس، لدرجة يبدو ان الحداثة نقلها الغرب عن العرب وليس العكس. المطلع على فلسفة التنوير الأوروبية ولو خطفا، يجد ان ما قام به بعض انصار الحداثة العرب هو أشبه بعملية اغتصاب فاشلة لفكر لم يجر تجهيز القاعدة المادية الاجتماعية والفلسفية لاستيعاب مفاهيم التنوير أولا ثم الحداثة بشموليتها. أشغل موضوع الحداثة بال قلة من المثقفين والمفكرين في العالم العربي ، معظمهم مثقفين تأثروا بالتنوير الأوروبي الذي انطلق مع عصر النهضة (الرينيسانس) قطعا ما كان للحداثة ان تنشأ وتنتشر بدونه. المجتمعات العربية ركزت اهتمامها الجوهري بجانب من التنوير يتعلق بالإبداع الأدبي تحديدا، بسبب غياب فرص الحداثة الاجتماعية، الإقتصادية والسياسية، بالتالي جرى فصل مفهوم الحداثة عشوائيا عن جغرافيتها وبيئتها ومسيرتها الحضارية وما أحدثته الحداثة من انتشار واسع لفلسفة التنوير، يبدو انهم حاولوا استباق العملية التاريخية المفترض ان تبدأ بعصر تنوير عربي، كانت له بدايات لم تكتمل بدأتها مجموعة من التنويريين العرب، لتحرير العقل العربي من قرونه الوسطى. كانت تعابير الحداثة التي أطلقها المثقفون العرب في مجتمعاتهم أشبه بالحلم للتخلص من الماضوية التي تعيق انطلاقة المجتمعات العربية نحو آفاق حضارية جديدة.. الملاحظة الصعبة ان ما يشغل العالم العربي ليس العمران انما الحد من التطرف... ومن العصبية الدينية .التي أفرزت أخيرا ظاهرة "الدواعش" ومرفقاتها... الوعي الجماعي غائب عن الصورة. اصوات الفئات المتنورة لا تصل الى عقول نشأت في ظل نفي العقل لحساب النقل والتلقين. احيانا من المستحيل ان نفهم انضواء أوساط أكاديمية في تحصيلها تحت لواء التطرف الديني الأكثر بشاعة وإجراما!! ان الحداثة في الادب والفكر والحياة ، لم تكن وليدة ظاهرة شكلية ، انما نتيجة عملية تغيرات وتطورات شملت العلوم، الثقافة، الاقتصاد والمجتمع البشري نفسه، بحيث احدثت نقلة نوعية غيرت كل افكار ومفاهيم القرون الوسطى البالية باكثريتها وطرحت مكانها افكارا وموازين تعتمد على العقل والمنطق والعلم والمعرفة لذا ليس بالصدفة ظهور فلسفة التنوير الأوروبية بفلاسفتها العظام ديكارت، هيغل، فولتير، كانط ، سبينوزا، لوك، نيتشه، سميت، ماركس وغيرهم كمحرك عاصف للتغيير اعادوا بناء الوعي الاجتماعي والعلمي والديني والثقافي واعتماد منطق التغيير والرقي بدل منطق الارتداد الماضوي وانتظار الفرج من السماء بوهم انه طريق الخلاص . في الثقافة العربية ينتشر خلط مضحك بين المفاهيم والاصطلاحات التي لم تنشأ اصلا في الفكر العربي ، بالتالي ظاهرة الحداثة لم تخترق بقوة محركاتها المجتمعات العربية التي ظلت على جهل مريع بمفاهيم الحداثة التي تقودنا جذورها التاريخية الى عصر التنوير الاوروبي، الذي بدأ قبل 300 - 400 سنة بينما مفهوم الحداثة واصطلاح الحداثة نفسه ظهر في المائة سنة الأخيرة فقط. مثلا لماذا لا نقول ان الحداثة هي حرية الإرادة؟ الم تكن حرية الارادة منقوصة تحت سلطة الكهنوت الديني في اوروبا حين كان المجتمع الأوروبي يعاني من التخلف والاستبداد السياسي والديني؟ بالتالي لم يكن الانسان يتصرف بناء على ارادته الحرة.. وهي حالة لم تغب من مجتمعاتنا العربية اليوم ، انما تزداد عمقا خاصة بسقوط الربيع العربي بأيدي كانت هي نفسها حليفا ومنتجا للواقع الفاسد الذي جعل الجماهير تخرج غاضبة تطالب بإسقاط الأنظمة التي أملقتها حتى النخاع..أطلق عليه اسم الربيع العربي، لكن هل من ربيع بدون ان يسبقه عصر تنوير حتى لو كان ضد النظام السياسي السائد؟ رؤيتي متشائمة أكثر بسبب تعمق ظاهرة الإملاق والاستبداد بسيطرة ما هو أسوأ من الاستبداد السياسي ، استبداد ظلامي يتحدث باسم السماء ولا يتردد في اعتبار معارضته خروجا عن الإرادة الإلهية ويمارس أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسان وضد التاريخ. لا بد من التحديد أن تحرير الارادة هو ما يجعل الانسان كائنا أخلاقيا، لأن حرية الإرادة تعني بالأساس ان الانسان قادر على تحديد تصرفاته بنفسه، وقادر على التمييز بين الخير والشر والأخلاقي واللاأخلاقي وتحمل مسؤوليته عن نشاطه وابداعه بالمفاهيم الأكثر شمولية للمجتمع. اهتمت فلسفة التنوير بموضوع حرية الارادة، اعطت تفسيرات عديدة لا مجال لبحثها هنا ونلاحظ ان مفهوم الإرادة كان ضمن اهتمامات الفلسفة الإغريقية القديمة ايضا. في العالم العربي نتحدث عن اصلاح برامج التعليم التي تفتقر للتحديث ولم تعد تلائم حياتنا المعاصرة وتنشئة جيل قادر على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. يعاني العالم العربي من فجوة علمية آخذة بالاتساع مع عالمنا اليوم. مجتمعاتنا العربية تفتقد لأول شروط الحداثة : تحرير ارادة الانسان العربي أولا، نشر الديمقراطية وحق التعددية الثقافية ، الدينية والسياسية . ما يقلق ان الربيع العربي يُخطف من قوى ترفض التنوير وترفض كل المفاهيم الديمقراطية والتعددية الفكرية والثقافية.. وتستبدلها بسكينة الذبح لكل من هو مختلف . مع الأسف ارى ان الحداثة بمفهومها الاجتماعي ،السياسي ، المادي ، الحضاري والديني ظلت مستبعدة وغير قادرة على اختراق الحواجز العقائدية المتصلبة الماضوية للمجتمعات العربية. المحافظون المتعنتون يحاربون الحداثة، اي يحاربون التغيرات الاجتماعية والثقافية بالتمسك، كما يدعون.. بالاصالة والتراث والتقاليد ...(بعضهم باستعمال الخنجر) السؤال : هل تتناقض الحداثة مع الاًصالة والتراث ؟ اليس التراث واصالته هو نتاج حداثي في عصرة ؟ هناك قاعدة اساسية للحداثة ،هي قدرتها على نقد ذاتها بعد كل مرحلة ، تصويب الخطأ ومواصلة الانطلاقة . الفكر الحداثي لا يطرح نفسة كفكر نهائي ثابت معصوم عن الخطأ، بل كمرحلة مرافقة للتنوير، حررت ارادة الانسان وأطلقت طاقاته الإبداعية في جميع مجالات الحياة . هل يمكن تحقيق الحداثة بدون حرية اجتماعية وفكرية؟ بدون مساواة وتعددية ثقافية؟ بدون تطوير العلوم والتعليم؟ هل يمكن تحقيق الحداثة بدون دولة مؤسسات ورقابة واستقلال السلطات عن بعضها البعض؟ ما زلنا في الشرق نعيش على ماضينا نجتره ونحوم حوله، كل صراخنا حول تراثنا وحضارتنا هو تمويه للحقيقة وخداع للنفس ، ما زلنا عالقون في "الصواب الموروث".... والصورة تبدو سوداوية , لكن الصورة لم تكن اقل سوداوية في اوروبا القديمة قبل بداية عصر التنوير!!
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جسران وعالمان...!!
-
فلسفة مبسطة: -الإمباتيا- أو الدخول في أحاسيس الآخر!!
-
الخنزيرة سيدة محترمة…
-
الكتاب الذي لم يعرفه سعيد
-
خواطر سياسية: ما الذي يخفيه -استفزاز- نتنياهو للإدارة الأمري
...
-
الشرق والغرب لا ينفصلان...!
-
فلسفة مبسطة: الفلسفة العملية
-
ليس بالصلاة فقط..!!
-
نتنياهو قوميسار سياسي جديد- جدانوف إسرائيلي
-
فلسفة مبسطة: حتمية اجتماعية أم إرادة حرة؟
-
ضمان لشرفها...!!
-
يوميات نصراوي: ماركسية أفيون الشعوب!!
-
زيت مريم العذراء المقدس
-
الغريب
-
نصوص قصصية متمردة
-
فلسفة مبسطة: مفهوم العقلانية
-
فلسفة مبسطة: المضمون والشكل
-
واقع جديد: مغامرات نتنياهو لا تمر بدون ثمن
-
فلسفة مبسطة: الأبدية (اللانهاية) ما هي؟
-
السقوط المتواصل للسياسة العربية في إسرائيل
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|