حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 1321 - 2005 / 9 / 18 - 12:01
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
هذا هو الطريق لإصلاح حقيقي للمنظمة
حامد الحمداني 17 أيلول 2005
بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة ، واللقاء الذي جمع معظم قادة الدول المنضوية تحت لوائها تجري نقاشات داخل المنظمة حول السبل الكفيلة لأجراء إصلاحات باتت ضرورية بعد مرور ستة عقود على وضع وتصديق ميثاقها بما يتلاءم والتطورات الحاصلة في عالمنا اليوم ، والتوجه نحو بناء عالم ديمقراطي جديد أكثر عدلاً .
ومنذُ أن حققت الولايات المتحدة انتصارها في حرب الخليج الثانية عام 1991 " بشر" الرئيس جورج بوش الأب بقيام عالم جديد ، معلناًً أنه يرمي إلى تحقيق عالم تسوده الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وقد تسارعت الأحداث بعد تلك الحرب ، فقد وقع الزلزال الذي أدى إلى انهيار المعسكر الاشتراكي ،ومن بعده الاتحاد السوفيتي وأصبحت الولايات المتحدة سيدة العالم والقوة الأعظم فيه دون منازع.
وبدأت تتكشف معالم العالم الجديد الذي بشر به الرئيس بوش الأب فإذا به عالماً يقوده القطب الأوحد ،الولايات المتحدة، متجاوزة فيه جميع المؤسسات الدولية التي قامت على أثر انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بدءً من هيئة الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ، وما انبثق عنهما من قوانين دوليه تنظم المجتمع الإنساني والعلاقات الدولية ، وسبل حل النزاعات الدولية بالوسائل السلمية ، والعمل على إنقاذ البشرية من الحروب التي جرّت على العالم الويلات الجسام ، كما جاء في نص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة .
وحيث أن ميثاق الأمم المتحدة قد جرى وضعه من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا، فقد أوجدت هذه الدول التي دُعيت بالكبرى ، وقد أضيفت لها الصين التي كان يحكمها[ شان كايشك] الموالي للولايات المتحدة ،أوجدت لنفسها امتيازاً داخل مجلس الأمن دعي [ حق النقض] لأي قرار لا توافق عليه حكومة أي من هذه الدول ،وكان هذا الامتياز أول نقض للديمقراطية،وقد استغلته تلك الدول،وفي المقدمة منها الولايات المتحدة في كثير من المواقف لإبطال كل قرار لمجلس الأمن لا توافق عليه.
وخلال الحقبة التي كان فيها الإتحاد السوفيتي قائماً ، كان الصراع على أشده بين الدولتين العظميين حيث يتبع كل منهما نظاماً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً يختلف عن الآخر، فكان كل منهما يقف بالمرصاد لأي قرار يسنده الطرف الآخر في ظل الصراع القائم بين الغرب الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي .
وبعد انهيارالإتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، أصحبت الولايات المتحدة سيدة العالم دون منازع فقد تكشفت ديمقراطيتها ودعواها بالحرية وما كانت تسميه [ العالم الحر ] فإذا هي اليوم تضع خلف ظهرها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ، وتبيح لنفسها حرية مطلقة في التصرف بشؤون العالم ، وتمارس ضغوطاً هائلة على أعضاء مجلس الأمن للمصادقة على القرارات التي تريدها .
وأخذت تمارس دور الشرطي العالمي ، وتصنف دول العالم على هواها ،وتساند وتدعم من تشاء وتشن الحرب على من تشاء حتى بدا العالم وكأنه مزرعة أمريكية .
ورغم أن هيئة الأمم المتحدة قد قدمت العديد من الإنجازات التي تهدف إلى تنظيم المجتمع الإنساني على أسس من الحرية والعدالة الاجتماعية،وكان أبرز تلك الإنجازات [ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ] ، لكن معظم تلك الإنجازات بقيت حبراً على الورق ، ولم تلتزم بها الدول ، واستمر انتهاك حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية ، وحقه في الحياة الحرة الكريمة. ولاشك أن ما تنشره المنظمة العالمية لحقوق الإنسان كل عام عن تلك الانتهاكات لهو الدليل القاطع على تجاوز معظم الدول لنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،على الرغم من توقيع هذه الدول عليه ، وتعهدها بالالتزام بتطبيقه .
و تزال العديد من الدول تمارس السجن والتعذيب والإعدام بحق مواطنيها دون سند قانوني ، وخاصة بحق السياسيين المعارضين للأنظمة الدكتاتورية .
ولو شاءت الولايات المتحدة أن تقف إلى جانب الشعوب المنتهكة حريتها ، ولاسيما وهي اليوم القوة العظمى الوحيدة في عالمنا لكانت كل تلك القرارات التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة قد رأت النور ، لكن ما نراه اليوم هو أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب أعتا الأنظمة المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان ، وترفض حتى المصادقة على المحكمة الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة لمحاكمة مجرمي الحرب ، مشترطة إعفاء جيشها من شموله لصلاحيات هذه المحكمة ، وهي بذلك تقر وتعترف بأن جيشها قد اقترف الكثير من تلك الجرائم ، وأنها تخشى من أن يطال جنودها العقاب .
إن كل ما قيل ويقال عن العالم الجديد الذي بشر به بوش الأب ،وما يكمله الرئيس بوش الأبن اليوم لا يعدو أن يكون عودة إلى ذلك العصر الاستعماري البشع ، والذي دفعت الشعوب ثمناً غالياً من دماء أبنائها ومن ثرواتها ، من أجل التحرر والإنعتاق من ربقة الاستعمار الذي قاست منه عقوداً عديدة .
إننا إذا شئنا أن نحقق عالماً جديداً حقاً ، عالماً يسوده القانون ويحترم حقوق الإنسان وحريته وحقه في الحياة الحرة الكريمة ، عالماً تحترم فيه الشعوب بعضها بعضاً ، عالماً تسوده المحبة بين بني البشر بصرف النظر عن الدين والقومية والجنس ، عالماً يعم به الرخاء لسائر البشرية ، عالماً تنعدم فيه الحروب والصراعات بكل أشكالها وألوانها فإن ذلك يتطلب أعادة النظر الجذرية في ميثاق الأمم المتحدة الذي مضى على إقراره 60 عاماً ، وكذلك القانون الدولي بما يتلائم وعصرنا هذا ، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي الأجراءات التالية:
1 ـ الغاء حق النقض ، حيث يتعارض هذا الحق مع الديمقراطية الحقيقية ، فليس من المعقول أن يوافق 14 عضواً على قرار ما ،وتستخدم الولايات المتحدة حق النقض لمنع إصداره كما جرى مؤخراً عند بحث القضية الفلسطينية والعدوان الوحشي الإسرائلي على شعب فلسطين.
2 ـ إخضاع مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة ، فهي الأساس في هذه المنظمة الدولية ، وينبغي أن تكون لقراراتها قوة القانون ، لا كما هي اليوم تصدر القرارات ولكن لا تنفذ ، وقد أخذ مجلس الأمن المنبثق عن الهيئة كل الصلاحيات .وعلى هذا الأساس يكون مجلس الأمن مسؤولاً أمام هيئة الأمم المتحدة ، وينفذ قراراتها ، وينبغي أن يُنتخب أعضاء مجلس الأمن من قبل هيئة الأمم المتحدة ، ولا بأس أن تكون الدول الكبرى أعضاء دائميين في الوقت الحاضر.
3 ـ توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن ليضم العديد من الدول الكبرى كالهند واليابان والمانيا والبرازيل ومصر كممثلة للعالم العربي ، وزيادة عدد أعضاء المجلس غير الدائميين لكي يصبح المجموع 30 عضواً .
4 ـ ينبغي أن ينص ميثاق الأمم المتحدة على وجوب التزام كافة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والذي يجب أن يصبح في صلب القانون الدولي ، وأن تجري الانتخابات في سائر الدول الأعضاء تحت اشراف الأمم المتحدة .
5 ـ ينبغي وقف عضوية أي دولة في المنظمة الدولية لا تلتزم ببنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ومقاطعتها لحين تحقيق الالتزام الحقيقي والصادق به،وتتخذ الإجراءات اللازمة بحق الحكومات لإجبارها على التقيد بالقانون الدولي نصاً وروحاً.
6 ـ ينبغي العمل على ردم الهوة العميقة بين عالم الشمال وعالم الجنوب الذي يلفه الفقر ،و تحويل جزء من المليارات التي تنفقها الدول الغنية في هذا المجال ،تحقيقاً للعدالة الاجتماعية التي بشر بها ميثاق المنظمة ، من أجل مكافحة موجة الإرهاب الدولي المستشري في عالمنا اليوم .
إن مكافحة الإرهاب عن طريق القوة وحدها لا يمكن أن يحقق النجاح ما لم يتم مكافحة الفقر الذي يُعتبر المرتع الأول لتفريخ قوى الإرهاب .
كما أن إحساس الشعوب المستضعفة بفقدانها لحقوقها الوطنية والإنسانية يمثل عاملاً آخر لا يقل أهمية وإلحاحاً لتجفيف مصادر الإرهاب ، فالشعوب جميعاً تواقة لحريتها وحقها في الحياة الآمنة والمستقرة والكريمة .
وفي حين أن تكاليف التسلح والحروب تتجاوز الأرقام الفلكية الخيالية اليوم، فإن مئات الملايين من بني البشر تعيش تحت خط الفقر ويتعرض أكثر من 22 مليون إنسان إلى الموت جوعاً .
ألا يكفي البشرية مما تعانيه اليوم من بؤس وفاقة وأمراض خطيرة ، وحياة قاسية لا تليق بالإنسان ؟
ألم يحن الوقت لتحقيق عدالة اجتماعية بين بني البشر .
إذا كان قادة الدول المهيمنة على المنظمة ومجلس الأمن صادقين في دعواهم بنشر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وتحقيق الحياة التي تليق بالبشر، ومعالجة الفقر والبطالة والأمراض الفتاكة التي يذهب ضحيتها الملايين من بني البشر كل عام ، وإذا شئنا بناء عالم جديد تسوده قيم الحرية والعدالة الاجتماعية بكل تفاصيلها ،وينال احترام الشعوب قاطبة ، وينتهي العداء، وتختفي الكراهية ، وتسود المحبة ، ويعم السلام بين بني البشر في شتى بقاع الأرض ، فإن هذا هو الطريق المفضي لإصلاح منظمة الأمم المتحدة.
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟