أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فضيلة مرتضى - ليلة هروب الملائكة















المزيد.....


ليلة هروب الملائكة


فضيلة مرتضى

الحوار المتمدن-العدد: 4735 - 2015 / 3 / 1 - 15:38
المحور: الادب والفن
    


ليلة هروب الملائكة
فضيلة مرتضى
قصة قصيرة
كانت ليلة باردة ومظلمة من ليالي ديسمبرعام 1991 سيارة أجرة باللون الأبيض أخذت موقعها بين السيارات المتراصة والمنتظرة على الحدود العراقية الأردنية في جوفها عشرة أشخاص ستة منهم أطفال أكبرهم بعمر ثمانية سنين والأصغر سنتين وسيدتين في مقتبل العمر ورجلين تشير ملامحهما الى سن الأربعينيات . على المقعدين الأمامين يجلسس الرجلين بجانب السائق أما المقاعد الخلفيةعبارة عن صفين من المقاعد في كل صف تجلس سيدة ومعها ثلاثة أطفال وكل سيدة تحيط أطفالها بأذرع الخوف المتأجج في الرأس والمكتسح كل ثنايا الجسد المرتعش .مجرد الوقوف أمام رجال الشيطان جيوش ضارية من الرعب تخترق منابع الكيان وأي مغامرة من أجل الخلاص مستحيلة , يسحق فدائي السلطان كل من تسول له نفسه للدخول في موجات الصراع مع الغول ولامجال للهروب من قبضتهم وبطشهم لو تمردوا وأعلنوا الثورة والعصيان سلاحهم يفوق سلاح الجياع . الكيانات المحشوة داخل السيارة ينتظرون على حدود مملكة الرعب قلوبهم يقرصه الخوف متكأ على الأصرار والتحدي بعد أن نضجت فكرة عبور حاجز الخوف والأنطلاق مع الملائكة خارج أسوار الشياطين ودفع عربون النجاة مهما كانت ضخامة التضحية للخلاص من العبودية وحمامات الدم. تلاوة آيات قرآنية تتردد على شفاه السيدتين ولكن بصمت ودعوات للأفلات من قبضة الشياطين الرابضين على حدود الخلاص من الجحيم .كانت ليلة تحفر فيها الذاكرة صورة نهاية حلم وكابوس وبداية وقفة على أبواب المصير ونمو أجنحة الطيران للملائكة والخلاص من نيران الجحيم. الواقفون أمام الحدود مغلفون بأحجار الهم الثقيل والأبالسة يرشقونهم بأقسى وأسوء النعوت البذيئة تطعن جميع الآدمين ويخجل منه السموات والأرض .عيون رجال الشرطة الحدودية تترقب السيارة ببريق إشتعال تعكر مزاج حتى الشياطين ويستديرون ويحيطون بقافلة داخلة أو خارجة بعيون ثاقبة وتفتيش دقيق بأستثناء سيارات خاصة لاتعرف هويتها يؤشرون لسائقها بأختراق الحدود بسرعة. بعد أنتظار طويل وقلق وملل ورهبة تحرك السائق وفتح الباب بتذمر وخرج من السيارة وأوصد بابها بقوة متوجهآ الى رجال الشرطة محاولآ التحدث اليهم وعلى أثره تبعه الرجلين القابعين في المقاعد الأمامية للسيارة وترجلا صوب بناية صغيرة حدودية محاولة منهما للحصول على تأشيرة الخروج وفي رأسيهما بقايا أحلام وكوابيس وحلم الفراديس والأطفال بدأ الملل يتسرب اليهم من الانتظار الطويل, أنقلب الصمت الى التأفف والبكاء ومحاولة الخروج من السيارة .ألتجأت السيدتان الى لغة القلب وأطفأتا شهوة الحرية والأنطلاق لدى عصافير الجنة الستة لتحيا في أجنحتم الضياء فتسرب الهدوء الى الرؤس الصغيرة فسكتت الملائكة بصوت الأعياء والبكاء. الشياطين تتنشط في الليل والعصافير تتوغل في بطن الظلام لتنام في أعشاشها آمنة مطمئنة ولكن البشر في دولة السلطان يهجعون وعيونهم مفتوحة يتوقعون في أي لحظة موعد مع سراديب الشيطان وحضن اللهيب ومخالب تنهش في اللحوم المحروقة . كان الزمن ثقيل وطويل تلك الليلة السماء ملبدة بالغيوم وتتنفس الأرض برائحة الرطوبة والقابعون في السيارة يتلمسون جدران الزمن ويطوفون في دنيا الأمل ويحاولون كنس الضجر من روؤس العصافير ويسمعون الضحكات الخشنة والعالية من الرؤوس العفنة وهم يدقون بأحذيتهم على وجه الأرض المبلطة بالأسفلت بكل وقاحة وعنجهية متلذذين بصور معاناة الأنتظار والخوف والأنفعال على وجوه المنتظرين ويصل بهم النشوة ذروتها حين يغلقون الأبواب والشبابيك بوجه التعساء ويشاهدونم حيارى أمام جبروتهم .فجأة عاد الرجلان مسرعان بأتجاة السيارة لأن رجال الأمن الحدودي أحاطوا بالسيارة وسيطر الخوف على الأطفال والأرتباك والتوترعلى السيدتين وخصوصآ السيدة فريال لم تكن قدماها تلك اللحظه سوى حجرتان ثقيلتان وضربات قلبها وصل الى أعلى درجاته ونبضاته كان يدق على جانبي رأسها تسمعه تسمرت في مكانها التصقت بأطفالها وحوطتهم بذراعيها وكأنها تحاول أدخالهم الى قفصها الصدري ومرت بحنو راحتياها على رؤسهم يجتاحها موج شعور بكاء أبكم تعلم جيدآ مدى قساوة الشياطين ومدى بشاعة العقاب , أرهاب جعل الناس لايخشون العدوان الخارجي سوى عدوان أمن الدولة يهربون من بلد الى بلد ومن مكان الى مكان آخر هربآ من البطش والمعتقلات الرهيبة حوادث غريبة ومخيفة تحدث وبطش وعذاب وعوائل كثيرة أبيدت من بكرة أبيها لمجرد كلمة خرجت من فم طفل برئ لم يدرك مدى خطورتها ولم يفهم حتى معناها .. كلمة كانت سبب أبادة عائلة وعشيرة. تذكرت يوم أعتقال زوجها ومدى قسوة الشياطين وبشاعة العقاب ويوم أستدعائها الى الأمن العامة وأستجوابها عدة مرات لمجرد بلاغ كاذب من قبل أحدى ماجدات السلطان أصبح الأنسان في البلاد لايثق بأحد يفكر كثيرآ قبل ان ينطق ويخشى مكانات التجمع وحتى لو زار أحدهم صديق يكون معرض للأستجواب والتحقيق الكل في دائرة الشك وجميع الشباب رهائن لمزاج السلطان يزجهم في الحروب والمعتقلات ولو فكروا بالعصيان ينتظرهم أحواض التيزاب{سائل كيمياوي ,عند رمي الجسد فيه يذوب في لحظات ويختفي} كثير من الشباب كان مصيرهم الرمي في حضن ذلك الحوض الرهيب . فلن تنسى فريال رائحة الدم واللحم المحروق في سجون السلطان وصرخات النساء في منتصف الليل وعويل الأمهات على أبواب السجون والمعتقلات صورة بشعة في كهوف العذاب. تذكرت الرعب والخوف في عيون صغيرها حين أطلقوا الرصاص في رأس سائق شاب في عمر الزهور في طريقه الى البيت عابرآ جسر {الصرافية} وفي حضن الظهيرة في قلب بغداد الرهينة لمجرد عدم وجود هويته معه ليثبت أنه من سكان المنطقة وأعتراضه للأهانة كونه أبن الوطن ولايجوز معاملته بخسة والحادثة جرت أمام منزلها .تساءلت لو أنكشف أمرهم أي مصير ينتظرهم ؟؟ شعور هائج وسط أزدحام الوجوه التي غادرها فضاءالأنسانية المحيطة بالسيارة .صرخ أحدهم ومد رأسه داخل السيارة من خلال النافذة المفتوحة جهة السيدة فريال والتفت اليها قائلا بصوت عالي وبغضب :{ماهو سبب مجيئكم الى منطقة الحدود في هذا الليل المظلم وهذا الجو البارد مع هؤلاء الأطفال؟!} ولاتدري فريال كيف خرجت من فمها المبطن بالجفاف الكلمات الغير مرتبة مسبقآ لأنه ظهر فجأة وأخترق الفلم الدائر في تجاويف المخ :{أخي عيد رأس السنة الميلادي بعد أيام ونحن قررنا أن نحتفل مع أقربائنا في عمان} صرخ في وجهها قائلآ :{ على من تضحكين ..علينا؟ نحن نفهم ألاعيبكم ..أي رأس سنة؟ نحن نفهم اللعبة ..هؤلاء الأطفال وهذه الحقائب الكثيرة المعبئة لاندري بماذا ..لابد أنكم نويتم على الهرب من جرم ما والتفت الى زملائه وأمرهم بأخلاء السيارة من راكبيها والتفتيش الدقيق للحقائب والأشخاص بدقة. وصرخ بوجه السيدة فريال:{وأنتي يامرة لي كلام آخر معك لو وجدنا مايدينكم} ناقوس الخطر وسط سحابة سوداء أيقظت كل أجراس الحذر والحيطة تلك اللحظة أحست برائحة نواياه القذرة الدنيئة أمسكت أعصابها وأنفعالها بقوة وتمسكت بالمقعد وأجابته بهدوء:{لماذا كل هذا الضجيج سألتني وأجبتك بكل أدب ودون أساءة لشخصكم وعليكم تفتيش الحقائب فأن وجدتم شيئآ يديننا من حقكم أن تتخذوا الأجرائات القانونية بحقنا وحينها أنا تحت أمركم} أطلق صرخة لزميله الواقف بجانبه فتشوا السيارة والحقائب والأشخاص بدقة وأبتعد عن المكان فلم تفهم أي شئ تلك اللحظة هل أبتعاده عن المكان كان بسبب أجابتها أم لسبب آخر لاتعلمه؟ تجمدت الدماء في أطرافها تلك اللحظة وأصبحت فريسة للوساوس ماذا يدور في رأس ذلك الشيطان المتعطش للدماء؟. كلمات زوجها المطعمة بألوان الحب والسكينة أدخل قليلآ من الأطمئنان الى روحها الهائجة . بسيقان مرتعشة وبرأس محشو بالصراخ المكتوم, في جوف الذاكرة مر أمام شاشة المخزون أحداث الصباح ورجع الزمن الى الوراء قليلآ وسط سحابة الرعب وأختطف بسرعة فريال ووضعها في منزلها لتستذكر أجواء ذلك اليوم المشحون بالأنفعالات وردود الأفعال ...كانت فريال وزوجها فاروق يتحركون بأقصى سرعة منذ بزوغ أشعة الشمس في سماء العراق الحزين وفي رأسيهما أحلام وردية وأماني وحلم الخلاص من الكابوس ومن أحشاء الخوف وأبتهالات تتلبس بصور التضرع الى السماء بالخلاص والنجاة من طوفان مجنون يولد كل يوم في عيون السلاطين .كانا ينجزان الأعمال في سباق مع الزمن وكان الكهرباء والماء في قائمة الموت, لحظات حرجة ومن الصعب مسك الزمن وعلى فريال أن تنجز الكثير من المهمات وتحتاج الى الماء وأما مسألة الكهرباء كان ممكن الأستغناء عنه لأن الوقت كان بين راحتي النهار وضياه .تفكر بتحميم الأطفال وأيضآ عليها أخذ دوش للخلاص من التعب والأرهاق وتسليم مفتاح البيت الى الشخص الذي أشتراه بكل محتوياته قبل وصول سيارة الرحمة الساعة الخامسة بعد الظهر وكان أتفاق مع الشخص الذي يوصلهم الى الحدود العراقية الأردنية مقابل مبالغ مغرية جرى الأتفاق بين رب الأسرة والسائق وأيضا هناك أتفاق مع العائلة االأخرى وهي عائلة شقيق السيدة فريال بمرافقتهم في رحلة الهروب لنفس الظروف والمعانات . دخل فاروق وبين يديه لفافة ورقية بين طياتها الأكل الجاهز حيث أشتراه من أحدى المطاعم وهو في طريقه الى المنزل وكان هذا الموقف إنقاذآ لان السيدة فريال كانت متوترة لاتعرف كيف تجهز طعام الغذاء والماء مقطوع .الساكنون في أرض الرافدين يفرشون فيه أرواحهم, وأجسادهم ريش تنطلق في أرض الآخرين وعيونهم لاتلد عيون جديدة لترى أرض بديل كما ترى أرض بلادهم ,والشمس هي واحدة يرونها في سماء العراق ولكنهم يهربون مثقلين بالجراح .
ترامى صوت فريال الى مساع جارتها بنبرات الشكوى والحيرة لأنقطاع الماء فسارعت جارتها الكريمة التي تسكن في منزل ملاصق لمنزلها بجلب عدة سطلات من الماء كانت تخزنها في خزان كبير فوق سطح المنزل حين تتكرم مصلحة إسالة الماء بدفعه خلال شبكات الأنابيب ليلآ فتكون تلك اللحظات مرح وكرنفال رغم شحة خروجه من فم الحنفية على شكل خيط رفيع يتمايل ويتراقص وكأنك تشاهد لوحة معاناة الماء ناهيك عن معاناة سكان المنزل حيث ينقلون الماء بواسطة سطلات الى الخزان القابع فوق سطح المنزل للخزن لغرض الأستعمال خلال ساعات النهار وأما الذين يملكون المضخة لدفع الماء الى تلك الخزانات القابعة على سطوح منازلهم كانوا ينتظرون لحين إمتلاء الخزان وبعدها يهجعون . التمسك في الحياة غريزة أنسانية وحب الضنا يسكن في الفؤاد ويملؤه فبعد كل نكسة تمر على العائلة يبرز قرار يخترق الفكر والعقل وهو الهروب بالأطفال الى مكان آمن يعيشوا فيه أحرار بعيدآ عن الخطر بعد أن أمتلأ الفضاء بالموت ورجمت وجه الصبر نواقيس الحروب والفقر والمرض والقتل الجماعي لشباب البلد .كان الأنتظار للفرصة المناسبة هو الهاجس الكبير وكل مايحدث في مدينة الرعب هو شطب للفرح على وجوه الملائكة وأختيال لمستقبل البراعم الجديدة ,حتى أسراب الطيور المحلقة في السماء يركبها الخوف عند مرورها بسماء الوادي الحزين. كان يوم من أصعب وأتعب الأيام التي مرت على السيدة فريال فهو يوم إستسلام للواقع المرير {الهروب الى المهجر} والأنسلاخ من الأهل والأبتعاد عن الأرض التي شهدت ولادتها وشاركتها أحزانها وأفراحها والذكريات المحفورة في كل ذرة من ترابها بكت كثيرآ للعالم الذي أنجرف للاعقلانية للدمار الذي حل في كل ركن من أركان الوطن.. للحاجيات التي تربطها علاقة وثيقة بأعوام حياتها الجميلة وماضيها الجميل وأحلام الصبا وبيت الأحلام الذي وضعت في كل ركن فيه بصمة من بصمات الحواس الخمسة ورسمت فيه خطوط الذكريات . تذكرت ليلة الرعب في الساعة الثانية بعد منتصف الليل بتوقيت بغداد في16 كانون الثاني عام 1991 وضربة الحلفاء لبغداد والأنفجارات الأولى أيقظت سكان بغداد وأطلقت الصرخات الأحياء السكنية وهتافات مذعورة أطلقتها سكان المدينة وصواريخ كروز كانت تقذف من {ميدوري} الراسية في مياه الخليج {ميدوري } الفرقاطة الأمريكية وكانت الضربات متتالية وقوية هزت جدران البيت وأنكسرت الشبابيك والغرض من الضربة كانت لأجبار الحكومة العراقية وجيشها من الخروج من الكويت بعد أن كانت محتلة من قبل السلطة العراقية آنذاك حيث أستمر أحتلال الكويت لمدة عام تقريبآ وأيضآ لأضعاف العراق وتقليل تهديدها للمنطقة وتدمير البنية التحتية كانت من أبشع الأحداث التي شهدتها العالم حيث خسارة كبيرة في الأقتصاد العراقي وضحايا كثيرة في صفوف الجيش وقتل الكثير من الأبرياء من الشعب تحت مسميات يطلقها أسوء الحكام شهدتها المنطقة وأسوء سياسة عالمية رأسمالية. في تلك الليلة المشؤمة أستيقظت أفراد أسرتها مذعورة وبسرعة البرق حملوا الأطفال الى الغرفة الداخلية تحت السلم لتوقعاتهم بأستعمال السلاح الكيميائي الفتاك وكانت الغرفة مهيئة بتغليف الشباك الوحيد فيها بستائر واقية للمواد الكيميائية وبواسائل بسيطة جدآ وبتعليمات الصادرة من الأذاعة والتلفزيون حينها ومع الضربة أنقطع التيار الكهربائي والماء وكان جحيم حقيقيأ النيران تنصب على المراكز الحيوية والبنية التحيتية وأنتظار الموت هو المسيطر على كيان العائلة وأجتمعوأ الخمسة على سرير واحد وألتصقوا ببعض وأغلقوا نوافذ النوم والأهداب صفقت للسهر حتى الصباح ومع أول خيط من خيوط ضوء الصباح أطبقت أجفان العصافير والتحمت مع بعض بعد ليلة مرعبة وصاخبة وأستسلموا للنوم وعيون الوالدين أبت أن تستسلم ,وتلته ليالي يتبارى فيه الشياطين لقتل الملائكة ففي كل ليلة كان الموت يتربص للجميع وفي كل ليلة تلتصق العائلة على سرير واحد منتظرين مهرجان الموت بأنفاس مقطوعة. حروب كثيرة مرت وتوقعات بحروب جديدة لانهاية لها تداولها المحللون السياسيون في داخل مملكة السلطان وخارجها وكان هذا المحفز الأكثر للتحرك بسرعة وأنقاذ فلذات الأكباد من براثن الموت والمصير الغامض. بعد خروج الجيوش العراقية من الكويت وموت الآلاف من الشباب ونجاة السلطان, تحرك رب الأسرة للأتصال بمن يساعدهم على الخروج من الجحيم وخصوصآ أنفتح الحدود بأمر خارجي للسماح لسفر العراقيين ولكن بشروط لم تتوفر عند عائلة السيدة فريال أبسطها غير مسموح للتلميذ حتى لو كان في المراحل الأولى للدراسة وأيضآ غير مسموح للموظفين والسيدة فريال كانت موظفة في إحدى الدوائر الحكومية وتعيش تحت ظروف نفسية قاهرة لتعرضها للأستجواب مرارآ كغيرها من الموظفات اللاتي ليس لديهن إنتماء الى ماجدات القائد ,وفلذة كبدها في المرحلة الأولى من الدراسة و الزوج سياسي مطارد فكان عليهم الحصول على جوازات غير مذكور فيها هذه التفاصيل وبعد جهود مضنية ودفع مبالغ كبيرة للأشخاص المعنيين تم الحصول على جوازات وكان يوم بهيجآ رقصت أفراد الأسرة فرحآ ولكن قلب السيدة فريال كان مفعمآ بالفرح والحزن في آن واحد .الخوف من الوقوع في الأيادي الخبيثة التي تترصد لعائلتها منذ أن فرش الشيطان سجادته على أرض الوطن ...أفسد عليها فرحتها.
لحظات وجودها بين أحضان زوجها أمام الحدود العراقية الأردنية والتصاق عصافيرها المرتعشة بهما كانت عائلة شقيقها في نفس اللوحة الدرامية في الجانب الآخر من السيارة أطفال في حالة يرثى لها ولوحة تراجيدية عميقة الحزن وأيادي تعبث بالحقائب وكل الملابس مبعثرة على أرضية الأسفلت وفي داخل السيارة كل شئ معرض للتفتيش والشئ الذي كان مختبئ في سروال السيدة فريال وزميلتها ويطبق عليه البنطلون الجينز كان مصدر قلق وخوف لو وقعت بيد ذلك الشيطان الذي صرخ في وجهها كانت لعبة مع المصير المجهول وأصرار على رسم نهاية أما العبور الى الأمان أو الوقوع في غياب الجب لحظات حرجة مرت فلم يجدوا شيئآ فكان عليهم لملمة الحاجيات ووضعها في الحقائب المفتوحة وفعلوا ذلك بقلوب دامية وعيون دامعة وأسراب من مياه العيون بللت وجوه العصافير ملائكة الجنة أمرهم السائق أن يدخلوا العربة وكان حزين جدآ للمعاملة اللاأنسانية التي واجهتهم قال:{ بأنه تعود على مشاهدة أتعس من هذه المناظر ونصحهم بالصبر } وأخذ من الرجلان الجوازات وحفنة من الدنانير العراقية ليقوم هو بمهمة الحصول على التأشيرات وأغلق أبواب العربة وهرول بأتجاه بناية التأشيرات مع أطلاق كلمات :{الله يسهل وأحصل المراد أدعوا رحمة رب العالمين}. وفي هذا الأثناء شاهدوا ثلاث شاحنات تنطلق وتجتاز الحدود بأتجاه الأردن ففرحوا جميعآ لانهم أصبحوا قريبين وأمام الحدود مباشرة وخيوط الفجر ينثر ضياءه في السماء وراء الغيوم مخترقآ كثافتها معلنآ نهار جديد آخر من عمر البشرية, فأطلقت السيدتان دعاء الرحمة ودقات القلوب داخل الصدور مضطربة والنبضات سريعة جدآ وفجأة على غير أنتظار عاد الشيطان مسرعآ بأتجاه العربة وهو يزمجر:{ أخرجوا للتفيش أنتم جميعآ فتشنا الحقائب وجاء دوركم } تحسست السيدة فريال خلفها وبالتحديد على مكان الشئ المختبئ لتتأكد من عدم البروز وتحفزت للهجوم عليه لو تصرف أي تصرف مفاجئ فهي حياة أو موت فلتكون قوية وبقدر المبادئ التي تؤمن بها كل هذا يجري وزميلتها { سهير}هادئة هدوء غير طبيعي وزراعيها تلتف حول صغارها جالسة دون حركة فهي من النوع المسيطر على أعصابها في مثل هكذا ظروف ولها مواقف تتذكرها فريال أمرأة قوية شجاعة ولها كلمة الفصل دائمآ.خرج الأربعة الكبار وبقي الأطفال محشورين داخل السيارة فأزداد شعور جديد لدى فريال بالتصاعد وهي تمسك قلب الكبرياء وشجاعة من سبقوها في الدفاع عن كل شئ ثمين بكل مالديها من بقايا قوة مع الحرص على الحفاظ على أرواح العصافير المحشوة داخل العربة وفي تلك اللحظات كانت أشبه بالقطة الخائفة على صغارها فتلجأ الى نقلهم من مكان الى مكان آخر آمن لتنقذهم من الهر المفترس. أطلقت صرخة بوجه الوحش :{ماذا تريد منا ؟ لماذا تكره الأنسانية ؟لماذا تكرهون العراق؟ هل أنتم بشر ؟أليس لديكم أطفال وزوجة تخشون عليهم ؟ أنا متأكدة بأن الرحمة ماتت في قلوبكم أتركونا نمضي } لم تتوقع أبدآ بأن هناك مفاجأة كبرى تنتظرهم, تضايق الوحش وظهر في غضون وجهه الكريه وأرتجف شواربه الغليظة ورفع كفه الوسخة ليصفعها ولكن سبقت الصفعة أطلاق رصاصات مصحوبة بصراخ وشتائم جاءت من الجهة اليمنى من السيارة وعلى أثره سقط الكف الى جانبه وركض هو وزملائه وراء رجل ظهر فجأة وهو يطلق النار على أحد رجال الحدود عمت فوضى عارمة ورمي رصاص عشوائيآ أسرع الأربعة الى داخل السيارة وأغلقوا الأبواب بأحكام وبسرعة فائقة جاء السائق مهرولآ بكل مالديه من طاقة وأقدامه تطير في الهواء وهو يلوح بالجوازات وصل الى السيارة ودس نفسه بداخلها أمام المقود وأنطلق بهم بأقصى سرعة مع أنين عجلات العربة مخترقآ الحدود العراقية الأردنية مع تأشيرة الخروج مؤشرة في الجوازات. أطلق الجميع صرخة النجاح والخلاص تصحبها بكاء وضحك كان مخاض عسيرآ .
أنطلق الأطفال في الأراضي الأرنية يتصايحون ويقفزون ويركضون بدهشة بريئة وبمشاعر طفوليه ناصعة البياض.
وأخيرآ رأت الملائكة بأجنحة تلمع في سماء آخر, ولكن في القلب أرض تأكله النيران ..هل تراه مرة أخرى ؟ سؤال دار في فكر السيدة فريال.
23/01/2015



#فضيلة_مرتضى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كأس حواء وخيط آدم
- ليالي بغداد
- خير الليالي
- نهاية قصة
- هو يريدني
- هو ذا الحب
- خلجات في الغربة
- تغريدة الحروف
- أزمة أخلاق وسلوكيات في العالم الثالث
- قصة حب
- الكفن والوجه
- لوحة كئيبة
- الشعر والشعراء مابين القديم والحديث
- شكرآ سيدتنا الأولى الدكتورة نوال السعداوي
- العزف على طريق مقطوع
- القصيدة
- تخبط العقل في العالم الشرقي
- مرايا الأشواق
- مابين النقد والتسقيط
- رسائل الى رجل


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فضيلة مرتضى - ليلة هروب الملائكة