|
معاول الظلام والتخلف تساهم في تحطيم تاريخ العراق
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 4735 - 2015 / 3 / 1 - 15:02
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الفكر الرجعي الظلامي الذي يجاهد في زيادة العنف والإرهاب والتطاحن الطائفي ، القتل والتفجير والاغتيال يعود ليطرق باب آخر من التراث المعرفي والثقافي التاريخي في البلاد لتدميره وتدمير كل القيم الأخلاقية والثقافية والعلمية لاستكمال مشروعه المتخلف الذي يهدف إلى الجهالة المطبقة التي تجعل الإنسان عبارة عن آلة تحركها الانفعالات الروحية والعنفية، وبهذا دشن في بداية مشروعه الغيبي تفجيرات المراقد والآثار الدينية لكل المكونات كبروفة لحرب مدمرة وجهت لتدمير تراث نينوى وآثارها التي عرفها العالم وعرف معالمها التاريخية ودورها الكبير في الحضارة البشرية منذ نشوئها في العراق الذي سميّ بلاد ما بين النهرين "دجلة والفرات " الذي يسعى البعض من دول الجوارالى تجفيفهما من خلال قطع الجداول والروافد أو بناء السدود الضخمة وحجب حصة العراق المائية المنصوص عليها في المعاهدات الدولية والإنسانية وهو تدمير لا يقل فظاعة إذا لم نقل أكثر فظاعة عن تدمير الآثار التاريخية لهذه البلاد المبتلية بالإرهاب والعنف واللاعدالة لأنه موجه لحياة الشعب المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وبهذا يواجه العراق مشروعين تدميريْن يهدفان وحدته الوطنية ووحدته الجغرافية. لا غلو أو تزييف للحقيقة والتاريخ عندما أشير سابقاً ولاحقاً بان العراق مهد الحضارة هذه الإشارة الصحيحة لا يختلف عليها اثنان وهذا ما أكده علم الآثار والاكتشافات الأثرية المتوزعة على عدة مناطق مختلفة، ومن بين هذه المناطق أو المحافظات محافظة نينوى المعروفة بمعالمها الأثرية والحضارية التي تقدر عمرها بآلاف السنين، وقد اتخذها الآشوريون عاصمة لهم عام ( 1080 ) قبل الميلاد ومن خلال الآثار المكتشفة الموجودة في الجانب الأيسر من مدينة الموصل واشهرها الآثار والأسوار والقلاع الموجودة في باب شمس وحصن الآشوريين وتل قوينجق وبوابة المسقى وتل التوبة (النبي يونس) وهناك العديد من القلاع الدفاعية التي بناها الآشوريين كما هناك العديد من الآثار والتماثيل والمعالم التي تؤكد عراقة نينوى وتاريخها وتواجدها الحضاري في التاريخ الذي دمر العديد من معالمها الأثرية عندما استولى الميدييون والكلدانيون عليها بعد قتال طاحن ثم دمروها بما فيها الحصن ألعبوري، ولهذا تمتلك نينوى موقعاً متميزاً كونها تشغل المرتبة الثالثة بين المواقع الأثرية العراقية لأنها على الصعيد التاريخي كانت تعتبر " عاصمة الإمبراطورية الآشورية التي حكمت العراق فضلاً أنها تتميز بمواقع أثرية " ساسانية وكلدانية " إضافة إلى آثار حول الفتح العربي الإسلامي، وأدت التنقيبات منذ أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين من العثور على المئات من الآثار والرسوم والمنحوتات والقصور العائدة للملك سنحاريب ( حوالي 700 قبل الميلاد ) وعلى موقع قصر أشور ناصر بال إضافة إلى آثار برونزية تعود إلى حوالي ( 2334 - 2279 قبل الميلاد )، أما في العصر الحديث وبخاصة الحكم الملكي فقد اعتبرت نينوى المحافظة الثانية بموقعها السكاني في العراق واعتبرت الموصل عبارة عن نقطة وصل وكما جاء في المثل " هذا غيض من فيض " بخصوص تاريخ نينوى وموقعها ومدينة الموصل التي اشتهرت مثلما اشرنا بآثارها ومتحفها الغني بالمنحوتات والكتابات والتماثيل، هذه الآثار والمنحوتات وغيرها هما الكنز الثر التاريخي الذي يمتلكه العراق وهو جزء من تواجده المعرفي والثقافي والتراثي ، ومن خلال الاكتشافات الأثرية التي هي الأسس المادية المعرفية التي أثبتت أن حضارة وادي الرافدين هي مهد الحضارة في التاريخ البشري كما اكتشفت شريعة حمورابي التي تتكون من العديد من القوانين التي تعود إلى ( 1790 قبل الميلاد ) باعتبارها الأولى في التاريخ من حيث شمولها وتكاملها التي خطت على الألواح التي يعود تاريخها إلى ( 300 قبل الميلاد ) حيث استعملها السومريون، كما جرى اكتشاف أنظمة الري والسقي الذي استعمل في جنوب العراق وشماله وأكدتها التنقيبات الأثرية على أن أول المجتمعات الزراعية وجدت في وادي ما بين النهرين تحديداً إضافة إلى قلعة " جرمو شرق كركوك " التي تعود إلى عام ( 7050 قبل الميلاد ) كما دلت الاكتشافات على اكتشاف أقدم عجلة في العراق تعود لعام ( 3500 قبل الميلاد ) وغيرها من الآثار والألواح المسمارية. هذا التاريخ أصبح منذ الاحتلال الأمريكي 2003 في مهب الريح ويحضرنا حينها كيف جرى نهب المتحف العراقي أمام سمع وبصر الجيش الأمريكي الذي لم يحرك ساكناً حتى أمام السرقات المتكررة للآثار من كل المواقع الأثرية ونقلها وبيعها خارج البلاد من قبل مختصين " حرامية عراقيين مسنودة ظهورهم كما هو معروف".. واليوم تتكامل المسرحية الدرامية الدموية لتدمير هذا التاريخ والتراث الأثري الممتد لآلاف السنين على يد الإرهاب الداعشي الذي حمل معاول الظلام والرجعية المتخلفة وانهال بها على هذه الآثار وكأنه ينتقم من كل ما هو حضاري وتنويري تقدمي في التاريخ ، كأنه ينتقم من الثقافة والفنون والمعرفة البشرية، فداعش لم يكتف بسلب المواطنين حياتهم لأتفه الأسباب وقتلهم بوحشية تفيق وحشية العصور البربرية فضاعة فحسب بل يهدف إلى إعاقة عملية التطور ومحاولة فاشلة لجعل الزمن يتوقف لا بل يتراجع إلى الخلف مئات السنين الظلامية التي كانت فيها الإنسانية تعيش الحرمان المعرفي والثقافي والحضاري، وقد ظهر للعيان أن داعش بكل معنى الكلمة هو الجهل المطلق والظلام الأبدي وبحجة الدين الإسلامي كي يتمكن من تحقيق التخلف المطلق وإنهاء القيم الإنسانية التي أصبحت منهجاً أساسياً لحقوق الإنسان وحريته في الاختيار والانتماء. إن معاول الظلام التي كانت عبر التاريخ تختار المكان المعين وتحاول تطبيق التخلف باستعمال العنف والقتل لإلغاء الآخر قد أثبتت أنها ستبقى على النهج التدميري لقيم الإنسانية والتراث البشري ولهذا فإن ما جرى في الموصل الآن وتحطيم ماهية تاريخها الأثري يذكرنا ذلك بما فعلته حركة طلبان ومن خلفها القاعدة في أفغانستان عندما قامت بتفجير تمثال بوذا الأثري التاريخي للبوذية، ولكن هل انتهت أفكار وتعليمات بوذا كمصلح اجتماعي؟ أو انتهت البوذية كمنهج يعتنقه مئات الملايين من البشر؟ وهل معاول الظلام تطمس معرفة البشرية بمهد الحضارة وتاريخ الشعوب التي قطنت المعمورة في حقب تاريخية قديمة؟.. فهذا هو المستحيل بعينه لأنه سيبقى ولن يسقط ما دامت البشرية باقية على الأرض! والذي سقط وسوف يسقط هو الفكر الظلامي المتخلف الذي يقف بالضد من التنوير وحقوق البشرية في المساواة والعدل والحرية، إن العالم المتحضر مدعو اليوم أكثر من السابق عندما وقف بالضد من العبودية والعنصرية والفاشية والنازية وبالضد من التمييز العرقي والقومي والديني مدعو لكي يقف مع الشعب العراقي الذي يعاني من الجرائم البشعة التي يقوم بها داعش والميليشيات الطائفية المسلحة ، يقف بكل حزم بالضد من الأعمال الإجرامية لطمس ليس هوية نينوى فحسب بل لطمس معالم الهوية التاريخية للعراق. لقد تنوعت الادانات التي أصدرتها المنظمات والقوى الاجتماعية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني وهذا دليل على عافية التوجه العالمي بالوقوف ضد قوى الإرهاب والتخلف ولقد أدان مجلس الأمن التدمير الذي لحق لأثار الموصل واعتبره " تدمير إرهابي " وأشار في بيان الإدانة أن " أعضاء مجلس الأمن يدينون بقوة الأعمال البربرية الإرهابية المستمرة في العراق من قبل تنظيم "داعش " وان التدمير المتعمد لآثار دينية وثقافية لا تعوض في متحف الموصل وحرق آلاف الكتب والمخطوطات النادرة من مكتبة الموصل " كما أدانت مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو ايرنا بوكوفا ) العمل الإجرامي الذي قامت به داعش وقالت " أدين هذا بوصفه هجوما متعمدا ضد تاريخ وثقافة العراق التي يبلغ عمرها قرونا وبوصفه تحريضا على العنف والكراهية" وقد أكدت بوكوفا إن "هذا الاعتداء أكثر بكثير من مأساة ثقافية، وهو أيضا شأن أمني يغذي الطائفية والتطرف العنيف والنزاع في العراق، لهذا تواصلت مع رئيس مجلس الأمن الدولي لأطلب منه عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن حول حماية الإرث الثقافي العراقي، كمكون أساسي من أمن البلاد". إن الإدانة العالمية دليل على أن العراق يتعرض لأكبر هجمة إرهابية أدت إلى مئات الآلاف من الضحايا وهي تتواصل بما تحمله من كراهية وعنف شديدين ضد أكثرية الشعب العراقي إضافة كونها تسعى إلى تدمير المعالم الأثرية والثقافية، وحكمة اليوم أن تقف الحكومة العراقية موقفاً أكثر جدية لإنقاذ ما تبقى من معالم دينية وأثرية مهددة بالتدمير والتخريب في مواقع أخرى واتخاذ الموقف السريع بالعمل للتخلص من الإرهاب وأعماله الإجرامية ومن الميليشيات التي لا تقل خطورتها وتوجهاتها العنفية الطافية عن المنظمات التكفيرية الإرهابية.
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى متى تستمر الاعتداءات على الصحافيين والصحافة؟
-
الميليشيات الطائفية المسلحة بين الحقيقة والنكران في العراق
-
رفض شعبي واسع لتواجد قوات أجنبية على الأراضي العراقية
-
هل توقف الزمن بالنسبة للعنف و التفجيرات والاغتيالات والخطف؟!
...
-
مستلزمات إعادة الثقة والتخلص من الميليشيات والإرهاب
-
خطورة الانفلات الطائفي على وحدة العراق
-
الحفاظ على تحرير كوباني اندحار للظلام والإرهاب والتطرف الدين
...
-
التعاون بين الحكومة العراقية وفيلق القدس الإيراني
-
مصيدة المتصيد
-
هو الشيوعي وحب الخليقة
-
الفساد والإرهاب توأمان لا يفترقان أبداً
-
مسؤولية تاريخية تقع على عاتق لجنة التحقيق في سقوط الموصل
-
ماذا حل بمشروع قانون الأحزاب في العراق ؟
-
أمتاز عام 2014 بالجرائم والخطف والاغتيال والحرب!
-
تصريحات مبطنة ضد البيشمركة والكرد هدفها زرع الشقاق والتخريب
-
المصالحة الوطنية طريق لعودة الأمن والبناء
-
هل سيستجيب نوري المالكي والمسؤولين للحضور إلى البرلمان؟
-
هل تسمع صوت الموجودات على الأرض؟!
-
لترتفع الأصوات للتضامن مع هيفاء الأمين وكل النساء العراق
-
إصلاح النظام والمؤسسة القضائية في العراق ضرورة وطنية ملحة
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|