عبد العزيز احربيل
الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 02:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحياة الدينية بالمجتمع المغربي بين السوسيولوجيا و االايديولوجيا :(2)
في هذا الفصل يتناول الباحث بالدرس و التحليل بعض اهم الدراسات الانتربولوجية و السوسيولوجية االتي درست و تطرقت الى موضوع المعتقدات الدينية و الممارسات المرتبطة بها في المجتمع المغربي .وقد ثم تقسيمها الى ثلاث اتجاهات اساسية :
1- الابحاث التي قام بها ادوارد فسترمارك التي انطلقت في بداية القرن 20م.حتى عشرينياته,وتعتبر من بين الدراسات الاستشراقية.
2- الدراسات الكولونيالية التي قام بها باحثون سوسيولوجيون فرنسيون او الدراسات الاستعمارية.
3- الدراسات الانثربولوجية الانجلوساكسونية.التي ظهرت في منتصف الستينيات, وهي تندرج ضمن مشاريع اكاديمية تهدف الى معرفة المجتمعات الحديثة العهد بالاستقلال انذاك.
ادوارد فسترمارك و اطروحة البقاية الوثنية :(3)
ادوارد فسترمارك هو احد اوائل الباحثين الانتربولوجيين الذين درسوا المجتمع المغربي في بداية القرن 20م.وهو باحث ميداني بامتياز, وهو تلميذه مالينوفسكي.
فسترمارك معروف مند بداية حياته العلمية باهتمامه الشديد بالقيم والعادات و الديانات عند الجنس البشري.و اصل الزواج البشري هو بمثابة الكتاب الاول لديه و الاطروحة التي نال بها الدكتوراه .
يعتبر المتن الفسترماركي حول المجتمع المغربي درجة من الكتافة و التنوع ويمكن القول ان ادوارد فسترمارك اهتم بثلاث مقاربات اساسية :
1- دراسة الاسس الننظرية لابحاثه لمعرفة مدى حجم ونوع مساهمته داخل انتربولوجيا عصره.
2- دراسة و تحليل الادوات المنهجية و المفاهمية التي استعملها في ابحاثه.
3- تحيين دراساته بالانطلاق منها للتامل في الحاضر ورصد الثابث و المتحول في المعتقدات و الطقوس المرتبطة بها في المجتمع المغربي المعاصر.
--- انماط الاعتقاد الديني بالمجتمع المغربي :
تتكون اطروحة ادوارد فسترمارك حول انماط الاعتقاد الديني بالمجتمع المغربي من ثلاث محاور مركزية و هي :
1- اختلاف الدين الشعبي للمغاربة عن الدين الارطودوكسي الفقهي
2- التداخل بين الديني و السحري ذاخل الطقوس الدينية المغربية
3- الحضور القوي للبقايا الوثنية ذاخل المعتقدات الدينية المغربية
الدين في الحياة الواقعية للمغاربة :
في بداية الامر كان ادوارد فسترمارك قد اعجب اعجابا شديدا بالمغرب, وكانت له الرغبة في دراسته ميدانيا في ما يخص الدين عند المغاربة.لذلك ركز فسترمارك علىى دراسة الاشكال الشعبية للممارسات الدنية التي غالبا ما تكون خارجة من دائرة الاسلام الفقهي بحكم ان المغاربة دينهم هو الااسلام انداك, اذن, تلك الاشكال الشعبية تتجلى في الاعتقاد في الجن و البركة والعين الشريرة وعبادة الاولياء و السحر وركز فسترمارك في دراسته هذه على المناطق القروية وفي الاخير اقر فسترمارك ان الدين الشعبي هو دين الحياة الواقعية للمغاربة.
الممارسات السحرية جزء من الاعتقاد الديني للمغاربة :
ذهب بعض الباحثين الانتربولوجيين كجيمس فرايزر ليقول ان الدين و السحر يجب الفصل بينهما ,لكن عندما جاء فسترمارك الى المغرب لاحظ غير ذالك باعتباره الباحث الميداني بامتياز.وكشف بان الدين و السحر هما موجودان في الطقوس الدينية المغربية.
لذلك اكد فسترمارك بان الناس لا يستعملون السحر فقط في علاقاتهم مع بعضهم البعض كما اكد جيمس فرايزر لكن يستعملون السحر في علاقاتهم مع آلهتهم .
اذن السحري و الديني عنصران مندمجان ذاخل عملية العبادة .
وبالتالي وصل فسترمارك اخيرا ان الدين الشعبي للمغاربة يتسع ليشمل مجموعة من الممارسات السحرية لان هذه االممارسات السحرية تشكل عند المغاربة جزء لا يتجزا من معتقداتهم و طقوسهم الدينية.
االبقايا الوثني ذاخل المعتقدات و الممارسات الدينية للمغاربة :
اولا يجب الاشارة الى ان مقولة البقايا الوثنية هي اطروحة اساسية ذاخل المتن الفسترماركي , كما يقصد هذا الاخير بالبقايا الوثنية : مجموعة من المعتقدات و الطقوس القديمة بعظها ثم احتواءه من طرف الديانة المحمدية و البعض الاخر حاضر ذاخل طقوس و معتقدات المسلمين رغم اعتراضات الفقهاء.
وقد ارجع فسترماركاصل هذه البقايا الوثنية الى مصدرين :
1- الوثنية العربية : والتي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية عند مجيء الاسلام.
2- مجمل المعتقدات و الممارسات الدينية التي كانت منتشرة في البلدان التي وصل اليها الاسلام فيما بعد.
اما بالنسبة الى المغرب فقد افترض فسترمارك وجود تاثير عربي خارج عن نطاق الاسلام.اذن العرب لم ياتوا فقط بالاسلام وانما ادخلوا عليه بعض العادات التي حرمها الاسلام بنفسه.كعادات الحداد العنيف الذي يتضمن النواح و ندب الوجه وضرب الذات ويبقى الاعتقاد في الجن و العين الشريرة و الصلاح و اللعنة و مهرجان عاشوراء و بوالجلود من اهم البقايا الوثنية في المغرب.
1- الاعتقاد في الجن بين البقايا الوثنية العربية و القرطاجية :
اكد فسترمارك بان الاعتقاد في الجن هي من بين الممارسات الوثنية التي مازالت موجودة في المغرب وهي منحذرة ايضا من اصل اسلامي وثني من جهة واصل شمال افريقي قرطاجي من جهة اخرى.
كا قال ايضا فسترمارك بان الاعتقاد في الجن كان سائدا في بلدان الشمال افريقي قبل ذخول العرب المسلمين اليها.اذ ان هناك بعض المؤشرات التي تميز الاعتقاد في الجن بشمال افريقيا بمثيله عن الشرق العربي: كعادة التضحية بالطيور لارضاء الجن التي تعود الى ديانة القرطاجيين.
2- الاعتقاد في العين الشريرة جدر مشترك بين جميع الشعوب:
يتكون الاعتقاد في العين الشريرة عموما من فكرتين هما:
+ ان طريقة النظر التي تدل على ان العين حاملة للمتمنيات العدائية .
+ تكمن في تلك الطاقة المؤذية الفوق طبيعية التي تصدر عن العين دون ارادة صاحبها.
اشتهر المغاربة باعتقادهم الشديد في العين الشريرة لدرجة انهم يطالبون من تسببت له العين الشريرة في ضرر بتعويضها اي تعويض صاحب الضرر.ولكي يحموا من اذى العين الشريرة ابتكروا عدة طرق كالرسم و الصباغة و النحث و الطرز ...الخ.
وهناك من ذهب ليقول ان اررتداء النساء للنقاب لا يرجع الى غيرة الرجل على المراة لكن للاتقاء من العين الشريرة.ولكن هذا الاعتقاد موجود عند جميع الشعوب المسلمة.
3- اللعنة اعتقاد وثني قديم :
اللعنة تتخذ في الغالب شكلا شفيا عدوانيا مباشرا.
باعتبار ان لعنة الاباء من اخطرها و لا يبطلها سوى رضاهم, وقد انتشر هذا الاعتقاد عند جميع الشعوب خاصة الاوربيون مما ساهم في تدعيم سلطة الاباء على ابناءهم.ويعتبر (العار) في المغرب اقوى وابرز اشكال اللعنة على الاطلاق ويراه فسترمارك اعتقاد وثني ترجع جدوره الى العرب القدماء والى جميع الشعوب الافريقية.
4- الصلاح اسم عربي اسلامي لمفهوم وثني قديم :
الصلحاء و الاولياء لم يعترف بهما الاسلام كدين لكن دخلوا اليه واحتلوا مكانة ذاخل المعتقدات الاسلامية خصوصا في المغرب, مع العلم ان النبي محمد رفض اعتبار نفسه وليا .وقد وجدت عبادة الاولياء و الصلحاء في شمال افريقيا و البركة كما يؤولها المغاربة كقوة خارقة وفاعلة تعبر عن مفهوم الصلاح وهي قديمة وجدت قبل مجيء الديانة المحمدية.
وقد اعتبر فسترمارك بان الصلاح هو اعتقاد قديم يقوم على الاحساس بما هو خارق .نفس الشيء يقوله بالنسبة للبركة اذن من يتوفر على قدر كبير من البركة ينتمي الى مرتبة الصلاح.
ومن هذا المنطلق انتقد فسترمارك نظرية دوركايم التي تقوم بالفعل بين العالم المقدس و الدنيوي.
5- عاشوراء بوالجلود بقايا (بربرية ) ورومانية :
عاشوراء هو طقس شمال افريقي لا ينتمي الى الاسلام اذ يتضمن طقوس مائية ونارية وهي طقوس وقائية وتطهيرية بحيث يدوم مفعول هذه الطقوس سنة بكاملها.
بالنسبة لفسترمارك يبقى عاشوراء بالنسبة له هو تاويل اسلامي لطقوس ذات علاقة بنهاية السنة اي موتها.
اما في ما يخص مهرجان بوالجلود الذي يقام على هامش عيد الاضحى فهو طقس يعود الى ما قبل الاسلام ترجع اصوله الى اعياد الزحل الرومانية وثم الحاقه الى الاعياد المحمدية في شمال افريقيا.
اما بخصوص العرب قبل عزوهم على شمال افريقيا لم يكونوا قط يعرفوا هذا المهرجان.ويقول بصدد هذا الاخير (فسترمارك) انه طريقة استهتارية احتفالية يتمرد من خلالها الناس ضد القداسة التي يفرضها عليهم العيد حتى يتمكنوا من الرجوع الى مشاغيل الحياة العادية بدون خطر.وهي حفلة تنكرية وهو كذلك طقس ما قبل الاسلام.
(1) : EDWARD WESTERMARCK
(2) : الدين و المجتمع ص 10
(3) : نفس المرجع ص 16
المراجع المعتمدة :
+الدين و المجتمع دراسة سوسيولوجية للتدين في المغرب .ذ . عبد الغني منديب الطبعة الثانية 2010
#عبد_العزيز_احربيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟