|
البرجماتزم في مواجهة الماركسية
شوكت جميل
الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 05:40
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بداءةً، لا يمكن للمراقب أن يغض بصره أو يتجاهل ، إلا عامداً، أن الرأسمالية كائن كالقطط ذو سبعة أرواح،فمنذ أن تنبأ ماركس بأفولها و سقوطها،بعد كشفه و تحليله للصراع الطبقي،و عوامل الفناء الذاتي التي تحمله الرأسمالية في أحشائها،ما فتأت_أي الرأسمالية_ تغير جلدها مرة تلو المرة،و يمر العقد فالعقد فعقود،و هي حية ترزق يشنف أسماعنا مواؤها حيناً،و زئيرها حيناً و قد استحالت أسداً...حتى يأس الناس من موتها،فذهبوا إلى أنها أبدية،و منهم من كتب نهاية التاريخ،و أنها قدرنا"المحتوم"الذي لا مندوحة لنا عنه.
و الحق،إن يكن شيء قد أفاد الرأسمالية و أطال عمرها أعماراً،فليس من شيء أفادها أكثر من وعيها الكامل بالتشخيص الماركسي لشيخوختها و عللها و ضعفاتها و خطاياها،فأخذت نفسها بالمرونة و العلاج و سرقة أعضاء الأخرين!و تأجيل الصدام و تبريد الصراع الطبقي ما وجدت إلى ذلك سبيلاً،و دفعه خارج مركزها إلى أطرافها،و من ثم تنكرت بعد أن كانت دولاً سماها الماركسيون "القدامى"!الدول الإمبريالية في شكلٍ آخر هو شركات عابرة للقارات تمتلك زمام الاقتصاد العالمي،أما الفائدة الثانية التي حصلتها الرأسمالية من الفكر الماركسي،فهو حاجتها إلى فلسفة تقوم على العمل كما الحال في الماركسية،و صبغ فكرها المثالي "بالصبغة العملية"،و قد تعلمت من التجربة الماركسية كفلسفة تقوم على العمل و التنظيم،و ما حققته من بعض الازدهار في النصف الأول من القرن الماضي...و قد وجدت ضالتها في "عقيدة البرجماتزم".
و لعل أقوى ظهور لفلسفة البرجماتزم كان بالولايات المتحدة الأمريكية إبان حقبة الغزو الاستعماري،و امتدت ألسنتها امتداد النار في الهشيم في أوروبا و لا سيما مع الحرب العالمية الثانية،و من اليسير تصنيف فلسفة البرجماتزم كلون فج من ألوان الفلسفات اللا أدرية،فهي ترى أن المصلحة المباشرة_أو قل الفائدة_هي أساس الحقيقة،و ليست الحقيقة هي مطابقة الواقع،و لا هي انعكاس الواقع كما ترى الماركسية،إنما هي الفائدة..الفائدة و حسب؛و لك أن تتساءل: فائدة من؟زيد أم عبيد؟فائدة البورجوازية أم البروليتاريا؟فائدة الرأسمالي أم الأجير؟.. لا ترهق نفسك كثيراً،فالبرجماتزم لا تحفل البتة بالحقيقة،ولا بحقيقة الصراع الطبقي؛فهي تعتقد أن الحقيقة ذاتية و ليست موضوعية،تقول فلسفة البرجماتزم"(أن الاستغلال"أو الدين..أو..."موجود،فهو مفيد لبعض الناس،إذن هو حقيقي!"فهي تعلق الحقيقة بمنافع الطبقة المسيطرة و المتنفذة،و هي على كل حال تتغنى بأمجاد المكيافيلية.
و هكذا بررت مصلحة الدولة(كما يرى مكارثي)اغتيال آل روزنبرج،كما يصبح في إمكان البرجماتزم الجمع بين كل المتناقضات في سلةٍ واحدة طالما كان ذلك في مصلحة رأس المال،و هذا يفضي بنا إلى عبادة"الفائدة القصوى"...أي معادل موضوعي لعبادة "الله"في الفلسفة المثالية الدينية!.
تقول فلسفة البرجماتزم أنها فلسفة العمل،أقصد العمل"الناجح"و لا تحفل بالمبادئ،و شعارها الغاية تبرر الوسيلة،لا تحفل "بحقيقة"أن التوحش الرأسمالي سبب كل البلايا،و لا ترى بأساً في دمار نصف الكرة الأرضية و بؤس سكانها،في سبيل أن يزدهر النصف الآخر،و رفاهية شعبه الحقيق بها و لو على حساب دماء الآخرين.
أما فيما يتعلق بالعلم فإن فلسفة البرجماتزم لا تعنى كثيراً بالنظرية أو الفكر أو التنبؤ؛و إنما تدعو إلى القيام "بالتجارب"مهما كانت،و لو كان موضوعها شعوب الأمم الأخرى كفئران تجارب!،فإن نجحت كان به و إلا فلا..و ما الفوضى الخلاقة سوى تجلي قح لها و بطبيعة الحال،هي لا تمانع ،مثلاً،في استخدام المشاريع الدينية الرجعية و تمكينها من حكم منطقة كمنطقتنا و إن أودت بشعوبها إلى الهلاك،و إن ألقت بها إلى ما قبل القرون الوسطى،و لا تمانع من استخدام الإرهاب الديني و تشجيعه لتحقيق مصالح آنية،كما فعلت مع تنظيم القاعدة لضرب المد السوفيتي،ثم إلقاء بلد كأفغانستان بشراً و شجراً و حجراً لقمة سائغة لتمضغها الوحوش على مهلٍ!،لا تمانع فلسفة البرجماتزم من تمزيق بلد كالعراق في سبيل الحصول على النفط بثمن أرخص،لا ترى البرجماتزم بأساً في حمل راية حقوق الإنسان و الديمقراطية إلى بعض الدول إذا كان ذلك في مصلحتها،و هذا لا يمنعها من دعم أنظمة حكم عسكرية في ناحية أخرى ،البرجماتزم قد تشن حرباً في يوغوسلافيا من أجل حقوق الإنسان لمواطني البوسنة و الهرسك،و لكنها قد تغض نظرها عن حالات أكثر وحشية كما يحدث مع أقليات الشرق الأوسط...و لا تسأل بعدها عن ضمير أو حقيقة؛فالبرجماتزم لا تعرف غير الفائدة،هذه هي الحقيقة المطلقة لديها.
و على أيه حالٍ،و رغم ما يقوله البعض أن الرأسمالية شبعت موتاً حتى أنتنتْ،يبدو أن ثم شيئاً تحقق مما تنبأ به ماركس،و هو أن الرأسمالية و صلت إلى مرحلة التوحش و البربرية،و إلا فما تكون البربرية إذن؟
و عوداً على بدء،نسأل هل سيمضى الحال كما هو عليه قدراً محتوماً،و قد كتبت علينا الرأسمالية...و الحق أثق في إجابة "ديكارت"على هذا السؤال،الذي يرى أن: ( التطبيق العملي يقضي على الفكرة الخاطئة و المنهج الخاطئ)...أما من يجعل الكذب"المفيد"مساويا للحقيقة فإنما هذا سيرة الإنتهازي..و ستسقط البرجماتية،و الرأسمالية،و تفشلا....و لن تكون الفكرة خاطئة لأنها فشلت،بل هي فشلت،لأنها خاطئة موضوعياً!.
و أما النظرية الماركسية فهي شيء آخر،فليست الفكرة صحيحة و حقيقية لأنها نافعة و مفيدة،بل هي على العكس نافعة و مفيدة لأنها صحيحة و حقيقية،و لأنها كشفت عن حقيقة الصراع الطبقي و من ثم أمكن معرفة العلاج الناجع للمعضلة...و العلاج لا يكون سوى بزوال الرأسمالية،لا ترقيع وجهها بدماء الأبرياء،أو إدعاء أنها ماتت و انتفخت،"كحكاية الثعلب المنتفخ"ليخطف السمكة من الصياد الكادح!
#شوكت_جميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دمٌ على ليبيا(تتمة)
-
دمٌ على ليبيا
-
الفرق بين الMania،و الParanoia
-
الثورة الفرنسية في عيون مصرية
-
أدعه مسافراً
-
سد النهضة إلى أين؟
-
ماذا لو عاد المسيح اليوم؟
-
دعوة الواجب
-
البؤساء تعيد نفسها في مصر،عبد المسيح مثالاً
-
كادر مشيدي الحضارة يا محلب
-
لمسة حياة
-
لهتلر نوبل للسلام و للغنوشي جائزة ابن رشد
-
مخطوطات العهد الجديد_دراسة نقدية_
-
إرحلْ!
-
ثورة البعير
-
المنهزم
-
نزاهة النقد الديني و توزيع الصفعات بالتساوي!
-
الذبيح:إسحاق أم إسماعيل؟!
-
الخِراف
-
أنا الشرقي
المزيد.....
-
مظاهرة في برلين تندد بالتقارب بين المعارضة المحافظة واليمين
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرارات الاضراب العام الوحد
...
-
ألمانيا: آلاف المتظاهرين في برلين احتجاجا على -التقارب- بين
...
-
الجامعة الوطنية للتعليم FNE تدعو للمشاركة في الإضراب العام
...
-
قبل 3 أسابيع من التشريعيات.. مظاهرة حاشدة في ألمانيا ضد التق
...
-
ما قصة أشهر نصب تذكاري بدمشق؟ وما علاقته بجمال عبد الناصر؟
-
الاشتراكيون بين خيارين: اسقاط الحكومة أم اسقاط الجبهة الشعبي
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تعمل من أجل إنجاح الإضراب الع
...
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|