احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 16:21
المحور:
الادب والفن
لا زلت اتذكر ذلك الجار الذي ترك وظيفته حاله حال كاتب تلك السطور ,ابان الحصار الاقتصادي المفروض على ابناء الشعب العراقي .لا زلت اتذكر ذلك الجار الذي ترك وظيفته عسى ان يجد رزقه من خلال تلك الكوة المطلة على (الدربونة ) من داخل بيته , والتي كان يسميها (دكانا ) وقد ثبت داخلها بعض الرفوف الخشبية موزعا فوقها بعض قطع الحلوى وبعض الالعاب ذات (البلاستيك ) المعاد ,ما زلت اتذكر ذلك الجار وقد خسرت صفقته وبارت تجارته التي كان يعول عليها بعد ان هجر وظيفته فكان ان( ضيع المشيتين )كما يقال .اذكر كيف جاء لي ذلك الجار وهو يحمل بيده كتاب من القطع المتوسط وقد اشار اليه قائلا (يمعود متخلصني من هذا الكاتب ,مرة يحجي عالشيعة ومرة يحجي عالسنة وما ادري شيريد ايكوك ) قلت ومن هو مؤلف الكتاب (ففتح الكتاب وقال لي اسمه (علي الوردي ) لم يكن اسم الوردي قد طرق سمعي من قبل ,كانت تلك الحادثة في شتاء عام 1995 تحديدا ,اخذت الكتاب وباشرت بقرأته حالا ,حتى اتيت على الانتهاء منه في اقل من ثلاثة ساعات , لكني ما ان فرغت من قرأته حتى احسست بداخلي ان هنالك تغير جوهري سوف يطرأ على مجمل منظومتي الفكرية والثقافية ,وهذا ما حصل بالتحديد ,بعد ان اشتريت جميع مطبوعات الوردي على الرغم من ضيق ذات اليد ,فقد تركت وظيفتي آنذاك وتفرغت لا عمال الزراعة في بيوت الميسورين ,ازاء اجور زهيدة ,كان الكتاب يحمل عنوان (مهزلة العقل البشري ) الذي الفه الوردي عام ( 1955) لقد تأثرت بآراء الراحل الدكتور علي الوردي ايما تأثر فأخذت اتعصب لها وابشر بمضامينها وادعو الى اعتناقها ,,حتى انني حوربت من قبل اقرب الاصدقاء لي لتنتهي الامور بعد اقل من عام على تأثري بأفكار الوردي الى حادثة كادت تغير مجرى حياتي الى ابد الابدين .لقد دفعت آنذاك الثمن مضاعفا ,فمن يعتنق افكار على غرار افكار الوردي التي تتسم بجرأتها وتجاوزها الكثير من الخطوط الحمراء والمناطق المحرمة ,كان عليه ان يتوقع اكثر مما اصابني حينها لا سيما وان المجتمع العراقي آنذاك كان يشهد صعود نجم الاسلام السياسي .وعلى الرغم من كل ما لقيته من أود ولدد كما يقال ,بقيت مشدودا لطروحات الوردي اراجع مؤلفاته والخص مطولاته واحاول جاهدا ان اقنع الاخرين بما بشر به من اراء وعقائد كان لها الفضل الاكبر والابرز في تحريك جملة من الاسئلة المهمة والمفصلية في داخلي .الا ان ما حصل صيف عام 2014 كان صادما لي كما هو حال ما صدمني شتاء عام 1998 حينما طرق سمعي وللوهلة الاولي اسم علي الوردي ,ليطرق سمعي مجددا اسم وردي اخر ,وهو اسم الدكتور سليم علي الوردي ,الذي وقعت عيناي على كتابه (علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية مناقشة لمنهج الدكتور علي الوردي في دراسة المجتمع العراقي )وهو عبارة عن كتاب نقدي ليس لآراء وطروحات على الوردي كما هو حال سائر الدراسات التي تناولت نتاج الوردي ابان مسيرته العلمية التي تواصلت على مدى اكثر من (25عاما ) بل هو معاينه لما اتبعه الوردي من منهج اعتباطي اكثر منه اعتباري اذا صح التعبير .كنت اقرا للدكتور سليم فاقف مبهوتا ازاء كثير من الحقائق التي كانت تعزب عن بالي وتغيب عن مداركي. الدكتور (سليم علي الوردي )حاصل على الدكتوراه من بلغاريا وهو من الجيل الثاني لعلم الاجتماع داخل العراق ,يميل منهجه الى توظيف المنهج الماركسي في التحليل وهو ما دلل عليه منهجه الذي اتبعه في كتابه الذي نحن بصدده ,والذي يحمل عنوان ( علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية :مناقشة لمنهج الدكتور علي الوردي في دراسة المجتمع العراقي )
يلخص الدكتور سليم في مقدمة كتابه اهم اسباب انتشار كتب ومؤلفات الراحل علي الوردي وهو يعزو ذلك الى الاسباب الاتية
1ـانه الباحث الاجتماعي الوحيد الذي واصل مسيرته البحثية بإصرار وبدون كلل لفترة تنيف على الربع قرن .
2ـطبيعة الفترة التي ظهر خلالها الكاتب (خمسينيات القرن الفائت ) والتي اتسمت بركود فكري نتيجة الكبت السياسي والاضطهاد الفكري اللذين كان يمارسهما الحكم الملكي .
3ـاعتماد الوردي لأسلوب السرد المبسط البعيد عن انماط الكتابة المتعالية على الجمهور والمتحذلقة بالمصطلحات الغربية .
ثم يعرج الدكتور سليم على الاخطاء التي تخللت ليس اراء الدكتور الراحل بل ما تخلل منهجة من تناقضات وتسطيح لجملة من الامور الهامة والجوهرية لا سيما فيما يخص موضوعة طبيعة المجتمع العراقي وشخصية الفرد العراقي على حد سواء اضافة الى آرائه الاخرى التي جاءت مضطربة ومشوشة لأنها اعتمدت منهجا مضطربا مشوشا.
ففي مقدمة كتابه ذائع الصيت (وعاظ السلاطين ) يشدد (علي الوردي)على ان الواعظ حتى وان توجه بمواعظه الخيرة الى المستغلين (بكسر الغين) من اجل اصلاحهم فأن مواعظه سوف لن تجدي نفعا وفي ذلك يقول الوردي (ان من يعظ الاغنياء في ان يستثمروا اموالهم في سبيل المصلحة العامة كمن يعظ المجنون في ان يكون عاقلا)ويذهب الوردي ابعد من ذلك حينما يقرر ان دعوات الاصلاح لن تغير من طبيعة المستغلين (بكسر الغين ) ولا تدفعهم الى العدول عن الاستغلال والنهب وهو يستشهد بالمقولة الشهيرة للصحابي الجليل (ابو ذر الغفاري ) (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه )الا ان تفسير الوردي لمقولة الغفاري يعد تفسيرا صادما لكل ما تقدم من كلامه في عدم جدوى وعظ المستغلين (بكسر الغين ) وهو ينسب ما صدر عن الصحابي الثائر الى مسألة التناقض الكامن في نفسية الفقير بين مصلحته الخاصة والمصلحة العامة ,وهكذا تتحول الثورة التي يدعو لها الغفاري الى تطاول على المصلحة العامة وجرأة على الافساد. يقول الوردي (لعل ابا ذر يشير بقوله هذا الى مأساة التناقض في نفسية الفقير بين مصلحته الخاصة وما تفرضه عليه المصلحة العامة ,فهو مضطر ان يأكل ,وهذا الاضطرار قد يدفعه الى الجرأة على الافساد انه لا يبالي بمصلحة الناس ما دامت مصلحته مهدده (راجع وعاظ السلاطين ص105)وهكذا يتحول الوردي دون شعور منه الى الى هاوية وعاظ السلاطين حسب رأي الدكتور سليم الوردي , فبعد ان اقر بأن وعظ الظالمين لا يجدي نفعا نراه يعتبر ثورة الجياع افسادا وخروجا على المصلحة العامة .فيما يخص تحديد تاريخ العراق الحديث وهي مسألة هامة وجوهرية نجد ان الوردي يحدد تاريخ العراق الحديث مع بداية الفتح العثماني للعراق عام 1534 ,في عهد السلطان سليمان القانوني ,ولكنه كما يقول الدكتور سليم الوردي لم يبين ولم ينوه لنا عن طبيعة ذلك المعيار الذي اعتمده في تحديد هذا التاريخ دون غيره وهل هو معيار عالمي ام هو معيار محلي ,فلما لم يتم تحديد تاريخ العراق الحديث قبل او بعد الفتح العثماني وما هي السمات التي تميز هذه المرحلة التاريخية دون غيرها من المراحل يذهب الدكتور سليم على الوردي الى ان تاريخ العراق الحديث انما يبدأ مع تاريخ انضمام الاقتصاد العراقي للتقسيم الرأسمالي الدولي للعمل ,حيث تميزت تلك المرحلة بظهور المصالح الاستعمارية والبريطانية في العراق وقد شهدت تلك المرحلة ابرام المعاهدة البريطانية العثمانية عام 1675 حيث فسحت تلك المعاهدة المجال لأكبر شركتين بريطانيتين للملاحة في المياه العثمانية كما نظمت تلك المعاهدة اسس الامتيازات الانكليزية. يقول الدكتور سليم الوردي (لقد اغفل الدكتور علي الوردي دور العامل الاقتصادي في حياة وحركة المجتمع , بينما نجده يمنح جل اهتمامه لأحداث ولحظات اقل جوهرية واهمية ,وعلى اية حال ,ليس في نيتنا البحث في تاريخ هذه الحقبة المهمة من تاريخ العراق والتي تشكل حسب اعتقادنا بداية تاريخه الحديث ,انما نريد ان نبين بأن الدكتور علي يتعامل مع تاريخ تطور المجتمع بوصفه تجميعا للأحداث ,ويغلب على منهجه الاسلوب الوصفي الصرف ,مما يحول دون الغور في اعماق حركة المجتمع وتناقضاته الاساسية )(سليم على الوردي علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية ص26 ).
لقد كان الراحل الوردي يعترض على الموضوعة الماركسية حول تقسيم المجتمع البشري الى خمس مراحل , الا انه في ذات الوقت لم يقدم بديلا مغايرا لتلك الموضوعة فقد كان علي الوردي مؤمنا بمقولة مؤسس المذهب الوضعي الفيلسوف الفرنسي (اوغست كونت ) (ان طبيعة الانسان تتطور دون ان تتغير ) الا انه وحسب رأي الدكتور (سليم الوردي ) يشط ويتملص من مبادىء كونت في دراسة تاريخ المجتمع البشري فقد كان (اوغست كونت ) يؤكد على ان هنالك طريقتان لدراسة التاريخ فالطريقة الاولى هي الطريقة العامة وهي التي تبحث عن العوامل والقوانين التي تسيطر على النمو الاجتماعي للنوع الانساني اما الطريقة الخاصة فهي الطريقة التي تهتم بسرد طائفة من الحوادث حسب تاريخ وقوعها ) وهذا ما نجده واضحا جليا في ما اعتمده الراحل الوردي في مقدمة الجزء الاول من مسلسلته (تاريخ العراق المعاصر ) والتي يفترض ان تقدم كأية مقدمة اطارا لمادة البحث, الا اننا نجد الكاتب يتناول عناوين على غرار (الايرانيون والتشيع ,استفحال الصراع الطائفي ,مبدأ الشفاعة ,اخلاق اهل العراق ,المد البدوي الاخير الى اخر تلك العناوين والتي لا تمثل سوى لقطات متناثرة من البنية الفوقية للمجتمع العراقي آنذاك .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟