|
حق الخصوصية
احمد الكناني
الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 08:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يرجع اقرار هذا الحق الى ازمنة ما قبل الميلاد ، فالاغريق والرومان اثبتوه ضمن تشريعاتهم كحق ثابت لا يمكن تجاوزه . والسؤال الجدلي الذي يطرح بقوة : اين التشريعات الدينية من هذاالحق ؟ وهل يوجد شئ بأسم الخصوصية في هذه التشريعات الالهية ؟ والجواب : لا يوجد مثل هذا الحق . بل الموجود على خلافه ، وهو الغاء حق الخصوصية . بل اكثر من ذلك .ولنقرر هذه الحقيقة على النحو التالي : الاشهاد المقترن بالعقوبات في قانون الجنائي الاسلامي يشكل الجزء المعنوي للعقوبة المتقومة بالإيذاء الجسدي ، والمثال الواضح لهذه الحقيقة تلك النصوص المشرعة لاحكام الزاني والزانية ، والعقوبة المترتبة على فعل الزنا هي الجلد مائة جلدة ، لكن الإيذاء الحاصل جراءعملية الجلد لا يشكل الا جزء العقوبة ، اما الجزء الاخر للعقوبة فيتمثل بالإيذاء النفسي الحاصل نتيجة الاشهاد عليه من خلال اجراء العقوبة امام الملأ، ولعلها اشد إيذاء على النفس من الإيذاء الجسدي. على الخصوص ان القضية لم تعد مقتصرة على حالات معينة منصوص عليها في مصادر التشريع ، فهناك شئ اسمه التعزير وهو بيد صاحب الفضيلة القاضي ومن حقه الامر بجلد اي كان حتى وان لم يكن جانيا ، وقد يحدث لانسان سوي ان يجلد امام الملأ بمجرد ان افكاره لا تنسجم مع المألوف فيدخلها القاضي تحت عناوين الافساد في الارض مثلا . الاشهاد على العقوبة معناه زيادة في الإيذاء،وهذا يناسب الهدف من تشريع العقوبة وهو المبالغة في الردع سواء كانت العقوبة من الحدود او القصاص المنصوص عليهما في التشريع او من قسم التعزيرات التي يحددها فضيلة القاضي بأجتهاده ويأمر بأجرائها امام الاشهاد زيادة في الإيذاء ولئلا يجرؤ الاخرون على فعلها .والاشهاد بهذا المعنى ليس بالامر المستهجن اذا ما لاحظنا ان قوة الردع تصل الى قطع اليد وفقع العين بل وحز الرقاب!!! مع التأكيد على الشدة في اجراء العقوبة {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه}
تأسيسا على ما تقدم يحق لي الارتقاء خطوات على سلَم فهم معنى الاشهاد على العقوبات ، وتصوري للاشهاد انه كلمة خجلة للتشهير ، فالاشهاد هو التشهير بلا ادنى تأمل ، ومن الغريب حقا ان احد قدماء المفسرين نقل عنه تفسيرا مغايرا لما هو المشهور، وكأنه استشم رائحة التشهير من عقوبة الزنا والاشهاد عليه فتمسك بقشة تخرجه من الاحساس بقبح الاشهاد فتشبث بالمؤمنين لاثبات معنى أخر للاشهاد يخرجها عن معنى التشهير : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} نقل ابن كثير في تفسير الاية الثانية من سورة النور عن ابن أبي حاتم قال :" سمعت نصر بن علقمة في قوله : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} قال : ليس ذلك للفضيحة ، إنما ذلك ليدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة " .
اذن اجراء العقوبة امام طائفة من الناس وهم المؤمنين ليدعوا للجاني بالتوبة والرحمة ، اذ لا يتصور ان حضور المؤمنين للتشهير!!! وهذا التأويل كما هو واضح بعيد بعد المشرقين عن روح الدين واهدافه من سن قوانين العقوبات ، ومنها استعمال قوة الردع بعقوبات مغلضة تقطع بها الاطراف ، حتى ان الماشي في السوق وقد بترت اصابعه ينظر اليه بأزدراء وهذه احدى اهداف اقامة حد السرقة كما سطرها الفقهاء في مدوناتهم الفقهية ، فأين الرحمة والدعاء اليه من قبل المؤمنين.
اقول لمن يحلو له المقارنة بين الاحكام الالهية والاحكام الوضعية التي هي نتاج افكارالكفار : ان هناك شيئا اسمه " حفظ الخصوصية" وهي قيمة انسانية عليا تحاول الانظمة سن قوانين وتشريعات للحفاظ عليها وعدم المساس بها ؛ لان التشهير بالفرد ولو كان جانيا مسخ لكرامته وبالتالي تعد على انسانيته المصانة بقوانين حقوق الانسان ، وهنا يكمن الفرق بين التشريعات التي تتجاوز الفرد لمصلحة المجتمع وبين تبني الفرد وصيانته على حساب المجتمع على قاعدة اذا صلح الفرد صلح المجتمع . لكن تبني التشهير بالجاني كتشديد للعقوبة نتاجه عواقب وخيمة تهدد قيمة الانسان في مجتمعه . ومن هنا لا يسمح بدخول الكاميرات إلى قاعات المحاكم في العديد من نطاقات الاختصاص القضائي. ويفرض على وسائل الإعلام الاعتماد على فناني الاسكتشات من أجل عمل رسومات للمحاكمات. وفي المملكة المتحدة وهونغ كونغ لا يسمح لرسامي قاعات المحاكم برسم الإجراءات في الواقع أثناء الوجود في المحكمة، وبالتالي يجب أن يقوموا برسم الرسومات الخاصة بهم من الذاكرة بعد مغادرة قاعة المحكمة . ويحق لرسامي قاعات المحاكم من التقاط لحظة معينة ويقومون برسمها على الورق ثم بيع تلك الرسومات إلى المنافذ الإعلامية التي لا يمكن أن تحصل على سجل مرئي للمحاكمة بأي طريقة أخرى. ويمكن أن يتم بيع الرسومات إلى المحطات التلفزيونية أو المحطات الإخبارية أو الصحف أو حتى للمحامين أو القضاة الذين يرغبون في الاحتفاظ بصورة تذكارية لمحاكمة معينة. كما يمكن كذلك شراء رسومات قاعات المحاكم من أجل الأرشيفات المؤسسية، إذا كانت تصور محاكمة ذات أهمية تاريخية. وبالفعل تم شراء المجموعة الكاملة لرسومات قاعة المحاكمة الخاصة بمحاكمة ليندي تشامبرلين من خلال المتحف الأسترالي الوطني من هيئة الإذاعة الاسترالية "اي بي سي " في القصة الجدلية التي طالت الام ليندي حين فقدت ابنتها الرضيعة ازاريا ذات التسعة اسابيع ولم يعثرعلى جثتها وادعت ان كلب الدونكو الاسترالي قد اخذها ، وقد ثبتت صحة القصة من خلال الطب الشرعي بعد مرور اكثر من ثلاثة عقود.
#احمد_الكناني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدجل الديني ...الاستخارة
-
صور من دجل الرواة 2
-
مهزلة الجزية
-
رسائل السلام
-
اضواء على خطبة الخليفة (رض)
-
خيارات ما بعد الازمة
-
الفدرالية الحقيقية .. ماذا تعني ؟
-
الحاجة الى اعادة هيكلة التفكير
-
المرأة والتدين .. وجهة نظر سوسيولوجية دينية
-
الوجه الاخر للشراكة الحقيقية
-
انتخابات الخارج والدعوة الى الغائها
-
امثال مقدسة : الجمل وثقب الابرة
-
المرجعية الدينية والموقف المزدوج من الانتخابات
-
منهج الجابري في فهم النص ..عرض و تقييم (3)
-
منهج الجابري في فهم النص .. عرض و تقييم( 2)
-
منهج الجابري في فهم النص .. عرض و تقييم (1)
-
زواج الصغيرة بين الشريعة و القانون
-
جدلية الدين و المجتمع ... استراليا مثالا
-
الاعجاز العلمي في اية الاشهاد
-
صور من دجل الرواة
المزيد.....
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|