أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - رابح لونيسي - من غيب المغاربيون في التاريخ الحضاري؟















المزيد.....


من غيب المغاربيون في التاريخ الحضاري؟


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 16:07
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


من غيب المغاربيون في التاريخ الحضاري؟

البريد الإلكتروني:[email protected]

إذا جئنا إلى العوامل التي تختفي وراء تغييب مساهمة المغاربيون في الحضارات الإنسانية عبر التاريخ، فإننا نجد أربع عوامل تختفي وراء ذلك

1-النزعة المركزية الأوروبية
نقصد بها جعل بعض الأوروبيين أنفسهم أهم مركز العالم وإقصاء الآخرين، فمثلا لا يقيسون تقدم الآخرين أو تخلفهم إلا إذا تبنوا فلفستهم وقيمهم ونمط حياتهم، فعندما نتحدث عن مراحل التاريخ مثلا فإننا نقسمها على أساس التاريخ الأوروبي البحت، وإن تحدثنا عن الحضارات والثقافات، فلا نتحدث إلا عن أوروبا مهملين كل الحضارات الأخرى، ومنها الحضارات الصينية والهندية والإسلامية وغيرها، فمثلا قلما يشير الأوروبيون إلى دور المسلمين في المجال الحضاري، وإن اعترفوا لهم بالفضل، فيكتفون فقط بالقول أنهم نقلوا الفكر والفلسفة اليونانية إلى أوروبا، فمثلا عندما يدرس الأوروبي تاريخ الحضارة ينتقل مباشرة من الحضارة الرومانية-الأغريقية إلى الحضارة الأوروبية الحديثة بداية من عصر النهضة في القرن الرابع عشرالميلادي، وإن أشار إلى الدور الحضاري للمسلمين، فهم في نظره مجرد معبر أو ناقل للحضارة الرومانية-الأغريقية لا غير، وكأنهم لم ينتجوا أي شيء، ففي الغالب لا يشيرون مثلا أن الجبر هو منتوج حضاري إسلامي واللوغارتميات منتوج الخوارزمي، ولا بقولون أن أبن النفيس هو الذي اكتشف الدورة الدموية بل ينسبون كل هذا للأوروبيين .
لكن لا يجب علينا أن نعمم، لأن هناك البعض من الباحثين الأوروبيين الذي يعترفون بفضل المسلمين على الحضارة اليوم مثل روجي غارودي وغوستاف لوبان، ونجد أيضا الألمانية زغريد هونكة التي كتبت كتابا سمته " شمس الله تسطع على الغرب" ثم ترجمه القوميون العرب بعنوان آخر هو "شمس العرب تسطع على الغرب"، وبهذه المناسبة علي أن أشير إلى هذا الخطأ المنهجي الفادح الذي يرتكب اليوم وهو إختزال هذه الحضارة الإسلامية في مسميات مثل القول "الحضارة العربية" أو "الحضارة العربية الإسلامية"، فهو لا يمت للحقيقة التاريخية بشيء، لأن هذه الحضارة قد ساهم فيها العرب وغير العرب، بل لو عدنا إلى الحقيقة، فنجد أن أغلب صناعها من غير العرب خاصة كالأمازيغ والفرس والهنود وشعوب آسيا الوسطى ومنهم أبن سينا مثلا، لكن هذه الحضارة هي نتاج الفهم الحقيقي للإسلام الذي يدعو إلى العلم والنظر في الكون وليس كما يعهمه اليوم هؤلاء المتطرفين الذي حولوه إلى إرهاب وعنف وتقتيل وتكفير، وانتجت فعلا علومها باللغة العربية التي كانت آنذاك تشبه اللغة الأنجليزية اليوم، كما نشير أيضا إلى إستخدام بعض الغربيين تسمية "العرب" بدل "المسلمون"، وهو يشبه تقريبا إطلاق أجدادنا بالأمس القريب فقط ولازال موجود لدى البعض تسمية "الرومي"-نسبة إلى روما- على كل إنسان أوروبي.
وبناء على هذه النزعة المركزية الأوروبية التي أشرنا إليها تم إقصاء وإهمال المغاربيين في خضم هذا الإقصاء للمسلم، كما أهملت أيضا مساهمته قبل الفترة الإسلامية أي في القديم بسبب هذه الأورو-مركزية، فنسبت مساهمته الحضارية إلى الرومان واليونان، أو كما يقول محمد الميلي "في كل النظريات نجد إصرارا على تقديم شعبنا-أي المغاربي- في صورة الشعب العاجز عن صنع التاريخ، وإذا صادف أن سجل التاريخ القديم فترات إزدهار نسبي في هذه الربوع، فإن المؤرخين الإستعماريين يسارعون إلى تقديم أسباب خارجية لتفسير ذلك، فإذا نجح أجدادنا في الزراعة فالفضل في ذلك –حسب زعمهم يرجع إلى الفنيقيين، وإذا استطاعوا أن يقيموا اسطولا بحريا كان عامل سلام في حوض المتوسط، فالفضل يرجع إلى القرطاجيين، وإذا كانوا قد أقاموا سدودا للري فيقولون أن الرومان هم الذين فعلوا ذلك، ويبدو أن الفضيلة الوحيدة التي رضي أولئك المؤرخون بتسجيلها لشعبنا هي فضيلة الحرب والقتال، بشرط أن تكون المقدرة على الحرب مساوية للتخريب والتهديم والوحشية" .

2-الأيديولوجية الإستعمارية
عندما احتل الإستعمار الفرنسي بلداننا وخاصة الجزائر وضع أيديولوجية تقول أن مهمته تمديننا، وأستند عليها لإقناع الرأي العام الفرنسي ذاته، فكان يقوم سنويا بمعرض للمستعمرات في باريس يصور فيها الإنسان المستعمر، ومنه الإنسان المغاربي عامة والجزائري خاصة بأنه كان همجيا متخلفا قبل تعرضه للإستعمار، ثم يعرض ما يعتبره منجزات الإستعمار في تمدين هذا الإنسان المستعمر، وبناء على ذلك أيضا اهتم المستعمر بالتاريح المؤدلج، فوظف الدراسات التاريخية لخدمة الأيديولوجية الإستعمارية التي كانت تقول بأن الإستعمار الفرنسي أستعاد أرض الرومان، ولهذا عندما اهتم بالآثار قام بمحو كل الآثار الأمازيغية القديمة والإسلامية في الوقت الذي أولى إهتماما كبيرا بالآثار الرومانية، وهي عملية تشبه إلى حد ما ما تقوم به إسرائيل اليوم في القدس من عملية تهويد للقدس بمحو كل الآثار الإسلامية والإهتمام بما تعتبره آثارا يهودية مثل هيكل سليمان .
ونجد نفس الأمر في المجال التاريخي، فمثلا أعتبر المؤرخ الإستعماري الفترة الإسلامية بأنها "الفترة المظلمة في تاريخ الجزائر" على عكس الفترة الرومانية، كما ركز هذا المؤرخ الإستعماري على فكرة مفادها عدم بناء المغاربيون عامة والجزائريون خاصة ليس فقط الحضارة، بل لم يوجد لهم كيان ولا دولة عبر التاريخ، فهم مجرد قبائل متناحرة فيما بينها، وهذا الأمر هو الذي دفع بعض المؤرخين الوطنيين على التركيز كثيرا على التاريخ القديم للجزائر أثناء الفترة الإستعمارية لدحض هذه الطروحات الإستعمارية وإبراز أن الجزائر أمة عريقة وموغلة في القدم، وحتى لو تعرضت للإستعمار الروماني ، فإن هذا الإستعمار لم يهدأ له بال بفعل المقاومات العديدة التي قام بها أجدادنا الأمازيغ على يد يوغرطة وتاكفاريناس وفرموس وطالات وغيرهم من أبطالنا العظماء، ومن أبرز هؤلاء الكتاب الوطنيين الذين واجهوا الأيديولوجية الإستعمارية آنذاك-أي أثناء الفترة الإستعمارية- نذكر منهم مبارك الميلي وأحمد توفيق المدني وعبد الرحمان الجيلالي ومحمد الشريف الساحلي وغيرهم، لكن للأسف لم يول هؤلاء الكتاب الجانب الحضاري أهمية كبيرة، وركزوا على جانب المقاومة أكثر .

3-ضعف الإهتمام التاريخي بكل مراحله بعد إسترجاع الإستقلال
لا يمكن أن نحمل فقط الآخر مدى الإهمال الذي عانه تاريخنا، خاصة في جانبه الحضاري، فالمغاربيون أيضا يتحملون مسؤولية كبيرة في هذا الإهمال لكن بأشكال متفاوتة، وتعد الجزائر هي الدولة الأقل إهتماما بهذا المجال التاريخي بفعل سيطرة العروبيون البعثيون والإسلاميون على مفاصل المدرسة والأدوات الأيديولوجية كمجالات الثقافة والمساجد والإعلام وغيرها، ففي المجال التاريخي ركز الجزائريون على فترة المقاومة المعاصرة للإستعمار، وكأن تاريخ الجزائر بدأ مع مجيء الإستعمار الفرنسي أو في أول نوفمبر 1954، فوقعوا بذلك دون وعي منهم في المصيدة الإستعمارية التي تقول أن الإستعمار هو الذي أوجد الجزائر ولا وجود لأمة ولا وطنية جزائرية إلا بعد الإصطدام مع هذا الإستعمار، بل أصر البعض من الجزائريين على القول أن الأمير عبد القادر هو منشيء الدولة الجزائرية، وكأن هذه الدولة أو الكيان لم يكن موجودا من قبل مهملين دولة نوميديا التي كانت عاصمتها سيرتا والتي هي مشتقة من الكلمة الأمازيغية ثسيرث وتعني الطاحونة، وهو ما يظهر جليا اليوم عند ركوبنا الطائرة والنظر إلى مدينة سيرتا لنلاحظ أنها تشبه شكل الطاحونة بالفعل، لكن للأسف يفضل العروبيون إطلاق تسمية قسنطينة التي تعطي شرعية للإستعمار الروماني على التسمية الأمازيغية سيرتا، مما يدل على مدى عدائهم لكل ما هو مغاربي أصيل، كما ركزوا على الجانب المسلح فقط حتى غرس في ذهن الطفل أن تاريخ الجزائر هو تاريخ حروب فقط، لكن كان بإمكان الجزائري أن يهتم بكل تاريخ شعبنا منذ القديم إلى حد اليوم والذي هو سلسلة مترابطة ممتدة عبر عشرات القرون، ولا يمكن لنا أن نهمل حلقة واحدة من هذه السلسلة، فنغرس بذلك في الطفل الجزائري الإعتزاز بتاريخ أمته الموغلة في القدم، ولا نكتفي بذلك، فقد كان لزاما علينا أن نهتم بالجانب الحضاري للإنسان المغاربي كي تكون لدى الطفل الإيمان بهذا الإنسان بدل غرس عقدة النقص فيه لأنه لايعرف أن أجداده سواء في القديم أو الفترة الإسلامية قد كانوا منتجو حضارة وأفكار، ولم يكونوا همجا لا يعرفون إلا خوض الحروب فقط كما أراد أن يغرس ذلك الأيديولوجي الإستعماري .
بل علينا أن نقولها بكل صراحة، فكلنا درسنا التاريخ في المدرسة، فكلنا لا نعرف ولا شيء عن بلادنا، بل نعرف فقط عن الحضارة المصرية الفرعونية والعباسية في بغداد، بالإضافة طبعا عن الحضارة الأوروبية، لكننا نحن الجزائريون كأننا لسنا موجودين في التاريخ، بالرغم أننا أنشأنا حضارة الطاسيلي فبل الفراعنة أي في ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وأقام الأمازيغ أجداد الجزائريين خاصة والمغاربيين عامة حضارة عظيمة في الأندلس، لكن للأسف عندما نتحدث عنها ننسبها للآخرين أي الأمويين بالرغم من أن أجدادنا الأمازيغ أو المغاربيون ومنهم الجزائريون هم فاتحو الأندلس على يد طارق بن زياد، وهم الذين أقاموا فيها تلك الحضارة الأندلسية العظيمة، بل أغلبنا لا يعرف شيئا عن يوبا الثاني وإنجازاته الحضارية، وأشير هنا إلى ضعف الدراسات التاريخية والأثرية في بلادنا، فمثلا عندما نأتي إلى العهد القديم، فإننا نركز على الآثار الرومانية، وكأن الطليان يحتاجون إلى من يضيف إلى بحوثهم التاريخية، في الوقت الذي نهمل بسبب نقص الإمكانيات في أغلب الأحيان الحفريات الأثرية لما يوجد من معالم تحت تلك المدن الرومانية، لأن هذه الأخيرة قد بنيت في الحقيقة على مدن مغاربية تحمل معالم حضارية، والهدف من ذلك هو سياسة الرومنة التي مورست في القديم بهدف طمس معالمنا الحضارية وهويتناا ووجودنا وكياننا .
كما يجهل المغاربي عامة والجزائري خاصة أيضا الكثير عن الدول العظيمة التي أقامها أجداده الأمازيغ بعد إعتناقهم الإسلام، ومنها الدولة الرستمية والفاطمية والزيرية والحمادية والمرابطية والموحدية والزيانية، وتشهد الآثار الحضارية لهذه الدول إلى حد اليوم عن المجد الحضاري الذي بلغه هؤلاء آنذاك، خاصة أثناء العهد الموحدي الذي يعد قمة الحضارة الإسلامية، ويعود هذا التغييب كله أيضا إلى مركزية أخرى، وهو عامل آخر أطلق عليه "النزعة المركزية المشرقية" .

4-النزعة المركزية المشرقية
إذا كان الحديث عن تاريخ العالم يغلب عليه النزعة المركزية الأوروبية التي تقصي الشعوب والحضارات الأخرى، فإن عند حديثنا عن الحضارة الإسلامية، فإننا نجد أيضا الإقصاء العربي للشعوب الإسلامية الأخرى، كما سبق أن أشرنا آنفا، بل بالعكس فكل هذه الحضارة الإسلامية التي أقامها رجال عظام ليسوا عربا في حقيقتهم، إلا أنهم ينسبون إلى العرب بدل أن نكتفوا بالقول أنهم مسلمون، فإن كان كل عالم ينسب إلى قومه، فليس من الحق أن نقول عن الإدريسي أو ابن سينا أو ابن رشد أو أبن خلدون أو الخوارزمي وغيرهم الكثير جدا بأنهم عرب، وحتى الذين جمعوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فهم أيضا ليسو بعرب في الحقيقة، فهنا نجد مركزية عربية داخل الحضارة الإسلامية ذاتها، فكم من أبناءنا مثلا يعرفون أن القاهرة وجامع الأزهر بناها أجدادهم من قبائل كتامة الأمازيغية؟، فكم من هؤلاء الأبناء يعرفون مثلا أن واضع النحو العربي وقواعد اللغة العربية، ولا زالت تدرس كتبهم اليوم في جامع الأزهر هم مغاربيون أحدهم يدعى ابن معطى زواوي الذي سرقه المصريون فنسبوه إلى أنفسهم إلا لأنه توفي ودفن هناك ، ومن منا يعرف أن أن أبن أقروم، وهو من الأخضرية، هو الذي وضع الأقرومية؟، وكم واحد منا يعرف أن الشيخ الطاهر الجزائري وهو من بجاية هو صاحب النهضة الإسلامية المعاصرة في سوريا، وهو مثل محمد عبده في مصر، وكم واحد منا يعرف أن نهضة اليمن كان وراءها جزائري أخر هو الشيخ الفضيل الورتلاني من بني ورتيلان في ولاية سطيف اليوم، وكم واحد منا يعرف أن أحد كبار شيوخ الأزهر هو جزائري يدعى محمد الخضر الحسين من وادي سوف؟، وهو الذي اختلف مع جمال عبد الناصر بسبب سعيه للحفاظ على إستقلالية جامع الأزهر، وكم واحد منا يعرف أن الحضارة الفرعونية ذاتها أنتقلت من الطاسيلي في الجزائر إلى مصر، وقد كتب ذلك أكبر مؤرخ في القرن العشرين وهو الأنجليزي أرنولد توينبي في كتابه الضخم" في التاريخ" الذي درس فيه 28 حضارة عبر التاريخ ليصل إلى وضع فلسفته للتاريخ المعروفة بنظرية "التحدي والإستجابة"، وكم واحد منا يعرف أن أجدادنا هم مخترعو الكتابة والحروف وسموها التفيناغ ومعناه كتبتنا بالأمازيغية وذلك في 6000آلاف قبلا الميلاد، وليس لا المصريون ولا البابليون كما أٍادوا أن يغرسوا فينا وهي شاهدة اليوم في كل الجدران والأنهار عن حضارات أجدادنا رغم كل محاولات العروبيون كعثمان سعدي وغيرة الكارهين لذاتهم طمسه ولا يستحون بالقول أنها من إختراع فنيقي، وإن كان كذلك فلم لا نجد هذه الحروف في بلاد الفنقيين أي لبنان وسوريا ولا في أي منطقة أحتلوها بإستثناء بلادنا المغاربية، فهناك الكثير من المظاهر الحضارية لشعبنا المغاربي التي لم نولها أي إهتمام إلا لأننا إما نغرف تاريخنا من فرنسا أو مصر والمشرق العربي وكلاهما يغمطونه إما حسدا أو تنقيصا لنا ونحن فرحون .


- بعض المساهمات الحضارية المغاربية
إذا جئنا إلى مساهماتنا في المسار الحضاري الإنساني، فإننا نجد في الماضي السحيق حضارات لا يمكن تجاهلها، ومنها حضارة وادي حنش وحضارة بئر العاتر في نواحي تبسة والحضارة القفصية التي تشترك فيها كل من تونس والجزائر .
كما لا يمكن لنا أن نتغاضى عن حضارة الطاسيلي العريقة، والتي أثرت، بل يمكن القول أنها هي التي كانت وراء نشأة الحضارة الفرعونية، وقد أكد ذلك أرنولد توينبي كما سبق أن اشرنا إلى ذلك آنفا، وتدل رسومات الطاسيلي عن مدى حيوية الشعب الجزائري، فنجد البعض من المخترعات، ومنها العجلة، لكن للأسف كما أهمل الإستعمار الفرنسي، وحاول طمس هذه الآثار، فإن البعض من الجزائريين قاموا بأبشع من ذلك وأصبحوا يسرقون البعض من هذه الآثار لبيعها في الخارج، أي فيما يسمى اليوم بحظيرة الطاسيلي بتنمنراست، كما عمل البعض على عدم الإهتمام بهذه الآثار تحت غطاءات شتى، ومنها قولهم أنها آثارا جاهلية تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وكأن الجاهلية تنطبق فقط على الجزائريون دون غيرهم .
وإذا جئنا إلى الفترة التاريخية القديمة والقريبة نوعا ما، فإننا نجد أن الجزائر قد عرفت جامعة في شرشال في عهد الملك يوبا الثاني ملك موريطانيا القيصرية، كما كان لهذا الأخير أعمال عديدة في شتى العلوم، ومنها وضعه موسوعة كبيرة، والتي تعد أول دائرة معارف في التاريخ، لكن للأسف الشديد لم يبق منها أثر كبير اليوم بسبب الإهمال، لكن الكثير من الأغريق والرومان وكتاباتهم التي حفظت قد نقلت أغلبها من هذه الموسوعة، كما كان يوبا الثاني وراء رسم خرائط للعالم المعروف آنذاك، وهو أول من وضع خريطة للجزيرة العربية، وقد ألف يوبا الثاني في شتى العلوم، ومنها الزراعة والري، ويعد أقدم كتاب في مجال العلوم الزراعية لماغنوس اليوناني ما هو في الحقيقة إلا مجرد نقل ماكتبه يوبا الثاني.
كما عرفت بلداننا في فترة ما قبل الإسلام كاتبا موسوعيا آخر هو آبوليوس المادوري أي مداوروش -وهي سوق أهراس اليوم-، فقد بحث في الكثير من المواضيع العلمية والأدبية والإنسانية، لكن لم يبق من آثار هذا المفكر والعالم الكبير إلا كتاب واحد، وذلك في المجال الأدبي، وهو عبارة عن رواية بعنوان "الحمار الذهبي"، وتحتوي حكما فلسفية، ويعد البعض من الباحثين الموضوعيين بأنها أول شكل للرواية الأدبية.
وهل يمكن أن يتحدث المسيحيون عن الفلسفة المسيحية دون الحديث عن سانت أوغستين، وهو من بونة أي عنابة اليوم، والذي ألف مذهبا لا زالت تعتمده الكنيسة الكاثوليكية إلى حد الساعة، ولا زال سانت أوغستين شخصية عالمية إلى حد اليوم، وهو صاحب العديد من المؤلفات الدينية والفلسفية، وأشهرها على الإطلاق كتابه الشهير "مدينة الله" .
و لايمكننا أن نتجاهل جزائري آخر في المجال الديني المسيحي قبل الإسلام وهو دونات الذي وضع مذهبا دينيا مسيحيا أكثر وفاء للمسيحية التي جاء بها سيدنا عيسى عليه السلام، وقد قام كرد فعل على الإستعمار الروماني الذي مزج المسيحية بالوثنية الرومانية، كما كان مذهب دونات وسيلة لرفض السيطرة الأيديولوجية الرومانية، وقد قامت ثورة أمازيغية أو جزائرية ضد الإستعمار الروماني إستنادا على هذا المذهب، وعرفت في التاريخ بثورة البطل الجزائري فيرموس، والتي دامت أكثر من سبع سنوات، وشارك فيها الفلاحون الجزائريون الذي تعرضوا لسلب ونهب آراضيهم من طرف المعمرين الرومان، ونشير إلى ظاهرة يتميز بها المغاربيون عامة عبر تاريخهم الطويل، وهذا قبل أن يدخل بعضهم في الإنغلاق المميت بسبب الأيدلوجيات المشرقية كالوهابية والعروبية، فقد كانوا من قبل متفتحون على كل ماهو جديد وعقلاني، وإذا دخلوا في دين سماوي جديد سواء كان المسيحية أو الإسلام، فإنهم يتبنون مذهبا خاصا بثقافتهم، فمثلما فعلوا مع المسيحية بإبراز المذهب الدوناتي، فإنهم فعلوا نفس الشيء مع الإسلام عندما تبنوا المذهب الإباضي، واستندوا عليه للتخلص من السيطرة الأموية إلى الأبد وإقامة دولهم الإسلامية الخاصة بالجزائريين خاصة والمغاربيين عامة، وكان أولها الدولة الرستمية في تيهرت.

وعندما دخل المغاربيون أو الأمازيغ الإسلام ومنهم الجزائريون ساهموا بشكل كبير في الحضارة الإسلامية إلى جانب العرب والفرس وشعوب آسيا الوسطى والهنود والأكراد والأتراك وغيرها من الشعوب الإسلامية، وقد كان للمغاربيين باع طويل في الحضارة الأندلسية، لأن في الحقيقة فاتحو الأندلس هم الأمازيغ خاصة سكان الغرب الجزائري والمغرب الأقصى، كما عرفت الأندلس فيما بعد هجرات عديدة خاصة من قبائل زناتة ثم صنهاجة الأمازيغيتين، بل ما لايعرفه الكثير هو إحتمال أن يكون هؤلاء وراء إكتشاف العالم الجديد أي القارة الأمريكية، وقد توصلت البعض من البحوث الأمريكية بأن قبيلة بني برزل وهي من قبائل زناتة بنواحي المسيلة وسطيف التي أقاموا إحدى الإمارات الكبيرة في الأندلس كانوا وراء إطلاق تسمية البرازيل على هذه الدولة الأمريكية اللاتينية الكيبرة اليوم مساحة وسكانا والشهيرة في مجال العديد من الصناعات وفي كرة القدم، كما سميت بعض القبائل في أمريكا اللاتينية بتسميات قبائل مغاربية أمازيغية، ومنها مطماطة ومايا، لكن للأسف الشديد لم يول المغاربيون أهمية لهذه البحوث، ويجب القول بكل صراحة أن البعض من شعبنا يفضلون الإهتمام سواء بالغرب أو المشرق العربي بدل الإهتمام بتراثنا حضارتنا وهويتنا بكل مكوناتها .
ولو عدنا إلى الحضارة الأندلسية، فإننا نجد الكثير من المغاربيينعلماء في العديد من العلوم كالرياضيات والطيران مثل عباس بن فرناس والطب والكيمياء والآداب وعلوم اللغة وكذلك الأدريسي في مجال الجغرافيا وأبن النفيس في الجراحة ومكتشف الدورة الدموية، لكن كلهم ضاعوا تحت تسميات أخرى مثل العرب فكأنهم من بني أمية وغيرها من التسميات بدل ردهم إلى أصولهم الأمازيغية المغاربية كالمقري وأبن الخطيب وأبن رشد وأبن خلدون وغيرهم الكثير .
كم واحد منا يعلم أن بمدينة بجاية كانت جامعة كبيرة يأتونها من عموم أوروبا للدراسة فيها، وكلمة الشمع بالفرنسية أي بوجي أخذت من هذه المدينة التي أخترع فيها الشمع كأداة للإضاءة، وهي تشبه الكهرباء اليوم، وكل القواميس الغربية تعترف بأن كلمة بوجي أصلها منحدر من مدينة بجاية .
كما نشير إلى أن من هذه المدينة انتقل الصفر إلى أوروبا الذي حل مشكلة عويصة في مسألة الترقيم، كما انتقلت منها هذه الأرقام التي تستخدم اليوم في العالم كله، بالإضافة إلى إنتقال الكثير من النظريات في الرياضيات إلى أوروبا على يد العالم الإيطالي leonardo Fibonacci Pisanus الذي نقلها في البداية إلى بيزا في جنوب إيطاليا ومنها إلى أوروبا ثم العالم كله، ويقع إجماع على هذا القول من كل من أهتم بتاريخ الرياضيات، كما درس في بجاية أحد الفلاسفة الأوروبيين وهو Rymond Lulus، والذي نقل من الفلسفة الإسلامية خاصة في المنطق إلى أوروبا.
تعد هذه محاولة بسيطة جدا لمعرفة القليل من المساهمات المغاربية في المجال الحضاري عبر التاريخ، والتي غيبت بسبب العوامل التي ذكرناها آنفا، لكن يبدو أنه حان الوقت للإهتمام بذلك في إطار مجال أوسع هو الإهتمام بهذا التاريخ بكل مراحله وفي مختلف المجالات، ومنها المجال الحضاري والعلمي .



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نحن بحاجة اليوم إلى بروتستانتية إسلامية؟
- مقاربة للخروج من مأزق الإنتقال الديمقراطي في العالم العربي-د ...
- حركة التاريخ بين سدنة المعبد وورثة الأنبياء
- نقاش حول مسألة إعادة ترتيب سور القرآن الكريم
- من أجل مواجهة عالمية لبوادر تكرار الظاهرة الإستعمارية
- علاقة نشر -التوهمات العرقية- بمخطط تفجير الدول المغاربية
- التمهيد الأيديولوجي للقبول بالسيطرة الداعشية على أوطاننا
- التفكك في العالم العربي: هل هي إستراتيجية إسرائيلية أم نتاج ...
- من أجل إجتثاث الإرهاب والقلاقل الأمنية في الفضاء المغاربي
- أسس جديدة لدولة ديمقراطية وإجتماعية-من أجل نظام سياسي بديل-
- حل نهائي لمشكلة العلاقة بين الحداثة والإسلام في مباديء الثور ...
- محمد عابد الجابري وتنظيره اللاشعوري للقومية المغاربية
- ردا على طروحات عثمان سعدي-من أجل نقاش علمي وهاديء حول المسأل ...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - رابح لونيسي - من غيب المغاربيون في التاريخ الحضاري؟