|
في المعارضة الكويتية وإخفاق الحكومة
عبدالعزيز عبدالله القناعي
الحوار المتمدن-العدد: 4727 - 2015 / 2 / 21 - 11:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
المعارضة في مفهومها السياسي تعني الطابع التنافسي، وتعني أيضا مخالفة الرأي السائد سلطويا، وبمعني آخر معارضة النظام، وهذا لا يتم إلا من خلال برامج سياسية وتطلعات ورؤي تنموية وإصلاحية تتطلع في المقام الأول الي إصلاح مؤسسات الدولة والأفراد كغاية عليا. وفي الواقع لا توجد اصلاحات دون معارضة، ولا تنمية دون نقد وتصحيح المسار، ولا سياسة أصلا دون تعددية فكرية، حيث من التعددية تنبثق المعارضة لتحمل كافة توجهات الشعب وتطلعاتهم في الإصلاح. وفي الجانب الآخر تنفرد الحكومات بتقديم برامج عملها وفق محاسبة قاسية، كما هو مفترض في أعمق التجارب الديمقراطية أداءا، داخل البرلمان المنتخب، أو خارجه كما في الأحزاب الخاسرة بتشكيل الحكومة، أو التى لم تظفر بالوصول الي الحكم كما في الأنظمة الجمهورية، وهو ما يؤدي تاليا الي تشكيل جبهات وصراعات سياسية تجعل من المشهد السياسي متحركا وغارقا في تقديم أفضل الحلول والبرامج وما على الشعوب سوى المشاركة بصنع مستقبلهم واختيار من يمثلهم وفقا لآليات الإنتخاب والترشيح. طبعا نستثني هنا الدول القمعية والأنظمة الديكتاتورية، والتى من بينها بعض الدول العربية والإسلامية، من تواجد مفهوم المعارضة السياسية، حيث تحت هذه الأنظمة المتوحشة تكون غالبية المعارضة السياسية في السجون أو في المنفي أو يبقون مجرد ديكور سياسي ليحظى الرئيس بمعدلات قياسية في الإكتساح السياسي بنسبة تعادل 99%. ونستطيع أن نقول أن العلاقة بين السلطة والمعارضة تعبر، في كل مكان وزمان، عن مستوى الحياة السياسية وعن خصائص المجال السياسي للمجتمع المعني، ومن ثم عن درجة تقدمه وارتقائه. وفي الكويت، عنوان مقالنا لهذا اليوم، بقي مفهوم المعارضة الوطنية غامضا، على الأقل من بعد عام 1990، فما قبل هذا العام لن نتناوله بالنقد، لإيماني بأهمية تصحيح المسار في عصرنا الحالي الأشد خطورة وحلكة وضبابية في الرؤية، مع تداخلات اقليمية وخارجية أدت الي ضرورة وجود مراجعات نقدية حقيقية ووقفة جادة أمام العمل السياسي الكويتي الآخذ بالإنحسار وفق المصالح وغياب مصلحة الوطن. لا شك أن جميع فئات المجتمع حاليا أصبحت ذات خبرة سياسية واجتماعية في التعاطي مع الأزمات الداخلية، وهذا الأمر لم يأتي من فراغ، بل من سلسلة طويلة من التعاطي مع الحكومة وتفاعلاتها ضمن تحريك فئات المجتمع لمصلحتها، مما أدي تاليا الي طغيان المصلحة الشخصية، نظرا لقيمة معروضات الحكومة أمام افراد المعارضة من مختلف توجهاتهم وفئاتهم. ولما كان المغلوب، سواء المعارضة أو الحكومة، يفتقر إلى عناصر القوة الفعلية فإنه يصطنع عناصر قوة وهمية ليست في الواقع سوى تفعيل الطائفية والقبلية والكيد للآخر والاحتيال عليه. إن الأنساق السياسية في التعامل مع أزمات التنمية في الكويت هي أنساق مغلقة وهو ما أنتج خطابات سياسية مغلقة ولا عقلانية بالضرورة، خطابات تجافي معقولية الإصلاح، وتقف دوماً على طرفي نقيض: التصديق التام والتكذيب التام، الحقيقة الكلية الناجزة والباطل المحض، الولاء المطلق والعداوة المطلقة، الرفض المطلق والقبول المطلق، ونجد هذا النوع من الخطابات هو ما تمارسه الحكومة (دائما كل شيء تمام وعال العال ولا فساد حقيقي)، وما تفعله المعارضة بالمقابل (حكومة فاسدة ونظام يتهاوى ودولة مؤقتة). وليس ثمة من مساحة للاختيار، يقوم بها الشعب، المشتت ما بين مصالحه ورغباته، وما بين مبادئ الوطنية وبناء البلد، وهنا غاب الإختيار الحقيقي المبني على الخطاب العقلاني، فالاختيار من أهم صور الحرية وهو مالا نملك مقومات بنائه ثقافيا ووطنيا في فضاؤنا السياسي والاجتماعي. إن أزمات البلد المتكررة تقودنا إلى الاعتراف بان هناك تقصير في العمل والانجاز والإدارة من عدة جوانب، وإحداها هو أنفسنا وما نعانيه من صراع داخلي حول تفسير عدة مفاهيم كالوطنية والصراع الطبقي والطائفي والاجتماعي، ولكن لنرجع قليلا إلى الوراء ونرى هذه التداعيات ومسبباتها، فالمشهد السياسي الحالي قاتم لا لون معه إلا طغيان التوافقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لمصالح مشتركة غاب عنها قضايا التنمية والاستقرار الاقتصادي، ولجأ بعدها كثير من المواطنين إلى تامين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بنوع من الأنانية وحب الذات وجعل الوطن بالمرتبة الثانية بعد تحقيق الرغبات والأحلام الشخصية بطرق مشبوهة وغير قانونية مع غياب الرقابة الفعلية ودور السلطة والحكومة في تفعيل القوانين والاكتفاء بتطبيقها على بعض الحالات الاجتماعية الضعيفة وترك من له سلطة وواسطة خارج إطار المحاسبة مما فرخ أو نمى الشعور بالإحباط واليأس مما يراه المواطن العادي لما يحصل عليه المتنفعون وعلية القوم والتجار من مكاسب كبيرة، وكأن ثروة البلد محسومة لبعض الفئات والمواطنون مجرد عاملون برواتب شهرية لا يطالها اى زيادة أو تحسين ليظل المواطن يطالب بالمزيد لسنوات طويلة وينسي ما عدا ذلك. وأدى هذا الوضع قسريا بالتحول إلى البحث عن المكاسب والمنافع لدى من يلبي حاجتي ورغباتي وتساهلت الحكومة في هذا الأمر وقربت الكثير من الأشخاص وخصوصا من أعضاء مجلس الأمة لما وجدت منهم أداة سهلة الانصياع والتنفيذ لما تريده الحكومة من مواقف، وبالمقابل أتاحت لهم سياسة الأبواب المفتوحة ومعاملات اللامانع حتى ولو كانت ملغومة وذات مثالب قانونية، ولكن لأجل عين تكرم ألف عين، وهذا ما حدث واتخمت البلاد بالكفاءات المضروبة والمواقف المدفوعة الثمن، وفوق هذا انتشر الفساد الادارى بمخالبه وأذنابه المدافعين عنه، وانزوى كل شريف وكل شخص يعمل من اجل الكويت بعيدا لا سلطة له ولا قرار حتى أصبح وضعه غريبا في هذا الوطن لا يجد من يقف معه. وفي ظل انتشار هذه المحاور الفاسدة وبنفس كويتي، أصبح من اللازم أن ينتقل الفساد والمحاصصات وحب الذات إلى الجانب الاجتماعي في حياتنا، فأوجدت لنا تزعزع مفاهيم الولاء والوحدة الوطنية، والتي كنا في السابق لم نشهد حتى مجرد التفكير في تفسير هذه المعايير وماهية مضامينها نظرا لانصهار المجتمع الكويتي آنذاك بوحدة اجتماعية كاملة لم يغلبها المصالح ولا حب الذات، وآمن الكل فيها بمصير واحد لا مختلف الاتجاهات كما هو حاصل الآن، ونظرا للمكاسب المتحققة لكل فئة سواء منافع حكومية كالمناصب العالية وأعمال الاستشارات أو في القطاع الخاص والمناقصات وما تدره من أرباح نتيجة التساهل الحكومي بإرضاء المعارضة، احدث هذا الوضع تفككا غير مسبوق، فترى التيارات والطوائف والملل تتخذ مواقف معادية للحكومة، لا من اجل مصلحة الوطن بل من اجل أن تحظي بالمزيد من الأموال والمنافع. انه السياق المنطقي للأمور، فإذا استمرينا على هذا المنوال، فان ما سوف يحدث هو الأسوأ الذي لا يقبل التعديل بصورة جذرية بل ولا ينفع معه الترقيع أو الحلول المؤقتة وما أكثرها في بلدي، ولعل الأزمات المتكررة والمشهد السياسي الحاصل على الساحة المحلية وجهان لعملة واحدة يجمعهما روابط تمثل قناعة الشعب الكويتي ورضاه التام بالعيش وفق هذه المتناقضات. وأخيرا، إن المعارضة الحقيقية، إن وجدت، والحكومة معاً في خطر، لأن مصدر قوتهما ومشروعيتهما ومسوغ وجودهما قد بات في خطر، أعني الوطن والقانون والحرية.
#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة كويتية الي الرئيس الفرنسي
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|