عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4727 - 2015 / 2 / 21 - 01:58
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مفاصل التغيير وملازماتها في الواقع العراقي:
3- العلاقات السلعية - النقدية والسوق الوطنية الموحدة:
تلعب العلاقات السلعية النقدية دوراً مهماً في تعجيل التطور الاجتماعي بالنسبة للمجتمعات التي تسودها علاقات سابقة لها ( النظم الماقبل رأسمالية). وهي في نفس الوقت تمثل الحاضنة الطبيعية لمؤسسات المجتمع المدني، طالما "...أن المجتمع المدني هو السوق بكل مكوناته ...وهو ميدان تقسيم العمل وانتاج الثروة والتبادل المستقل عن المجال السياسي... ". لم تستطع السياسة الاقتصادية للنظام الملكي تحقيق أبعاد هذه السياسة وتعميقها من خلال تهيأت أجواءها الملائمة ومستلزماتها المؤسساتية والتشريعية، وما يشتق منها من لبرالية سياسية وحرية العمل وتداول السلطة سلميا بين الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة وتطور وتنوع القوى الاجتماعية في حراكها العام على كافة المستويات، وعصرنة الحياة والدعوة للحرية الفردية والإحتكام للعلم والعقل و الاهتمام بالطبيعة.
لقد أنصب عمل الفئات الحاكمة وقوى الاحتلال الأول على تثبيت العلاقات شبه الاقطاعية في الريف، كما مر بنا، بعدما نجحت في تجميع العشائر المتشضية وقضت على الاقتصاد العيني والاكتفاء الذاتي وهذه ناحية ايجابية.. لكن هذه النقلة النوعية في العلاقات الاقتصادية لم تستكمل ذاتها من خلال النشر المكثف والواسع للملكيات الزراعية الصغيرة والمتوسطة للمنتجين الفعليين الفلاحين أو/و المالكين المتوسطين والصغار ودمجهم بالسوق الوطنية الموحدة، ليس من الجانب الاقتصادي حسب، بل من الجانبين الاجتماعي والقانوني وشمولهم بالنظام القضائي الموحد, بغية تعزيز الهوية الوطنية العراقية الموحدة وتطوير القوى المنتجة وإعادة تطويرها بما ينسجم وقانونيات التطور وسننه وبالتالي إنشاء مؤسسات، وتنظيم علاقات على اساس وطني نقيض لتلك العلاقات الضيقة القائمة على رابطة الدم أو الاشكال القديمة من التلاحمات والعصبيات. لذا تركزت، في النظام الملكي، ملكية الأراضي بيد كبار الملاكين من شيوخ العشائر والملاكين الغائبين من الارستقراطية التقليدية والأعضاء المحوريين من النخبة الحاكمة وكبار موظفي الدولة من مدنيين وضباط عسكريين .
وكان من عاقبة هذه الصيرورة الاقتصادية والحقوقية التي استمرت طيلة العهد الملكي، إزدياد وتائر الطرد الكيفي لألاف العوائل الفلاحية من الأرض مما زاد من افقارها المطلق والنسبي. لذا دخلت هذه العلاقات في أزمة بنيوية عبرت عن ذاتها من خلال الانتفاضات الفلاحية و خاصةً في خمسينيات القرن المنصرم. هذه الحالة إستفزت حتى الدوائر البريطانية التي أخذت تلح في السنوات الأخيرة السابقة للثورة للحد من تعسف كبار الاقطاعيين وشيوخ القبائل.
ولهذا كانت الخطوة الأرأس لثورة 14 تموز هي تفتيت الملكية الاقطاعية الكبيرة وإعادة توزيعها على المنتجين الفعليين الصغار الذين أُستلبت منهم عندما سجلت بإسم شيخ العشيرة كملكية خاصة بدلا من ملكية العشيرة الجماعية.. لذا كان الاصلاح الزراعي الذي شرعته الثورة قد مثل أهم بوابات العلاقات السلعية النقدية الذي عجز النظام الملكي من تحققه بالدرجة المطلوبة.. مما عجل من سرعة غيابه من مسرح الحياة. " وعلى العموم فإن هناك أمراً واحداً لا يطاله الشك, ألا وهو ان، القوة الاجتماعية للملكيات الخاصة الكبرى قد إجتثت من جذورها وأوضح ما يظهر هذا في ميدان الزراعة. ولقد تمت إزاحة كبار المشايخ وكبار التجار الملاك ".
في الوقت نفسه توسعت بعد ثورة تموز, قاعدة البرجوازية الوطنية سواء أكانت تجارية أو صناعية بمقاييس كبيرة جداً ومن حيث الكم والنوع .. فعلى سبيل المثال إزداد عدد المؤسسات الصناعية الكبرى (التي توظف أكثر من 10 عمال) من 727 مؤسسة عام 1954 وظفت 44410, الى 985 مؤسسة (خاص وحكومي) وظفت ما مقداره 67789 من العاملين. " فالمشاريع الرئيسية في القطاع العام تضاعفت بين عامي 1957 وعام 1960... أما الصناعات في القطاع الخاص... فقد ارتفعت بنسبة 21% فقط ". كما انعكس نشاطها في رؤوس الأموال الموظفة والقروض التي منحت لها, عبر مصارف الدولة, في إرساء بعض مؤسسات السوق التي ساهمت في توسيعه وتوحيد أجزاءه الجغرافية ضمن فعالية أليته ونسق تفاعلاته.. وتوضحت تأثيراته في ان يشق المجتمع المدني، كمفاهيم ومؤسسات, الطريق بقوة في الحياة والعقل السياسي العراقي حيث تأسست المئات من النقابات والجمعيات والصحف والاحزاب، في المدينة والريف لتشمل العديد من القطاعات المهنية.. وهذا ما عجزت عن تحقيقه حكومات المرحلة الملكية بتلك القوة , طالما أن المجتمع المدني يكون في حالى تبعية لإسلوب الانتاج وقوانينه وعلاقاته، فالأنماط الاقتصادية، سواءً الستحدثه منها (كالنمط التعاوني) والأخرى السابقة قد تطورت بعد الثورة وكانت في توجهها العام هي ضمن ما يطلق عليه { بالرأسمالية الموجه}، وهي الأكثر ملائمةً للمجتمع المدني نظراً لملائمتها لأليات السوق مقارنةً بالنظام شبه الاقطاعي.
4- الحياة البرلمانية:
{حين تفشل المحبة تطغي قسوة القانون}
فولتير
{ الديمقراطية لا تعمل في فراغ إنها تعمل على وفق النظام الاجتماعي القائم}
إنطلاقا من حقيقة أن الديمقراطية شأنها كأي نظام أخر من الحكم فهي لا تعمل في فراغ ولذا "...غالباً جداً ما يتناسى بأن الديمقراطية ليست مادة للتصدير، وأنه لا يوجد ضمان ذاتي، ذلك لأن النماذج الظاهرية للديمقراطية قد أبتدعت في تربة غريبة، وأن الديمقراطية ذاتها سوف تسود على حين غرة... "، مما ترتب عليه أن " اخفقت البرلمانات والأضاليل الأوربية الأخرى في تحقيق الديمقراطية في الشرق، فلقد شرع العرب يشعرون بصفة متزايدة بأن تلك الوسائل لم تفعل شيئاً سوى تسهيل الفساد والضعف ليس إلا... ".
توضح التجربة العراقية التي نطمح إلى تحقيقها وتعميق سيرورتها في العقل السياسي والممارسة الحياتية,أن الحياة البرلمانية مثلت من الناحية النظرية التجريدية, خطوة جميلة ومهمة.. بالتضاد مع واقعيتها العملية سواءً من حيث مضامينها أو/و شمولها أو/و آلية تداولها أو/و سلامتها القانونية. لقد صيغت أبعاد الحياة البرلمانية نظرياً في عشرينيات القرن المنصرم في لندن، بمفاهيم تتطابق وما بلغته هذه الافكار من تطور في حينها هناك, إلا أن الممارسة العملية لها في العراق الملكي، أمست عملية شكلية بحتة مما أفقدها مصداقية مضامينها. عليه يمكننا التوكيد على أن النظام السياسي إثناء الانتداب أو بعده، كان برلمانياً من حيث الشكل وليس المضمون، إذ كان متعلمي الناس ونخبها المثقفة على الخصوص " يتوقعون أن يتطور هذا النظام، ليصبح في الوقت المناسب نظاماً ثابتاً ونيابياً بكل ما في الكلمة من معنى، فيوفر للنخبة الحاكمة قاعدة شرعية لتولي السلطة. ولكن بعد نيل الاستقلال (1932-ع.ن) فقد هذا النظام معناه لأن النخبة الحاكمة كشفت عن ميولها للتفرد بالسلطة المطلقة والاحتفاظ بها لنفسها غير مبالية باللعبة البرلمانية. فنشأت عن هذا الوضع أزمة حول شرعية الحكم... " التي انعكست تجلياتها في التحكم باللعبة وإدارتها حسب مزاج مثلث الحكم (السلطة التفيذية،ومؤسسة العرش والسفارة البريطانية)، إذ تتوضح أبعادها الرقمية عند دراستها في سياق تاريخية صيرورتها، إذ نرى رسمها البياني، من حيث التزوير وحرية المناقشة, كان ينحدر نحو السلب مع مرور الوقت.. فهامش الحرية في النقاشات الداخلية للبرلمان كان يتقلص بعد كل دورة انتخابية، ودرجة التزوير تنمو بإضطراد، حتى انحصرت عملية تداول النيابة بين مرشحين (دائمين) إذ بلغت نسبة الفائزين بالتزكية أكثر من 90% من عدد النواب في الدورات الأخيرة فمثلاً فاز بالتزكية 121 من أصل 135 نائباً في الانتخابات التي أجراتها الوزارة السعيدية الثانية عشر (3/8/54- 17/12/1955). بالإضافة إلى ذلك فأن جميع الدورات الانتخابية برمتها لم تستكمل دوراتها الدستورية التي أمدها 4 سنوات، سوى دورة واحدة وهي الدورة التاسعة ( 12/6/1939-9/6/1943) . وهذا ما أشارت إليه الوثائق الرسمية وأغلب من تصدى لدراسة هذه الموضوعة، بمن فيهم بعض اعضاء النخبة الحاكمة الذين نشروا مذكراتهم مثل: توفيق السويدي وخليل كنه وجميل الاورفه لي وعبد الكريم الأزري وعلي الشرقي وأحمد مختار بابان وفاضل الجمالي وغيرهم. كما أكد هذه الوقائع المؤرخ القدير عبد الرزاق الحسني في موسوعته الفذة (تاريخ الوزارات العراقية)، التي هي بمثابة وثيقة رسمية.
لقد انحصرت مفاصل السلطة بما فيها النيابة، في قمة نخبة الحكم إذ: "... إن 11 من 23 من أكبر العائلات الرأسمالية, و41 من 49 من أكبر عائلات ملاك الأراضي, بما فيها البيت الملكي, كانت ترتبط رسمياً, بطريقة أو بأخرى, أو في لحظة معينة أو أخرى, بالدولة مقدمةً لها رؤساء الوزارات أو الوزراء أو الأعيان أو النواب. وفي الوقت نفسه, فإن رؤساء 28 من هذه العائلات وعائلات المشايخ القبليين و(السادة) القبليين كانوا من كل النواحي, حكاماً حقيقيين في عقاراتهم أو على قبائلهم ". ويبدو أن هذه السمة التي تميزت بها النخبة الحاكمة في العراق، كما لو أنها أحدى سنن الانظمة في عالم الأطراف ومنها العالم العربي. لذا لم تؤدي العملية الانتخابية إلى أي تغيير حقيقي في تركيبة السلطة السياسية وقوامها ولم يتم تداولها سلميا بين القوى السياسية، من خارج كتل نخبة الحكم، رغم تمتعها بثقل كبير في الشارع السياسي وبإعتباره أنها تمثل مصالح طبقات اجتماعية لها وزنها النسبي في عملية الانتاج الاجتماعي.
كما تميزة الدورات الانتخابية بالقصر الشديد إذ كان معدل الدورة الواحدة أقل من ستة أشهر، بل بلغ الأمر إلى أن أحدى الدورات لن تدم سوى يوم واحد (الدورة 14 في الوزارة السعيدية الثانية عشر عام 1954 ). إذ قُرأت الأرادة الملكية بحلها في يوم افتتاحها, لأن هناك 11 نائبا من المعارضة الوطنية وانظم إليهم أثنان من المستقلين وجميعهم لم يمثلوا سوى نسبة مئوية ضئيلة جداً مقارنةً بنواب السلطة .
كانت هذه الممارسات القسرية أحد اهم أسباب تدخل القوى العسكرية من أجل التغيير الذي كانت الحياة تصرخ به. وهذا ما أشار إليه أحد منظري الملكية في العراق (د.مجيد خدوري) إذ رأى أن عجز النخبة الحاكمة من تداول السلطة سلميا بين الطبقات الاجتماعية المختلفة وتخلف القوى الصاعدة من ممارسة السلطة قد " دفع بالعسكريين للتدخل في الأمر، فضباط الجيش من الشباب كانوا يشاركون زملاءهم المدنيين عقائدهم وتطلعاتهم، لكنهم لجأوا إلى قوة السلاح لينجزوا ما عجز الزعماء المدنيون عن إنجازه بالاضرابات والتظاهرات. وهكذا فإن الثورة العسكرية التي نشبت في 14 تموز سنة 1958 في العراق جاءت نتيجة ثورة اجتماعية كان الجيل الجديد يمهد السبيل لها منذ أمد بعيد ". وتعتقد جماعة الأهالي اللبرالية أن الانحراف البرلماني ليس كما ذكر أعلاه فحسب، بل تمتد جذوره لبداية تأسيس الدولة حيث تعتبر " أن الملك فيصل بالإتفاق مع الحكومة البريطانية المنتدبة، هو السبب الرئيسي وراء انحراف سير الدولة العراقية الحديثة عن الديمقراطية الصحيحة نتيجة تدخله في انتخابات المجالس النيابية منذ قيام المجلس التأسيسي حتى آخر مجلس نيابي في حياته، وبعدها، وبذلك مسخت الحياة الدستورية والنظام السياسي القائم على حرية الكلام و النشر والحياة البرلمانية القائمة على أن تكون السيادة في الدولة لمجلس نيابي ينتخب انتخاباً مباشراً، ما يكفل سيادة القانون وضمان الحريات وحقوق الإنسان.
والواقع أن الملك فيصل أقتبس أسلوب التدخل في الانتخابات ومسخ الحياة البرلمانية من الحياة السياسية في العهد العثماني وبالتحديد من انتخاب المجلس النيابي بعد انقلاب 1908 الذي انتخب على أساسه الشريف فيصل نفسه نائباً عن الحجاز في مجلس المبعوثان العثماني مثل سائر أعضاء ذلك المجلس. وقد ساعد الملك فيصل الأول على إرساء هذا التقليد في مسيرة الدولة العراقية الشخصيات التي التفّت حوله, وخصوصاً أولئك الذين نشأوا في عهد الحكم العثماني. ومن سوء حظ العراق أن هذا التقليد أستمر حتى نهاية الحكم الملكي في العراق سنة 1958 ".
وتأسيسا على ما تقدم فقد " تمثلت أكبر نقطة ضعف للنظام في فشله ببناء مؤسسات سياسية قابلة للإستمرار في دعم حكمه. فطبقاً للمنهج العثماني، اعتمد القادة على الجيش والبيروقراطية بوصفهما داعمين أساسيين للدولة. وأعتمد النظام أيضاً على الروابط العائلية والشخصية... وغالباً ما تصاهرت الأسر السياسية. وتم استكمال العلاقات الأسرية بعلاقات إقليمية وأكاديمية ومهنية. ومن الخارج فإن المجموعة الحاكمة... بدت كإطار وثيق للأقارب والأصدقاء، الأمر الذي جعل من الدخول إليه أمراً من دون علاقات وروابط... فقد شكل شيوخ العشائر والأغوات الأكراد ومالكو الأراضي زهاء 40% من برلمانات ما بعد الحرب ( العالمية الثانية-ع.ن) مع أنهم لم يكن يمثلون إلا شرائح قليلة... أما الحضريون لا سيما الطبقة الوسطى والشريحة الدنيا منها فقد ظلَّ تمثيلهم هزيلاً في البنية السياسية وسرعان ما خضعوا لتأثير المعارضة...وربما تمثلت الإساءة الأكبر في رفض التعامل مع المعارضة في البرلمان، حيث كان بإمكان قادة المعارضة تحقيق قدر من المسؤولية والخبرة. وقد زرع نظام نوري السلطوي بين 1954 و1958 بذور الدكتاتورية العسكرية المستقبلية ".
والاستنتاج المستخلص من هذه القراءة المكثفة هو: أن جميع المجالس النيابية قد خرجت من رحم إدارات وزارة الداخلية كمنفذ، والبلاط والسلطة التنفيذية كمخطط، والسفارة البريطانية كمستشار. وهذا ما أطلقنا عليه مثلث الحكم. وبالتالي لم تكن البرلمانية كأسلوب وفكرة.. كأداة للتغيير ووسيلة لتداول السلطة، متجذرة في الثقافة السياسية العراقية سواءً لنخب الحكم أو الأحزاب السياسية بصورة عامة.. وهذا يعكس ما اطلقنا عليه ب (المنزع الاستعجالي) لهذه الأحزاب والذي يعكس في بعض جوانبها سيادة العقلية الانقلابية ..والذي شخص لدى العديد من الاحزاب السياسية العراقية، وخاصة القومية منها، التي تبنت الفكرة الانقلابية كوسيلة وثوب نحو السلطة تحت ذرائعية قومية وخاصة منذ الجمهورية الأولى وإلى الوقت الحاضر. وهذا من جهة ثانية يمثل أحد جوانب الخلل الوظيفي لفكرة الأحزاب ويدلل على قصر نفس نضالي لديها " وبدلا من أن تكرس دورها لتعبئة الشعب وتنظيم فعاليته، وتطوير قدرته على إنتزاع حقوقه، استعاضت من ذلك كله بالعسكر لإختصار طريق (الثورة)! والنتيجة: تحولت الفكرة القومية من فكرة للأمة جمعاء إلى فكرة حزبية، بعملية إختزالية تحتاج اليوم إلى نقد شديد وجريء؛ ثم تحولت من فكرة حزبية (مدنية) إلى فكرة حزبية (عسكرية)، ومن فكرة مجتمعية إلى سلطة عسكرية، وما خفي أعظم !... ". وهذا ما تجلى بوضوح في العراق منذ الجمهورية الأولى ( تموز1958-شباط 1963) على الخصوص.
هذا النقد الموضوعي لتلك المرحلة لا يبرر مطلقاً التقاعس الذي أصاب الحياة البرلمانية في المرحلة الجمهورية، التي من الضروري التمييز بين حقبها المختلفة، بين الجمهورية الأولى (14/7/1958- 8 /2/ 1963) والجمهورية الثانية (8/2/ 1963- 9/3/ 2003). وتشير كثير من الدلائل والوقائع المادية أنه كان هناك توجه جدي ورسمي من قبل سلطة الجمهورية الأولى في إجراء الانتخابات النيابية واقرار الدستور الدائم، التي كان المفروض أن تتم في تموز 1963, والتي أجهضها انقلاب 8 شباط 1963.. الذي كان في احد جوانبه يمثل الرد اللا موضوعي عليها, وهذا ما سنأتي عليه بتفصيل أكبر.
الهوامش
27- فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع، ص. 45، مصدر سابق. ويعتبر د. محمد سلمان حسن أن بدء تشكل السوق الوطنية العراقية كان منذ مطلع ثلاثينيات القرن 19 حيث أتخذت جملة من الاجراءات الامنية والادارية لتوحيد مكونات هذه السوق. دراسات في الاقتصاد العراقي، دار الطليعة، بيروت 1966 .
28- حول موضوع تمركز وتركز ملكية الاراضي الزراعية راجع: نصير سعيد الكاظمي (عزيز سباهي), الحزب الشيوعي والمسألة الزراعية في العراق, مركز الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي, دمشق 1986؛ د. كاظم حبيب, دراسات في الاصلاح والتعاون الزراعي, مطبعة الغري النجف 1986؛ زكي خيري, تقرير عن مسائل الإصلاح الزراعي, بغداد 1960؛ د. طلعت الشيباني, واقع الملكية الزراعية في العراق, دار الأهالي للنشر والتوزيع, بغداد 1958؛ حنا بطاطو, ج. 1, مصدر سابق . ويمكننا القول أن قانون تسوية الأراضي(الطابو) الذي شرعه مدحت باشا اثناء ولايته للعراق في (1869-1872) كان يمثل المحطة الأولى في تثبيت الملكية الزراعية الخاصة وكان من نتائجه ثبات الملكية الحقوقية للأرض لصالح أقلية ضئيلة من السكان مقابل حرمان الغالبية الساحقة. وكان من نتائجه ونتائج جملة القوانين الأرض لمرحلة الانتداب لاحقاً..أن درجة تركيز الكبيرة للملكية الزراعية أصبحت في العراق (الملكي) "...فريدة من نوعها في العالم فإن 1% من سكان الريف يستحوذون على ثلاثة أرباع الأراضي. فحسب الاحصاء العام لسنة 1957 بلغ عدد سكان الريف 4100000 نسمة، أي نحو 800000 بيت وعدد المالكين الذين يملكون أكثر من 400 مشارة (الحد الأعلى لملكية الفلاح الغني في أقل الأراضي خصوبة الديم) بلغ 7700ملاك حسب الاحصاء الزراعي والحيواني لسنة 952-1953، وأن 9,2% من البيوت الفلاحية تمتلك من الأرض ما فيه الكفاية أو دون الكفاية والمساحة التي بحوزتها لا تزيد على 6% من الأراضي المستثمرة و5,7% من البيوت الريفية، وهم متوسطو وأغنياء الفلاحين، يملكون من 60-400 مشارة وتبلغ مساحة الأرض بحوزتهم 8,5% من الأراضي المستثمرة، وأن 700000 عائلة لا تملك شبراً من الأرض.. إن الكيفية التي وزعت فيها ملكية الأرض في العراق تسمح بإجراء اصلاح زراعي واسع يلبي رغبة الفلاحين المحرومين من الأرض المشروعة، فإن 104 ملاك يملك كل منهم 20000 مشارة فما فوق وبعضهم يملك أكثر من مليون مشارة أي ما يعادل ربع مساحة لبنان الكلية" د. سعاد خيري ، ثورة 14 تموز، ص. 145، دار الفاربي بيروت 1980.
29 - بطاطو, ج.3, ص. 431, مصدر سابق. ويقول في ص. 429 : " فبينما كان أربعة أخماس عائلات العراق بلا أية أملاك كان هناك 2480 شخصاً يملكون في العام 1958, 17,7 مليون دونم من الأرض, وكانت هنالك 49 عائلة تشكل عملياً لب كبار الملاك, تملك 5,4 مليون دونم , أي 55,1 و16,8 بالمئة من كل الأراضي الزراعية ذات الملكية الخاصة, على التوالي. وبشكل مشابه فإن 23 عائلة تجارية وصناعية ومصرفية, منها 8 هي كبار الملاك أيضاً, كانت تملك ما قيمته 30-35 مليون دينار من الممتلكات من مختلف الأنواع, أو ما يساوي 56-65% من مجموع رأس المال التجاري والصناعي الخاص مجتمعين " .
30-أديث وائي،أيف بينروز، العراق ، ص.404، مصدر سابق.
31- زين نور الدين زين، العلاقات الانكليزية التركية وظهور القومية العربية، مستل من جرالد ديغوري، ثلاثة ملوك في بغداد، ت. سليم طه التكريتي،ط. 2، ص. 295، النهضة العربية ، بغداد1991
32- المصدر السابق، ذات الصفحة.
33 - د. مجيد خدوري، العراق الجمهوري، ص. 14، مصدر سابق.
34- ومما يذكر أن نواب الدورة التاسعة هم الذين خلعوا عبد الإله عن وصاية العرش وتعين الشريف شرف محله.. وهم بذاتهم أعادوا عبد الإله وخلعوا الشريف شرف!!!!!؟.
35- بطاطو،ج 3، ص. 439 ،مصدر سابق. " وينقل محمد حسنين هيكل عن أحد صناع القرار في واشنطن قوله: تتحدثون عن عالم عربي فيه أكثر من عشرين دولة. ولكن هناك في تقديرنا 4 أو 5 دول فاعلة في المنطقة العربية وليس أكثر، وفي الدول الأربع أو الخمس هذه تنحصر دائرة صنع القرار في 35 إلى 40 شخصا فقط. هذا هو عدد الناس الذين يؤثرون فعلا ". مستل من أحمد المسلماني، ص. 36، مصدر سابق.
36- للمزيد راجع: حسين جميل العراق شهادة سياسية 1908-1978, دار لام, لندن 1987؛ ولذات المؤلف, الحياة النيابية في العراق 1925-1945, مكتبة المثنى, بغداد 1987؛ فائز عزيز اسعد, انحراف النظام البرلماني في العراق, وزارة الاعلام بغداد 1975, د. نزار توفيق الحسو, الصراع على السلطة في العراق الملكي, مطابع آفاق عربية, بغداد1984؛ د. عبد الحمن البزاز, العراق من الاحتلال حتى الاستقلال, ط. 4, دار البراق لندن 1990؛ عبد الكريم الأزري, مشكلة الحكم في العراق, دار النشر بلا, لندن 1991؛ كذلك كتابنا, الجيش والسلطة في العراق الملكي, مصدر سابق.
37- د. مجيد خدوري، العراق الجمهوري، ص. 17، مصدر سابق. وهذا ما اشار إليه عبد الكريم قاسم في أغلب خطبه في الأيام الأولى للثورة. للمزيد راجع خطب الزعيم عبد الكريم قاسم، مصدر سابق.
38- محمد حديد، مذكراتي، ص. 131، مصدر سابق.
39- فيبي مار، تاريخ العراق ،ص. 182. مصدر سابق.
40- حول هذا المفهوم راجع عبد الإله بلقزيز، السياسة في ميزان العلاقة/ مصدر سابق
41- المصدر السابق ، ص. 31.
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟