محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 16:53
المحور:
الادب والفن
يفتح الجندي باب الزنزانة، يعصب عينيه ويقتاده إلى الخارج، هو الآن لا يرى سوى تصوراته عما سيقع بعد قليل.
تمر ساعة كأنها دهر كامل: أسئلة، صفعات، دم ينثال من الشفتين، وعصي تنهال على باطن القدمين، أسئلة، أسئلة، ولا جواب.
يجره الجندي من غرفة التحقيق معصوب العينين، يوثقه إلى جدار ما، ويمضي. تتجمع كل حواسه في أذنيه، ينبعث ضجيج خافت من أماكن قريبة، لم يميز شيئاً، غير أن الضجيج أثار في نفسه توقعات كثيرة.
ينبح كلب في باحة السجن، ثم يسكت، فكأنما العالم ملك يديه، ينبح متى شاء ويسكت متى شاء، يعود الضجيج الخافت إلى الإعلان عن نفسه مختلطاً هذه المرة بأصوات مبهمة قادمة من مسافات بعيدة، أوحت إليه بوجود قطارات ومدن: إنه الليل قد حل.
تهمد حركة الحراس في السجن، وتستمر المسافات البعيدة في إرسال أصواتها المكتومة: إنه الليل يتقدم.
يدركه التعب، تتصلب قدماه، لو أن لديه مهارة اللقلق لأمضى نصف الليل الأول على ساق واحدة، ونصفه الثاني على الساق الأخرى، جرب ذلك بعض الوقت، فلم يفارقه التعب.
يقترب منه المحقق في اللحظة الحاسمة، يسأله إن كان لم يتعب بعد! لا يجيبه، يقترح المحقق عالماً من الراحة، ووسائد من ريش النعام مقابل اعتراف أو اعترافين، فلا يجيبه، يصفعه المحقق على وجهه ويمضي.
الآن، تلح عليه صورة البيت: جلسات المساء الوادعة أمام الدار، تحت سماء بنجوم لا حصر لها، حيث الزوجة والأطفال ورشفات الشاي بالنعناع، ثم يجيئون ذات ليلة ويختطفونه من هناك.
تململ في القيد: إنهم يغتالون أبسط اللذات، وقرر أن يظل واقفاً.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟