|
اللا محسوس أخطر الأنواع
نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 00:20
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ارتفعت الأصوات في بلادنا، التي تنادى بثورة في الفكر والتعليم والثقافة، وتجديد الخطاب الدينى وتصحيح المفاهيم الخاطئة الشائعة، من أجل محاربة الفكر المتطرف القائم على العنف والإرهاب، مع ذلك لم نشهد شيئا يدل على تقدم نحو تحقيق هذا الهدف، خاصة فيما يتعلق بحياة النساء والقيم الموروثة التى تسلب من المرأة إنسانيتها وكرامتها، يكفى أن تغطى المرأة وجهها بالنقاب لإثبات أنها لا تنتمي إلى الفصيلة البشرية، فالإنسان لا يعرف إلا من وجهه وجه الإنسان هو شرفه وكرامته وشخصيته وملامحه التى تميزه عن الآخرين، إنسان بلا وجه يعنى لا إنسان، وهناك حيوانات مستأنسة مثل القطط والكلاب يعرفها أصحابها من وجوهها. لهذا يكون النقاب نوعا من الإرهاب أو القتل لشخصية المرأة وإنسانيتها وكرامتها وشرفها، النقاب إرهاب مادى ومعنوي، جسمى عقلى روحي، يمارس ضد الكثيرات من النساء المصريات دون أن نعتبره إرهابا، دون أن ندرك أنه عنف ضد عقل المرأة التى ترتديه مجبرة أو مختارة، بل إن إختيار المرأة لإخفاء وجهها أو رأسها اشد خطورة لعقلها، إذ تتحول المقهورة بغيرها الى قاهرة لذاتها، وهذا أشد أنواع العنف، فالقهر الذاتى أو الإرهاب الذى يوجهه الإنسان أو الإنسانة لنفسها، هو أخطر الأمراض النفسية العقلية على الإطلاق، فهل يمكن لامرأة تعتبر رأسها أو وجهها عورة أن تعلم أطفالها التفكير السليم؟ فما بالنا أن تعلمهم مباديء الحرية والعدالة والكرامة؟ هذه المباديء التى نادت بها ثورة يناير ويونيو ويوليو وكل الثورات منذ فترة مضت أعلن وزير التعليم أنه يريد تغيير مفهوم التعليم فى مصر ليتعلم التلاميذ والتلميذات كيف يفكرون. فهل تحقق ذلك وكيف؟ ومن الذى يعلم الأطفال كيف يفكرون؟ لقد زاد عدد المحجبات من البنات الصغيرات بالمدارس الابتدائية، وزاد عدد المنتقبات من الأمهات والمدرسات، فمن يعلم الأطفال كيف يفكرون، إذا كانت المعلمة نفسها لا تعرف كيف تفكر؟ ويكتب الكثيرون عن أن المرأة هى المستقبل، وعن ضرورة النهوض بالثقافة والفكر من أجل التصدى للإرهاب الفكري والتطرف والعنف، لكن هذا النهوض محدود، يرتبط بالخطاب الديني أو التعليم بالأزهر أو تطوير بعض أمور الفقه والتفسير أو البخارى وتاريخ الخوارج والمعتزلة والشورى والدستور ومدنية الدولة وغيرها من الأمور الدينية السياسية العامة، التى لا تتعمق لتشمل الحياة الخاصة أو حياة المرأة والأسرة، قد يعترض بعض الكتاب على نقاب أو حجاب المرأة من الناحية الدينية، أو يحاولون تقديم تفسير متقدم لبعض النصوص القرآنية، لكن نادرا ما يتم التعمق في ظاهرة النقاب أو الحجاب، من الناحية الثقافية والفكرية أو الاجتماعية والصحية، نادرا ما يتم الكشف عن خطورة هذه الظاهرة على عقول النساء والرحال والأطفال، باعتبارها عنفا يقع على المرأة، نصف المجتمع، وبالتالي يقع على المجتمع كله. هناك من يقلل من خطورة ظاهرة النقاب والحجاب، ويعتبرها حرية شخصية، أو مسألة شكلية سطحية، وقد يربط بعضهم بين السفور والفجور أو عدم الأصالة والتشبه بالغرب، والبعض يعتبر الحجاب أو النقاب دليل العفة والوطنية، لا شك أن السفور أو الحجاب لا علاقة لهما بالأخلاق أو بالشرق أو الغرب لكنهم يفرضون على المرأة السقوط فى خندقين: الشرق أو الغرب، الحجاب أو السفور، النقاب أو الماكياج، الحشمة أو التبرج، الفضيلة أو الرذيلة، لا يحدث هذا للرجل، لا يفرضون على الولد تغطية رأسه أو وجهه كما يحدث لأخته البنت، وهذه تفرقة صارخة علي أساس الجنس، أو عنصرية واضحة تنتمى لعصور العبودية القديمة، فكيف نوافق على استمرارها ولا نتصدي لها بعمق حتى اليوم؟ رغم كلامنا الكثير عن كرامة المرأة وحقوقها، ورغم أن جميع الدساتير فى العالم، ومنها الدستور المصري، ينص علي العدالة الكاملة بين الرجل والمرأة؟ ترتبط الأخلاق الحقيقية بسلوك الإنسان وعمله وأفكاره، الرجل والمرأة سيان، لا ترتبط الأخلاق بشكل الملابس، أو بغطاء الرأس، أو باستئصال أجزاء من الجسم، فى عمليات "الختان" الخطيرة. من سمات الردة الثقافية والأخلاقية (منذ سبعينات القرن الماضي انتشار عمليات الختان والحجاب، ومن سمات العنف والإرهاب تهديد كل من ينقد الحجاب والختان بالقتل أو السجن أو على الأقل الإتهام بالكفر والعمالة للغرب. واليوم رغم سقوط الأنظمة المستبدة، مدنيا ودينيا، وارتفاع الأصوات ضد العنف والإرهاب، فإن مفهومهما ظل محدودا، يرتبط بالمجال العسكري والبوليسي، أو التحرش الجنسي، لم يتسع مفهوم العنف ليشمل التحرش الفكرى الثقافى بالمرأة، وهو العنف الموجه ضدها لإخفاء وجهها ورأسها بالحجاب أو النقاب، الإخفاء هو إلغاء الوجود، امرأة بلا وجه أو بلا رأس، هي إنسان مبتور الوجه أو مقطوع الرأس، وهل هناك عنف أشد من هذا؟ نشهده كل يوم دون أن نراه، أو نشعر أنه عنف، بل إن المرأة نفسها لا تشعر به، أخطر أنواع العنف هو اللامحسوس.
#نوال_السعداوي (هاشتاغ)
Nawal_El_Saadawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخوف من حرية العقل والمرأة
-
من يذكر زينب فواز وأروى صالح؟
-
النساء المقاتلات فى جبال كردستان
-
الثورة الثقافية. وزوجتك
-
الثورة الثقافية فى مصر والصين
-
هل تتعلم النساء المصريات الدرس؟
-
إدانة الأم المقتولة وتبرئة القاتل
-
جهل الطب النفسى بجهاد النكاح
-
الكاتبة رفيقة العمر «8»
-
السيدة الأولى والتحولات السحرية
-
بقعة الإنسان السوداء
-
شجاعة التفكير خارج المنهج
-
وصمة البشرة والطبقة والجنس
-
الكاتبة رفيقة العمر
-
حقوق المرأة. وكيف نفكر؟
-
الكاتبة رفيقة العمر «٥»
-
الكاتبة رفيقة العمر «4»
-
مرض منتصف الليل. سر الإبداع!
-
الكاتبة رفيقة العمر «٣»
-
الكاتبة رفيقة العمر «2»
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|