|
الأرمن في النظارات المصرية في القرن التاسع عشر-2
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 20:16
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أما عن علاقات النظار الأرمن بالحكام والقوي الدولية ، فقد ارتبطت بطبيعة النظام السياسي الاقتصادي السائد ونوعية تعليم هؤلاء النظار وعلاقاتهم الشخصية بالحكام والقوي الكبري. ناهيك عن مصالحهم ومواقفهم الخاصة من الأشياء في بعض الأحيان.ولعل هذا يتضح جليا من خلال رصد علاقاتهم بالحكام والقوي الدولية علي امتداد القرن التاسع عشر. بالنسبة لعلاقة بوغوص يوسفيان بمحمد علي ، فقد ساءت في عام 1810 عندما اتهم البعض بوغوص باختلاس مبلغ من إيرادات جمرك دمياط الذي كان يديره بالأصالة عن محمد علي ، وفشل بوغوص في تبرئة نفسه أمام الباشا الذي أمر بإعدامه، ولكن بعض أصدقاء بوغوص قد أنقذوه من هذا المصير ، ثم استدعاه محمد علي لتسوية الكشوفات التجارية التي تعرضت للارتباك والتشويش أثناء غيابه. بعد هذه الحادثة ، توثقت العلاقات بشدة بينهما حتي أصبح بوغوص المرآة الشخصية لمحمد علي والمخلص الوحيد له بين حاشيته. بالنسبة لمحمد علي ، فقد أدرك قدرات بوغوص التجارية والإدارية والدبلوماسية غير العادية فأراد الاستفادة منه، ومن ولائه قدر الإمكان . أما بوغوص فقد شعر بالذنب تجاه محمد علي وعاش دوما في هلع من مزاجه المتقلب وشخصيته المرتابة.. وفي نفس الوقت ، أدرك بوغوص حاجات محمد علي وسياساته، فقرر بوعي أن يقوم بدور مفرخ المواهب من بني جنسه لخدمة مشروعات محمد علي، وبذا يمهد الطريق أمام الأرمن للقيام بدور سياسي- اجتماعي في مصر زيادة علي دورهم العام كتجار وأصحاب امتيازات. ونظرا لان بوغوص كان وحيدا بلا زوجة أو ولد ، ومن ثم ، ليس بحاجة إلي اقتناء المال وتكديسه ، فقد انصرف عن متابعة مصالحه الذاتية، وصب رعايته الأبوية علي مجموعة من أقاربه ليحميهم ويوجههم. وفعلا ، نجح بوغوص في تشكيل جماعة من الأرمن النابغين الذين خدموا في الإدارة المصرية مترجمين وسكرتيرين وكبار موظفين خلال حكم محمد علي . وفوق هذا ، ظلت سلائلهم في خدمة الحكومة المصرية بكفاءة وإخلاص حتي نهاية القرن التاسع عشر. وكان محمد علي يحب بوغوص ويرعاه بسبب ولائه وتفانيه في خدمته. فعندما علم محمد علي أنه مريض بالإسكندرية ، أرسل إليه طبيبه الخاص جواني وأمره ألا يعود إلي القاهرة حتي يشفي بوغوص. وكان محمد علي يشعر بالوحدة دائما إلا في وجود بوغوص الذي لا مثيل له لأنه رجل زكي وواع ومهذب وودود. كما كان الباشا علي دراية تامة بكل ما يجري حوله من خلال بوغوص الذي عرف معلومات غزيرة عن الأسواق الأوربية والأحداث السياسية حتي قيل أنه "مستشار محمد علي وفيلسوفه وصديقه الوحيد". ورغم محبة محمد علي لبوغوص وثقته فيه ،إلا أنه عندما يتكاسل عن أداء واجباته لا يتردد محمد علي في أن يلفت نظره إلي ترك الكسل وبذل أقصي مجهود لإعلاء البلاد وإعمارها حتي لا يعامله معاملة سيئة. وقد اعتقد كثيرون بأن بوغوص قد اقتني ثروة ضخمة مستفيدا من مكانته في خدمة محمد علي ، ولكنه لم يفعل هذا لان تراكم الثروة لن يفيده وهو بلا أسرة. ويسجل نوبار في مذكراته أنه بفحص مقتنيات بوغوص بعد وفاته لم يكن بها سوي تسعة عشر شلنا، وسبعة عشر قيراطا من الماس ملكا لمحمد علي ، وست أوراق بيضاء مختومة أعطاها محمد علي إياه أثناء سفره إلي السودان ولكنه لم يستخدمها ولم يستغلها. هذا ، ولم يحدد محمد علي راتبا منتظما لبوغوص ، بل ائتمنه علي أن يفعل ما يروق له ، فكان عند حسن الظن ولم تمتد يده إلي المساس بالمال العام. ولعل مثل هذا السلوك الصادر عن شخصية مرتابة مثل محمد علي إنما يدل علي ثقته التي لم يحظ بها سوي هذا الرجل. وقد ارتبطت مكانة بوغوص في مصر بشخصية محمد علي.لذا ، عندما داهمت محمد علي الشيخوخة لم يعد قادرا علي الإدارة ، تعرض للمضايقات خاصة من عباس الأول- كتخدا مصر حينئذ- الذي حدد له راتبا ، فاستاء بوغوص كثيرا من هذا السلوم وأضرب عن الطعام والشراب حتي مات من الهزال في يناير 1844 بالإسكندرية عن عمر يناهز الاثنين والسبعين عاما. وعندما علم محمد علي أن دفن بوغوص تم بدون مراسيم عسكرية ، هاج وأرسل خطابا إلي حاكم الإسكندرية يوبخه ويهدده لتغاضيه عن إقامة جنازة عسكرية لبوغوص وأمره باستخراج الجثة وإعادة دفنها بمراسيم عسكرية كاملة بأقصي سرعة. هذا ، وقد حزن عليه محمد علي بشدة كعزيز لديه . وبمناسبة وفاته أصدر أوامره إلي ابنه إبراهيم باشا بالإفراج عن جميع السجناء بالإسكندرية. وجدير بالذكر أن بوغوص قد احتفظ بعلاقة ودية مع جميع الدول الأوربية والشرقية التي تعامل معها محمد علي بسبب ذكائه وخبرته بالأمور التجارية والسياسية وحسن أخلاقه وحسن تصرفه. واستفاد محمد علي من علاقات بوغوص الودية في إنجاز العديد من حاجاته. بيد أن بريطانيا كانت هي الدولة الوحيدة التي مال إليها بوغوص بدرجة كبيرة ، ويرجع هذا إلي علاقات أسرتي يوسفيان وآبرويان- التي ينتمي إليهما بوغوص- التجارية والدبلوماسية في أزميرببريطانيا . فقد عمل أبناء أسرتي يوسفيان وآبرويان وكلاء تجاريين للبيوتات الإنجليزية الكبيرة ومترجمين في القنصليات الإنجليزية بالدولة العثمانية. كما حل بوغوص محل خاله آراكيل آبرويان كمترجم أول بالقنصلية الإنجليزية في أزمير منذ عام 1796 . وفي عام 1800 صاحب بوغوص القبطان الإنجليزي سيدني سميث كمترجم أثناء الحملة الإنجليزية البحرية علي الفرنسيين في مصر.ناهيك عن علاقات المصاهرة بين عائلات ثوربورن وبريجز الإنجليزيتين ويوسفيان. وأخيرا ، يؤكد جميع من كتبوا عن فترة حكم محمد علي أن بوغوص كان أهم موظف في الإدارة المصرية ، وأنه الشخص الوحيد الذي شغل مكانة قوية عند محمد علي لأنه لم يخن الثقة التي وضعها فيه. وأنه خدم مصر بكل جهده وله يد بيضاء في نهضتها وثروتها.وكان آلة ذكاء علي غاية الاستعداد في يدي محمد علي
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن في النظارات المصرية في القرن التاسع عشر-1
-
الدكتور محمد رفعت الإمام بعيون أرمنية (رؤية الأستاذ أنترانيك
...
-
إدارة الأرمن للأقاليم التابعة لمصر في القرن التاسع عشر
-
الكماليون والأرمن ( 1919-1923)-3
-
الكماليون والأرمن ( 1919-1923)-2
-
الكماليون والأرمن ( 1919-1923)-1
-
الأرمن تحت حكم الاتحاديين (1909-1918)-5
-
الأرمن تحت تحكم الاتحاديين (1909-1918)-5
-
الأرمن تحت تحكم الاتحاديين (1909-1918)-4
-
الأرمن تحت حكم الاتحاديين (1909-1918)-3
-
الأرمن تحت حكم الاتحاديين (1909-1918)-2
-
الأرمن تحت تحكم الاتحاديين (1909-1918)-1
-
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-5
-
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-4
-
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-3
-
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-2
-
الأرمن العثمانيون (1461-1909)-1
-
نشاط الأرمن في الصحافة والأدب في مصر - 4
-
النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-2
-
النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-1
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|