أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - تأملات في الحرب والسلام














المزيد.....


تأملات في الحرب والسلام


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 18:16
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


كنت صغيرا وكنت أظن ان الزمن يسير الى الامام. لكن الصدمة حصلت عندما رأيت بأم العين هذا الزمن يسير الى الوراء.

كنت صغيرا وآمنت أن الانسان يعيش في عصر النور، النور الذي ولد من رحم العلم والتكنولوجيا. لكنني أدركت أننا وإن كنا نحيا في نور التكنولوجيا، إلا أننا ننتحر في أقبية الجهل ونقتل بعضنا البعض مثل الوحوش.

كنت ظننت أن الانسان ارتقى بعد مؤتمر جنيف لمعاملة الاسرى الى المستوى الذي يسمح فيه للأسير وللسجّان بأن يبقيا إنسانين. لكن يبدو أنه كلما تقدم بنا الزمن كلما اكتسب الوحش الذي فينا مناعة وقوة، فالسجان يبقى سفاك دماء والأسير يتحول الى حيوان يجب ذبحه.

خيل إليّ لوهلة، وأنا أرى قافلة الاسرى البشمركة تجوب شوارع كركوك في أقفاص حديدية زجّهم فيها عناصر الدولة الاسلامية، أنني أمام قافلة رومانية تستعرض أسراها في شوارع روما بعدما عادت منتصرة من معركة دامية. الصورة الأولى التي دارت في ذهني وأنا أرى أولئك الرجال هي صورة صياد أمسك أسدا خطيرا ووضعه في قفص حديدي وأتى به قريته كيما يستعرض قوّته ويوصل رسالة لأبناء جلدته فحواها " حذار ثم حذار لكل من يخالفني. فإن تجرأ أحد على اعتراضي لن يكون مصيره مخالفا لمصير هذا الحيوان."

يؤسفني القول أن عصر التكنولوجيا مرّ علينا وبدل أن يترك لنا معاهدة جنيف وحقوق الانسان، نراه أعطانا البنادق والقنابل والرصاص، ورحل عنّا تاركا لنا عقلية القبيلة والصياد والغزو والعبودية والكراهية. رحل عنا عصر التكنولوجيا وتركنا همجا نرقص أنصاف عراة على جثث أعدئنا. تركنا برابرة نستسيغ لحم أسرانا، نسكر من دمائهم، ونستحل نساءهم.
إن كان لا بد للزمن من السير الى الوراء، فها أنا أيضا أستعد للسير في هذا الاتجاه. لن أسير الى الوراء كيما أكون عنصرا في جنود هذه الدولة أو تلك. لن أسير كيما أكون صليبيا يضرب بسيفه يمنة ويسرة على مداخل أورشليم كما أني لن أكون مسلما يستل السيف ويغزو على صهوة جواده بلاد الشرق والغرب كيما ينتهي به المطاف في إمارة الأندلس. لن أسير الى الوراء كيما أكون فارسا من فرسان القرون الوسطى يطلب المجد والثروة وسط مستنقعات الدماء، كما أني لن أكون جنديا رومانيا يستعرض أسراه في شوارع روما ثم يتمتع برؤية واحدهم يقتل الآخر في حلبات المصارعة أو يُرمى فريسة سهلة لأسد جائع.

إن كان لا بد للعودة الى الوراء، فلسوف أعود للأصول. أفتح كتابا علاه الغبار بعدما طوت صفحاته ألفان من السنين. أتلمس حبره الجاف وورقه الباهت. أغوص في سطوره علني أجد الانسان الذي ضاع من حنايانا. أستلهم منه الفكرالذي يشعرني بإنسانيتي في عصر اختصر فيه نصف العالم الانسانية بسيّاف من جهة وأسير يلبس الزي البرتقالي ويقبع في قفص حديدي من جهة أخرى ، فيما النصف الآخر غارق في مشاكل الجنس والكحول والمخدرات والفساد. أفتح الكتاب الدهري كيما أقرأ على صفحاته " طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات. طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون. طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاش الى البر، لأنهم يشبعون. طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون. طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله. طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون. طوبى للمطرودين من أجل البر، لأن لهم ملكوت السماوات.... سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا الى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين، ويمطر على الابرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك، وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك؟ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل." (متى 4: 3-10، 43-48).

إن كان لا بد من السير الى الوراء، فلسوف اسير في الاتجاه المعاكس كيما أكون صانعا للسلام في زمن الحروب والدماء، زمن الهمجية والبربرية. سوف أسير في الاتجاه المعاكس كيما أبحث عن الكمال الذي ليس من هذا العالم.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صخرة الموت هي صخرة الحياة
- هنيئا لكِ يا بيلا (Bella)
- التعزية بالكفار خيانة وليست من الدين
- أنا شارلي
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الاخير
- الجنة برسم البيع
- يا طفل المزود
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-12- تحديات الزواج
- الله أكبر
- صرخة مظلوم
- دون كيشوت التركي
- سيّدي يسوع
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-11- الجنس والزواج
- هل التنصير جريمة؟
- الزواج في المسيحية بين النظرية والتطبيق- الجزء العاشر- دور ا ...
- هاتي يديكِ
- بين إيبولا وداعش
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء التاسع-دور ا ...
- إن كنت حبيبي... علّمني قطع الرؤوس
- عنصرية أم كبرياء؟


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - تأملات في الحرب والسلام