احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1317 - 2005 / 9 / 14 - 13:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعلن نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود اولمرت، الذي اصبح بعد استقالة بنيامين نتنياهو من حكومة شارون قائما باعمال وزير المالية، عن نيته في بلورة "خطة شاملة لمحاربة الفقر"!!
وانه اوكل الى مدير عام وزارته، د. يوسي بخار مهمة اعداد، وحتى نهاية هذا الشهر، خطة جذرية لمواجهة مشكلة الفقر في اسرائيل"!
لا شك بان زيادة حدة الفقر واتساع الفجوات العميقة للتقاطب الاجتماعي بين الفقراء والاغنياء في المجتمع الاسرائيلي قد اصبحا من الاخطار الاستراتيجية التي تهدد حكم اليمين والليكود وينذران بانفجارات على ساحة الاستقرار الاجتماعي المفقود في اسرائيل. فحجم الفقر تخطى جميع الخطوط الحمراء، فحسب المعطيات الرسمية لمؤسسة التأمين الوطني التي وردت في تقريرها الاخير يعيش في اسرائيل اليوم اكثر من مليون ونصف مليون انسان تحت خط الفقر، أي حوالي ربع عدد السكان الاجمالي في الدولة، من بينهم سبعمئة واربعة عشر الف طفل يعانون من حياة الفقر، وان اكثر من ستمئة وخمسين الف مواطن عربي يعيشون تحت خط الفقر، أي اكثر من اربعين في المئة من العدد الاجمالي للفقراء في اسرائيل مع ان نسبة العرب من العدد الاجمالي للسكان تبلغ 19,2%!
والاسئلة التي تتبادر الى الاذهان هي، ما هي الدوافع الحقيقية لاعلان اولمرت عن النية في بلورة خطة لمحاربة الفقر؟ وهل ما يقترحه من وسائل كفيلة باخراج مئات الالوف من المعاناة في هاوية الفقر؟
حقيقة هي انه لا ايهود اولمرت ولا رئيس حكومته ارئيل شارون يستطيع تجاهل مشكلة الفقر الصارخة وزيادة عدد الفقراء طرديا في السنوات الاخيرة. ففي السنتين الاخيرتين كانت نتيجة السياسة الاقتصادية – الاجتماعية النيولبرالية التي انتهجتها حكومة شارون – نتنياهو – بيرس، وتحت يافطة "الخطة الاقتصادية الجديدة"، توجيه ضربة موجعة الى الفئات الاجتماعية الضعيفة في المجتمع الاسرائيلي، خاصة بسبب التقليصات في مخصصات الاولاد والشيخوخة والبطالة وتأمين الدخل. فهذه الخطة الاقتصادية قذفت خلال السنتين الماضيتين باكثر من ثلاثمئة وخمسين الف فقير جديد الى هاوية المعاناة تحت خطر الفقر مقابل زيادة عدد اصحاب الملايين من الاغنياء باكثر من الفين وستمائة مليونير جديد.
اننا على يقين بان الدافع الاساسي لاعلان اولمرت عن النية في بلورة خطة لمواجهة الفقر ليس ابدا الحرقة على الحياة المأساوية للفقراء، فقلبه ليس مقطوعا على الفقراء، فهو يشارك بصفته وزيرا في حكومة الكوارث الشارونية في المسؤولية عن التردي الاجتماعي وزيادة حالة الفقر والبؤس وعدد الفقراء. وحسب رأينا تندرج خطته المعلنة في اطار العلاقات العامة وبهدف الكسب السياسي ان كان ذلك داخل الليكود على ساحة المنافسة مع معسكر عدوه اللدود بنيامين نتنياهو، وان كان ذلك في المرحلة الاعدادية لانتخابات برلمانية اصبح الاحتمال كبيرا بتقريب موعد اجرائها واستثمار خطة اولمرت كرشوة لاغراء وكسب تأييد واصوات اعداد من جحافل الفقراء.
ولنفترض جدلا ان اولمرت جاد بخطته لمحاربة الفقر فهل ما يطرحه يقود الى مواجهة جدية لمعالجة وحل قضية الفقر المنتشر؟ فماذا يقترح اولمرت في خطته؟
حسب الخطة التي يجري بلورتها يقترح اولمرت رصد مليار ونصف المليار شاقل تقلص من ميزانية وزارة الامن (مليار شاقل) ومن ميزانيات المشتريات والتجهيزات لمختلف الوزارات، توجه هذه الاموال "لمحاربة الفقر"، وانه خلال سنتين، الى ثلاث سنوات يجري تخفيض عدد الفقراء بنصف مليون فقير! أي يبقى في دائرة المعاناة والفقر حسب خطة الوزير مليون فقير! ووفق خطة اولمرت يقترح اربع وسائل لمواجهة الفقر وهي:
* اولا: خلق وتوفير ربع مليون مكان عمل جديد خلال السنتين القادمتين، مع الاخذ بالاعتبار التركيز على القطاعات التي فيها نسبة المشاركة في العمل منخفضة وخاصة الوسط العربي والوسط "الحريدي" – اليهود المتزمتون دينيا. "يخجل" اولمرت من القول حيث نسبة البطالة عالية جدا، خاصة بين العرب بسبب سياسة التمييز القومي التي تنتهجها حكومته.
* ثانيا: التشجيع على المشاركة في العمل من خلال تقديم دعم وهبات مادية للمشاركين الجدد في العمل وتصعيب شروط ومعايير تسلم مخصصات البطالة وغيرها من مخصصات التأمين الوطني. انها الديماغوغية بعينها اتهام العاطلين عن العمل ومتسلمي مختلف مخصصات التأمين الوطني بالمسؤولية عن وضعهم وليس سياسة الافقار الحكومية؟
* ثالثا: زيادة الاستثمارات والتوظيف المالي في التعليم والتأهيل المهني.
* رابعا: خلق وايجاد الآليات لتشجيع الخروج الى العمل. ويقترح اولمرت توسيع دائرة خطة فيسكونسن لتشمل اماكن كثيرة وتشمل ايضا محاولة تمويل حاضنات وروضات اطفال ورضع لتمكين امهات وآباء من الخروج الى العمل!!
من يتفحص جيدا جوهر ومدلول الوسائل التي يطرحها اولمرت في خطته التي تجري بلورتها فانها لا تختلف جذريا وجوهريا من حيث مدلولاتها الحقيقية عن الوسائل التي تضمنتها الخطة الكارثية للنيوليبرالية التي انتهجها بنيامين نتنياهو مع اضفاء بعض الرتوش التجميلية. ولهذا فاننا نؤكد بان الخطة التي يهلل لها اولمرت لا تحمل في طياتها العلاج الجذري الشافي لمشكلة الفقر التي تتحمل السياسة الحكومية المنتهجة المسؤولية عنها.
فمعالجة جذرية لمواجهة التردي الاجتماعي وزيادة حدة الفقر والبطالة تستدعي حسب رأينا الامور التالية:
1- تغيير جذري للسياسة الرسمية العدوانية المنتهجة. فبدون استقرار سياسي لا يمكن ضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فبدون انهاء الاحتلال الاسرائيلي الاستيطاني للمناطق الفلسطينية والعربية السورية وتصعيد سباق التسلح الاسرائيلي والارتباط بالمخططات الاستراتيجية العدوانية الامريكية التي تمتص وتحرق اكثر من نصف ميزانية الدولة لا يمكن توفير الاموال اللازمة للتنمية الاقتصادية القاعدة الاساسية لمواجهة البطالة والفقر. فانجاز السلام العادل والشامل الاسرائيلي – الفلسطيني – العربي يحرر الاموال الطائلة لمصلحة الانعاش الاقتصادي والاجتماعي.
2- التخلي عن النهج النيولبرالي الكارثي في بلورة السياسة الاقتصادية – الاجتماعية الذي ترجمته الحقيقية على ارض الواقع تجسيد سياسة اغناء الاغنياء وافقار الفقراء. الغاء هذا النهج يعني وقف مختلف عمليات وخطط الخصخصة، الغاء خطة فيسكونسن وخطة دوفرات ووقف عملية القضاء التدريجي على ما تبقى من "دولة الرفاه الاجتماعي"، وقف التقليصات الاجرامية في ميزانيات الخدمات الشعبية والرفاه الاجتماعي.
3- الغاء سياسة التمييز القومي، العنصرية التي تمارسها السلطة الرسمية بشكل منهجي ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل. فليس من وليد الصدفة بل وليد سياسة القهر الطبقي والقومي ان نسبة الفقر بين المواطنين العرب ثلاثة اضعاف نسبتها بين اليهود ونسبة البطالة بين العرب تقريبا ضعفا نسبة البطالة في المدن والبلدات اليهودية. فمواجهة الفقر بين المواطنين العرب يستدعي النضال من اجل ضمان الحق الشرعي والانساني للاقلية القومية العربية الفلسطينية بالمساواة التامة، القومية والمدنية، الجماعية والفردية، بحقها بالمواطنة الكاملة في وطنها الذي لا وطن لها غيره. وهذا يعني، ولمواجهة الفقر، وضع المدن والقرى العربية على خارطة مناطق التطوير "أ" ذات الافضلية التي تحظى بالعديد من التسهيلات والامتيازات في مجال القروض والضرائب وتوجيه الاستثمارات وفق قانون تشجيع الاستثمار والتصدير. كما يعني وضع المدن والقرى العربية على خارطة التصنيع وتشجيع السياسة والاستثمارات لتوفير اماكن العمل ومواجهة غول البطالة المستشرية في المدن والقرى العربية.
ولمواجهة الفقر والبطالة بين العرب فانه من الاهمية بمكان تصعيد الكفاح اليهودي العربي، العربي – اليهودي المشترك لمواجهة المخططات السلطوية الجديدة لمصادرة وتهويد ما تبقى من اراض عربية، ونخص بالذكر المخطط العنصري – التهويدي الذي تخطط حكومة شارون – بيرس لتجسيده وتطلق عليه اسم "خطة الطوارئ لانقاذ النقب والجليل" والذي يستهدف اساسا تهجير العرب من القرى غير المعترف بها في النقب والجليل والاستيلاء على اراضيها وتهويدها باقامة المستوطنات اليهودية والمزارع اليهودية عليها وتوطين قسم من المستوطنين الذين تم اخلاؤهم من قطاع غزة.
ان المعركة لمواجهة مآسي الفقر والبطالة جزء عضوي من المعركة الشاملة ضد سياسة العدوان والافقار والتمييز العنصري التي تمارسها السلطة الحاكمة ومن اجل السلام العادل والمساواة والعدالة الاجتماعية.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟