موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4719 - 2015 / 2 / 13 - 01:32
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
:: تكلمة ::
و قبل البدء , و أنا في إطار مراجعة الطرح السابق من هذه السلسلة إستوقفتني عبارة الدكتورة سعاد : { إن البشرية تعيش الآن في خطر ماحق , و لكن هذا الخطر لا يتأتى مطلقا من التكنولوجيا و العلم بل من إستخدام الرأسمالية لها بإسلوب لا إنساني ناجم عن لا إنسانية علاقات الإنتاج الرأسمالية } , و مع التركيز على عبارتها (( لا إنسانية علاقات الإنتاج )) .. يمكن ملاحظة أنه سواء كانت علاقات الإنتاج (( إنسانية )) أو (( لا إنسانية )) تبقى أهوّن من [[ لا علاقات إنتاج ]] حتى و إن كانت (( إنسانية )) كما يُزعم _و كونها لا إنسانية تشكل ذروة الإنحطاط_ , و بالفعل هذا خطر ماحق كما تقول الدكتورة سعاد إلا أنه ليس خطرا إنتاجيا بل هو الخطر اللا إنتاجي .
====================
في الفصل السادس / العولمة الإنسانية :
(ثانيا) الثورة العلمية و التكنولوجية و البيئة في مرحلة عولمة الرأسمال :
سبق و تناولنا مع الدكتورة سعاد حسني العلاقة بين ((الثورة العلمية و التكنولوجية)) و ((الإنسان)) .. و الآن سنتناول العلاقة بين ((الثورة العلمية و التكنولوجية)) و ((البيئة)) .. في المرحلة المعاصرة بغض النظر عن المسميات .
فتبدأ الدكتورة بالقول : { لقد عودت الرأسمالية البشرية على النظر إلى الطبيعة كشيء يجابه الإنسان , متناقض و غريب , و حتى معادٍ يجب قهره و التغلب عليه و فرض السيطرة عليه بعد أن كان الإنسان قبل الرأسمالية يعبد الطبيعة و يستعطف بركاتها و يركع أمام جبروتها , و يكمن السر في ذلك بجوهر العلاقات الرأسمالية القائمة على الروح النفعية و المتجارة المصلحية و توجيه الطاقات الإجتماعية للمصلحة الفردية و الموقف الإستهلاكي من الطبيعة فأصبحت الطبيعة موضوعا للإستثمار القاسي } , و تكمل : { و إذا كان الرأسمالي ينظر إلى البشرية كمصدر للقوى العاملة فإنه ينظر إلى الطبيعة كمصدر للخامات التي يجب الحصول عليها بأسرع ما يمكن و بأقل ما يمكن من النفقات , و كما أن المجتمع في ظل العلاقات الرأسمالية يقوم على السيطرة الطبقية للرأسماليين على المجتمع فالعلاقة مع الطبيعة تقوم على السيطرة و الإسعباد , و كما ينظر الإنسان لأخيه الإنسان كخصم و منافس ينظر إلى الطبيعة كقوة معادية و غريبة و ينسى أنه نتاجها و إبنها } , و كما ذكرت الدكتورة فإن كانت الرأسمالية تنظر إلى البشرية كمصدر للقوى العاملة فهي كذلك من حيث هي هي تنظر إلى الطبيعة , و أما النظر تجاه الطبيعة كقوى معادية و غريبة .. فهذا يرجع إلى الدور التي تقوم به الطبيعة (جغرافيا مثلا) في وضع التنافس الرأسمالي .. كذلك الصراع ضد ما تنجبه الطبيعة من كوراث و أوبئة .
و تضيف : { أصبح الخطر الذي يهدد البشرية و يتطلب إعادة النظر شاملة في التعامل مع الطبيعة (...) فالأمر لا يقتصر على التفكير بمسألة أية ثروة مادية سنتركها للأجيال القادمة بل و أية بيئة (...) إن الموقف الإستهلاكي الجشع من الطبيعة هو في الظروف المعاصرة جريمة بحق حياة و صحة الأجيال الحالية و المقبلة و لذلك بدأ الوعي بذلك يزداد (...) و تشكلت المنظمات الجماهيرية المناضلة من أجل حماية البيئة (...) و تأسست عدة معاهد علمية متخصصة إقليمية و عالمية و عقدت المؤتمرات الدولية لتفادي الكوارث الطبيعية التي ستنجم عن كل ذلك } , و تجذبنا جملة (( الموقف الإستهلاكي الجشع من الطبيعة )) .. الذي يدفع إلى طرح تساؤل : ألا يحرص الرأسمالي على توفر موضوعات العمل بما تشمله من موارد طبيعة و مواد خام و المكان الملائم للتصنيع و المكان الملائم كذلك للتسويق ؟! لأن هذا الحرص هو حرص رأسمالي يسعى للربح .. أوليس هو كذلك ؟! , فإذا كان وضع البيئة غير مستقر بفعل الإستنزاف و الإستهلاك المفرط دون تجديد _و يمكن تجديد هذه الموارد و الحفاظ عليها للحفاظ على مستوى الربح رأسماليا _ فهو نزوع إستهلاكي لا إنتاجي [رأسمالي] , و لا يُفهم من ذلك أننا ننكر المصائب و الويلات التي تحل بالبيئة .. فهي الأخرى لدرئها أو لتخفيفها تفرض تكاليف على حساب الرأسمالي و ربحه _و يختلف الموقف بين الإستهلاك و الإنتاج بالنسبة للرأسمالي فإن كان الحفاظ على موضوعات العمل هو من شروط الإنتاج كمثل تأمين مصدر أخشاب شبه دائم إلا أن الحفاظ على نظافة البيئة كمثال ليست من شروط العمل إلا ما يفرضه العمل ذاته ليُنجز_ , أما مسألة الوعي البيئي أو الفكر البيئي و إن كانت من حتميات الظروف المعاصرة .. إلا أنه يبقى بعيدا جدا عن الأسباب الحقيقية مكتفيا بمسائل سطحية و عامة .. بل و من الجدير بالذكر بأن لها دور سلبي من حيث لا تعلم تجاه الإنتاج .
و تذكر الدكتورة الولايات المتحدة و موقفها من ذلك : { و تأخذ الدولة على عاتقها دور الحكم الأعلى و المراقب و تحاول عن طريق الغرامات و الضرائب حصر المخالفين و كلنا شهود على تهرب القطب الأكبر لعولمة الرأسمال من الإلتزام بالقرارات الصادرة عن هذه المؤتمرات العالمية لحماية البيئة (...) و رفضها التعاون الدولي لدرء زيادة الدفء الكوني و الخطر الناجم عن خرق طبقة الأوزون في الغلاف الجوي و رفضها المساهمة في تخصيص الأموال المتناسبة مع دورها في تحقيق هذه المخاطر و أخيرا و ليس آخرا عدم موافقة الكونغرس الأمريكي على توقيع إتفاقية تحريم التجارب النووية } , و عل أحدهم يعلق بعد ذلك : (أوليس هذا دليل على رأسمالية الولايات المتحدة الأمريكية ؟) , لا .. بل إن أقصى ما يمكن أن يصل بنا ذلك هو تحديد الميول (( الرأسمالية )) في المتنفذين سياسيا ليس إلا , فكما يُقال : (( ليس كل ما يتمناه المرء يدركه )) ! , و قد تناولنا هذه المسألة سابقا و بوضوح مع محاولة ريغان و ثاتشر .
و تعطينا الدكتورة حلا للمشكلة البيئية : { السبيل الوحيد لحماية الطبيعة و توازنها يتطلب نظاما إجتماعيا جديدا يقوم على علاقة جديدة مع الطبيعة و تقييما جديدة للآفاق القريبة و البعيدة لنشاط الإنسان فضلا عن توجيه الوعي الإجتماعي بأكمله بصورة ملائمة } , لكنه للأسف حل يتيم عن الأسباب المؤدية إليه ! .
سبق و تناولنا في العنوان الأول من هذا الفصل تلك الإيديولوجيا التي توجه الرؤى و النظر تجاه التكنولوجيا و العلوم على أنها العدو .. و مع البيئة أيضا تمارس نفس الدور : { و بالضد من ذلك تسعى إيديولوجيا عولمة الرأسمال أن توجه اللعنة نحو الثورة العلمية التكنولوجية و منجزاتها (...) و يستخدمون نفس الحجة لتفسير البطالة و الصدامات الإجتماعية , و التي تقوم على تأليه التكنولوجيا من جهة و الترويج للعودة إلى الطبيعة من جهة أخرى } , إن دور هذه الإيديولوجيا المؤلهة للتكنولوجيا و كذلك الإيديولوجيا المعادية للتكنولوجيا لهن أسباب موضوعية لنشأتهن تكمن في حقيقة النظام الماثل اليوم , يكفي أن يسأل المرء نفسه لماذا هاتين النظرتين سادتا ليس فقط كلام بين نخبة إمتهنت الهراء بل و حتى العامة من الجماهير ؟ أوليس [[ أقله ]] غياب الوضوح في البنية التحتية و وضوح علاقات الإنتاج (( هذا إن وجدت أصلا )) ؟! .
و ترد الدكتورة على إنموذجي الإيديولوجيا السابقة : { فالثورة العلمية التكنولوجية في تطوّرها الخلاق تقدم للبشرية إمكانيات هائلة لتحقيق هذا التوازن بين الطبيعة و المجتمع التي تقف الرأسمالية بوجه إستخدامها الواسع (...) تقاومه الرأسمالية لأنه يزيد في تكاليف الإنتاج } , و رغم أننا لا نختلف مع الدكتورة هنا (نظريا) .. إلا أننا لا نزال نذكر الموقع من الفصل الثالث (السمات الإقتصادية) حيث ذكرت أن الرأسمالية تحوّلت من معاداة العلوم و التكنولوجيا إلى حاضنة لها .. فالدكتورة تقع في تناقض مع ذاتها فيما يتعلق بهذه المسألة .
و تكمل الدكتورة : { و لكن الرأسمالية و لا سيما في مرحلتها الحالية لها وجهة نظر أخرى و وضعت أهدافا أخرى : معرفة الطبيعة لتغييرها حسب مصالحنا الخاصة و إخضاعها لحاجاتنا الخاصة لكي نرغمها و نطوعها , نفضح أسرارها عن طريق التجربة و نستعبدها بواسطة التكنولوجيا مستغلين الكوارث الطبيعية المتزايدة التي تكبد البشرية اليوم خسائر جسيمة نتيجة للإخلال الكبير الذي أحدثه الإستخدام الرأسمالي للثورة العلمية التكنولوجية } , النظرة إلى الرأسمالية كوحش لا يهتم بالمطلق بالبيئة أمر خاطئ , فهي ببساطة تقوم بالإنتاج لتربح .. فكمثال غرق سكان جزيرة أو تلوث إشعاعي في بلاد ما ليس في صالح تسويق الإنتاج عوضا عن بناء مصانع هناك ! , لكن هناك في المقابل من ليس له دخل بالإنتاج لا يكترث فيما لو إبتلع الموت ثلثي الكرة الأرضية .. لا هو بروليتاري و لا هو رأسمالي .
و تضيف : { التناقض الذي تحتمه العلاقات الرأسمالية في المجتمع على الصعيد العالمي يتناقض مع متطلبات الطبيعة من البشرية الأمر الذي يدل على أن العلاقات الرأسمالية أصبحت تتناقض ليس مع مصالح البشرية بل و مع مصالح الطبيعة } , و بعد وحدة شغيلة اليد مع شغيلة الفكر و توحد الأخيرين ضمن إطار عولمة الإنسانية .. تضم إليهم الدكتورة أيضا (( البيئة )) .. و كأن المسألة مسألة تحشيد ! .
و تنهي الدكتورة كما عودتنا مؤخرا بالإستشهاد بماركس : { الطبيعة و المجتمع البشري , إننا نعيش مرحلة يخلي فيها تطوّر المحيط الحيوي العفوي المكان لضبطه الواعي و الموجه و تنفتح الإمكانات للتحكم في هذا المحيط , و تستعد البشرية للقيام بهذا الدور الجديد على صعيد كوكبنا بأكمله , و هي تشهد تحطم العلاقات الإجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ , و سينجز هذا التنظيم ببناء المجتمع الشيوعي فكما يقول ماركس إن شمولية الإنسان مرتبطة بشمولية الطبيعة التي يعيش فيها و السبيل إلى ذلك هو في دمج منجزات الحضارة المدنية عضويا مع جمال الطبيعة المتعددة الألوان في مجتمع ثقافي متعدد الثقافات (...) و هذا يتطلب تحويل بيئة كوكب الأرض إلى بيئة مؤنسنة و العلاقات الإجتماعية ذاتها يجب أن تكون مؤنسنة } , و كما كان الحل يتيما .. تأتي الخاتمة بكل ما أمكنها أن تكونه يتيمة تأتي , لكن هذه المرة ليس مجرد يُتمْ من جهة الظروف الموضوعية و الأسباب المؤدية .. بل و أيضا كفكرة هي هي أقرب للحلم , يكفي أن نشير إلى عبارة (( دمج منجزات الحضارة المدنية عضويا مع جمال الطبيعة المتعددة الألوان في مجتمع ثقافي متعدد الثقافات )) لنتساءل عن طبيعة ذاك المجتمع الشيوعي الذي سيحوي [ثقافات متعددة] , هذا عدا عن كون العلاقات الإنتاجية الرأسمالية بقيت حيث هي نصوص و أفكار لا تجسد الواقع هو كما هو .. و رغم ذلك تدعي الدكتورة أنها تتحطم ! , أوليس الأجدر لها أن تكون موجود لتتحطم ؟! .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟