أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - نداء القطط الليلية















المزيد.....

نداء القطط الليلية


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4718 - 2015 / 2 / 12 - 16:21
المحور: الادب والفن
    


بينما كان "هو" في عام 1987 مايزال بعد في طور المراهقة بشقيها العشقي والسياسي .. كان السلطان أكثر نضجاً .. إذْ قرر استضافة ألعاب المتوسط في مدينة اللاذقية .. في بلدٍ يعيش الفقر .. وكذا السلطان كان "هو" يرى في الرياضة حياة .. فيما كان السلطان غاضباً من شعبه وكارهاً لهم .. كان "هو" غاضباً من تلك الكتل البيتونية وكارهاً حذراً للسرقات التي تمت باسم الرياضة ومدينتها .. وساخراً ممن حصلوا على امتيازات تؤهلهم للدراسة الجامعية نتيجة لمشاركتهم في اللوحات الاستعراضية والغنائية والفلكلورية والرقصات الشعبية خلال الإفتتاح .. ألقى السلطان خطاب الإفتتاح الترحيبي وألقى الرياضي الأول كلمة النوارس .. أما "هو" فقد ابتسم للأمن والسلام.

حالما انتهت الألعاب المتوسطية .. بدأت موجات الاعتقالات السياسية التي طالت الآلاف من بيوت الفقراء المحترمين .. وأحدثت صدمة وجدانية وفكرية عاتية في أعماق آلاف الشباب والشابات .. خيّم الحزن والأسى في الصدور .. انكسرت الأحلام واجتاحت موجات من الصمت واليأس والخوف شوارع المدن والريف .. وضعوا من اعتُقل مصيدة لمن لم يُعتقل بعد .. صادروا كل ما تبقى من الأمل والفرح في بيوت الفقراء.

حالما انتهت الألعاب المتوسطية .. وفي العام ذاته بدأت آلات الطباعة والتصوير والنسخ تزحف ببطء إلى سوق اللاذقية .. غالية الثمن .. قُيل أن شراؤها يتم بموافقات أمنية وضمانات تعهدٍ من قبل الشاري بالتعاون الأمني.

في شارع هنانو تقع سينما اللاذقية وعلى الرصيف المقابل فلافل الفلسطيني ومكتبة عريف التي احتوت على ماكنة طباعة وتصوير مستندات .. في بداية تقاطع شارع هنانو مع شارع "السينمات" كما يطلق عليه .. تطل واجهة سينما الدنيا .. يغازلها من الرصيف الآخر مقهى الموعد .. وعلى امتداد شارع "السينمات" المؤدي إلى المنشية .. تقبع على الرصيف الأيمن سينما الكندي للمراهقين الملتزمين وقبالتها سينما الأهرام للمراهقين العاديين .. بعد خطوات منهما يتقاطع الشارع مع الشارع المُسمى الثامن من آذار .. على ضفتي التقاطع تستريح مقهى السويس ومقهى البستاني .. يُغريك شارع "السينمات" من جديد لتتابع السير منحدراً حيث تقع سينما دمشق .. تلاصقها من جهة اليسار مكتبة احتوت أيضاً ماكنة طباعة وتصوير مستندات .. وبعد عدة خطوات تنتظرك سينما الزهراء .. تتابع السير فترى على يسارك متحف اللاذقية .. ذاك الحزين الغامض .. الذي لم تتجرأ يوماً على دخوله .. وكأنه بوابة لإحدى الفروع الأمنية .. تتجاوزه لتصل مدخل حديقة المنشية .. حيث تلتقي فيها وجوهاً يمتطيها الخوف .. ووجوهاً ذكورية لئيمةً تنشر الخوف .. فتنتهي الحديقة في البحر.

في الصيف يبحث المراهق عن عمل .. الفقر والضجر لا يُحتملان .. يسألُ "علي" صديقه "وضوح" ذا الخبرة .. عن فرصٍ للتشغيل .. ينصحه وضوح بالتقدم إلى بلدية المدينة .. حيث يعمل أيضاً .. فشوارع المدينة تحتاج من ينظفها ليلاً .. وما أن استوثق من العرض المقدم حتى مشى إلى صديقه "مزين" الذي يبحث عن فرصة عمل .. جلسا سويةً يتسامران حول العمل وأبريق الشاي يرافق حماسهما .. بعد قليل سوف ينتميان إلى ما يسمونه شريحة الحثالة بالمعنى الاقتصادي .. أعجبتهما الفكرة ومغامرة تكنيس الشوارع ليلاً .. قبل مغيب الشمس بقليل وصلا إلى مكتب النظافة في البلدية .. هناك انتظرهما صديقهما "وضوح" .. قاما بتعبئة استمارة التشغيل واستلام المكانس وعربة يدوية لجمع القمامة .. الشغل يبدأ في العاشرة ليلاً وينتهي قبل شروق الشمس .. يحدد رئيس عمال التنظيف لهما الحارة والشوارع الواجب كنسها وجمع قمامتها .. كانت إحدى الحارات من منطقة الصليبة في مدينة اللاذقية.

بدأا عملهما ذاك المساء بافتنان .. يكنسان أرصفة الشارع ويجمعان بقايا النهار .. يبدو الشارع نظيفاً .. الساعة تقترب من منتصف الليل .. كان العمل مضنياً وبضعة شوارع أخرى مازالت تنتظرهما .. ما أن همّا بالتوجه نحو الشارع الموازي حتى ترامت إلى مسمعيهما أصوات تحطيم وتكسير وارتطام تعلو وتنخفض ووقع أقدام جارية .. نظرا خلفهما .. تجهم وجههما .. تسلل الفرح هارباً من عيونهما لما أبصرا أكياساً سوداءً هابطات بسرعات عاليات من الأبنية العليا .. ترتطم بإسفلت الشارع المنظف للتو .. لتتمزق ولتتطاير أحشائها متناثرة في المكان .. يتلطخ الشارع بألوانٍ مختلفة .. قشور الصبّار والبطيخ الأحمر والأصفر وبقايا أطعمة أخرى .. يبدأا عملهما من جديد.

انتهى يوم العمل الأول .. كانا متعبين مثقلين بالحيرة .. يعتليهما الشوق لطعام الفطور والرغبة بالنوم .. يعودان إلى مكتب البلدية مشياً على الأقدام لتسليم عدة التنظيف .. ثم يتابعان طريقهما إلى البيت ليصلانه في أقل من ستين دقيقة.

في اليوم الرابع أصابهما الإرهاق والتمرد .. جلسا في جانب الطريق والأفكار المضطربة تتطاير في مخيلتهما المجهدة .. توقفا عن العمل بعد أن اتفقا على سؤال المّارة في الشارع .. فيما إذا طبيعة عملها تتناسب وحالتهما العمرية والتعليمية .. وعليه سيتخذان موقفاً واضحاً بالاستمرار أو التوقف مباشرةً .. استوقفا خلال أقل من ساعة من الزمن أكثر من سبعة رجال بأعمار مختلفة .. كان جواب المارة واضحاً ومختصراً .. هذا ليس عملكما .. في تلك الساعة توقف مزين وعلي عن لملمة بقايا النهارات في اللاذقية.

في المساءات اللاحقات بدأت مشاعر الغضب الضجر والتعب والحزن والضيق والرفض .. ومشاعر الشوق للوجوه التي اختفت .. بالتخمر .. كلاهما أرادا التعبير عن تمردهما الدائم .. بصورٍ متباينة .. طالما ناقشاها حتى الصباحات .. كان "مزين" يكبر علي "بثلاث" سنوات .. يبدع بالإسهاب و إطالة الحديث والغوص في التفاصيل .. يشرب الخمر .. يدخن بأناقة .. يعزف على العود و يغني .. ويعرف جيداً كيف يُضفي جواً من المرح إلى ضباب النقاشات العتية.

في إحدى الليالي الجميلات .. وصل مزين إلى غرفة علي .. ووصل صديقهما محسن دون موعد .. جمعوا ما لديهم من ليرات .. ذهب محسن إلى الدكان المجاور واشترى زجاجة من العرق المعبّأ الرخيص .. بضعة بيضات .. وعلبة مرتديلا وثلاثة علب دخان الشرق .. كانا في ذاك المساء متفقين ضمناً على ترجمة تمردهما .. بعد تحضير طعام العشاء .. المازوات .. وقرع الكؤوس والمخمخة بسيكارة الشرق .. نظرا محسن ومزين إلى وجه علي الحزين .. رفع مزين كأسه وشرب نخب الإطاحة بالسلطان .. ابتسم علي .. فالرسالة قد وصلت .. سأل مزين بجديةٍ لا شك فيها .. أين .. أرني ما كتبت؟ ثم أردف لقد قررت أن أساعدك فيما تنويه .. اعترض محسن بأنه لا يفهم ما يقصدان .. تكلما مع محسن حول ما يخططان لفعله .. وبدون طول نقاش أعلن استعداده للعمل معهما.

نهض علي ورفع طرف فرشة النوم وسحب من تحتها أوراقاً .. وبدأ قراءة ما صاغه في الأيام الأخيرة من عبارات ذات مدلولٍ تحريضي .. تمت الصياغة من جديد .. تبرع محسن بالكتابة بخط يده .. حباً .. متذرعاً بأن شخصه وبالتالي خطه ليسا بموضع للشك .. من قبل أولاد السلطان .. تم الاتفاق على عنونة المشروع المنشور .. ليصبح .. نداء الشباب الديمقراطي.

كلماته الأولى تبدأ : من تَمَنْطَّق تَزَنْدَّقَ .. ومن خالف أوامر السلطان حلّت عليه لعنته .. وتنتهي بالدعوة إلى إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية وإطلاق سراح معتقلي الرأي .. والتحريض على إسقاط عرش السلطان.

اقتربت السهرة من نهايتها .. فالشمس ستشرق بعد قليل .. والأصدقاء الثلاثة لم يتخذوا قراراتهم بعد فيم يتعلق بألة النسخ وعدد النسخات وتكلفتها .. مرة ثانية تبرز رجولة محسن .. إذ أعلن استعداده على اختيار المكتبة المناسبة للتصوير.. فهو طالب جامعي قد نجح إلى السنة الثانية ولديه الخبرة في تصوير المحاضرات .. وتم الاتفاق على تلك المكتبة الملاصقة لسينما دمشق .. رغم ما قيل عن صاحبها بأنه من الآفات البليدات .. تفرقوا ... ملؤهم التحدي.

في اليوم التالي حضرت الليرات اللازمة لنسخ المنشور .. ونسخ أوراق لا قيمة لها للتغطية .. وكذلك الليرات اللازمة للهروب بتاكسي أجرة في حالة افتضاح الأمر .. في اليوم الثالث كانت نسخاً كثيرة من النداء في حوزتهم .. بعد منتصف الليل قاموا بتوزيعها .. والغضب الفرح يعتمرهم .. وعادوا للنوم بانتظار مفاجآت يحملها حفل الإفتتاح الرياضي إليهم .. غفوا وهم يحلمون بأكياس بيضاء هابطات حاملات للبشائر.

نهض علي من نومه العميق على خبطات مربكات مصدرها باب الدار .. نظر من باب غرفته .. وجد رجلاً بعيون زرقاء غاضبة .. وجسد أتعبته الدهون المتراكمة .. إنه هو .. لقد عرفه .. إنه الجار الغامض أبو ساهر .. دخل من دون استئذان .. طلب كأساً من الشاي .. جلس على الصوفا القديمة وجلس علي على كرسي قبالته يتذكر كيف وضع له ليلة البارحة منشور النداء على حافة نافذته .. في الوقت الذي افترش أبو ساهر مع زوجته سطح بيته الصغير .. يراقب تغيرات الليل ويسترق السمع إلى أصوات العباد.

نظر أبو ساهر إلى وجه علي نظرة العارف لأسرار الكون .. خيم الخوف والحذر .. صرخ أبو ساهر: لا يعجبني نشاط القطط الليلية .. أجاب علي: ماذا تقصد .. أعاد الكَرَّة .. قلت لك: نشاط القطط الليلية لا يعجبني .. تمتم علي: لم أفهم .. تقيأ ذاته من جديد: القطط ونشاطها الليلي لا يعجبني .. هز علي رأسه ساخراً .. إذ أحس بأن أبو ساهر لم يراه حقاً .. وإنما خيل له أنه قد رأه .. نهض أبو ساهر .. وهو يردد .. نشاط القطط الليلية لا يعجبني.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خربشات بسندلية -C-
- كيف سقط كتاب الجغرافيا رمياً بالرصاص؟
- هواجس فيسبوكية -G-
- هواجس فيسبوكية -F-
- روضة بسنادا والمكدوسة البرميلية
- كي تصير كاتباً؟
- حكاية لن تكتمل قبل سقوط القمر
- هواجس فيسبوكية -E-
- كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه
- خربشات بسندلية -B-
- خربشات بسندلية -A-
- هواجس فيسبوكية -D-
- طلائع البعث بصل يابس
- سهرة سوسنية
- وحده .. يغني الصمت
- سَوْسَنات بسندلية
- هواجس فيسبوكية - C -
- منتورة بسنادا
- المنجنيق والأحلام الميتة
- هواجس فيسبوكية -B-


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - نداء القطط الليلية