أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عائشة خليل - الحرام














المزيد.....


الحرام


عائشة خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4718 - 2015 / 2 / 12 - 09:13
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


يسعد الزوجان: عزيزة وعبد الله بحياتهما بالرغم من الفقر المدقع، ويرزقان بطفلين يطعمانهما بالعمل كعمال تراحيل، فلا أرض لديهما. وتسير الحياة على هذه الوتيرة إلى أن يصاب عبد الله بالبلهارسيا فتقعده عن العمل، وتسعى عزيزة على رزق العائلة بالكد طوال النهار من أجل قروش معدودة. وحين يشتهى عبد الله البطاطا تتطوع عزيزة بجلبها إليه من حقل ناءٍ، ويساعدها في إخراجها حارس الأرض الذي ما أن ينتهي من إخراج جذور البطاطا حتى يقع على عزيزة ويتسبب في حملها. وتفشل محاولات عزيزة في التخلص من الجنين، فتخفي بطنها الآخذة في الاستدارة، حتى يأتي موعد الرحيل مجددا مع عمال التراحيل إلى بلد أخرى. وتكتم أمرها فتلد بمفردها، وتخنق صوت الجنين حتى لا يفتضح أمرها، فيموت مختنقًا وتتركه في مكانه تحت الشجرة. ويفشل رجال النيابة في معرفة الجاني ويقيد الأمر ضد مجهول، ولكن عزيزة تقع فريسة للحمى، فيفتضح أمرها بين أهلها من عمال التراحيل الذين يعملون على إخفاء سرها، فيلقون بسبب ذلك عنت أهل القرية. ثم يتحول أهل القرية من مناوأة عمال التراحيل والتربص بهم بسبب عزيزة إلى شفقة تبدأ تدريجية وتنتهي إلى حميمية عندما يتعارفون على ظروفهم المعيشية التي لا تختلف كثيرًا عما يعانيه أهل القرية. وما بين القصة الرئيسية تتفرع قصص أخرى عن علاقات جنسية ما بين رجال القرية ونسائها.

ويبقى السؤال عن ماهية الحرام، فالظروف القهرية التي يعيشها عمال التراحيل تحيل على انعدام العدالة الاجتماعية، وتلقي بظلالها على اللقيط الذي أتى إلى هذا العالم مختل الموازين. وتتعزز الدلالات من خلال السرد الفرعي للنص الذي يحيل على علاقات جنسية غير مشروعة، حيث يشير القاص إلى انتشارها. إذًا فهو يرمي إلى ما هو أبعد من الحالة الخاصة. ثم تتكاثف الدلالات خلال السرد المحوري خاصة وأن المؤلف قد ألقى بظلال من الشك على أهم مشهدين بالرواية: مشهد وقوع حارس الأرض على عزيزة إثر استخراج جذور البطاطا، ومشهد وفاة الطفل الرضيع. فمن الصعوبة بمكان تحديد ما إذا كان عزيزة ضحية اغتصاب، أو أنها متواطئة بعض الشيء. كما أن قصة وفاة الرضيع ملتبسة ما بين نية مبيتة في القتل، أو مجرد قتل خطأ ناتج عن رغبة البطلة في كتم صوت الرضيع. وهذا التباس مقصود تعززه المكانة شبة القدسية التي تلقاها عزيزة بعد وفاتها، حيث تصبح الشجرة التي شهدت وفاة عزيزة ورضيعها مزارًا لكل راغبة في الإنجاب. وتلك المكانة الخاصة ما كانت لتتأتى لو كانت عزيزة خاطئة ومُجَّرمَة في السرد القصصي.

كما أن مساندة أهل القرية لعمال التراحيل في محنتهم بعد أن تم التعارف فيما بينهم، يؤشر إلى تقبلهم لعزيزة وبالتالي ابتعادهم عن إدانتها ، مما يمهد الطريق للمكانة الخاصة التي تبوأتها بعد وفاتها. ولقد جمعت محنة عزيزة بين الأطياف المختلفة التي تتفاوت بعض الشيء في المكانة الاقتصادية، وخاصة ناظر الزراعية الذي وافق على أن يصرف لها اليومية بالرغم من مرضها، ورفض إبلاغ النيابة عنها، وعين لها حارسًا يذود عنها المتطفلين، ثم بعث إليها بحلاق الصحة ودفع ثمن دوائها. جمعت عزيزة بين أطياف تختلف في ثراء/فقر نسبي باختلاف مكانتها في سلم العبودية، ووحدت مأساتها تلك الأطياف فتمردوا (ولو مؤقتًا) على رموز الدولة وعلى مؤسسات السلطة ، وتواطئوا على الكتمان. هي إذًا أحداث رمزية تستدعي من خلال جسد عزيزة وأمومتها المبتورة ملامح مأساة أعم وأعمق وأشمل، تستدعى الظروف المعيشية لشعب قد يكون متواطئا باستكانته في صنعها ولكنها تبقى في نهاية المطاف غير إنسانية، وبالتعبير المصري الدارج "حرام". فيكون عنوان رائعة يوسف إدريس الكلاسيكية إحالة على الحالة العام وليس على الحالة الخاصة للقيط.



#عائشة_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن المراهقة
- البنات دول
- تقاطع الامتياز والتمييز
- الامتياز والتمييز
- مؤتمر دراسات المرأة
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- فتوى استرقاق النساء
- النظرة الذكورية المتفحصة
- تحية كاريوكا
- النساء والتجربة الليبيرية (2)
- النساء والتجربة الليبيرية (1)
- ثلاث جنيهات
- استدعاء العدالة (2)
- استدعاء العدالة (1)
- ذكورية الطرح عند هشام الجخ
- متى توقف عن معاملتكِ كأميرة؟
- الحصانة المجتمعية للمتحرشين
- مسيرة استرداد الشارع ليلا
- الغناء لأم العيال
- قوانين جندر جديدة بفرنسا


المزيد.....




- الإطاحة بمحتال يمتهن السحر والشعوذة لاستغلال النساء في بابل ...
- وفاة -المرأة القطة- جوسلين ويلدنستين في باريس عن عمر ناهز 79 ...
- اغتصاب وسرقة.. ليلة رأس السنة تتحول إلى كابوس لطاقم -فيرجن أ ...
- بسبب صورة.. العثور على امرأة بعد 52 عاما من فقدانها
- بفضل صورة.. العثور على امرأة بعد 52 عاما من فقدانها
- قانون جديد في نيويورك ينصف -المرأة الحامل-
- تعنيف النساء في العراق.. أزمة مستمرة تفتك بالنساء
- أردوغان يرد بطريقة مرحة على امرأة تفاجأت -بتقدمه في السن-
- إحالة مذيعة مصرية للمحاكمة الجنائية بسبب -مخدر الاغتصاب-
- تشاجر والداه وتركاه.. امرأة تعثر على رضيع بعمر شهر واحد على ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عائشة خليل - الحرام