بشير الوندي
الحوار المتمدن-العدد: 4716 - 2015 / 2 / 10 - 23:43
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تمتازالمؤسسة العسكرية والامنية بانها مؤسسة صارمة في آليات عملها , وان هامش الطاعة غير العمياء فيها محدود للغاية , بحكم طبيعة مهامها .
وأول صور صرامة المؤسسة العسكرية هي تطبيق الاوامر بحذافيرها بحيث يكون الاجتهاد في اضيق المجالات , والعقوبات الشديدة التي تصل الى الاعدام في حال مخالفة الاوامر.
ومن هنا كان الاهتمام كبيراً في ان تكون الاوامر العليا ذات مواصفات وميزات خاصة ,يمكن بموجبها تحقيق النصر تحت احلك الظروف والمخاطر.
ومن اهم الشروط الواجب توفرها في الاوامر العسكرية والامنية الموجهة للجهات التي تتولى تنفيذها هي:
1-ان تكون قصيرة بلا اطالة لالزوم لها , وهو امر واضح في برقيات الاوامر العسكرية,
2-تكون دقيقة في مفرداتها بلا اي لبس في التفسير , فلامجال فيها للعبارات المنمقة ولا للعبارات الغامضة والايحائية , فحين يصدر امر في الشعلة بتفتيش كل سيارة المانية فهو امر غير واضح وغير مجدي ومنهك , ولكن الامر بالتدقيق والتفتيش على كل سيارة مرسيدس بيضاء يصبح امراً واضحاً , والامثلة لاحصر لها.
3-ان تستهدف غرضاً معيناً واضحاً ومحدداً.
4-ان تكون قابلة للتحقيق وغير تعجيزية , اعتماداً على وضوح امكانية سريانها وفق دراسة مسبقة , فلا فائدة من اوامر مستحيلة التطبيق .
5-وان تكون ضمن مسؤولية من يؤجّه اليه الامر فلا يعمم الامر العسكري والامني الخاص بهدف محدد في مكان ما الى قطعات في اماكن اخرى.
ولاحاجة بنا للتدليل على ماتسببه الاوامر الامنية والعسكرية غير الدقيقة وغير الواضحة , وغير ممكنة التطبيق , من اثر كبير في ارباك المنظومة العسكرية والامنية , وما يتبع ذلك من مخاطر جسيمة بحكم ان الجهات التي تطبق الاوامر هي جهات مسلحة خشنة ,بل ان ضرر الاوامر العسكرية والامنية المرتبكة والارتجالية , لطالما كانت تصحبها نتائج كارثية , وكما هو حال الاوامر التي اضاعت ثلث اراضي العراق .
==============
مناطق منزوعة السلاح
==============
من نماذج الاوامر الامنية والعسكرية المشوشة والغامضة , الامر الاخير بجعل مناطق محددة من بغداد منزوعة السلاح كالكرادة, فهذا من نوع الاوامر الارتجالية التي لايمكن تطبيقها ولا العمل بموجبها .
فالمناطق منزوعة السلاح هي مناطق معزولة ومؤمنة ومسيجة بشكل محكم سواء كانت دوائر او جامعات او مستشفيات او مقار رئاسية او سفارات , ويمكن ان تكون منطقة معزولة ومسيجة كالمنطقة الخضراء او الكاظمية .
اما ان تصدر اوامر مشوشة بجعل مناطق مفتوحة وغير مؤمنة بالكامل منزوعة السلاح فهذه اوامر غير مجدية ولايمكن تطبيقها .
فحين تسعى الجهات المختصة بتطبيق مثل هكذا اوامر , فعليها ان تحدد الجهات التي تحمل السلاح اولاً , ليتم تنفيذ الامر عليهم , وهذه الجهات هي خمسة لاغير :
1- الاجهزة الامنية ,2- رجالات الدولة ,3- المدنيون المرخصون بحمل وحيازة السلاح 4- الاشخاص غير المرخصين المخالفين, 5- الارهابيون والخارجون على القانون.
وبما ان الفئة الرابعة والخامسة لاتحتاجان الى اوامر جديدة بالمنع (بل والقبض), فهذا يعني ان الاوامر ستستهدف الفئات الثلاث الاولى , ومن هنا يأتي الارباك .
فالكرادة مثلاً منطقة غير مغلقة ومسيجة ببوابة محددة ليتم التحفظ على سلاح المرخصين من الفئات الداخلة اليها لحين خروجهم , وانما هي منطقة مفتوحة ورابطة على مناطق عدة وتخترقها مواكب المسؤولين والدبلوماسيين وحماياتهم لينتقلوا عبرها من منطقة لاخرى , ولايمكن منع الحمايات من حمل السلاح الخاص بواجباتهم , كما لايمكن منع رجال الامن والعسكريين من حمل سلاحهم الشخصي , ولاتوجد امكانية لوجود آلية لتطبيق نزع السلاح , كما ان المنطقة ليست مؤمنة من الارهابيين كي يمكن معها تجريد رجل الامن والحمايات من اسلحتهم لحين خروجهم منها , لاسيما وان الداخل للكرادة قد يتوجه الى السيدية او يعبر الجسر المعلق الى الدورة وغيرها فكيف يستلم سلاحه حين خروجه؟!!!.
فإن قال قائل ان الاوامر هذه يستثنى منها الفئات الثلاث الاولى ,فنقول له اذن ماجدوى الامر الجديد طالما ان المتجاوز على القانون مستهدف من الجهات الامنية بدون اوامر او حظر ؟.
ومن هنا نستنتج ان امر حر السلاح غير عمل ومشوش وغير واضح ولايبين الجهات المستهدفة وغير ممكن التطبيق ولابد من اعادة النظر به.
===========
حلول بديلة للسلاح
===========
الامن يُستشعر بسهولة في المجتمعات , , وحين يتوجس الانسان فانه يقتني السلاح , ومن هنا فان ضعف الدولة يؤدي الى التسلح الفردي والعشائري والعصابي .
ان مجابهة السلاح الشخصي بالممنوعات اثبت فشله الذريع في العالم اجمع , وتتحدث احصاءات رصينة بأن الدول التي تضع محددات كبيرة على حيازة السلاح تعاني من تهريب السلاح الداخل اليها بثمانية اضعاف الدول التي تقنن السلاح بشكل منظم .
وهنالك خطوات عملية لتقنين السلاح الفردي يؤدي تطبيقها لسيطرة الدولة على حيازة السلاح وتجفف سوقه السوداء , واهم تلك الخطوات :
1-تشكيل جهة مرجعية واضحة لتسجيل السلاح غير المرخص واصدار رخصة بحيازته .
2-تشريع حزمة قوانين تتعلق بحيازة واستخدام السلاح .
3-تحدد الجهة المرجعية الفئات العمرية لمن يحق لهم حيازة السلاح , كما تحدد ضوابط واضحة لنوع السلاح المسموح ترخيصه ومدياته سواء كان للصيد او للحماية الشخصية, وتمنع تسجيل انواع محددة بغية حصر استخدامها من قبل رجال الامن والجيش .
4- تحدد اللجنة نوعية الحيازة كأن تكون حمل وحيازة او حيازة فقط , وكذا ان تكون حيازة في كل انحاء البلاد او ان تكون محصورة داخل محافظة الحائز .
5-تحديد فترة زمنية لتسجيل السلاح المحاز ابتداءاً , وتشديد العقوبات القانونية على المتخلفين عن تسجيل السلاح.
6- منح اجازات بيع السلاح وصيانته بشكل مقنن وباشراف مباشر وموافقات اصولية للبائع وموافقات اصولية بالموافقة المسبقة بالاقتناء للافراد.
7- فتح باب شراء السلاح من المواطنين مما يقلل من مصروفات شراءه من الخارج , ويتم الشراء باسعار مغرية تصعّب عمل تجار السوق السوداء .
8- اشتراط اجتياز الحائز للتدريب مدفوع الاجر .وسلامة سجله الجنائي والعقلي .
ولنا ان نشيد بتجربة كردستان في مجال الحيازة واجازات محال بيع وشراء وصيانة الاسلحة , وحين يرغب المواطن باقتناء سلاح ما , يطالبه صاحب المتجر بجلب ورقة موافقة الاسايش للسماح له باقتناء السلاح وتسجيله لدى السلطات المختصة , وبالطبع لايجرؤ الخارج عن القانون بشراء السلاح من تلك المحلات.
==========
الفوائد المبتغاة
==========
السلاح واقع حال موجود في كل العراق من اقصاه الى اقصاه , ولكن التقنين الذي ذكرناه فيه فوائد لاحصر لها اهمها :
1- توفير سجلات احصائية مهمة ومفيدة للغاية لها مدلولاتها وايجابياتها الامنية .
2- خنق السوق السوداء للسلاح .
3- توفير فى العملة الصعبة من خلال شراء الدولة للسلاح المحلي
4- ايجاد محددات تجعل مقتني السلاح يفكر الف مرة قبل ان يستخدمه استخداماً طائشا في الافراح وغيرها .
ولايفوتنا ان ننوه الى اهمية التربية المدرسية والحكومية والوعي المجتمعي في تقنين السلاح الفردي , وبالطبع فان التقدم الامني يقلل من دوافع اقتناء السلاح .(وللتفاصيل راجع كتابنا الامن المفقود ص224-225 حول تقنين السلاح) .
===========
خلاصة وتنويه
===============
ان اي جهاز امني في العالم ترهقه كثرة اوامر الممنوعات , فكل اوامر بالمنع تتطلب تطبيقا ومراقبة وملاحقة , ويزداد توتر الاجهزة الامنية واضطرابها حين تكون الاوامر الامنية والمحددات غير واضحة وامكانية تطبيقها غير عملية , وحسنا فعلت الحكومة مؤخرا برفع حظر التجوال الليلي في العاصمة بغداد والذي سنته القوات الامريكية واستمر قائما بلاجدوى في الحكومات الوطنية المتعاقبة, وسيكون له ايجابيات جيدة حيث ستتاح فرصة للجهات الخدمية للعمل ليلا كما هو معمول في عواصم العالم , كما سيضاعف من عمل الشركات والورش بالمناوبات الليلية وكذا بالنسبة الى نشاط مطار العاصمة , وسيسهم في تسريع وتنشيط البناء والاعمار , حيث سيمكن الشركات الانشائية من العمل 24 ساعات بنظام المناوبات , بالاضافة الى تنشيط الورش والمولات والمحلات التجارية التي ستضاعف من اوقات فتح ابوابها ,كما ان خطوة رفع حظر التجوال هي نموذج للاوامر الامنية واضحة المعالم خلافا لاوامر نزع السلاح المبهمة والله الموفق
#بشير_الوندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟