|
التفرد والتعدد/ الروحي أو الجسدي
سامي فريدي
الحوار المتمدن-العدد: 4715 - 2015 / 2 / 9 - 22:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(11) عمانوئيل After this accident, everything was in the wrong place.- Isaac Luria من خصائص الخلق "التعدّد"!.. وقد احتفظ الخالق لنفسه بصفة التفرّد والوحدة، وانفرد بها ميزة على المخلوق. هو الكامل القادر المالك العارف بالمطلق، الواحد الوحيد الفرد المنفرد المتفرد في كلّ شيء، وما لغيره أن يبلغ ما له أو يشارف مبلغه!. ولو كان – لله- نظير أو مثيل أو مكافئ لبطلت عنه الربوبية والألوهة والعبادة. الشمس الكونية الهائلة مجرد فرد وتجمع على شموس، ويعرف العلم اليوم وجود ما لا يحصى منها وما هو أعظم منها. فشمس المجرة التي تضئ عالمنا المحدود متواضعة بالمقارنة بمجرات وعوالم وشموس وكائنات لا يعرف عنها شئ. ومثل ذلك الأرض التي نعيش عليها واعتبرها الانسان القديم مركز الكون ومسكن الأله السماوي، والعالم كلّه يدور حول قطبها؛ أثبت نيكولاوس كوبرنيكوس [1473- 1543م] بطلان تينك الفكرة، وأن الأرض وما حواليها يدور حول الشمس. وليست الأرض وحيدة ولا مفردة وانما ثمة أعداد وعشرات ومئات وربما أكثر من أمثالها، وما هو اعظم منها أو أدنى. ومثل ذلك القمر الذي ألّهه الانسان القديم وعبده بأسماء [عشتار، ديانا، آمون، الزهرة]، وكان هو عماد الحياة وأساس تنظيم الممارسات الحياتية والنشاطات الاقتصادية والاجتماعية، وإليه استند حساب التقويم الشرقي القديم وقصص الحب وشعر الغزل، ليس غير تابع لبعض الكواكب السيّارة، ومن الكواكب من له أكثر من قمر، سواء في مجموعتنا الشمسية أو غيرها. ومثل ذلك البحار والمحيطات والجبال والصحارى والأنهار والبحيرات وما يتبعها من نباتات وحيوانات وحشرات وطيور، يطلق على كلّ منها في لغة العلم ممالك، وفي كلّ مملكة منها ما يصعب حصره وعدّه. ومن تلك المخلوقات الانسان بجنسيه الذكر والأنثى، شعوب وقبائل وجماعات. لا يوجد الانسان فردا، فهو لابد أن يكون مولودا من أبوين. فليست للانسان فرصة رؤية نفسه فردا وحيدا بلا مثيل. ولا أثر لتلك الحالة إلا في الاصحاح الثاني من سفر التكوين التوراتي [تك 2: 7، 15]. "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." "وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا." * آدم الأول/ آدم القديم [Adam Kadmon]، آدم (الفرد) يتم تمييزه عن آدم اللاحق (المتعدد/ المتذري) أصل ذرية البشر. ويستخدم الكاتب العبراني خطا فاصلا بين الأثنين يتمثل بالعصيان (الخطيئة). وباتفاق التفاسير كان آدم الأول: [كاملا، بارّا، مقدّسا، مسكنه مع الإله ويليه في الأمر على الكائنات]. وفي هذا يقول نص (تك 2: 19، 20) "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ."!. فآدم القديم هو مؤسس أول معجم لغوي ودائرة معارف في التاريخ. وبحسب اسحق لوريا [1534- 1572م] فأن آدم الأول كان كائنا روحيا، وعندما عصى ربّه تحول إلى كيان مادي (بشري) وفقد خصائص الكمال والبرّ والمعرفة الحقة. السقوط/ الانحطاط/ الانحدار.. مفردات مترادفة ذات دلالة واحدة هي انفصال الانسان عن ذاته الأصلية. الشخص المجرم المحكوم في السجن، هو شخص عادي، انفصل عن ذاته الأصلية – السويّة الاجتماعية الطبيعية- بارتكابه الجريمة. فالجريمة فصلت بينه وبين سواء المجتمع، وقادته للعيش في مستوى أدنى من الحياة مع ناس أدنى من غيرهم، هم طبقة المجرمين – الخارجين على القانون المدني والعرف الاجتماعي والسويّة البشرية-. نفس الأمر إذا استبدلنا الجريمة بالخيانة [خيانة الذات/ العائلة/ العرف]، [خيانة الصديق/ الزوج/ الحزب/ الدولة/ الانسانية]. وعلى شاكلة الجريمة والخيانة، كان العصيان/ الخطيئة/ التمرد/ خلاف العهد.. عوامل فعلية منحرفة لها آثار وانعكاسات فكرية ونفسية واجتماعية على شخص الفاعل، وفي المستوى اللاهوتي كان لها انعكاسات روحية على الشخص. فكما أن الحزبي الخائن أو المخالف لا يعود بنفس المستوى والطبيعة السابقة للحزبي العصامي المستقيم؛ وكما أن الجاسوس الذي يفرط بالمعلومات الأمنية والاستراتيجية لبلده، يختلف عن المواطن الشريف المخلص لبلده وشعبه؛ توجد دائما ثمة نقطة تحوّل، تحطّ الشخص من مكانته وطبيعته السابقة إلى مستوى أدنى. ثمة نقاط تحوّل، يمكنها أن ترفع مستوى الشخص وتنمي طبيعته وتفكيره ومشاعره الانسانية نحو الأعلى والأفضل. إذن ما هو المعيار، بين الأسمى والأدنى، المعيار بكلمة واحدة: هو المحبة الفردية الخاصة أو المحبة العامة الشاملة، [أنانية (أو) انسانية]. وفي موضوع آدم الأول، هل كان ثمة مستوى أعلى؟.. لم يكن ثمة أسمى من آدم غير (الإله)، إذن لم يبق غير الأدنى. جازف آدم بقرار التحدي والعصيان والتمرد، فسقط نحو الأدنى!.. فقد مجده السماوي وهيبته الملكية ومكانته السامية وانحطّ الى مستوى مرؤوسيه، وبدل الحياة الملوكية المتسامية عن الماديات، صار عليه أن يعمل ويأكل خبزه بعرق جبينه، وأيّ خبز.. عشب الحقل!. ويمثل ذلك بنص الكتاب.."بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا.!"- [تك 3: 17- 19]. * هل كان الانسان (إلها) ثم سقط عن عرش الألوهة بشكل أو آخر؟.. أم أن (الإله) كان بشرا تعفف وتسامى وتنزّه وتعالى ممتلكا مفاتيح الحكمة وأسرار الكون؟.. فكرة الانحدار والتسامي لابدّ منها لفهم إشكالية مفهوم الانسان وطبيعته الإشكالية!.. كل من الفلسفة الهندية تقدم لنا امكانية تسامي البشري للسماوي في صورة جوتاما بوذا [القرن السادس ق. م.]، والفلسفة المسيحية تقدم لنا امكانية تنازل السماوي للأرضي في صورة يسوع الناصري. ولا يوجد دخان من غير نار! – كما يقول المثل الشعبي-. الميثولوجيا القديمة حافلة بقصص الآلهة البشرية، بنفس مستوى البشر السماويين، وعدم العثور على الحلقة المفقودة لا ينفي وجود سرّ ما [Lost Code] بين الأرضي والسماوي، المنظور وغير المنظور. وكما مرّ في نظرية اسحق لوريا أن الانسان القديم كان روحيا، وكان أقرب للألهي منه للبشري؛ فالتعبير التوراتي [نصنع الانسان على مثالنا، على شبهنا، صنع الانسان على مثاله، على شبهه] [in his own image] بقدر ما يتضمن لغزا فهو جدير بالتأمل والاستغراق!.. ويقول الفيلسوف الألماني هيجل [1770- 1831م] الذي يصف (الإله) بأنه روح الكون [universal Spirit] أن (الإله) يمكن أن يستخدم كامل قوته فقط عندما يتنازل إلى الأرض ويتجسد بالكامل من خلال عقل الانسان. ثمة ماراثون قديم بين جلجامش والاسكندر المقدوني اللذين حلما بالانضمام لصفوف الآلهة، وبين التصورات التوراتية والفلسفية حول تجسد الحضور الالهي على الأرض!.. الانسان ليس إلهيا تماما.. وهذه حقيقة وواقع!.. لكن الانسان ليس حيوانيا تماما.. وهذه حقيقة وواقع أيضا!.. الانسان كائن مركّب في جوهره السرّي وطبيعته المزدوجة!.. وهذا حقيقي وواقع أيضا.. * الانسان اسم مثنى يدل على مفرد، وعلامة تثنيته – ألف ونون-. قلمان= مثنى قلم، شخصان= مثنى شخص، وعالمان= مثنى عالم. والمثنى في اللغة غير المفرد، وغير الجمع. والتثنية دالة على التعدي والتعدد، ويقال مفرد في صورة المثنى. ويقال (شعب) جمع في صورة مفرد، ومثلها: (جمع) و (قطيع) و(ورق) وما إليه. فلماذا جاءت تسمية الكائن البشري مزدوجة لغويا، واللغة علم ومنطق!.. في المصدر التوراتي يصف الملاك حمل رفقة بالتوأم أن في أحشائها أمتان، يتفرع منهما شعبان، شعب يستقوي على شعب، وكبير يستعبد لصغير!. (تك 25: 23). ويمكن تفسير ذلك – رمزيا- بحالة الشخص نفسه، وتصارع الطبيعتين فيه، واستعباد أحدهما (الجسد) الكبير، لنزعات (النفس) الصغيرة بالحجم والكم. وفي التعليم المسيحي يرمز (عيسو) للعالم والجسد، بينما يرمز (يعقوب) للروح والارتباط بالسماوي. العمود الفقري هو خط – تالوك- الذي يقسم مجرى الجسد البشري إلى نصفين متناظرين ظاهريا، كما صورة منعكسة في مرآة. بعض البشر يستخدم جانبي جسده بنفس الطريقة والمقدرة، والبعض يعول على يمينه، وآخر على شماله. وحتى الأمراض قد تصيب الجسد كله، أو أحد جانبيه. ولدى البعض يكون أحد جانبي الجسم أكثر ضعفا من الآخر، والأمراض تداهم الجانب الضعيف أكثر، ومن أمثلته السرطان أو الشلل أو العجز في الجانب الضعيف دائما. ويرى العلماء اختلاف الإناث عن الذكور في استخدام جانبي الجسد وقوته. والعين اليمنى تتفاوت في قوتها عن اليسرى ومثلها في أعضاء أخرى. فالازداوج الطبيعي في الشخصية البشرية، جسديا ونفسيا حقيقة علمية وروحية. والانسان على الدوام في صراع مع ذاته ومع نزعاته ورغباته وأفكاره وقدراته وتوجيه علاقاته وقراراته. الانسان عرضة للندم وتأنيب الضمير والأسف على ما فات، والحزن على أشياء فعلها وأشياء لم يفعلها.. والخلاصة ان هذا المخلوق المزدوج المضطرب المتناقض ليس كاملا ولا كلي القدرة والمعرفة والإرادة. فهو ضحية صراع قوتين متنافستين في ذاته وطبيعته وفكره.. وهو مخلوق غير كامل، في أرادته وقدرته ومعرفته وحكمته.. وهذا يعني ان الناس غير متشابهين تماما.. بعض الناس ماديين وجسديين بشكل مفرط، ويميلون للعنف والتسلط والتملك، والبعض يميلون للروحانية أو القيم النفسية ولا يندفعون في ماراثون اللهاث حول أشياء العالم.. وكلّ شخص يعرف نفسه من الداخل!.
#سامي_فريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهية اللغة..!
-
واحد + واحد= ثلاثة
-
أنا أشكّ، إذاً أنا انسان!..
-
بلا عقل.. أفضل!..
-
قطيعي أو مقطوعي..!
-
القناعة صدأ النفوس!..
-
فردوس أم جحيم..
-
الغاية المستحيلة..
-
رياضيات هندسية Geometric Mathamatic
-
الانسان كائن إشكالي!..
-
عزت مات عزيزا..
-
سايكلوجيا الحرف (25)
-
سايكلوجيا الحرف (24)
-
ساسكولوجيا الحرف (23)
-
ساسكولوجيا الحرف (22)
-
ساسكولوجيا الحرف (21)
-
ساسكولوجيا الحرف- 20
-
سايكولوجيا الحرف- 19
-
[حماس.. داعش.. حزب الله]
-
كِتَابُ الْمَاءِ - رِسَالَةٌ إلَى بَيْتِ نَهْرَيْنَ-
المزيد.....
-
بيستوريوس: لا يجوز أن نكون في موقف المتفرج تجاه ما يحدث في س
...
-
أردوغان يعلن -مصالحة تاريخية- بين الصومال وإثيوبيا
-
الرئيس التركي أردوغان: اتخذنا الخطوة الأولى لبداية جديدة بين
...
-
قوات -قسد- تسقط طائرة أمريكية مسيرة
-
-CBS NEWS-: ترامب يوجه دعوة إلى شي جين بينغ لحضور حفل تنصيبه
...
-
مجلس النواب الأمريكي يصادق على الميزانية الدفاعية بحجم 884 م
...
-
العراق.. استهداف -مفرزة إرهابية- في كركوك (فيديو)
-
موسكو تقوم بتحديث وسائل النقل العام
-
قوات كردية تسقط بالخطأ طائرة أميركية بدون طيار في سوريا
-
رئيس الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|