غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4714 - 2015 / 2 / 8 - 15:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وعن الإعــلام الــغــربــي...
وسـيـاســات الكــذب...
إني أتساءل لماذا يحاول غالب الإعلام الغربي.. وحتى جريدة لوموند الفرنسية الرزينة عادة (استجحاش) القراء العاديين عندما يطلقون عناوين طنانة عن سوريا وداعش بنفس الوقت. مثلا : عندما تكلموا عن خطف الأمريكية Kayla Mueller والتي كانت تعمل بالمنظمة (الإنسانية) Support to Life والتي خطفت وأسرت من قبل جهاديين داعشيين بمدينة حلب بسنة 2013 وهيمن صمت تام عنها. حيث قامت مفاوضات بين داعش وأهلها لطلب فدية. لم تتم. ثم نقلت إلى مدينة الرقة, مركز الخلافة الداعشية. ومن يومين تعلن داعش عن مقتلها, إثر غارات الطيران الأردني انتقاما لطيارهم الذي أعدمته داعش حرقا. إذ أن هذه الأسيرة الأميركية كانت سجينة داخل منطقة مستودع أسلحة تابع لداعش.
تحمل العناوين الرئيسية الطنانة أن أسيرة مخطوفة أمريكية, قتلت في " ســوريـا " وبعدها تعطى بعض التفاصيل بأحرف وجمل صغيرة.. يكاد القارئ العادي من تفهمها بلا صعوبة .. ويبقى ذهنه مربوطا أن هذه الأسيرة الضحية المسكينة.. قتلت في سوريا... حتى يشتد حقده على سوريا والسوريين.. وخاصة على السلطات السورية الرسمية... وهل هناك جماعات هناك وهنا, ما زالت تتردد أن كل هذه الحرب الغبية, جزء من مؤامرة ومخططات مدروسة من سنوات, ضد سوريا ووحدتها وشعبها وسلطاتها وجيشها؟؟؟...
ومن يبحث عن أسماء أصحاب جريدة لوموند Le MONDE من سنوات قليلة.. وغالب موارد الإعلام والعناوين الرئيسية سواء بكامل القنوات التلفزيونية الحكومية أو الخاصة, أو الصحافة الورقية أو على النت... يكفيه الدخول على موقع العم غوغل Google في فرنسا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا.. حتى يرى على رأسها وإداراتها نفس الحلقات الرأسمالية من اللوبي الصهيوني العالمي الموالي لدولة إسرائيل.. بارتباطات كاملة... وسياساتها التوسعية الاستعمارية... دون أن ننسى بالطبع كيف كان الرئيسان ساركوزي وهولاند يستقبلان شخصيا وعلى مدرج قصر الرئاسة رؤساء المعارضات السورية الهيتروكليتية المختلفة, كرؤساء دولة بنصائح وإيعاز من لوران فابيوس, وزير خارجية فرنسا وبرنار هنري ليفي, الصهيوني المعروف ونبي " الربيع العربي " المتنقل...................
***********
سؤال يدور بخاطري, منذ كنت شابا يافعا ببلد مولدي سوريا, قبل هجرتي الاختيارية النهائية إلى بلاد فولتير Voltaire ومونتيسكيو Montesquieu وجان جاك روسوJean- Jacques Rousseau ... كنت أرغب دوما التعرف على مدى اتساع ثقافة هذا البلد, الذي نشر مبادئ ثورته وشرائع حقوق الإنسان بالعالم كله... وها أنا أعيش بينهم ومعهم مشاركا إياهم الملح والخبز والثقافة منذ أثنين وخمسين سنة.. ولا أنسى أبدا عندما كنت أشارك وجبة غداء مع نخبة من (المثقفين), بمطعم المؤسسة التي نعمل بها بسنة 1967 عندما رآني أحدهم أختار ثمرة بندورة لآضيفها على السلطة الخضراء.. توجه لي متسائلا, نصف متهكم, نصف متسائل : هل تعرفون البندورة في البلد الذي جئت منه؟؟؟... فأجبته دون إثارة... لا يا سيد.. ولكنني أريد تذوقها... ولكنني بعد اسبوعين لما دعوته لبيتي.. وتذوق التبولة السورية الحقيقية الأصلية, وعدة أنواع من المطبخ السوري.. مع كأس عــرق.. أقسم لكم أن هذا الزميل الفرنسي الأصلي بكى معتذرا.. وبعدها زار سوريا لمدة شهر كامل, بعطلته الصيفية.. وأصبحت سوريا ــ منذ تلك السنة ــ مــكــتــه المفضلة.. وصرنا وما زلنا أصدقاء حتى هذه الساعة...
بقصتي هذه, أرغب إعطاء مثال عن إهمال حكوماتنا علاقاتها ودعاياتها وسياساتها لاكتساب الأصدقاء من فنانين وإعلاميين وكتاب وجامعيين, كما تفعل كافة الدول المتحضرة...
وأذكر أنني لما أقمت معرضا لفنان سوري كبير في ليون, من عدة سنوات دام عدة أسابيع على نفقة إدارة المنطقة وعمودية مدينة ليون وإدارة علاقاتها الثقافية مع العالم.. واستمرت الدعاية لهذا الفنان السوري ورابطتنا الثقافية الفرنسية السورية, ولسوريا وحضارتها, وازدهرت سمعة البلد, رغم الضغوطات والمداخلات لمنع إقامة المعرض من بعض اللوبيات والجهات المعادية لسوريا آنذاك.. ولكنني أقمت المعرض باليوم المعلن عنه دون أي تأخير.. حضره مسؤولون سياسيون من مختلف الاتجاهات الفرنسية, وكبار مسؤولي الثقافة وعديد من الشخصيات المحلية.. ما عدا ولا إنسان واحد من السفارة السورية.. رغم إلحاحي... ولا حتى برتبة حاجب... لأنهم كانوا مشغولين جدا باهتمامات أخرى مع مزيد الحزن والأسى والأسـف!!!... ومن أمثال هذه القصة العتيقة... أستطيع أن أسـرد لكم عشرات ومئات... وأنا لا أحمل الإعلام الغربي وحده المسؤولية.. لأن غياب ممثلينا السياسيين بمختلف ألوانهم ودرجات مسؤولياتهم, بداخل البلد وخارجه.. إذ لم يهتموا على الاطلاق, بما يسميه أذكياء السياسة وموجهيها ومخططي مستقبل البلد المتوسط والبعيد..إقامة علاقات وصداقات... وكانت ــ على ما اعتقد ــ اهتماماتهم غالبا شخصية, مناصبية, محلية.. لا أكثر ولا أبعد... وما النكبة والمؤامرة التي هيمنتا علينا اليوم.. ســوى من رواسب عدم بناء صداقات وقواعد علاقات متينة, مع الجاليات السورية في الغرب, وإيجاد الوسائل الديبلوماسية الناجحة المدروسة, والإعلام الناجح, للتوصل إلى قلوب البشر في الخارج... ولا أقبل أن يكون الجواب, لأننا من العالم الثالث أو الرابع أو الأخير.. ولا نملك الإمكانات المادية وغيرها لإقامة هذه العلاقات.. لأن سوريا كانت دولة مزدهرة ماديا واقتصاديا, قبل هذه الحرب.. ولكن آه وألف آه... وغنى البلد وثرواته كان محصورا لقلة محصورة معروفة.. إبالإضافة أن هناك دول أفقر منا بكثير.. ولكن لها علاقات مزدهرة ودعايات ناجحة.. مع مواطنيها وأصدقاء مواطنيها من المحليين... إذن لا تستغربوا إن كان الإعلام الغربي الموجه, يخلط عن عمد أو جهالة, عباس بدباس, ويصنفنا ويضعنا بنفس السلة المثقوبة... ولم تتطور معرفة الغربيين لبلداننا المنكوبة, سوى مما يقرأون عن خطف داعش للغربيين, وذبحهم علنا.. أو حرقهم للأسرى داخل قفص.. وغالبا يخلط لهم نفس الإعلام جميع الأوراق.. وتضيع الطاسة مع الأسف... رغم جهود عدد قليل, وغالبا قليل جدا من المواطنين السوريين المقيمين بالغرب, بذل جهود وإمكانات شخصية للدفاع عن سوريا وشعبها وجيشها وقضاياها والنكبات التي انهالت عليها. وخاصة عبر جيرانها وأخوتها وأبناء عمومها.....
*********
على الهامش :
ــ من جديد سوف ينهال علي بعض الأصدقاء وغير الأصدقاء, هناك وهنا, ببعض (تكشيراتهم) لأنني أكتب هذه الملاحظات والذكريات الانتقادية, بهذا الوقت بالذات. وأن بلد مولدنا بحالة حرب. والوقت ليس مناسبا للنقد. إنما للدعم المطلق لشعبنا المنكوب. وللدعم فقط... صحيح أنهم يحتاجون للدعم... وللدعم فقط. وما من إنسان يمكنه أو أســمــح له الشك بحبي لهذا الشعب. ومن هذا الخط ولأنني أحب هذا الشعب وهذا البلد الذي ولدت فيه واعطيته كل طاقاتي وفكري وإمكانياتي أيام فتوتي وشبابي... ولأنني لا أعرف كيف ومتى سوف تنتهي هذه الحرب الآثمة التي شــنــت عليه.... وبأي شــكـل... نظرا للمساومات والمفاوضات والمتاجرات والمبيعات السياسية في العالم حاليا... ومن يضمن لي أنني سوف أعيش حتى أرى نتائجها السلبية أو الإيجابية... لهذا أفرغ بعضا من جعبتي اليوم.. حيث ما تزال أخبار انهيال صواريخ وتفجيرات " داعش " وشركائها تنهال وتقتل العديد من أهالينا وشعبنا هناك بالعديد من المدن السورية... وما تزال نفس " خلافة داعش " بمدينة الرقة, تعدم أسراها والمواطنين الذين ترى أنهم لا يطبقون شــريعتها الإسلامية... بينما الإعلام الغربي يتابع كذبه أن حكوماته وعلى رأسهم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية, قررت محاربة (هذا أو هذه) "الــداعــش"... وهناك ملايين تــصــدق!!!... ولكنني أنا لا أصدقهم على الإطلاق...
ــ ما زال العديد من أصدقائي وغير أصدقائي, ينتقدون راديكالية علمانيتي والتزامي الكلي بها.. فجوابي الوحيد والأخير لهم بأن العلمانية منذ انتشارها كمبدأ وعقيدة وحضارة, لم تذبح ولم تحرق اسيرا ولم تضطهد أي إنسان لمعتقده ومذهبه.. ولا يمكن أن تعطي للإنسان بأي مكان سوى مزيد من التعقل والفكر والتحليل الهادئ.. وخاصة تطوير الحريات الإنسانية لرفاه وسعادة الإنسان.. بينما لا نــجــد بالديانات وما يهيمن عليها اليوم من تعصب وتحجر وتفسيرات, سوى التمزق بين البشر...والتمييز بينهم وتهييج الحرب والقتل والعداء... لهذا اؤمن بالعلمانية, كضرورة اليوم لكل البشر.
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكـارم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأطيب تحية عاطرة مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟