|
في الذكرى السنوية الرابعة للحادي عشر من ايلول 2001
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1316 - 2005 / 9 / 13 - 12:07
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
أمس الاحد، الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر، تصادف الذكرى السنوية الرابعة للتفجيرات الارهابية في نيويورك وواشنطن التي ضربت في الصميم رمز جبروت وعصب الامبريالية الامريكية – مركز التجارة العالمي في بناية التوأمين ومقر البنتاغون. واليوم وبعد اربع سنوات من هذا الحدث الاجرامي، الذي اودى بحياة الالوف من الناس المدنيين وغير المدنيين، تكشف احداث التطور التي رافقتها طابع وطبيعة الهوية الحقيقية للنظام القائم في الولايات المتحدة الامريكية والمدلول الحقيقي لاهداف الادارة الامريكية الاستراتيجية كونيا. لقد استغلت ادارة بوش – تشيني – رامسفيلد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر لاعلان ما اطلقت عليه "الحرب الكونية على الارهاب" كمكوّن اساسي في المخطط الاستراتيجي لسياسة الولايات المتحدة الامريكية على الحلبة الدولية وكمنطلق لتحديد طابع التعامل مع الانظمة والدولة الاخرى. ومنذ اليوم الاول لاعلان ادارة بوش عن "الحرب العالمية ضد الارهاب" اكدنا ان الاختفاء وراء مقولة محاربة الارهاب ليست الا وسيلة امبريالية جديدة تعيد الى الاذهان وسيلة امبريالية مورست سابقا، "محاربة الشيوعية والسوفييت" للتغطية على الاهداف الطبقية والسياسية والاستراتيجية الامبريالية للهيمنة وخاصة الامريكية، في مختلف المناطق وعالميا لتوفير مناخ افضل وظروف احسن في خدمة احتكاراتها عابرة القارات ومتعددة الجنسيات. واكدنا في حينه ان ادارة بوش التي تمثل مصالح غلاة اليمين المتطرف من فئة الطغمة المالية الناشطة في مجالي النفط والعسكرة والسلاح، بلجوئها الى ممارسة استراتيجية عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم فانها تهدف من وراء ذلك بالاساس دعم وترسيخ اقدام الامبريالية الامريكية واحتكاراتها عابرة القارات في تولي موقع قيادة وزعامة العولمة الامبريالية الاقتصادية بطابعها الرأسمالي الهمجي الشرس وازاحة محوري الامبريالية الآخرين، الاتحاد الاوروبي واليابان، من سوق منافسة المحور الامبريالي الامريكي. ونجاح اهداف هذا المخطط الاستراتيجي يعتمد اولا وقبل كل شيء بضمان السيطرة او الاشراف الامريكي على منابع النفط. فالنفط لا يزال الى يومنا هذا المصدر الاساسي للطاقة والشريان الاساسي للتطور العصري المدني والعسكري. وللسيطرة على مصادر النفط خارج حدود الولايات المتحدة الامريكية لجأت الامبريالية الامريكية من خلال عدد من منظريها الاستراتيجيين الى اختراع المبررات "النظرية – السياسية". فتحت يافطة "الحرب الكونية ضد الارهاب" اخترعت مقولة "الدفاع عن الامن القومي الامريكي" وعلى اعتبار ان كل مناطق العالم الجغرافية وجميع بلدانه قد تؤلف مناطق خطر على الامن الامريكي، "فمن ليس معنا فهو ضدنا" حسب التوجه السياسي لادارة بوش. ومن ليس معنا ويرفض التدجين في القن الامريكي فانه يؤلف خطرا على الامن الامريكي، ولهذا نقلت الادارة الامريكية عن حليفها الاستراتيجي في العدوان – اسرائيل الرسمية – مقولة "الحرب الوقائية" او "الحرب الاستباقية" بشن العدوان على بلدان اخرى بحجة تلافي ومواجهة خطر مرتقب. والمدلول السياسي للحرب الوقائية هو استبدال القانون الدولي بقانون وشريعة الغاب على ساحة العلاقات الدولية، الدوس على مبادئ وقوانين هيئة الامم المتحدة ومؤسساتها وعلى مختلف المواثيق الدولية وشرعنة البلطجة العدوانية العربيدة الي تقرها ادارة "البيت الابيض" للتدخل في الشأن الداخلي للبلدان الاخرى. ومن هذا المنظور فان الهدف من وراء محاربة الارهاب ليس تخليص الشعوب الاخرى، كما تدعي الادارة الامريكية، من انظمة ارهابية وظالمة وفاسدة ودكتاتورية، وتوفير الحرية والدمقراطية لها، وضمان الاستقرار مناطقيا وعالميا، ليس هذا ابدا، بل الهدف المركزي والاساسي يبقى في نهاية المطاف خدمة مصالح الهيمنة الامريكية اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا. فالحرب التدميرية الامريكية على افغانستان لم يكن هدفها المركزي التخلص من نظام "الطالبان" ومن تنظيم "القاعدة" وبن لادن الذين تربوا في كنف الدعم الامريكي وتمردوا على خالقهم، بل الهدف الاساسي كان ولا يزال الهيمنة الامريكية على نفط بحر قزوين وبلورة حزام استراتيجي امريكي، يزرد رقبة منطقة ممتدة من اوزبكستان وجورجيا وارمينيا الى افغانستان – والباكستان والهند وكوريا الجنوبية، ويكون بمثابة قبضة امريكية تهدد كلا من روسيا وايران والصين المتاخمة لحدود هذا الحزام. واحداث التطور خلال السنوات الاربع الماضية تؤكد ان الاحتلال الامريكي لافغانستان لم يجلب لشعبها الازدهار والسعادة والحرية والامن والاستقرار. فلا تعايش مع الغزاة المحتلين الامريكيين ولا ازدهار ولا امن ولا استقرار في ظل الاحتلال، فمقاومة المحتلين تشتعل في افغانستان حتى يومنا هذا. وفي العراق انكشفت خلال السنوات الاربع الماضية اوراق المخطط الاستراتيجي العدواني الامريكي بشكل اوضح من مخططه في افغانستان. فالحقائق كشفت زيف الذرائع التي لجأت اليها ادارة بوش لتبرير حربها واحتلالها للعراق. كشفت اكاذيب الادعاءات بوجود اسلحة دمار شامل في العراق، كما كشفت ادعاءات ادارة بوش بان هدف الحرب تخليص شعب العراق من نظام الطاغية صدام حسين حتى ينعم بالحرية والدمقراطية والامن والاستقرار. فاليوم وبعد اربع سنوات من احداث الحادي عشر من سبتمبر واكثر من سنتين ونيف على احتلال العراق، يثبت ان الاطاحة بنظام صدام حسين كانت الوسيلة التي توخى الغزاة الانجلوامريكيون ان تخدم مخططهم الاستراتيجي المنسق مع حليفهم الاستراتيجي في تل ابيب الى تحويل منطقة الشرق الاوسط الغنية بالنفط الى منطقة نفوذ امريكية وتدجين انظمة بلدانها في حظيرة خدمة المصالح الامريكية- الاسرائيلية الاقتصادية والاستراتيجية. فاحتلال الغزاة الانجلوامريكيين للعراق لا تقتصر جرائمه على المجازر الهمجية والتدمير المنهجي لحضارة شعب بلاد الرافدين بل يعمل على تأجيج الفتن والصراعات القومية والاثنية، والطائفية على امل ان تقود الى تمزيق اوصال الوحدة الاقليمية – السياسية للعراق وتقسيمه الى ثلاث دويلات كردية وسنية وشيعية. كما يستغل المحتل الامريكي وجوده العسكري المكثف في العراق ورعب العديد من الانظمة العربية من الوحش الامريكي وتواطؤ بعضها الآخر مع مخططه الاستراتيجي العدواني لتهديد كل من سوريا وايران ومحاولة تدجين نظاميهما في بيت الطاعة الامريكي لدفع عجلة مخطط الهيمنة الامريكية الذي يطلق عليه ادارة بوش برنامج "الشرق الاوسط الكبير". وخطة شارون اعادة الانتشار في غزة تندرج في اطار المخطط الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي للهيمنة في المنطقة. ان حصيلة اربع سنوات منذ تفجيرات سبتمبر الفين وواحد وفي ظل ممارسة ادارة الامبريالية الامريكية لاستراتيجية عولمة الارهاب المنظم تؤكد مايلي:
* اولا: ان ممارسة الارهاب الامريكي كونيا لم يؤد الى تحجيم الارهاب بل الى زعزعة اركان الاستقرار عالميا وفي العديد من المناطق والى زيادة اعمال الارهاب. فرفض الادارة الامريكية لمطالب معالجة جذور وخلفية الارهاب يفشل عمليا محاربة جدية لمظاهر الارهاب. محاربة الارهاب بواسطة الارهاب وخلط الاوراق بين الارهاب والمقاومة الشرعية، سياسة فاشلة وثمارها امرّ من العلقم.
* ثانيا: ان الدوس على السيادة السياسية للشعوب وتدنيس اراضيها بالاحتلال لا يمكن ان يوفر لها الحرية والدمقراطية والازدهار الاقتصادي، ولهذا فالرد الطبيعي على الاحتلال هو المقاومة لكنسه والتخلص من دنس وجوده. وارض العراق قد تحولت الى مقبرة للغزاة المحتلين والى نار مقاومة مشتعلة للتخلص من دنسه.
* ثالثا: يستغل التحالف الاستراتيجي الامريكي الاسرائيلي خطة شارون بفك الارتباط مع قطاع غزة لدفع الانظمة العربية والاسلامية المدجنة امريكيا لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع اسرائيل قبل الحل الدائم للقضية الفلسطينية (كما حدث مع باكستان مشرّف الامريكي مؤخرا)، وابتزاز تنازلات سياسية من القيادة الشرعية الفلسطينية.
* رابعا: زيادة العداء عالميا للسياسة العدوانية الامريكية والاسرائيلية ومواجهتها علنًا، خاصة في امريكا الجنوبية، تصدي الانظمة التقدمية في فنزويلا والبرازيل الى جانب كوبا الاشتراكية في مواجهة مؤامرات الامبريالية الامريكية وعملائها.
* خامسا: التقارب الروسي – الصيني وتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما (المناورات العسكرية المشتركة في الشهر الماضي) مؤشر على المساعي لبلورة تحالف روسي – صيني يقف في وجه مؤامرات الامبريالية الامريكية في منطقة جنوب شرق آسيا وغيرها التي تهدد المصالح الصينية والروسية.
* سادسا: كشف الاعصار المدمر الاخير في الولايات المتحدة الامريكية ونتائجه المأساوية طابع الهوية الاجتماعية لفئة الطغمة المالية اليمينية الحاكمة في "البيت الابيض". فاذا كانت نتائج سياسة حكومة اليمين الاسرائيلية التي تنفق المليارات من المصروفات العسكرية على آلة العدوان والاستيطان وعلى زيادة ارباح الاغنياء بصورة خيالية، معاناة اكثر من مليون ونصف مليون مواطن، اكثر من خمسين في المئة منهم من المواطنين العرب، يعيشون تحت خط الفقر. فان الوضع في دار الحليف الامريكي صورة طبق الاصل. فاذا كان العرب في بلادنا يعانون من سياسة عنصرية وتمييزية اكثر من غيرهم فان السود والملونين في امريكا يعانون اكثر من غيرهم من سياسة التفرقة العنصرية الرسمية ومن الفقر. فضحايا الاعصار في المناطق المنكوبة من الفقراء وسود البشرة التي لم تعتن طغمة اغناء الاغنياء وافقار الفقراء بحياتهم وتوفير الشروط المطلوبة لمواجهة اعصار محتمل. فنظام ينفق المليارات على حروبه العدوانية الاستراتيجية في افغانستان والعراق ومساعدة المحتل الاسرائيلي لا يوفر الضمانة الصحية لحوالي خمسة وثلاثين مليون مواطن امريكي ولا يوفر العمل لاكثر من ستة ملايين امريكي يعانون في سوق البطالة ويحرم سبعة وعشرين في المئة من اطفال امريكا من أي علاج او تلقيح طبي. وحكم ليس فيه خير لشعبه، هل من المعقول ان يجلب الخير لشعوب يدوس على كرامتها القومية ويصادر حقها في السيادة والحرية والاستقلال الوطني؟
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شنْيورك بنْشر العجال
-
فصل الاقتصاد عن السياسة والقطاع عن الضفة على بساط المؤامرة
-
إخلاء المستوطنات مسمار -عشرة- يُدقّ في نعش -ارض اسرائيل الكب
...
-
لبلورة استراتيجية كفاحية: من أجل مواجهة ما بعد الفصل مع غزة
-
الخيط الرفيع الرابط بين مجزرة شفاعمرو واستقالة نتنياهو
-
نذالة -الكتكوت-
-
على ضوء معطيات تقارير المآسي لا مفر من تصعيد الكفاح ضد حكومة
...
-
حذارِ من الوقوع في مصيدة التهلكة التي يعد لها المحتل
-
على ضوء دعوة عمرو موسى لعقد قمة عربية عاجلة: ماذا تستطيع الم
...
-
استبدال الشرعية الدولية بقانون الغاب -حق القوة- المنهج الاست
...
-
المجزرة الجديدة في شرم الشيخ- تؤكد: الإرهابيون خدّام استراتي
...
-
اليوم 23 تموز الذكرى السنوية الـ 53 لانتصار ثورة يوليو بقياد
...
-
اوسع وحدة صف وطنية حذار ِ من الفتنة والمغامرة والسقوط في مصي
...
-
ان كان هالعسكر عسكرنا...
-
الاحتلال الاسرائيلي هو المصدر وهو الدفيئة وهو المستنقع هوية
...
-
هل يستعيد الشعب العراقي أنوار ثورة 14 تموز المجيدة؟
-
اقامة اوسع جبهة سياسية لمواجهة الفاشية المستشرية - المهرولة
...
-
مؤتمر قيسارية على حلبة -صراع الثيران-
-
قبل عشرين سنة فارقنا بجسده د. إميل توما والتوجه الطبقي الثور
...
-
مهمّات أساسية مطروحة على أجندة الحزب الشيوعي
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|