|
كتاب قادسية صدام 6- محمد مزيد
سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 4711 - 2015 / 2 / 5 - 16:41
المحور:
الادب والفن
كتاب قادسية صدام 6- محمد مزيد يقيم محمد مزيد عالماً مفتعلاً غامضاً وهو يمجد في قصته (السيد صاحب القلم) المنشورة في الجزء الرابع من سلسلة قادسية صدام "قصص تحت لهيب النار" الصادر عن دار الشؤون الثقافية-بغداد 1983، طرفين كتبة القادسية الذي هو أحدهم والجندي المغدور الذي قضى في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. من خلال حدث هو الأخر مفتعل أيضاً، إذ يقوم زميله الجندي المجاز بوصية من القتيل بزيارة بناية لم يحدد ما هي ولكن أكيد، بناية جريدة من جرائد الدكتاتور التي كان "محمد مزيد" يعمل فيها وتربى على قيمها المنحطة التي تحّقر المجتمع وتمجد وتسبح بحمد الدكتاتور الأب والمربي والقائد والربان، ولم يوضح غرض الزيارة في لعبة يعتقدها القاص تشوق القارئ، فالجندي الذي يحمل شيئا لا يكشف عنه في الصفحات الأولى لديه واجب مقدس لذا فهو لا يحس بالأسف لخسارة يوم من أجازته في سبيل إنهاء المهمة. ولا أدري كيف يصور كتبة الدكتاتور قالبين المشهد المأساوي لقتيل في جبهة الحرب، حيث فعل الإصابة والموت مهما يكن الهدف، وحتى لو كان في نضال حركة ثورية قضية جدية معنية بالوجود أو العدم، بالعيش أو التلاشي، يحمل الكثير من الألم والعذاب والمعاناة، عشتُ تلك التجربة في المكانين، أقصد في جبهة الحرب العراقية الإيرانية حينما سقطت قذيفة مدفعية وسط بطريتنا في شرق البصرة أواخر 1984 وقتلت جندي مسكين على الفور أسمه –عبد فرج- وأصيب أخر حملته بين ذراعي في سيارة الوحدة العسكرية إلى المفرزة الطبية فسبحت بالدم، كان يصرخ ويصرخ صراخا يحطم القلب مناديا: - يا بويه لحقتك.. يا بوية لحكتك!. ومات ليلا في المستشفى التعليمي بالبصرة. وعشت كذلك مقتل العديد من رفاقي في السلاح ونحن نقاوم في جبال شمال العراقي بعد أن هربت من الجيش والتحقت بالثوار، الموت الطبيعي مؤلم وحاد ومؤذي يثير الشجن والبكاء، أما الموت في حرب مهما تكن فبه من الألم والرعب وفداحة الفعل ما يعجز عنه الوصف. صورتُ الكثير من هذه المشاهد ومعاناتها في قصصي ورواياتي، كما صور ذلك بكثير من التفصيل زميلي الروائي جنان جاسم حلاوي في روايته –ليل البلاد- الصادرة عن دار الآداب – بيروت 2002. تعالوا معا لنرى كيف يصور كتاب الدكتاتور هذا الأمر الجلل، يكتب "محمد مزيد" عن الجندي وهو يصعد بناية الجريدة متذكرا المعركة والقنابل وزميله مهدي الذي أصيب ومات بين يديه لكنه لم يصدر آه ألم واحدة بل كان مصراً على كلمة –لا- تخيلوا جندي مصاب بشظايا قاتلة بدلا من أن يتألم من الفزع والألم الجسدي وجلال حضور فعل الموت الذي حير الفلاسفة والبشرية بأديانها وثقافاتها المتنوعة يصوره لامع العينين لنقرأ الزيف وتشويه الحقائق من أجل ثقافة القتل: ( تذكر صرخة مهدي حين انغرزت الشظية الطائشة في صدره "لا" تلك الصرخة التي جعلت جميع حواسه، تتجمد، صوته لا يقوى على نطق حرف واحد، تذكر أنه وضع فخذه تحت رأسه، كان الدم يسيل من فمه وأذنيه وأنفه، ومهدي يبتسم له بعينين متوهجتين، وكأنه يدعوه لأن ينفذ ما اتفقا عليه في ليالي السهر المفعمة بالحيوية ص208). ولا يعرف القارئ ما هو المتفق إلا لاحقاً. أما كيف يصور موت جندي في حرب اشتعلت أصلا بقرار من دكتاتور وسيق إليها الناس قسرا بقوانين التجنيد الإجباري، وتشكيلات الجيش الشعبي حيث كانت منظمات حزب البعث في المدن والقصبات تقوم بتجنيد الناس قسرا وحتى كبار السن، ذلك الموت والأسف والألم والرعب بعيون الجندي الذي مات أمام ناظري أو الذي كان يستنجد بالسماء وبأبيه وهو يتمزق ألما من الشظايا المقطعة أحشائه وهو في حضني ينزف. يصوره محمد مزيد كما رأينا متوهج العينين مبتسماً أما لحظة مغادرته الحياة فيصورها وكأنها لحظة بهجة أطلاق طيور جميلة في الفضاء لنقرأ: ( هكذا رحل مهدي، في عتمة الليل، في صخب مروع، جعل الأرض تهتز تحته بعنف، هرعت بعدها، آلاف الطيور الجميلة إلى النيران ص210). وبعدما يصل إلى ذلك الكاتب المتخصص بكتابة قصص موت الجنود بقادسية صدام الجالس في واحدة بنايات جرائد الدكتاتور كالثورة والجمهورية ودار الشؤون الثقافية والذي أسماه محمد مزيد باسم غريب – بصوص العرام - وحسنا فعل فممكن أن نضع أي اسم منهم محمد مزيد أو وارد بدر السالم او عبد الخالق الركابي أو أحمد خلف أو عادل عبد الجبار، ضياء خضير، غازي العبادي، أو أي واحد من المشتركين في الكتاب – قصص تحت لهيب النار – يكشف لنا "مزيد" طبيعة مهمته إلا وهي وصية الجندي المغدور – مهدي – نستطيع أن نبدله بزميلي الجندي الذي كان ينزف ويصرخ ألما بكل روحه مناديا أباه – يا بويه لحكتك.. "لحقت بك" يا بويه لحكتك – وأتذكر انه جندي معين يحدد مواقع المدافع من أهل القرنة في البصرة وكان أبوه قد قتل قبل شهر في معارك بنفس الجبهة بعد أن ساقوه في الجيش الشعبي قسرا كما أخبرني شخصيا، يصوره الكاتب يبتسم وتلمع عيناه ولا يفكر بجرحه وتمزق أحشائه ونزفه بل يفكر بـ "محمد مزيد" الكاتب الجالس في بناية جريدة من جرائد البعث فيحمل زميله وصية كي يقوم كاتب قادسية صدام بكتابة قصة انتصاراتهم ويموت سعيدا تعالوا لنقرأ الدجل وتزييف ألم الإنسان خدمة لحرب الدكتاتور الذي خرب العراق والعراقي قبل أن يسلمه بقضه وقضيضه للمحتل الأمريكي ليقطع أوصاله بساسة عملاء لصوص قتلة أمراء حرب طائفية، نصبهم ليكملوا المهمة: ( قال له مهدي قبل أن يشهق - أكتب بدمي عن انتصاراتنا.. أكتب يا صديقي.. أكتب قصتي، وأبعثها إلى الرجل.. الرجل ذاك.. أنت تعرفه.. الرجل صاحب القلم - لا تجهد نفسك، سأفعل والله. بصوت مخنوق قال مهدي - أكتب عني بالدم، أكتب يا صديقي.. أكتـ كانت الكلمة الأخيرة مبتورة، رأى النار حوله تلتهم آلاف الألسن – ملايين الأفواه تصرخ: أكتب.. اكتب. ص214). وبعد هذا الاستذكار المزيف للواقع وما يجري فعلا، يعود الجندي صاحب المهمة بتسليم القصة لكاتب القادسية – محمد مزيد- الذي ينذهل مكتشفا أن القصة مكتوبة ليس بالحبر بل بالدم تخيلوا معي بالدم تعالوا لنقرأ: ( بعد أن جلس بالقرب منه، فتح أزرار قمصلته الخاكية وأخرج ثلاث أوراق مطوية بعناية، وقدمها إلى – بصوص – قائلا: - هذه قصة.. أنا كتبتها. تناول الرجل الأوراق الثلاث ونظر إلى الجندي مبتسما، ولما وقع بصره على الحروف ذهل، نهض من مكانه فجأة، ثم جلس منفعلاً، وصاح: - ما هذا - ماذا قال بلهجة منفعلة: - أنها مكتوبة بالاحمر.. بالدم الاحمر. ص215) ماذا أقول يعجز القلم واللسان عن وصف هذا التزييف الذي أعتبره جريمة كبرى لا تقل عن قتل إنسان مكبل تحت التعذيب، فمثل هؤلاء الكتاب لا يختلفون عن الجلاد الذي يعذب الضحية في أقبية التعذيب. فهم مارسوا ذلك بالقلم ودعموا الدكتاتور وحروبه وسياسته وكان صدام حسين يعي أهميتهم فصنع جيشا منهم وفرغهم لهذه المهمة، وهم اليوم تسيدوا المشهد الثقافي في العراق من جديد بفضل سلطة الطوائف واللصوص والقتلة التي خلفها المحتل الأمريكي.
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب قادسية صدام 5- المغني حسين نعمة
-
كتاب قادسية صدام خضير عبد الأمير-4-
-
كتاب قادسية صدام 3- حنون مجيد
-
كتاب قادسية صدام 2- وارد بدر السالم
-
أدباء قادسية صدام -1- عبد الخالق الركابي
-
-مثل طفل يقفز من الرحم إلى العالم. قلب أبيض. عالم أبيض وصرخة
...
-
من حصاد زيارتي إلى العراق الشهر الماضي 12-2014 1- حمود الخيا
...
-
بمناسبة صدور -حياة ثقيلة- في القاهرة الأدهم 2015 سلام إبراهي
...
-
في مديح المهبل
-
لا تموت من وقت
-
عددت مساوئي وهي خير من يعرفها
-
صائد العصافير
-
الواقع كوحدة حية والنص الروائي
-
شوقٌ مستحيل
-
ليش.. ليش.. ليش؟!
-
حصار وتبعثر
-
ملف عن الفنان التشكيلي العراقي العالمي بشير مهدي
-
عراقي.. وطني كابوس لا صحوة منه
-
عالم بلا كراهية
-
التيار الديمقراطي العراقي في الدنمارك - عيب والله عيب -
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|