أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ النَّثر















المزيد.....



شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ النَّثر


شريف رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4711 - 2015 / 2 / 5 - 10:46
المحور: الادب والفن
    


شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد
في قصيدَةِ النَّثر




مُنْعَطفُ التَّحوُّلِ الشِّعريِّ

يُعَدُّ عِقدُ التِّسعينيَّاتِ ، مِنْ القرْنِ الماضِي ، عَلامَةً فَارقةً في مَشْهَدِ القصيدِ النَّثريِّ المصْريِّ ؛ فَهُوَ العِقدُ الَّذي شَهِدَ - منذُ بدايَاتِهِ - هِجْرَةً جماعيَّةً مِنْ الشُّعرَاءِ المصْريينَ إلى فَضَاءِ القصيدِ النَّثريِّ ، وَأصْبَحَ القصِيدُ النَّثريُّ- الَّذي بَدَأ مُنذُ بدايَاتِ القرْنِ الماضِي (1) - مَرْكَزَ الخريطةِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ ، وَقَدْ سَاعَدَتْ عَوامِلُ تَاريخيَّةٌ ، دُوليَّةٌ ، وَعَربيَّةٌ كُبْرَى ، على هَذا التَّحوُّلِ ، وَتَمَثَّلتْ هَذه العَوَاملُ ، دُوليًّا ، في انهيارِ الكُتلَةِ السُّوفيتيَّةِ الضَّخمةِ ، بأيدلوجيَّتِهَا الَّتي هَيْمَنَتْ طويلاًً ، وَمَا تَزَامَنَ مَعَهَا مِنْ انهيَارَاتٍ مُتَجَاورَةٍ ، فادحَةٍ ؛ كانهيَارِ حَائطِ برلين ، وَانهيَارِ الاتِّحَادِ اليُوغسلافيِّ ، وَالاتِّحَادِ التِّشيكوسلوفاكيِّ .. وَعَربيًّا في غزو العِرَاقِ الكويتَ ، وَمَا تَبِعَهُ مِنْ تَصَدُّعِ مشروعِ القوميَّةِ العربيَّةِ ، وَبدايةِ الهيمَنَةِ الأمريكيَّةِ على المنطقَةِ (2) ، عَبْرَ حَرْبِ الخليجِ الأولى ، ثم الثَّانيَةِ ، ثم محاولتِهَا سَحْقَ القوميَّاتِ الصُّغرَى ؛ لِصَالحِ فِكْرهَا الاسْتعماريِّ ، المتمثِّلِ في مَقُولاتِ العَولمةِ وَالكوكبيَّةِ ، وَقَدْ وَلَّدَ هَذا الوعيُ المهيمِنُ ، وَعيًا آخَرَ ، ضِدِّيًا ، تمثَّلَ في التَّمسُّكِ بالحيَوَاتِ الخاصَّةِ الحقيقيَّةِ ، وَمَا يحيطُ بهَا مِنْ تفاصِيلَ يوميَّةٍ جُزئيَّةٍ مَعِيشَةٍ ، وَالتَّركِيز على الشَّخصيِّ ، وَالنَّسبيِّ ، وَالقَريبِ الآنيِّ ، وَالحمِيْمِ ..

الانفِصَالُ عَنْ مَركزيَّةِ المَرْجعِ

مُنْذُ البدايَةِ ، جَسَّدَتْ قَصِيدَةِ النَّثرِ المصريَّةِ الجديدَةِ ، انفِصَالاً وَاضِحًا عَنْ مَسِيرَةِ قَصِيدَةِ النَّثرِ العَربيَّةِ السَّابقَةِ ؛ حيثُ ظَلَّتْ الأخيرَةُ ، عُقُودًا طِوَالا ، تُوَازي الشِّعريَّاتِ الإنجليزيَّةِ وَالفَرنْسِيَّةِ ؛ فَقَدْ تَفَاعَلَتْ شِعريَّةُ القَصِيدِ النَّثريِّ العَرَبيِّ ، مُنذُ البدايَاتِ ، بنظائِرَهَا الإنجليزيَّةِ وَالفَرَنسِيَّةِ ، ففي بدَايَاتِ القَرْنِ الماضِي ،كانَ أمين الرِّيحاني ، وَمِنْ بَعْدِهِ جبران خليل جبران ، وَآخَرُونَ ، يَسْعونَ إلى تأسِيسِ شِعرٍ منثورٍ ؛ كَالَّذي أرْسَاهُ وَالت وايتمان في الشِّعرِ الأمريكِيِّ ، وَفى أرْبعِينيَّاتِ القَرْنِ الماضِي كَانَ شُعَرَاءُ السِّرياليَّةِ المصْريُّونَ يَتَبَنُّونَ رؤى السِّرياليَّةِ في فَرَنسَا ، وَيُنْجِزونَ - أحْيانًا - بِالفَرَنْسِيَّةِ وَالعَرَبيَّةِ مَعًا ، وَفي سِتينيَّاتِ هَذَا القَرْنِ هَيْمَنَتْ الشِّعريَّةُ الفَرَنسِيَّةُ على رُؤى شُعرَاءِ مجلَّة: (شِعر) اللبنانيَّةِ ؛ فَرَنْسِيِّ الثَّقافَةِ ، وَاسْتَمَدُّوا رُؤاهُمْ النَّظريَّةَ لمفهومِ قَصِيدَةِ النَّثرِ ، مِنْ أطروحَةِ سُوزان برنار: قَصِيدَة النَّثرِ مِنْ بُودلير إلى أيَّامِنَا ، بَدَا هَذَا بِشَكْلٍ وَاضِحٍ في عَمَلِ أدُونيس وَأنْسِي الحاج ، كَمَا كَانَ شُعرَاءُ مجلَّةِ (شِعر) ؛ إنجليزو الثَّقافةِ ؛ وَمِنْهُمْ توفيق صَايغ وإبراهيم شُكْرالله وَجبرا إبراهيم جَبرا ، يُؤسِّسونَ لِنَوْعِ الشِّعِر الحرِّ في الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ الجديدَةِ ، بمفهومِهِ الأنجلوسَكْسُونيِّ ، وَقَدْ أرْسَى هَذَانِ التَّيَّارَانِ دَعَائمَ القَصِيدِ النَّثريِّ ، باعْتِبَارِهِ نوعًا شِعريًّا جَديدًا ، في المشْهَدِ الشِّعريِّ العَرَبيِّ الحديثِ (3) ، وَقَدْ أعْقَبَ هَذَا الفَصِيلَ الشِّعريَّ جِيْلٌ آخَرٌ ، جَنَحَ بعضُ شُعرائِهِ - تحديدًا بول شاوول وَعبَّاس بيضون - إلى التَّجاربِ الأحْدَثِ في الشِّعريَّةِ الأوربيَّةِ . وَبتأمُّلِ التَّوجُّهِ الأحْدَثِ لِقَصِيدَةِ النَّثرِ العَرَبيَّةِ ، مُنذُ بدايَاتِ التِّسعينيَّاتِ ، نجدُ أنَّهَا تجاوزَتْ عِلاقَةَ الصَّوتِ وَالصَّدى ، وَالمرْكَزَ وَالهوامِشَ ، وَانْفَصَلتْ عَنْ مَرْكزيَّةِ المرْجِعِ ، بِشَكْلٍ وَاضِحٍ ، وَتخطَّتْ مَرْحَلَةَ تَعريبِ الشَّكلِ ..

تَمصيرُ الخِطابِ الشِّعريِّ

كَشَفَتْ التَّجاربُ الشِّعريَّةُ ، في مَشْهَدِ القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ الجديدِ ، مُنذُ بدايَاتِ التِّسعِينيَّاتِ ، عَنْ نزوعٍ وَاضِحٍ إلى تشكِيْلِ ذَائقَةٍ جَديدَةٍ ، بآليَّاتٍ جَديدَةٍ وَوَعْيٍ جَديدٍ ، يَتَخَطَّى مَرحلَةَ التَّعريبِ إلى تمصِيرِ الخطابِ الشِّعريِّ ، عَبْرَ مجموعَةٍ مِنْ النُّصوصِ المتواليَةِ ؛ الَّتي ظَلَّتْ تُشَكِّلُ مَلامِحَ هَذَا الخطَابِ الجديدِ ، تدريجيًّا ، وَيُلاحَظُ أنَّ الكثيرَ مِنْ آليَّاتِ إنجازِ هَذِهِ الشِّعريَّةِ ، لمْ يَنْفَصِلْ عَنْ حَرَكةِ القَصِيدِ النَّثريِّ العَربيِّ الجديدِ ؛ الَّذي ظَلَّ يُنْجَزُ ، في مَوَاضِعَ عَديدَةٍ مِنْ الخريطَةِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ الجديدَةِ ، في ظِلِّ وَاقِعٍ عَربيٍّ مُشْتَرَكٍ أحْيَانًا ، وَمُتَشَابِهٍ أحْيَانًا أخْرَى ، غيرَ أنَّ القَصِيدَ النَّثريَّ المصْريَّ حَافَظَ على آليَّاتِهِ الخاصَّةِ ، الَّتي دَارَتْ حَوْلهَا شِعريَّاتُ شُعرائِهِ ، بما مَثَّلَ ذَائِقَةً شِعريَّةً خَاصَّةً , في مَشْهَدِ القَصِيدِ النَّثريِّ العَرَبيِّ الجديدِ ، تمثَّلَتْ على محوريْنِ رَئِيْسَينِ :-
الأوَّلِ : الالتِحَامِ بخصُوصِيَّةِ المكان ، وَشَخْصِيَّاتِهِ ، وَتاريخِهِ الخَاصِّ ، وَثَقَافتِهِ الشَّعبيَّةِ وَأحْوَالِ مُهَمَّشِيْهِ ، وَالتَّمَاهِي مَعَ لُغَةِ المكَانِ ؛ بِشَكْلٍ لمْ يَتَحَقَّقْ مَعَهُ تمصْيرُ الخطَابِ الشِّعريِّ ، عَبْرَ العُصُورِ الشِّعريَّةِ ، سِوى في حَالاتٍ يسيرَةٍ ، وَعَبْرَ تجاربَ شِعريَّةٍ محدَّدةٍ ، تبرزُ - في بدايتِهَا - تَجربَةُ البَهَاءِ زُهير ، تَلِيهَا- بَعْدَ قرونٍ عديدَةٍ - تجاربُ : محمود حَسن إسماعيل وَصَالح الشَّرنوبي وَالهمشري ، تَلِيها- مُبَاشَرَةً - تجاربُ : صَلاح عبد الصَّبور وأحمد عبد المعْطِي حِجَازي ومحمَّد عفيفي مَطر، في بداياتهِمْ الشِّعريَّةِ ..

الثَّاني : التَّركيزِ على آليَّاتٍ شِعريَّةٍ مُحدَّدةٍ ؛ مِنْهَا: شَخْصَنَةُ الخطَابِ الشِّعريِّ ، هَيْمَنَةُ النَّزعَةِ اليوميَّةِ وَالتَّفاصِيليَّةِ ، تخطِّي الرُّؤى الكُلِّيَّةِ المجرَّدَةِ المطْلَقَةِ إلى الرُّؤى الجزئيَّةِ وَالحياتيَّةِ ، أسْطَرَةُ المعِيشيِّ وَالمكَانيِّ ، اسْتِنْفَادُ شِعريَّةِ التَّقريرِ السَّرديِّ ، التَّركيزُ على النَّزعَةِ البَصَريَّةِ المشْهَديَّةِ ، الكَشْفُ عَنْ شِعريَّةِ المهمَّشِ وَالمُشَوَّهِ وَالمَنْسِيِّ ، النُّزوعُ إلى البَسَاطَةِ وَالعُمْقِ في آنٍ .
وَعَبْرَ تَوَاشُجِ هَذيْنِ المحوريْنِ ، تَشَكَّلَ خِطَابُ قَصِيدَةِ النَّثرِ المصْريَّةِ ، بوضُوحٍ ، في مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ الجَديدَةِ .

-1-
الالتِحامُ بشِعريَّاتِ المَكَانِ المُتَبَاينَةِ

تتعدَّدُ شعريَّاتُ المشْهَدِ المصْريِّ في القصِيدِ النَّثريِّ ، تبعًا لتعدُّدِ وَتَنَوُّعِ تجلِّيَاتِ المشْهَدِ المصْرِيِّ المعيشِ ؛ وَلَيْسَتْ الشِّعريَّةُ المصْريَّةُ كُلاًّ وَاحِدًا ؛ فَشِعريَّةُ المدينَةِ غيرُ شِعريَّةِ القريَةِ ، غيرُ شِعريَّةِ النَّجعِ ، غيرُ شِعريَّةِ الصَّحرَاءِ ، وَكُلُّهَا شِعريَّاتٌ ترتهنُ بِالفَضَاءِ الجغرافيِّ المحيطِ بفاعليَّةِ الشِّعريَّةِ المصْريَّةِ ، في مَوَاضِعِهَا المتعدِّدةِ ، وَتَسْتَمِدُّ خُصوصِيَّتَهَا مِنْ بيئتِهَا المعيشِةِ الحاضِنَةِ ؛ بحيواتهَا الخاصَّةِ ، على الرَّغمِ مِنْ هَيْمَنَةِ شِعريَّةِ المدينَةِ على المشْهَدِ الشِّعريِّ ، وَارْتباطِهَا بغيرِهَا مِنْ الشِّعريَّاتِ ارْتباطِ المرْكزِ بالأطْرَافِ ، يَتَبَدَّى هَذَا على محورِ الآليَّاتِ الشِّعريَّةِ ، وَالنُّزوعِ إلى البَسَاطةِ ، وَالارْتبَاطِ بمفرَدَاتِ وَطقوسِ الوَاقِعِ المعِيشِ وَالالتِحَامِ بخصوصِيَّتِهِ المائزَةِ .

- 1 – 2 –
شِعريَّةُ المَدينَةِ

لِلْمدينةِ المصْريَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ الجديدَةِ ، حُضورُهَا الخاصُّ ؛ حَيثُ تتبدَّى بزحامِهَا ، وَصَخَبِ شوارِعِهَا وميادينِهَا ومقاهيهَا ، واغترَابِ البَشَرِ فيْهَا ، وَاحْتِمَاءِ الذَّاتِ بذاتها مِنْ وَطأةِ الزِّحَامِ ، وجنوحِهَا إلى رَصْدِ تفاصِيلِ العالمِ المحيطِ بها ، وَالكشْفِ عنْ مفارقاتِهِ ، وَعِلاقاتِ البَشَرِ المتواشِجَةِ مَعَ العلاقاتِ المكانيَّةِ ، تتبدَّى هذِهِ الشِّعريَّةُ لدى إبراهيم داود (1961-) ، في خِطابٍ يحتفِي بشَسَاعةِ المدينَةِ ، وَازْدِحَامِ ميادينِهَا ، وَمَقاهِيهَا ، وَوَسَائلِ مواصَلاتها ، رَاصِدًا فيْهِ مُعانَاةَ الذَّاتِ الإنسَانيَّةِ الفَرديَّةِ البسِيطَةِ ، في سَرْدٍ بَصَريٍّ شِفَاهِيٍّ بَسِيطٍ ؛ يجسِّدُ حَالاتِ الوِحْدَةِ وَالاغْتِرَابِ وَالعِلاقاتِ السَّطحيَّةِ بينَ الزِّحَامِ الكثيفِ ؛ ففي المقَاهِي تتكشَّفُ الوِحْدَةُ وَالاغْترَابُ :
" في مقاهِي الميادينِ
لاتستطيعُ أنْ تجلسَ بمفردِكَ
بالكادِ ..
تكونُ قَدْ وَجَدْتَ مِقعَدًا بينهم
يستريبُ الَّذين سَبقوكَ فِيْكَ
وَأنتَ .. تستقبلُ الوافدينَ مِثلَهُمْ !
تحاولُ أنْ تكونَ – دَائِمًا – وَاثقًا . " (4)
وَفي ازْدِحَامِ المواصَلاتِ يتشكَّلُ نزوعٌ غامِضٌ إلى التَّواصُلِ مَعَ زِحامِ الأجْسَادِ المرتحلَةِ :
" سأركبُ العرباتِ نفسَها
وأحسُّ أمنًا معَ الرُّكابِ
تربطني – لاشكَّ – بهم صَدَاقةٌ غامِضَةٌ

قد لانتحدَّثُ
ولكنَّ شيئًا ما
يظلُّ مُعلَّقًا
كأنَّنَا – جميعًا – عائدونَ للتوِّ
منْ زيارَةِ مريضٍ
أوْ منْ عُرْسٍ زائفٍ
لأقاربَ لانُحبُّهم بما يكفِي ."(5)
وفي زحَامِ المواصَلاتِ ذاتها ، كثيرًا ما تُعاني هَذِهِ الذَّاتُ ، عناءً مُعتادًا وَثقيلا، وَكثيرًا مَا تَتَجَاوزُهُ بالتَّسَامُحِ المعتادِ :
" أخشى دائمًا الذين ينامونَ إلى جِواري
أحسُّ انقباضًا ثقيلا
عِندمَا تسقطُ – بغتةً – رأسٌ على كتفي
كأنَّ شَجَرَة ًمنْ الماضِي
سَقَطَتْ عليَّ وَأنا نائمٌ
أوْ تهدَّمَ بيتٌ – وَأنا في الحمَّام ِ–
عليَّ
أحاولُ أنْ أوقِظَهُ بكتِفي
مرَّةً ، مرَّتينِ ، ثلاثًا
وَأفشَلُ دائمًا
وَعندمَا يميلُ بجسَدِهِ كلِّهِ
كالكآبةِ
أضطرُّ دائمًا لِلكْزِهِ
فيعتذرُ
وَيُقْسِمُ أنَّهُ لم يذقْ النَّومَ منذُ سَنتينِ
وَدائمًا أقولُ له : لم يحدُثْ شَيءٌ
وَرُبَّمَا أعتذر ُ. "(6)
وَكثيرًا مَاتُواجَهُ الذَّاتُ بعدَمِ الاهتِمَامِ بوجودِهَا ، في الزِّحَامِ ، في مختلَفِ الأماكِنِ :
" القهوجيُّ يُعامُلني – دائمًا – كعابر ٍ
أقولُ له : صَبَاح الخيرِ
يردُّ –دائمًا – وكأنَّهُ فُوجِيءَ بي
وأطلبُ شَايًا على " ماءٍ أبيضَ "
يُومِيء لآخرٍ
وَيتركُني
شَاردًا أتملمَلُ . " (7)
إنَّهَا مَوَاقفُ ، وَعِلاقاتٌ ، وَأحَاسِيسُ ، خَاصَّةٌ بحيوَاتِ المدينَةِ ، تُؤسِّسُ شعريَّتَهَا الخَاصَّةَ ، بسرديَّاتها المعِيشَةِ الخاصَّةِ .

- 1- 3 –
شِعريَّةُ القريةِ

تتبدَّى شِعريَّةُ القريَةِ ، على نحوٍ وَاضِحٍ لدى محمَّد صالح (1942- 2009) ، في دِيوانِهِ : حَيَاة عاديَّة ، وعلى نحوٍ أكثرَ لدى عِماد أبي صَالح (1967- ) ، في مُعْظَمِ دواوينِهِ ، ، عَبْرَ مَشَاهِدَ قرويَّةٍ خَالصَةٍ ، منْ منظورٍ قرويٍّ ، يَنْزَعُ إلى البَسَاطةِ الرِّيفيَّةِ ، وَبمخيِّلةٍ ريفيَّةٍ ، في أدَاءٍ يلتحِمُ ببسَاطَةِ الحدَثِ الرِّيفيِّ وَالمنظورِ الرِّيفيِّ وَشِفَاهيَّتِهِ وَعَجَائبيَّتِهِ أحْيَانًا ، إنَّ المخيالَ الرِّيفيَّ لايُغادِرُ أبي صَالح ، حَتَّى في الإقامَةِ القاهريَّةِ :
" أجلسُ في رُكنٍ
رَأسِي بينَ يديَّ
وأنتظرُكِ .

فَجْأةً يدخُلُ أبي وَأمِّي
بوجهينِ مُتَّسِخينِ
بالعَرَقِ وَالتُّرَابِ
وَأرْجُلٍ تلبسُ أحْذيَةً منْ طِينٍ
يفرُّ الجالسُونَ
وَيحاولُ الجرسون طردَهُمَا .

أقومُ بلهفَةٍ
أضَعُ بقايا الجاتوه للأوزاتِ
وأربطُ البهائمَ في الكراسِي .
أُجلِسُهما أمَامِي
وَأنظرُ لهما في صَمْتٍ .
هَزيلانِ وَذليلانِ .
كُلَّمَا حَاولَ أحَدُهما
أنْ يرفعَ فِنْجَانَهُ
يَدُهُ المرتعِشَةُ تدلقُ الشَّايَ
على ملابِسِهِ . "(8)
يلتقِطُ الشَّاعرُ مَشَاهِدَ مَعِيشَة وَدالَّة منْ سَرْديَّاتِ المشْهَدِ الرِّيفيِّ ، يُؤسِّسُ بها خِطَابَهُ الرِّيفيَّ الخالِصَ ، بمنظورٍ ريفيٍّ ، وَنبرَةٍ ريفيَّةٍ خَالِصَةٍ :
" حِينمَا كانَ أبي يضربُهَا
وَتهجُرُ البيتَ
كُنْتُ أتشبَّثُ بذيلِ ثوبِهَا
وَأجْري في الغِيطَانِ
خَلْفَ خطواتِهَا المتعجِّلَةِ
وَحَطَبُ القطن يخدش خديَّ .

لم تكنْ تحملُني أبدًا
لم تكنْ تُبطِيءُ خُطواتُهَا لأجلِي أبدًا

طرحتُهَا السَّودَاءُ
، الَّتي يُطيِّرُهَا الهوَاءُ فوقِي
غَمَامَةٌ
تمطرُ الدَّمعَ ." (9)

-1 – 4 –
شِعريَّةُ النَّجع

تتبدَّى شِعريَّةُ الجنوبِ على نحوٍ وَاضِحٍ لدى فتحي عبد السَّميع (1963- ) ، بتفاصِيلِهَا المعِيشَةِ الخاصَّةِ ، وَمَشَاهِدِهَا الدَّالةِ ، وَنبراتها الخاصَّةِ ، في خِطابٍ شِعريٍّ يُشدِّدُ على خصوصِيَّةِ هَذا المعِيشِ ، في أداءٍ شِفاهِيٍّ بَصَريٍّ ، كَمَا في قولِهِ :
" أبي أمَامَ البيتِ
يستندُ على شُومتِهِ
بقلبٍ مُنْقَبِضٍ
ينظرُ للبعيدِ ..
يدُهُ الحانيَةُ
لم تُوقِفْ صَرْخَتي
منْ حَجَرٍ شِريرٍ
كانَ يعدو نحوي . "(10)
وَيحتفِي الشَّاعرُ بطقوسِ الحيَاةِ الجنوبيَّةِ ، مثل صِنَاعَةِ الوَشْمِ على الصَّدرِ وَالأذرُعِ ، بالكيِّ بماءِ النَّارِ ؛ كأيقونَةٍ على الرُّجولَةِ وَالفروسِيَّةِ وَالبَأسِ :
" أريدُ أسدًا يادقَّاقَ الوَشْمِ
أريدُهُ غاضبًا ، بأنيابٍ حادَّةٍ
لا تلتفِتْ لكوني ضَعيفًا وَلا أحْتَمِلُ
ليسَ هُناكَ مَا هُو أقْسَي
مِنْ مُغازلةِ الحيَاةِ
بصَدْرٍ بلا أسَدٍ.
ارْبُطني هُنَا
في تلكَ الجميزَةِ
لا تلتفِتْ لصُراخِي وَشَتائِمِي
وَلو مِتُّ بينَ يديكَ
لا تقمْ بدفني
قبلَ إتمامِ الوَشْمِ . " (11)

-1- 5 –
شِعريَّةُ الصَّحَرَاءِ

تتبدَّى شِعريَّةُ المشْهَدِ الصَّحْرَاويِّ ، لدى أشرف العناني ، في ديوانِهِ : (صَحَرَاء احتياطيَّة) ، على نحوٍ كثيفٍ ؛ حيثُ تهيمِنُ مفردَاتُ المشْهَدِ الصَّحْرَاويِّ على بناءِ الخِطابِ ، وَيُهيمِنُ المنظورُ الصَّحْرَاويُّ ، على رؤيَةِ العالمِ ، وَتتبدَّى الذَّاتُ الشَّاعرَةُ في صُورَةِ بدويٍّ حديثٍ ، يَسْتَشْعِرُ أخْطارَ الصَّحَرَاءَ ؛ فينامُ بعينٍ وَاحِدَةٍ ، وَيحتمِي بالظِّلالِ منْ هجيرِ القيلولَةِ ، مجزِمًا بأنَّ الرِّمَالَ لم تخنْهُ ؛ لكنْ خَانتْهُ المدُنُ الجديدَةُ . (12)
الصَّحَرَاءُ ، هُنَا ، مِرْآةٌ للذَّاتِ الشَّاعرَةِ ، وَأنيسَةٌ لهَا :
" كمرآةٍ لخوفي
تجلسُ الصَّحَرَاءُ – على حَافةِ صَمْتِهَا –
تنتظِرُ .."(13)
يمتلِكُ الشَّاعرُ مخيالاً بدويًّا ، يحيَا في صَحَرَاء ، بكائِنَاتِهَا وَهَوَاجِسِهَا ، وَخَوَائِهَا ، وَأخْطَارِهَا ، وَأحْيَانًا تُشْبِهُ الذَّاتُ الإنسَانيَّةُ كائنًا صَحْرَاويًا آخرَ ، يُقَاسِمُهُ الصَّحَرَاءَ ؛ كالذِّئبِ ، في هَذَا النَّصِّ :
"مثل ذئبٍ شَاردٍ
أمْشِي دَاخِلَ نفسِي ، حتَّى
تخونني قَدَمَايَ
فَأُقْعِي على رُكبتيَّ ،
وَأعْوي ليُكرِّرَ الخلاءُ صَدَى
حَسْرَتي بلا مَللٍ :
لِلصَّحَراءِ مَهَارَاتٌ خاصَّةٌ ، في قتلِ الوَحْشَةِ . " (14)

-2-
آليَّاتُ تَشْكيلِ الخِطابِ الشِّعريِّ , في مَشْهَدِ القَصِيدِ النَّثريِّ المِصْريِّ

رَكَّزَ القَصِيدُ النَّثريُّ المصْريُّ , على آليَّاتٍ عَامَّةٍ , وَمحدَّدَةٍ , لإنتَاجِ خِطابِهِ الشِّعريِّ الجَديدِ , وتَشْكِيلِ نِظَامِهِ الخَاصِّ , تَمَثَّلتْ فيْمَا يلِي :

-2-1-
شَخْصَنةُ الخِطابِ الشِّعريِّ

كَشَفَتْ النُّصوصُ الشِّعريَّةُ المتعَدِّدَةُ المخْتَلِفَةُ , في مَشْهَدِ القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ عَنْ نُزوعٍ واضِحٍ إلى اسْتِقْصَاءَاتِ عَوَالمِ الذَّاتِ , بتفاصِيلِهَا الإنسَانيَّةِ الحقيقيَّةِ , وَاسْتبطَانِ عَوَالمهَا , وَالتَّركيزِ على تجاربها الإنسَانيَّةِ البَسِيطَةِ وَالحيَّةِ , وَعَلى مَا يَتَّصِلُ بها مِنْ أشْيَاءَ حميميَّةٍ , وَتفاصِيلَ مَعِيشِيَّةٍ تكشفُ مَا هُوَ شَخْصِيٍّ وَإنسَانيٍّ , وَقَدْ مَثَّلَتْ (إنسَانيَّةُ النَّصِّ)- إحْدَي أبرَزِ الظَّواهِرِ الشِّعريَّةِ - في هَذَا الخِطَابِ الشِّعريِّ الجدِيدِ , وَبهَا اسْتَعَادَتْ الذَّاتُ الإنسَانيَّةُ إنسَانيَّتَهَا , وَألقَتْ عَنْهَا "رُكَامَ الحيَاةِ الثَّقَافيِّ وَالفِكْريِّ وَالأيدلوجيِّ "(15) ؛ بامْتلاكِهَا شَجَاعَةَ المحافظَةِ على وجودِهَا الذَّاتي , قبْلَ أيِّ شَيءٍ آخر(16) , وَبهذَا الوَعْي أسَّسَتْ "شَخْصَنَةُ الخِطَابِ الشِّعريِّ" (17) , على النَّحوِ الذَّي يمكِنُ مُلاحَظته – على سَبيلِ المثالِ – لدَى أحمد يماني (1970-) في قولِهِ :
" كلّ أسبوعٍ في سُوقِ الثُّلاثاءِ ,
طُرقٌ طويلةٌ مليئةٌ بالنِّسَاءِ ,
أتحرَّكُ في الوسَطِ وأتركُ ليدي اليُمْنَى أنْ تسقُطَ
على الأرْدَافِ المنتصِبَةِ , طريَّةٌ وَمُنْتَصِبَةٌ , محدَّدَةٌ جدًّا وَمَائيَّةٌ جدًّا ,
هَذَا مَا أحبُّهُ تمامًا
أتحرَّكُ لِسَاعةٍ أوْ سَاعتينِ ,
وَأعودُ محمَّلاً بآلافِ الصُّورِ
الَّتي أستخدمُهَا لترطِيبِ خَيَالي ,
وَإثارَةِ عِضْوي مُتوسِّط الحجْمِ
كي يقذِفَ ملايينَ النِّسَاءِ منْ فتحتِهِ الصَّغيرَةِ . "(18)
وَلدَى ياسر عبد اللطيف (1969-) في قولِهِ :
"أدراج ُمكتبي غيرُ مُدْرَجَةٍ في دَائرةِ الاسْتِعْمَالِ اليوميِّ ,
أحتفظُ فيهَا بكرَّاسَاتي المدرسِيَّةِ
الَّتي تعكِسُ تطوُّرَ رُوحي
في تقدُّمِي الأسلوبيِّ بموضُوعَاتِ التَّعبيرِ ,
في غلطاتِ النَّحوِ والإملاءِ
في المعَادَلاتِ الرِّياضِيَّةِ
الَّتي أتطلَّعُ إليهَا الآنَ كنقوشٍ مُبْهَمَةٍ
في الرّسومَاتِ الهزليَّةِ
الَّتي كُنْتُ أحَوِّلُ منْ خِلالهَا الواقعَ المدرسِيَّ الكئيبَ إلى كاريكاتيرٍ
لأهْرُبَ منْ وَطاةِ أفقٍ محدودٍ بسبورةٍ سَوْدَاءَ ."(19)
إنَّ الذَّاتَ – هُنَا – هِيَ ذَاتٌ إنْسَانيَّةٌ خَالِصَةٌ , ليسَتْ ذاتًا ثقافيَّةً , مُتْخَمَةً بالرُّموزِ وَالإشَارَاتِ ؛ الَّتي تحجُبُ آدميَّتَهَا ؛ بَلْ هِيَ ذَاتٌ فرديَّةٌ شَخْصَانيَّةٌ ، لا تَتَعَالى على حَقيقَتِهَا الإنْسَانيَّةِ الفَرديَّةِ البَسِيطَةِ إلى رُؤى جمعِيَّةٍ ميتافيزيقيَّةٍ ..

-2-2-
هَيمَنةُ النَّزعَةِ اليوميَّةِ وَالتَّفاصِيليَّةِ

لقدْ تخفَّفَتْ هذِهِ الشِّعريَّةُ منْ الرُّؤى الكُلِّيَّةِ , المطلقَةِ , لِلْعَالمِ , وَشدَّدتْ على جُزئيَّاتِ الحيَاةِ المعِيشَةِ , بتفاصِيلِهَا اليوميَّةِ , وَلقَطاتها الآنيَّةِ , الدَّالةِ ؛ الَّتي تكشِفُ عنْ وجودِ الشِّعريَّةِ , في تفاصِيلِ الحيَاةِ المعيشَةِ , وبهذَا الأدَاءِ " أُنْزِلَتْ القَصِيدَةُ منْ عَليَاءِ الأسْطورَةِ وَالنَّموذَجِ وَالفِكْرَةِ الكُلِّيَّةِ الشَّامِلَةِ وَالصِّرَاعَاتِ الكبيرَةِ وَالمهمَّةِ , إلى مَصَافِ القَلقِ اليوميِّ لِلنَّاسِ"(20) , وَلَعِبَ الأدَاءُ البَصَريُّ دَوْرًا كبيرًا في تَشْكيلِ الخِطابِ ؛ فَعَبْرَ المونتَاجِ البَصَريِّ , تَشَكَّلَتْ بنيَةُ الصُّورَةِ الشِّعريَّةِ , مِنْ تَضَافُرِ لَقَطَاتٍ منْ الحيَاةِ اليوميَّةِ المعِيشيَّةِ , وَمِنْ الشُّعرَاءِ الذين شَدَّدوا على هَذِهِ النَّزعَةِ , الشَّاعرُ علي منصور ( 1956-) , كَمَا في نَصِّهِ : " تُرَى , مَاذَا فعلَ المراهِقُ الَّذي تأخَّرَتْ فتاتُهُ ؟" , الَّذي جَاءَ على هَذَا النَّحوِ :
" صَبَاحَ يوم ِجُمْعَةٍ , قريبٍ
سَيدخُلُ مِسْمَارٌ صغير ٌفي إحْدَى إطارَاتِ "مِيكروباصٍ" ,
وَ يُفْسِدُ موعدًا غراميًّا لمراهِقَةٍ
كذََبَتْ على أمِّهَا !!
سَيُغيِّرُ سَائقُ الميكروباصِ الطَّيب ِعجلتَهُ المثقوبَةَ رَاضِيًا
بينمَا رَجُلٌ , في المقعَدِ الخلفيِّ , يُفكِّر ُ
في مَدَى مَسْئوليَّةِ الحكومَةِ عَنْ أحْدَاثٍ كهذِهِ
جَرَتْ في (عينِ شمسٍ)
لا أحَدَ إطلاقًا
سَيَلْمَحُ الورقَةَ المطويَّةَ , فئَة المئةِ دولارٍ ,
أسْفَلَ العَجَلَةِ غيرِ المثقوبَةِ
فَقَطْ .......
العجوزُ الَّذي وَهَنْ بَصَرُهُ
سَيَتأخَّرُ قليلاً عَنْ موعدِ انْهيارِ منزلِهِ .
وَسَأسْتغِرقُ أنَا , تمامًا , مَعَ صَوتِ فيروز
عَبْر راديو( توشيبا) صَغيرٍ .
وَالبنتُ ذَاتَ البلوزَةِ الزَّرقاءِ , وَالملامِحِ الأجْنَبيَّةِ ,
ستتُابِعُ ولدًا يبيعُ المناديلَ في الإشَارَةِ
فإذَا مَا وَضَعَ بضاعَتَهُ على الرَّصيفِ ,
وَانْحَنَي قليلاً
يُسَوِّي شَعْرَهُ في مِرآةِ سَيَّارَةٍ وَاقفَةٍ يمينَ الشَّارعِ
هَمَسَتْ فَرْحَانَةً :
"أوووه , جميلٌ وَاللهِ ,
اشْكُروا صَاحِبَ السَّيَّارَةِ رَقم 5620 – ملاَّكي الجيزَة "

هَذَا
بينَمَا مُرَاسِلُ (الواشِنْطُن بُوست )
يدخُلُ في شَارعٍ جَانبيٍّ
لا لشَيءٍ
سِوَي أنَّهُ لم يَدْخُلْ فيْهِ مِنْ قبلُ !!! ."(21)
وَانطلاقًا مِنْ جماليَّاتِ التَّفاصِيلِ المعِيْشَةِ , يجنَحُ الشَّاعرُ – أحْيانًا إلى اعْتِمَادِ النِّسبيِّ طريقًا إلى المطْلَقِ ؛ لتكونَ الأشْيَاءُ الصَّغيرَةُ طريقًا إلى الأشْيَاءِ الكبيرَةِ , كَمَا في قَوْلِ محمود خير الله (1972-) :
"في حَسْرَتي الأولي
وَقَفْتُ أمَامَ " ممح"
رَفَعَ قبضتَهُ قويَّةً إلى الجدَارِ
قابضًا ملابسَ طفلٍ أنَا دَاخِلهَا
وَدَعَكني قليلاً بالحائِطِ
فيْمَا النَّاسُ يبتسمونَ
رَفَعَني أثقالاً مُبْدًِيا عَضَلةً
فَصَرَخَ طربًا مُنَاصِرُوه المطِيعونَ ,
صِرْتُ أكْرَهَ الجدرانَ الَّتي تَضْغَطُني بقبضَةِ " ممح ."(22)
إنَّ انْبثَاقَ الحقيقَةِ الكُلِّيَّةِ ؛ (كَرَاهِيَةِ الجدْرَانِ) , قَدْ جَاءَ في تَضَاعيفِ الموقِفِ الحيَاتيِّ المعِيشِيِّ, بتفاصِيلِهِ الصَّغيرَةِ الحيَّةِ . إنَّ بلاغَةَ التَّفاصِيلِ اليوميَّةِ المعِيشَيَّةِ , رَكَّزَتْ على وجُودِ الشِّعرِ في تفاصِيلِ الحيَاةِ اليوميَّةِ , وَكَشَفَتْ عَنْ مجازَاتِ الحيَاتيِّ , وَبَلاغَةِ الوَاقِعِ المعِيشِيِّ ..

-2-3-
أسْطَرَةُ المَعِيشِيِّ وَالمَكانِيِّ

مِنْ تفاصِيلِ الوَاقِعِ المعِيشِ البَسِيطِ , جَنَحَ بَعْضُ شُعرَاءِ القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ , إلى تَشْكيلِ أسْطورَةٍ شِعريَّةٍ بَسِيطَةٍ وَدَالةٍ ؛ وَمِنْ هَؤلاءِ الشُّعَرَاءِ : محمَّد صَالح ؛ الَّذي عَكَفَ على التَّفاصِيلِ المكَانيَّةِ الخاصَّةِ , وَالميثولوجيَا الرِّيفيَّةِ ؛ لِيُشَكِّلَ مِنْهَا – في ديوانِهِ : حَيَاة عَاديَّة – عِدَّةَ نُصوصٍ شِعريَّةٍ , تَتَمَثَّلُ فيْهَا : أسْطَرَةُ المعِيشِيِّ المصْريِّ الخالِصِ , كَمَا في هَذا النَّصِّ :
"أتذكَّرُ أنَّني على سَطْحِ دَارنَا
أضَعُ فُتَاتَ الخُبزِ في المَاءِ
وَأرْعَى جَرْوي
عِنْدَمَا خَطَرَ لي
أنْ أعُودَ إلى دارِ جدَّتي
نَزَلتُ السُّلمَ الطِّينيَّ القَصِيرَ
إلى الفناءِ الصَّغيرِ
غير ِالمسْقوفِ
كَانَ البابُ مُوْصَدًا كَمَا تركنَاهُ
وَكَانَتْ الدَّارُ مهجورَةً
وَكَانَتْ الشَّمسُ إلى الغربِ
وَظِلُّ البَابِ
رصاصٌ رائقٌ
وَفي مُوَاجَهتي
خَمْسُ جِرَارٍ مثقوبَةٍ
مُعَلَّقةٍ على عقدِ البَابِ
بحبالٍ
وَمَسَامير َ
وَأوْتَادٍ
وَقَدْ بَاضَ فيْهَا اليَمَامُ ."(23)
عَبْرَ التَّفاصِيلِ الرِّيفيَّةِ , المعِيشِيَّةِ الحمِيميَّةِ , تَشَكَّلَتْ - في خِتَامِ النَّصِّ – القُدْرَةُ على مجابهةِ الفَنَاءِ ؛ ففي البَيْتِ المهجورِ , سَتدبُّ حَيَاةٌ جَديَدَةٌ ؛ تَتَمَثَّلُ في بَيْضِ اليَمَامِ , مَكَانَ الحمَامِ الَّذي كَانَ يُربَّى في الدَّارِ , هَذِهِ الحيَاةُ القَادمَةُ , ربَّمَا سَتَكونُ – كَذَلكَ – حَيَاةُ الطِّفلِ – صَاحِبِ السَّردِ وَالتَّبئيرِ هُنَا – وَعَبْرَ هَذِهِ التَّفاصِيلِ المعِيشَةِ , تَشَكَّلَتْ هَذِهِ الأسْطورَةُ الرِّيفيَّةُ المعِيشَةُ .
وَمِنْ التَّفاصِيلِ الرِّيفيَّةِ المصْريَّةِ , وَمخيالِ السَّاردِ الرِّيفيِّ الصَّغيرِ , وَعَبْرَ سَرْدٍ اسْتذكاريٍّ، يَنْزَعُ إلى البرَاءَةِ ذَاتهَا , يقولُ عماد أبو صَالح ، في نصِّهِ " أمِّي برمِيْلُ الدَّمعِ " :
"في أيَّامِهَا الأخِيرَةِ
ابيضَّ شَعرُهَا كالقُطْنِ تمامًا
وَكَانَ علينَا أنْ نتبادَلَ نوبَاتُ حِرَاسَتِهَا
لِنُفْزِعَ العَصَافير َ
الَّتي تحطُّ مِنْ النَّوافذِ
وَتَصْنَعُ منْهُ أعْشَاشَهَا
كَانَ علينَا أيضًا
أنْ نربِطَ لهَا يدَهَا
بشَريطٍ في رَقَبتِهَا
بَعْدَ أنْ صَارَتْ مَعْرُوقَةً
كَجِذْرِ شَجَرَةٍ
حَتَّى لا تنتهِزَ أقْرَبَ فُرْصَة
وَتَتَشَبَّثُ بالتُّرَابِ ." (24)

-2- 4-
الانفتاحُ على جَماليَّاتِ وَآليَّاتِ الأنْوَاعِ الأدبيَّةِ وَالفنِّيَّةِ المُخْتلِفَةِ

انْفَتَحَتْ حدودُ النَّصِّ الشِّعريِّ النَّثريِّ المصْريِّ الجديد , على شَتَّى آليَّاتِ الأنْوَاعِ الأدبيَّةِ وَالفنِّيَّةِ (25) ؛ وَتحديدًا على آليَّاتِ السَّردِ , وَآليَّاتِ الأدَاءِ السِّينِمَائيِّ , وَقَدْ جَاءَ احْتِفَاؤهَا بآليَّاتِ السَّردِ ؛ لِلتَّخلُّصِ مِنْ هَيْمَنَةِ المجازِ البَلاغِيِّ الجزئِيِّ , وَمِنْ تَشْكيلاتِهِ اللغويَّةِ الكِيميَائيَّةِ , كَمَا جَاءَ احْتِفَاؤهَا بآليَّاتِ الأدَاءِ السِّينِمَائيِّ تأكيدًا على تخلِيْصِ التَّصويرِ, مِنْ آليَّاتِ الصُّورَةِ البَلاغِيَّةِ , الاسْتِعَاريَّةِ تحديدًا , مَعَ الاسْتِفَادَةِ مِنْ طَاقَاتِ الكِنَايَةِ وَمِنْ بنيَةِ المفَارَقَةِ , أصْبَحَتْ الصُّورَةُ بَصَريَّةً , مَشْهَديَّةً , كَمَا هِيَ في الوَاقِعِ المعِيشِ , وَبَرَزَ اهْتِمَامٌ لافِتٌ باكْتِشَافِ الشِّعرِ في تَفَاصِيلِ المعِيشِيِّ المنظورِ , كَمَا اتَّضَحَتْ الاسْتِفَادَةُ مِنْ طَريقَةِ (تحريْكِ الكامِيرَا) لإنتَاجِ صُورَةٍ مُكبَّرَةٍ , وَعَامَّةٍ , كَذَلكَ ظَهَرَتْ آليَّةُ المونتاجِ , في التَّعَامُلِ مَعَ الصّورِ.. وَنَسْتَطِيْعُ أنْ نَرْصُدَ هَذَا الأدَاءِ , عَلى محورَيْنِ رَئِيْسَينِ :

-1-
شِعريَّة التَّقريرِ السَّرديِّ

يُعَدُّ التَّشْكِيلُ السَّرديُّ أحَدَ أبْرَزِ الآليَّاتِ الشِّعريَّةِ , في القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ الجديدِ , وَقَدْ شَدَّدَ شَاعرُ القَصِيدِ النَّثريِّ , على اسْتِنفَادِ آليَّاتِ الأدَاءِ السَّرديِّ شِعريًّا , ممَّا قَادَهُ إلى أخْطَرِ المنَاطِقِ النَّثريَّةِ , وَفيْهَا دَفَعَ بالأدَاءِ التَّقريريِّ – الأقْرَبِ إلى لُغَةِ الصِّحَافَةِ – ؛ لِيَعْمَلَ – شِعريًا – في تَشْكِيْلِ الكُتْلَةِ النَّصِّيَّةِ الشِّعريَّةِ الكَامِلَةِ , تَشْكِيلاً سَرْدَشِعريًّا مُتدفِقًا , وَمِنْهُ هَذَا النَّصُّ :" أجِنَّةٌ تنظرُ بعيْنِ الطَّائرِ" , لمحمَّد متولي (1970-) :
" لا تَنْتَظِرُوا عِنْدَ قدومِنَا أكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الصَّرخَةِ في وَجْهِ عَالمِكُمْ المشْبَعِ بالأحْقَادِ وَالكَوَارِثِ الطَّبيعيَّةِ , تِلْكَ الصَّرخَةُ الخامُ الَّتي تَخْتَصِرُ كيانَنَا المبذولَ مِنْ أجْلِهَا .
" سَئِمْنا أحَاديثَ الأمَّهاتِ عنْ الشُّوبنج وَخُطوطِ الموضَةِ وَفَضَائحِ الليلةِ السَّابقةِ مَعَ الرِّجالِ الخِصْيَانِ حِيْنَ تكتشِفُ في عيَادَاتِ الأطبَّاءِ النَّفسِيِّينَ وَشَديدي الإثارَةِ وَنحنُ مُلقونَ على عَربَةٍ في رُكنِ الغُرفَةِ المهيَّاةِ للمُدَاعَبَاتِ البريئَةِ في إضَاءَةٍ خَافِتَةٍ عَادةً مَا يَنْسَانا الأبُ هَكَذا وَيبدَأ في إفرازِ ذكورتِهِ على جِسْمِ الأمِّ المريحِ وفي لعْقِ حَلمَاتِهَا الشَّهيَّةِ بلا خَجَلٍ منْ كبرِ سِنّهِ , فنبدأ في الصّراخِ , وَحِيْنَ ذَهَبْنَا إلى الجامِعَةِ وَدَرَسْنَا فرويد أقَمْنَا الحجَجَ القويَّةَ على مَوَاقِفِنَا وَأيَّدْنَاهَا بالدِّراسَاتِ غيرَ أنَّنَا عِنْدَهَا لم يَعُدْ لدينا طَاقَةٌ على الصّراخِ وَلا رَغْبَةٌ في جِسْمِ الأمِّ المتَهَالِكِ .
كمْ سَئِمْنَا اللعبَ البَلْهَاءَ المقصودَ بها تَسْليتِنَا وَإلهاؤنَا عنْ سَمَاعِ الأحَاديثِ "الجادَّةِ" عَنْ حَرْبِ فِيتنام مثلاً , فنحنُ يمكنُنَا أنْ نُشَكِّلَ ببرازِنَا مَا تَعْجَزُ عَنْهُ مُكعَّبَاتُ الليجو , وَخَيَالُنَا أوْسَعُ كثيرًا مِنْ أحَاديثِ الجدَّاتِ وَالقصصِ المجسَّمَةِ وَأفلامِ الكارتونِ . صَارَ كلٌّ مِنَّا لُعبَةً في حَدِّ ذَاتِهِ , نبلةً تَصْطَادُ الغِرْبانَ وَأرْدَافَ سَيِّدَاتِ المجتمَعِ (في مَرْحَلةٍ مُتَقَدِّمَةٍ ) أوْ عِفْريت عُلْبَةٍ يقفِزُ في وَجْهِ عَفَاريتِ الجدَّاتِ الخرْقَاوَاتِ , وَمَا العَمَلُ وَنَحْنُ أطْفَالُ البوسْتِ مُودرنيزم وَعَلَيْنَا أنْ نرفُو ثِيَابَ مُودرنيزمنا المهترئَةِ فَنَظْهَرُ في إعْلاناتِ البيبسي وَالنِّيدو بَيْنَ البَالوناتِ وَالمهرِّجينَ وَعَلى وَجْهِنَا ابْتِسَامَةٌ مُزيَّفَةٌ لإرْضَاءِ الذَّوقِ العَامِّ الَّذي سَيُمْطِرُنَا بالشِّيكولاتَه وَيُرَبِّت على ظهورِنَا بأكفٍّ غَليظَةٍ .
" نحْنُ satellite – dish babies نَبَتَتْ لَدَيْنَا قُرونُ اسْتِشْعَارٍ لِتَمْييزِ أصْدِقائِنَا في الظُّلمَةِ , وَلَنَا الحِكْمَةُ الكافيَةُ لإرْجَاءِ الخلافاتِ مَعَ الأطْفَالِ الفَاشِيّينَ الَّذين يَشْنِقُونَ القِطَطَ وَالشَّواذِ وَالزِّنوجِ وَمُصَابي الإيدز , لنَا الأجْنِحَةُ الكافيَةُ لِلْفِكاكِ مِنْ وَاقِعِيَّتِكُمْ المفرِطَةِ , الأجْنِحَةُ القَادِرَةُ على تطييرِ وَلَوْ مَنْزِلٍ وَاحِدٍ بينَ صُفوفِ البيوتِ الكئيبَةِ الَّتي تنامُ لِتَحْلُمَ بمأساتِهَا كُلّ ليلةٍ على إضَاءَة ٍخَافِتَةٍ ."(26)
إنَّ الشَّاعِرَ, هُنَا, يماهِي بَيْنَ الحِكائِيِّ وَالغِنَائِيِّ, وَالوَقَائِعِيِّ وَالاسْتِبْطَانيِّ, في تَدَفُّقٍ سَرْدِيٍّ , منولوجِيٍّ , حُرٍّ, تهيمِنُ عليْهِ شِعريَّةُ التَّقريرِ ، في خِطَابٍ شِعريٍّ يَكْشِفُ عَنْ مَوقِفِهِ مِنْ النَّصِّ الشِّعريِّ الأبويِّ .

-2-
شِعريَّةُ الصُّورَةِ البَصَريَّةِ المَشْهَدِيَّةِ

لَقَدْ تحوَّلَ مَفْهُومُ الصُّورَةِ الشِّعريَّةِ مِنْ مَفْهومٍ ذِهْنيٍّ إلى مَفْهومٍ بَصَريٍّ ؛ فَتَخَلَّى تَدْرِيجيًّا عَنْ مجَازِ الابتكَارِ البَلاغِيِّ إلى مجَازِ الصُّورَةِ المتَعَيَّنَةِ في الوَاقِعِ ؛ مُسْتَفِيدًا مِنْ بَلاغَةِ الصُّورَةِ السِّينِمَائيَّةِ , وَمِنْ مَشْهَدِيَّةِ التَّفاصِيلِ المعِيْشَةِ الحيَاتيَّةِ , وَمِنْ هَذَا الأدَاءِ قَوْلُ كريم عبد السَّلام (1967 -) في نَصِّهِ الطَّويلِ :" كِتاب الخُبْزِ " :
"وَاصَلَ الرَّضِيعُ صُرَاخَهُ
غَيْرَ عَابىءٍ بالعِيونِ الَّتي تحدِّقُ فيْهِ ,
وَلا بالهمْهَمَاتِ الَّتي تُطَالِبُ بإبْعَادِهِ
أخْرَجَتْ الأمُّ ثديْهَا , وَجَلَسَتْ على الأرْضِ تُطْعِمُهُ
فَتَرَكَتْ النِّسَاءُ الصَّفَ أمَامَ المخْبَزِ ليَحْجُبْنَهَا عَنْ العيونِ
وَفَازَ الرِّجالُ بأدْوَارٍ إضَافيَّةٍ
النِّسْوَةُ جميعُهُنَّ
المرْأةُ الَّتي لم تُنْجِبْ
وَأمُّ البنينَ الخمْس ,
مَنْ انْقَطَعَ طَمْثُهَا
وَالبِنْتُ الَّتي لم تَتَزَوَّجُ بَعْدُ
كنَّ يُشَاهِدْنَ , في حَلْقَتِهِنَّ الضَّيقَةِ
كَيْفَ يلتقِمُ الصَّغيرُ الجائعُ الثَّديَ المعْرُوقَ
وَكَيْفَ يَبْتَلِعُ طَعَامَهُ في جُرُعَاتٍ مُنْتَظِمَةٍ
وَيَتَعَرَّقُ جَبِيْنُهُ
كَيْفَ تَتَأرْجَحُ كفُّهُ الصَّغيرَةُ الَّتي تُلامِسُ ثَدْيَ أمِّهِ
وَيَرْتَخِي جِفْنَاهُ وَيروحُ في نُعَاسٍ هَانيءٍ ,
قَبْلَ أنْ تنهَضَ الأمُّ وَرفيقاتُهَا المبتسِمَاتُ
لِيُعَوِّضْنَ مَا فاتَهُنَّ منْ أدْوَارِ الخُبْزِ. "(27)
إنَّ السَّرديَّ يَتَوَاشَجُ مَعَ البَصَريِّ , هُنَا ؛ لِيُقدِّمَ خِطَابًا شِعريًّا يَنْهَضُ عَلى السَّردِ البَصَريِّ , وَعَلى جماليَّاتِ الصُّورَةِ السَّرديَّةِ .

-2-5-
الكَشْفُ عَنْ شِعريَّةِ المُهَمَّشِ وَالمُبْتَذَلِ وَالمَنْسِيِّ

جَاءَ الكَشْفُ عَنْ شِعريَّةِ المهَمَّشِ وَالمبتَذَلِ وَالمنْسِيِّ جُزْءًا أسَاسِيًّا مِنْ مَشْرُوعِ القَصِيدِ النَّثريِّ(28) الجديْدِ , في مَشْهَدِ مَا بَعْدَ الحداثِيِّ , وَقَدْ بَرَزَتْ هَذِهِ الشِّعريَّةُ في أعْمَالِ العَديْدِ مِنْ شُعَرَاءِ القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ الجديْدِ ؛ وَمِنْهُمْ : إيهاب خَليفة ؛ الَّذي عَكَفَ عَلى الكَشْفِ عَنْ شِعريَّةِ الأشْيَاءِ المهْمَلَةِ , وَالمبتَذَلة , عَلى نحوٍ وَاضِحٍ ؛ فَكَتَبَ شِعْرًا عَنْ الصَّراصِيرِ , وَكِيْسِ القِمَامَةِ , وَالأحْذِيَةِ وَالمقَشْاتِ , وَالتُّوك تُوك . وَمِنْهُمْ كَذَلِكَ : البَهَاء حسين ؛ الَّذي كَتَبَ دِيوانَهُ: نَصّ الكِلاب , وَجَعَلَ فيْهِ الكِلابَ دالاًّ مَرْكَزيًّا في نصوصِهِ ، وَمِنْهُمْ كَذَلِكَ كريم عبد السَّلام ؛ الَّذي رَكَّزَتْ تجربتُهُ على عَوَالمِ المهَمَّشِينَ , وَالفُقَرَاءِ في الأحْيَاءِ الشَّعبيَّةِ , وَفي مَنَاطِقِ القبورِ , وَمِنْهُمُ كَذَلِكَ محمود قرني ؛ الَّذي يبدو لََديْهِ احْتِفَاءٌ وَاضِحٌ بِالأحْيَاءِ الشَّعبيَّةِ , وَالطُّقوسِ الشَّعبيَّةِ .
وَقَدْ عَكَسَتْ جماليَّاتُ القُبْحِ خصوصِيَّاتٍ وَشُخوصًا , وَبِيْئَاتٍ , وَكَائناتٍ , وَعِلاقَاتٍ , وَحَيَوَاتٍ , وَطقوسًا خَاصَّةً , في البِيْئَاتِ الشَّعبيَّةِ المصْريَّةِ الفقيرَةِ وَالمهَمَّشَةِ .
يَتَبَدَّى البَشَرُ في تفاصِيلِ حَيَوَاتهِمْ الخَاصَّةِ , وَالميثولوجيا الشَّعبيَّة المحيطَة بهِمْ , عَلى النَّحوِ الَّذي يُمْكِنُ رَصْدُهْ لَدَى كريم عبد السَّلام , في بنى حِكَائيَّةٍ , يُهَيْمِنُ عَليْهَا السَّردُ البَصَريُّ ؛ الَّذي يُشَارفُ تخومَ السَّردِ الشَّعبيِّ , كَقَولِهِ :
" اسْمُهُ سليم عبد الشَّافي , وَيَعْمَلُ حَدَّادًا
سِتَّة أيَّامٍ في الأسبوعِ , يُطَوِّعُ المعْدَنَ
وَفي يومِ الجمعَةِ , يَسْتَيْقِظُ مَعَ الآذانِ
يحبُّ النِّسَاءَ البدِينَاتِ , وَلا يخافُ إلاَّ خَالِقَهُ
كُلُّ حَصَادِهِ : وَلَدَانِ وَبِنْتٌ
يَسْألُهُمْ : ممَّنْ تخافونَ ؟
فَيُجِيبونَهُ :لا أحَدَ إلاَّ الله .

يا "ثليم "
يُنَادِيْه ابْنُهُ الأصْغَرُ
فَيَضْحَكُ مِنْ لُغَةِ الطّفولَةِ المثقُوبَةِ ,
وَيَهْتَزُّ بطنُهُ الكبِيرُ .

في أمْسِيَاتِ الصَّيفِ
تحكِي الأمَّهَاتُ عَنْ ذِئْبٍ
سُمِعَ عُواؤهُ في الحيِّ ,
وَاخْتَفَى مُصْطَحِبًا أقْوَى الإناثَ مِنْ الكِلابِ
بَعْدَ شهورٍ , عَادَتْ الأنثى هَزيلَةً مَنْهُوشَةً
وَرَاءَهَا جَرْوٌ وَاحِدٌ
صَارَ فيْمَا بَعْد الذِّئبةَ الصَّفرَاءَ
الَّتي تُخِيفُ حَيَّنَا .

تخْتَفِي ثمَّ تظْهَرُ وَحَوْلَهَا خَمْسَةُ جِرَاءٍ أوْ سِتَّةٌ
صَفْرَاءُ وَسَوْدَاءُ وَمُرَقَّطَةٌ
, مِنْ ألوَانِ الجِرَاءِ , نُخَمِّنُ مَاذَا كَانَ لونُ الذَّكرِ
شَرِيكِهَا .
حِيْنَ تَغِيْبُ , يلهو العِيَالُ حَتَّى آخرِ الليْلِ
تحتَ أعْمِدَةِ , الكُهْرُبَاءِ وَحَوْلَ أكْوَامِ القِمَامَةِ المشْتَعِلَةِ
تذهَبُ الأمَّهاتُ إلى السُّوقِ , وَيَرْجِعْنَ بلا شَكْوَى.

بعودتِهَا يحتلُّ جِرَاؤهَا الشَّارعَ
وَهِيَ تحرسُهُمْ
الآباءُ يَدُورونَ مِنْ حَارَاتٍ جَانبيَّةٍ
حَتَّى يَصِلُوا إلى أعْمَالهِمْ ."(29)
ثمَّةَ حضورٌ وَاضِحٌ لِلْحَارَةِ الشَّعبيَّةِ المصْريَّةِ , بشخوصِهَا , وَحَيَوَاتهِمْ الخَاصَّةِ , وَكِلابِ الشَّوَارِعِ , وَلَعِبِ الأوْلادِ في الشَّوَارِعِ , في أدَاءٍ يُقَاربُ هَذِهِ الحيَاةَ الشَّعبيَّةَ , وَهَذَا الطَّقسَ الحياتِيَّ المعِيْشِ .

-2- 6-
تأسِيْسِ لُغَةٍ شِعريَّةٍ جَدِيدَةٍ

تخفَّفَتْ اللغَةُ الشِّعريَّةُ , في هَذَا الخِطَابِ الشِّعريِّ الجديْدِ , مِنْ حمولتِهَا التَّشفيريَّةِ وَتَشْكيلاتِهَا اللغَويَّةِ وَالمجازيَّةِ , وَجَنَحَ الأدَاءُ اللغَويُّ إلى تَدَفُّقِ السَّردِ , وَسِيولتِهِ , وَالالتِحَامِ بِالحيَاةِ اليَومِيَّةِ المعِيْشَةِ , وَالتَّداوليَّةِ , وَالنَّزعَةِ الشِّفاهِيَّةِ , وَالحِيَادِ اللغَويِّ , وَكَمَا تمثَّلَتْ المصْريَّةُ في حُمُولاتٍ ثقافيَّةٍ وَمَكَانيَّةٍ , تَبَدَّتْ في تَفَاصِيل حَيَاتيَّةٍ , وَوَقَائِعيَّةِ الحدَثِ اليَومِيِّ , في الشَّوَارِعِ وَالميَادِين وَالمقَاهِي وَالأحْيَاءِ الشَّعبيَّةِ وَالاحْتِفَاءِ بِطقوسٍ خَاصَّةٍ ؛ كَالموَالِدِ الشَّعبيَّةِ , وَالالتِحَامِ الكَامِلِ بِالوَاقِعِ المعِيْشِيِّ , تمثَّلَتْ أيضًا في أدَاءٍ لُغَويٍّ , يَتَخَفَّفُ مِنْ المعْجَمِيَّةِ , وَمِنْ التَّشكِيلاتِ المجازيَّةِ , وَيَنْفَتِحُ عَلى بَلاغَةِ السَّردِ الجدِيدَةِ ؛ الَّتي تَتَوَاشَجُ فيْهَا آليَّاتُ السَّردِ وَالسِّينِمَا مَعًا , وَالتَحَمَ الأدَاءُ اللغَويُّ بالأدَاءِ الشِّفَاهِيِّ التَّداوليِّ السَّيَّالِ , وَتَشَكَّلَ بوعيٍ شِفَاهِيٍّ مِصْريٍّ خَالِصٍ , سَعيًا إلى الالتِحَامِ الحمِيمِ بالوَاقِعِ , وَكَمَا أصْبَحَ الشِّعرُ في الحيَاةِ , أصْبَحَتْ لغتُهُ لُغَةَ الحيَاةِ المعِيْشَةِ , وَقَدْ تَبَدَّتْ خُصوصِيَّةُ الأدَاءِ اللغَويِّ , في القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ الجديدِ , عَلى المحاورِ الآتيَةِ :

-2-6-1-
مُحَاكاةُ الأدَاءِ الشِّفاهِي المِصْريِّ

وَقَدْ تجسَّدَتْ هَذِهِ المحاكَاةِ في اعْتِمَادِ أبنيةٍ أسلوبيَّةٍ شِفَاهِيَّةٍ وَتَدَاوليَّةٍ , يَتَمَاهَىَ فيْهَا الأدَاءُ اللغويُّ , مَعَ الأدَاءِ الشِّفاهِيِّ التَّداوليِّ , في خُروجٍ وَاضِحٍ عَلى فَصَاحَةِ الأدَاءِ إلى جماليَّاتِ اللهجَةِ المصْريَّةِ الحديثَةِ ؛ لإنتَاجِ نَبْرَةٍ مِصْريَّةٍ خَالِصَةٍ , في الخِطَابِ الشِّعريِّ الجديدِ , لِلْقَصِيدِ النَّثريِّ , يُمْكِنُ مُلاحَظتُهَا في قَوْلِ عَلي منصور :
"ضَيَّعْنَا , الكنوزَ , وَاللهِ , يَا أصْدِقَاءُ .
انْظُروا
مَا الَّذي قَدْ جنينَاهُ , إذاً آخر الأمْرِ
وَمَا الَّذي سَوْفَ نفعلُهُ غَدًا
لم تكُنْ الطَّريقُ مَسْدُودَةً , هَكَذَا,
مِنْ تِلْقَاءِ ذاتِهَا
وَلا كَانَتْ عَلى هَذَا النَّحوِ مِنْ الظُّلْمَةِ
أتذكُرونَ
حِيْنَ بَدَأنا السَّيرَ فيْهَا
كَمْ كَانَ مَعَنَا مِنْ الشَّتلاتِ ؟
مَعَ هَذَا
يُمْكِنُ أنْ نَدْفَعَ بِالحسَنَةِ السَّيئَةَ
يَا أصْدِقَاءْ ."(30)
, كَمَا يُمْكِنُ مُلاحَظتُهَا في قَوْلِ ياسر شعبان (1969 -) ، في نَصِّ بعنوَانِ : مَرَّةً أخْرَى لجلِ خَاطِرِي :
" أنَا لا أهَزّرُ
فَلا تقفِي طِوالَ النَّهَارِ في المطْبَخِ
وَلا تمسَحِي يديْكِ في جِلْبَابِكِ
وَاللهِ أنَا مخنوقٌ
فَلِمَاذَا لا تُغنِّينَ وَأنْتِ تَعْمَلِيْنَ ؟
وَأيْنَ قُمْصَانُ النَّومِ ؟
وَابتسامَتُكِ وَرَائِحَةُ عَرَقِكِ الممزوجَةِ تمامًا
برائِحَةِ أحبُّهَا
لأجْلِ خَاطِري
اجْلِسِي مَرَّةً جِوَاري
وَاجْذبي قَمِيصَكِ حَتَّى فَخْذَيْكِ
وَاضْغَطِي برُكْبتِكِ العَاريَةِ عَلى فَخْذِي
وَاسْألِيْني : مَاذَا بِكَ ؟." (31)


-2- 6- 2-
إيثَارُ المُفْرَدَاتِ الشَّعبيَّةِ الأنيسَةِ عَلى المُعْجَمِيَّةِ غَيْرِ المَعِيْشَةِ

لمْ يَقْتَصِرْ الخِطَابُ الشِّعريُّ المصْريُّ الجديْدُ , في القَصِيدِ النَّثريِّ , عَلى اعْتِمَادِ اللغَةِ التَّداوليَّةِ المعِيْشَةِ , بَلْ جَنَحَ الأدَاءُ اللغَويُّ - أحْيَانًا- إلى تَغْلِيْبِ الدَّلالَةِ الحيَاتيَّةِ المعِيشَةِ المعَاصِرَةِ , عَلى الدَّلالَةِ المعْجَمِيَّةِ القَديمةِ, كَمَا في قَوْلِ عَلي منصور :
" الجميلةُ الَّتي لمْ تَكَدْ تَفْرغُ مِنْ بَخِّ عِطْرِهَا
خَلْفَ الأذُنينِ ,
كَشَّرَتْ في وَجْهِي ."(32)
حَيْثُ غَلَّبَ الدَّلالَةَ المعِيْشَةَ المعَاصِرَةَ لمفرَدَةِ كَشَّرِ ؛ لِتَعْنِي التَّجَهُّمَ وَالعُبُوسَ , عَلى الدَّلالَةِ المعْجَمِيَّةِ القَديمَةِ ؛ الَّتي ارْتَبَطَتْ بِتَكْشِيرِ الأسَدِ ؛ أيْ إظْهَارِ أسْنَانِهِ لِلْفَرِيْسَةِ قَبْلَ افترَاسِهَا .

-2-6-3-
بِنَاءُ الأسلوبِ الشِّفاهِيِّ , بمَا يُخَالِفُ – أحْيانًا - البنَاءَ القاعِديَّ

لَقَدْ جَاءَ انحيازُ الأسلوبِ إلى شِفَاهِيَةِ الأدَاءِ , التِحَامًا بِالحدَثِ المعِيْشِيِّ , مخالِفًا – في بَعْضِ الأحْيَانِ - قَوَانينَ بنَاءِ الأسلوبِ القَاعِديِّ , وَمِنْهُ قَوْلُ عَلي منصور :
"البِنتُ الَّتي لمْ صَلَّتْ , طِوَالَ سَنَوَاتِ عُمْرِهَا الثَّلاثِيْن ."(33)
حَيْثُ أعْقَبَ (لمْ ) بِفِعْلٍ مَاضٍ ؛ مُخَالِفًا قاعدتهَا الَّتي تُدْخِلُهَا عَلى الفِعْلِ المضَارِعِ , فَتَجْزِمُهُ .

-2-6-3-
حِياديَّةُ الأدَاءِ اللغَويِّ

يَتَخَفَّفُ الأدَاءُ اللغَويُّ – في القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ الجديْدِ – مِنْ النَّبرَةِ العَاطِفيَّةِ المرتفِعَةِ , وَيَجْنَحُ إلى الأدَاءِ اللغَويِّ الحيَاديِّ ؛ الَّذي يُحَافِظُ عَلى حِيَاديَّتِهِ , وَخُفُوتِ نَبْرتِهِ , حَتَّى وَهُوَ يُجَسِّدُ مَوَاقِفَ غيرَ حِيَاديَّةٍ , وَمِنْهَا مَوَاقِفُ تَكْشِفُ عَنْ حَالاتِ الألمِ البَاهِظِ في التَّجربَةِ , إلاَّ أنَّ الأدَاءَ يأتي حِيَاديًّا خَافِتًا , وَقَدْ سَاعَدَ عَلى هَذِهِ الحيَادِيَّةِ النُّزوعُ إلى السَّرديَّةِ وَالمشْهَدِيَّةِ , كَمَا في قَوْلِ أحمد طه (1948-) :
"المقْهَى الَّذي فقدتُكِ فيْهِ للمرَّةِ الأولى
وَكُلَّمَا مَرَرْتُ عليْهِ
أرَى كُرْسِيًّا وَحِيْدًا
تجلِسُ عليْهِ امْرَأةٌ مِثْلُكِ تمامًا
وَإنْ كَانَتْ أصْغَرَ قليلاً
لهَا نَفْسُ الملابِسِ
بِألوَانٍ لَيْسَتْ سَوْدَاء
وَعِنْدَمَا أوْمَأتُ إليْهَا بالتَّحِيَّةِ
مُرَدِّدًا اسْمَكِ
لمْ أرَهَا مَرَّةً أخْرَى
أبدًا .
بَعْدَ خَمْسَة عَشَر عَامًا
عِنْدَمَا مَرَرْتُ بذلِكَ المقْهَى
في نَفْسِ الموْعِدِ بالضَّبطِ
نَظَرْتُ إلى الكُرسِيِّ وَهُوَ يُدَنْدِنُ بأغنيَةِ حُبٍّ كَانَتْ مَشْهُورَةً ."(34)


الخَاتِمَةُ

لَقَدْ شَكَّلَتْ قَصِيدَةُ النَّثرِ المصْريَّةِ خِطَابَهَا الشِّعريَّ الخاصَّ , في مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ الجدِيْدَةِ , بآليَّاتٍ تبنَّتْهَا تجاربُ عَدِيدَةٌ في مَطَالِعِ التِّسعينيَّاتِ , هَيْمَنَتْ عَلى مُجْمَلِ النُّصوصِ , وَشَكَّلَتْ تيَّارًا كَبِيرًا , مَنَحَ الشِّعريَّةَ المصْريَّةَ خصوصِيَّتَهَا , في مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ , وَتجدرُ الإشَارَةُ إلى تجربَةِ الشَّاعرِ وديع سَعَادة , في دِيوانِهِ : بسببِ غَيْمَةٍ عَلى الأرْجَحِ ؛ الَّذي صَدَرَ في بيروتَ , في وَقْتِ صدورِ أعْمَالٍ شِعريَّةٍ مِصْريَّةٍ عَديدَةٍ , تبنَّتْ الآليَّاتِ نفسِهَا , وَقَدْ مَارَسَتْ تجربَةُ سَعادة تأثيرَهَا عَلى العَديدِ مِنْ مَوَاضِعِ خَريطَةِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ ؛ بما فيْهَا الشِّعريَّةُ المصْريَّةُ (35) , كَمَا أثَّرَتْ حَرَكَةُ قَصِيدَةِ النَّثرِ المصْريَّةِ عَلى مَوَاضِعَ عَديدَةٍ , مِنْ المشْهَدِ الشِّعريِّ العَرَبيِّ , وَمِنْ أبْرَزِ التَّجَاربِ المصْريَّةِ الَّتي مَارَسَتْ تأثيرَهَا , في مَشْهَدِ القَصِيدِ النَّثريِّ المصْريِّ : تجربَةُ عَلي منصور , تجربَةُ أسَامة الدّناصُوري , تجربة محمَّد متولي , تجربة علاء خالد .






الهَوَامِشُ وَالإحَالاتُ

(1) رَاجِعْ كِتَابَنَا : (شِعْر النَّثر العَرَبيِّ , في القَرْنِ العَشْرين) , طبعة : دار أرابيسك , لِلنَّشر وَالتَّوزيع – القاهرة - 2010 – ص ص : 31- 98 .
(2) رَاجِعْ كِتَابَنَا: (آفاق الشِّعريَّةِ العَرَبيَّةِ الجديدَةِ في قَصِيدَةِ النَّثر) , طبعة : مركز الحضَارَة العَرَبيَّة – القاهرة - 2012 – ص : 56 .
(3) رَاجِعْ كِتَابَنَا : ( قَصِيدَة النَّثر) , طبعة : مركز الحضَارَة العَربيَّة – القاهرة – 2010- ص ص : 36 - 57 .
(4) إبراهيم داود – الشِّتَاءُ القَادِمُ – الهيئة المصْريَّة العَامة لِلْكِتاب – 1996 – ص : 48 .
(5) السَّابق – ص : 51 .
(6) السَّابق – ص : 53 .
(7) السَّابق – ص : 48 .
(8) عماد أبو صَالح – أنَا خَائِفٌ - د. ن – القاهرة – 1998 – نصّ : " جروبي " .
(9) عماد أبو صَالح – كَلْبٌ ينبحُ ليقتلَ الوَقْتَ – د. ن - القاهرة – يوليه 1996 – نصّ : " كَانُوا يُجَهِّزونَني لِلنّبوَّةِ " .
(10) فتحي عبد السَّميع – تمثالٌ رَمْليٌّ – كتابات جديدة ، العدد : 4 ، الهيئة العامة لِلْكتاب – 2012 – ص ص : 19 – 20 .
(11) فتحي عبد السَّميع – الموْتَى يقفزونَ مِنْ النَّافذَة – تجلّيات أدبية ، العدد : 13 ، الهيئة العامة لقصور الثَّقافة – 2014 – ص : 47 .
(12) أشرف العناني – صَحَرَاء احتياطيَّةٌ – شرقيَّات ، للنَّشر وَالتَّوزيع – القاهرة – 2012 – ص : 83 .
(13) السَّابق – ص : 58 .
(14) السَّابق – الصَّفحَةُ نفسُهَا .
(15) ياسين النَّصير – شِعريَّةُ الماء – كِتابات نقديَّة , العدد : 146 , الهيئة العامة لقصور الثَّقافة - 2004 – ص : 417 .
(16) إيماءً إلى قولِ ستيفن سبندر (1909- 1995) :" يجبُ أنْ تَتَوَفَّرَ لدَى الشَّاعرَ - قبْلَ أيِّ اعتبارٍ آخرٍ - الشَّجَاعَةُ الكافيَةُ لِلْمُحَافَظَةِ على وجودِهِ الذَّاتيِّ " , في كِتابِهِ :(الحيَاة وَالشَّاعر) , رَاجِعْ ترجمة محمد مصطفي بدوي – مكتبة الأسرة , الهيئة المصرية العامة لِلْكتاب – 2001- ص : 142.
(17) يُدِيْنُ مُصْطَلَحُ (شَخْصَنَةِ الخِطَابِ الشِّعريِّ) ، إلى محمد العبَّاس , في مُلاحظتِهِ , أنَّ " انشغالَ قَصِيدَةِ النَّثرِ بقاموسٍ بَسِيطٍ وَشَديدِ الصِّلَةِ بالمحيطِ الاجتِمَاعيِّ , وَالتَّعالُقُ باليومِيُّ وَالمعِيشِيُّ يقودُ إلى شَخْصَنَةِ الخِطَابِ الأدبيِّ " , رَاجِعْ كِتابَهُ : (ضِدّ الذَّاكِرَة ... شِعريَّة قَصِيدَةِ النَّثرِ) – المركز الثَّقافي العَرَبي – الدَّار البيضاء , المغرب / بيروت -2000- ص : 119.
(18) أحمد يماني – شَوَارعُ الأبيضِ وَالأسْوَدِ – د.ن – 1995- ص : 25 .
(19) ياسر عبد اللطيف – ناسٌ وَأحْجَارٌ – د.ن – 1995-ص : 45 .
(20) ياسين النَّصير – شِعريَّة الماء – سَابق – ص : 385 .
(21) علي منصور – ثمَّة مُوْسِيقى تَنْزِلُ السَّلالم – دار شرقيَّات , لِلنَّشر وَالتَّوزيع – 1995 – ص ص :73 – 75 .
(22) محمود خير الله – لعنَةٌ سَقَطَتْ مِنْ النَّافذة – ميريت , لِلنَّشر وَالمعلومَات – القاهرة -2001- ص : 9 .
(23) محمَّد صَالح – حيَاةٌ عَاديةٌ – أصْوَات أدبيَّة , العدد : 305 , الهيئة العامة لقصور الثَّقافة -2000- ص ص :16- 17 .
(24) عماد أبو صَالح – كلبٌ ينبحُ ليقتلَ الوَقْتَ – عَنْ موقعِ الشَّاعرِ ، على الرَّابطِ التَّالي : http://www.Geocitiescom/emadabusaleh.
(25) رَاجِعْ كِتَابَنَا : (آفاق الشِّعريِّةِ العَرَبيَّةِ الجديدَةِ في قَصِيدَةِ النَّثرِ) – سَابق – ص ص : 62-107.
(26) محمَّد متولي – القِصَّة الَّتي يُرَدِّدُها النَّاسُ , هُنَا في الميناءِ – كِتَابُ (الجرَاد) , العَدَد: 2 - القاهرة - 1998- ص ص : 23 – 26 .
(27) كريم عبد السَّلام – كتابُ الخبزِ – دار العَين – القاهرة -2011 – ص ص : 38- 39.
(28) رَاجِعْ كِتَابَنَا : (قَصِيدَة النَّثر) – سَابق – ص ص :101 -140 .
(29) كريم عبد السَّلام – باتِّجَاهِ ليلِنَا الأصْليِّ – دار الجديد – بيروت – 1997 – ص ص : 18-24.
(30) علي منصور – عَصَافيرُ خَضْرَاءُ قُرْبَ بحيرَةٍ صَافيَةٍ – دار شرقيَّات ، للنَّشر وَالتَّوزيع – القاهرة -1998- ص ص : 25-26, وَرَاجِعْ كَذلِكَ , لِلشَّاعر نفسِهِ (ثمَّةَ مُوسِيقَى تَنْزِلُ السَّلالمَ ) , ص : 28 , وَرَاجِعْ لعاطِف عبد العزيز- سِياسَة النِّسيان – أصوات أدبية , العدد: 383 , الهيئة العامة لقصور الثَّقافة - 2007- ص : 87 .
(31) ياسر شعبان - لحظاتٌ سِحريَّةٌ – مخطوط - ص : 11 .
(32) علي منصور – ثمَّةَ مُوسِيقى تنزل السلالم – سَابق- ص 14.
(33) علي منصور – عَصَافيرُ خَضْرَاءُ قُرْبَ بحيرَةٍ صَافيَةٍ – سَابق – ص : 29 .
(34) أحمد طه – ممرُّ البُسْتَان – دار التَّلاقِي لِلْكتاب – القاهرة – 2008- ص :11.
(35) مِنْهَا – على سَبيلِ المثالِ – دِيوَانُ : لهذَا أرْحَلُ , لِصُبحي مَوْسى , صَدَرَ عَنْ دار الدَّار بالقاهرة , في عام 2005، وديوان : هجوم وديع ، لسهير المصَادفة ، صَدَرَ عَنْ الهيئة المصْريَّة العامة لِلْكتاب ، في عام 1996.



#شريف_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداخُلاتُ الأنواعِ الأدبيَّةِ والفَنيَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ ...
- إِشكاليَّاتُ النَّوعِ الشِّعريِّ في قَصِيدةِ النَّثْر


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ النَّثر