موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4711 - 2015 / 2 / 5 - 08:18
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
:: تكلمة ::
في الفصل الخامس / السمات الإيديولوجية لعولمة الرأسمال :
(خامسا) النظريات الإقتصادية لعولمة الرأسمال :
{ صدرت عشرات النظريات الإقتصادية لتحليل محتوى العولمة بقطبيها المتناقضين : الرأسمالي و الإنساني , و لكن و بسبب الهيمنة الإيديولوجية و السياسية و الإقتصادية لعولمة الرأسمال كانت 99% من الكتب المكرسة لدراسة العولمة مخصصة للترويج لمفهوم [العولمة] المجرد , و كان السؤال الرئيس المطروح : هل العولمة هي مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية أم إنها إستمرار للرأسمالية بكل سماتها منذ نشأتها حتى الآن ؟ } , نلاحظ أن السؤال يربط بين (العولمة) و (الرأسمالية) إجبارا , و تعلل الدكتورة كون 99% ممن تناول الترويج لمفهوم العولمة المجرد هو بفعل الهيمنة .. و نحن نتفق معها إلا أننا نختلف في حقيقة المُهيمن .. من إختلافنا معها في الخلاف أو الفرق بين إيديولوجية الساسة و الواقع الإقتصادي القائم .. و مدى جدية و فعالية تطبيق ما يرغبونه , و لهذا فإننا مع كوننا نتفق مع الدكتورة في نقد مفهوم العولمة المجردة .. إلا أننا نتجاوزها أيضا إلى نقدها ككل قائم أيا كان جنسها أو إسمها , و إستكمالا تستعرض الدكتورة أبرز الأقوال العالمية في العولمة و تختم ذلك بما تعتقد أنه الأرجح _الترتيب من عندنا_ :
[1] - { الرأسمالية قد إستمرت منذ نشوئها في تقدم و بدون مراحل , و إنتصارها على الإشتراكية دليل على بقائها إلى الأبد , و هي بذلك نهاية التاريخ } , و هذه من الآراء الشهيرة و التي بدأ أصحابها يعيدون النظر كفوكوياما .. و يمكن لنا القول أن أصحاب هذا الرأي ذوي نظرة سطحية .
[2] - { و ذهب العديد من الإقتصاديين في التشكيك بوجود مرحلة العولمة و كان الكتاب القيم (Globalisation in Question) للإقتصاديين (Paul Hirst and Graham Thampson) لا يميز بين جانبي العولمة بإعتبارها وحدة نقيضين و يناقش المنطلقات الإقتصادية و الفكرية و السياسية لعولمة الرأسمال بإسم العولمة أولا , و يشكك بأن عولمة الرأسمال تشكل مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية بإسلوب علمي يمكن الإستفادة منه لإثبات أن عولمة الرأسمال هي مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية ثانيا } , هذا الإتجاه مختزل في كون العولمة أو ما هو قائم اليوم مرحلة جديدة بحد ذاتها بعيدا عن الرأسمالية _و لعل قراءتنا نوعا ما تتفق مع ذلك_ .. لكن الدكتورة تنطلق بها إلى تشكيل رأي في كون العولمة مرحلة جديدة من مراحل الرأسمالية (عولمة الرأسمال) .
[3] - { و يذهب الكثير من الإقتصاديين رغم إعترافهم بسمات عولمة الرأسمال المتميزة إلى عدم إعتبارها مرحلة جديدة من مراحل تطور الرأسمالية بمن فيهم الإقتصاديين الماركسيين و لا سيما الكنديين , بل إعتبار عولمة الرأسمال و التي يطلقون عليها العولمة هي مرحلة من مراحل الإمبريالية , أي مرحلة من مرحلة } , و رغم إستنكار الدكتورة سعاد لأصحاب هذا الرأي و تعنيفهم إلا أنها في مواقع سابقة في السلسلة كما تقدم وقعت في خلط مشابه لخلط أصحاب هذا الرأي .. فقد ذكرت في أكثر من موقع سابق إمبرالية عولمة الرأسمال .. و هي في ذلك إنما حركت مكان المسميات ليس أكثر , فبينما هي تقول ب [إمبرالية عولمة الرأسمال] هؤلاء يقولون ب [عولمة إمبرالية الرأسمال] ! , و من جانبنا نستنكر نظريا العولمة مع الإمبريالية لضديتهما .. و من ثم نستنكر وجود العولمة مع الرأسمالية كنظام قائم .. و أخيرا نستنكر أي وجود موضوعي للعولمة و بقاء الرأسمالية حتى الآن قائمة .
[4] - { و الآن نعيش عصر الشركات متعددة الجنسيات مرحلة عولمة الرأسمال و أداته الإمبريالية الأمريكية بكل ما تتميز به من سمات نوعية جديدة ناجمة عن تعميق و تشديد جميع التناقضات الرأسمالية و بلوغها حد الإنفجار أو تفجير العالم و فنائه } , الغريب حقا إعتراف الكاتبة نفسها بالتغييرات الكيفية الجذرية .. و رغم إعترافها هذا مصرّة على رأسملة الواقع بل و المضي أبعد بتسمية القائم عولمة الرأسمال و [أمبرلة] أمريكا ! .
و من جهتنا نقول تعليقا على قول الدكتورة : { إن من شأن هذه النظريات أن تؤدي إلى عدم رؤية السمات الجديدة لعولمة الرأسمال و لا السمات الجديدة لنقيضها [العولمة الإنسانية] و التي تفرض سبل و أساليب جديدة في الكفاح و تطوير النظرية الماركسية لمواجهة هذه السمات الجديدة و تطوير إستراتيج و تاكتيك الحركة الشيوعية الملائمين لتخليص البشرية من علاقات الإنتاج الرأسمالية و إنقاذها من الفناء } إن بالفعل من شأن هذه النظريات أن تؤدي إلى عدم رؤية السمات الجديدة للواقع و عدم تسمية الواقعات بأسمائهن و عدم قراءة حركة هذا الواقع و قوانينه كما هي (إن وجدت) دون إسقاطات نصية أو إلباس الواقع لقوانين مسبقة دون رؤيتها كما هي في حركة الواقع .
و تتناول الدكتورة أيضا جانبا من الإسهامات العربية في ميدان العولمة : { و لم يتخلف الإقتصاديون العرب عن البحث في جوهر و محتوى العولمة } , التقسيم التالي من عندنا :
[1] - {و كان و لا يزال أبرز الإقتصاديين العرب في هذا المضمار سمير أمين } و تستعرض الدكتورة بعض النقاط التي أخذتها على الدكتور سمير أمين .. هن التاليات :
(أ) - {عدم التمييز بين جانبي العولمة المتناقضين العولمة الإنسانية و عولمة الرأسمال أولا و لذلك لم يركز على الجوانب الإيجابية في العولمة } , قد تكون الدكتورة سعاد بنقدها محقة إلا أنه لا يحق لها أن تجعل من الصفات الإيجابية ضمن إطار تأويلي (وحدة الأضداد) تحقق بها رؤية قانونية سابقة (الديالكتيك) .
(ب) - { و ثانيا لم يركز على وحدة الشغيلة في العالم , وحدة شغيلة اليد و الفكر من ناحية و وحدة شغيلة المراكز و الأطراف من ناحية أخرى كمحور لتوحيد البشرية في نضالها } , نتفق مع الدكتورة فيما يتعلق بوحدة الشغيلة في العالم (أطراف و مراكز) .. إلا أن وحدة شغيلة اليد و الفكر نتحفظ عليها بشدة .
(ج) - { خلطه بين العولمة و عولمة الرأسمال فهو يعتبرها مرحلة جديدة من مراحل الرأسمالية } (العولمة الرأسمالية الجديدة) , نتلمس خلط و غلط غير مبرر هنا .. فقط أصبحنا بين (العولمة) و (عولمة الرأسمال) و (العولمة الرأسمالية الجديدة) , ف( العولمة) في رأي الدكتورة سعاد هي وحدة نقيضين (عولمة الرأسمال) و (عولمة الإنسانية) .. و (العولمة) عند الدكتور سمير هي (العولمة الرأسمالية الجديدة) , لا يمكن فهم إستنكار الدكتورة إلا بإحدى إثنتين : سفسطة .. أو أن الدكتورة سعاد تتضمن في (عولمة الرأسمال) وحدة أضداد .. و (عولمة الرأسمال) هي بذاتها طرف في وحدة أضداد أوسع .. و الدكتور سمير قد أهمل ذلك لحسن حظه ! .
(د) - { و ما زال في بحثه عبل سبل و وسائل مواجهة كل هذه المخاطر أسير النظريات السائدة في عصر الإمبريالية و بحاثا عن سبل تحرير البشرية من منطلقاتها } , و للنقد دور في تخطي غواية النظريات و النصوص على حساب الواقع .. و أملنا في النقد عظيم .
[2] - { أما الدكتور بلوزة فقد شخص عولمة الرأسمال بأنها أعلى مراحل الرأسمالية و حدد جميع سماتها بإسلوب علمي } , و في نقاط نوضح فكرة الدكتور بلوزة مع ما علقت عليه الدكتورة سعاد :
(أ) - { إعتبر العولمة دون تمييز بين جانبيها الرأسمالي و الإنساني سلاحا إيديولوجيا لإعادة إنتاج هيمنة رأس المال } , إعتبار الدكتورة بلوزة بكون [العولمة] سلاح إيديولوجي لإعادة إنتاج هيمنة رأس المال قد يوضح الكثير من المُلابسات فيما يتعلق برغبة الساسة أو المتنفذين في السلطة و ما هو حقيقي و قائم كإقتصاد _الوضع الأمريكي على سبيل المثال_ .. و ما دامت المسألة تتعلق بإعادة إنتاج هيمنة رأس المال إذا فالقائم ليست برأسمالية , أما إعادة إنتاج هيمنة رأس المال لا تفترض محاولة ناجحة بالضرورة .
(ب) - { حذر من أي فصل بين العولمة و الهيمنة الأمريكية دون أن يضع إحتمال إختلال التوازن بين المراكز الرأسمالية الذي يفرضه قانون التطور غير المتكافئ } , يمكن أن نفهم النقطة هذه بفهمنا للنقطة السابقة من خلال إعتبار العولمة سلاح إيديولوجي لا واقعي .. و بذلك يكون المأخذ التي تأخذه الدكتورة سعاد على الدكتور بلوزة غير صحيح الموقع حتى و إن إفترضنا وجود للمراكز الرأسمالية مع الولايات المتحدة الأمريكية .
(ج) - { لم ير الجانب الإيجابي للعولمة التي تمكن من تطوير عولمة إنسانية قادرة على تحرير البشرية } , طبعا لن يرى الجانب الإيجابي فهو يتعامل مع العولمة على أساس أنها مجرد سلاح إيديولوجي .. إلا إن كانت تقصد الدكتورة سعاد بالجانب الإيجابي هنا لمن يستخدمه كسلاح ! .
[3] - { الدكتور محمود أمين العالم الذي ميز بين العولمة كحركة كونية و في نفس الوقت كحركة هيمنة أمريكية هدفها مصلحة الدول العظمى (...) العولمة كما هي الآن حركة أمريكية تسعى لتحقيق الأغراض الرأسمالية الأمريكية الجشعة } , تكاد وجهة نظر الدكتور محمود تشابه إلى حد ما وجهة الدكتور بلوزة , إلا أنه يبدو قد تجاوز الدكتور بلوزة فأعتبر العولمة حركة كونية .. و إيديولوجيا و واقع (رأسمالي) :
(أ) - { إلا أنه لم يسمي العولمة (...) بعولمة الرأسمال بل إعتبر هذه العولمة هي عولمة اليوم و لم تتضح له وحدة الأضداد الديالكتيكية بين جانبي العولمة و على آفاق الصراع بينهما الذي يقرر مصير البشرية } , و يبدو أن إستنكار الدكتورة سعاد على الدكتور محمود مقتصر على التسمية و تحديد الصراع كما تراه الدكتورة سعاد صراعا رئيسيا بين (عولمة الإنسانية) و (عولمة الرأسمال) .. على الرغم من أن الدكتور محمود قد تناول النقيضين هذين و حددهما .
[4] - { صادق جلال العظم (...) العولمة ثمرة تطوّر تكنيكي يُنبئ عن تقدم إنساني متعدد الجوانب } , قضية أن العولمة (أي ما هو قائم اليوم) تُنبئ بتقدم إنساني متعدد الجوانب .. فيه و عليه خلاف جذري إذ نعتقد العكس ما لم يتم تداركها و إدراكها (أي العولمة) :
(أ) - { لم يميّز بين جانبي العولمة المتناقضين و لذلك ربط مفهوم العولمة العام بعولمة الرأسمال } , و هنا يقع الدكتور صادق من وجهة نظر الدكتورة سعاد في نفس خطأ الدكتور سمير .. إذ يرى أن العولمة هي ذاتها عولمة الرأسمال .. و ليس كما ترى الدكتورة العولمة : (عولمة الإنسانية) و (عولمة الرأسمال) .
(ب) - { لم يربط بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج } , نثمن للدكتورة هذه الملاحظة .. و لكن يؤخذ عليها أنها لم تربط بدورها بين قوى الإنتاج و علاقات الإنتاج .. كما هي واقعة و قائمة (أو كما هي غير واقعة و غير قائمة) لا كما هي موجودة في النص و الفكر .
تطرح الدكتورة تساؤلا : { و هل الرأسمالية في نقل بعض معاملها إلى الأطراف ترمي إلى تصنيعها و تجاوز هذه الأطراف تخلفها أم لزيادة أرباحها و فرض هيمنتها على إقتصاديات هذه الدول ؟ } , و نجيب على ذلك : على فرض أن الرأسمالية قائمة بنقل [بعض معاملها] إلى الأطراف _و هي بذلك إمبريالية_ فصحيح أنها تسعى لزيادة أرباحها و فرض هيمنتها (( إلا )) أن مع ذلك يحدث كأثر عرضي تجاوز للأطراف لتخلفها و تحويلها إلى الصناعة .. (( لكن )) تجاوز التخلف و التحوّل الصناعي في الأطراف لا يكون إلا مع الوصول لدرجة معينة من تطوّر الرأسمالية لا كمركز فقط و إنما ككل , أما أن تنقل الرأسمالية [معاملها] إلى الأطراف _و المقصود هنا الشركات المتعددة أو عديمة الجنسية_ إنما هي بذلك تقر بفنائها عن طريق هروبها من المراكز إلى الأطراف .. و هي بذلك لا تضمن ربحها و إنما تضمن إنحسارها و خسارتها بأقل ما يمكن أن تخسره , و بالتالي يكون ما يقع على الطرف المُستضيف من تصنيع و تجاوز التخلف أو العكس من خصائص النظام المُتشكل عقب إنهيار الرأسمالية لا على إنتقال الشركات من المراكز إلى الأطراف .
[5] - { كتاب و مفكرون عرب يروّجون للنظريات الإقتصادية لعولمة الرأسمال مثل [إن أشد مقومات العولمة تأثيرا هو تغيير طبيعة المجتمع من الصناعي إلى المعلوماتي] (...) نفي مراحل تطور الرأسمالية و ما أحدثته من تعميق لتناقضاتها و ما كبدته للبشرية من حروب و كوارث , فالعولمة بالنسبة لهم هي تعبير عن بلوغ البشرية الموجة الثالثة من تطوّرها , الموجة المعلوماتية بعد الموجة الزراعية و الصناعية , و أن التطوّر في مجال المعلوماتية مثل الإنترنت أدت إلى ظهور وعي كوني و إحداث ثورة معرفية تدفع بالحوار بين الحضارات إلى الأمام , و ذلك في مسعى للتستر على جميع التناقضات الرأسمالية التي أصبحت تهدد بفناء البشرية في مرحلة عولمة الرأسمال , و للتمويه على القوة الدافعة لتطور البشرية قوى الإنتاج التي تضم الإنسان و أدوات الإنتاج , و أن الصراع بين العمل و رأس المال هو المحرك للتاريخ , الذي حولته عولمة الرأسمال إلى الصراع بين عموم البشرية و الرأسمال } , و نتفق مع الدكتورة جزئيا في ردها .. فالذين يرون المسيرة البشرية هي سلسلة من التحوّل : (زراعية) ثم (صناعية) ثم (معلوماتية) ليفسروا بذلك التاريخ و تقدمه .. إنما ينظرون بسطحية مترفة , و تماما كما تقول الدكتورة إنما بذلك يلغون مسمى الرأسمالية من الأساس .. و ينكرون الصراع الطبقي .. و بالتالي إلغاء و إنكار ما يترتب عن و من ذلك , و إن كنا نتفق مع الدكتورة في كون دعواهم القائلة بالوعي الكوني هي دعوى زائفة إلا أننا نختلف معها في كون الدعوى تتستر على حقيقة (العولمة) و ما تعبر عنه من وحدة بين النقيضين (عولمة الإنسانية) و (عولمة الرأسمال) .
[6] - { هناك كتاب سخروا أنفسهم لخدمة عولمة الرأسمال بغطاء ماركسي مستغلين تخلي بعض الأحزاب الشيوعية عن هويتها الفكرية و إبتعاد بعض الشيوعيين عن الماركسية اللينينية و ضعف الدفاع عنها خوفا من الإتهام بالجمود العقائدي أو التخلف على الأقل } , و هذا النوع من الكتاب التحريفيين يُعرف بسمات أقرب لليبرالية منها إلى الماركسية في إستقراء وجهات النظر و إستنباط الآراء و إتخاذ المواقف .. مثالي إلى درجة تعتقد أنه زاهد كصوفي .. يعود به موقعه الطبقي الوسطوي إلى حالة من الشيزوفرينيا (العدمية) مع الذات الواعية في الذات اللا واعية .. و أحيانا تجده نقديا إلى درجة أنه ينكر النقد نفسه ! .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟