أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 46














المزيد.....

سيرَة حارَة 46


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2 - 02:13
المحور: الادب والفن
    


1
في ذاكرة الحارة، ارتبط اسم بائع الخضار " برو شورو " مع اسم قرينته " فاتو نسناسة ". كانا على تباين مأثور في الشكل والخلق. فقد كان هوَ رجلاً مسكيناً، نحيفاً جداً وفارع الطول. فيما أن امرأته، المرهوبة الجانب، كانت بدينة للغاية وقصيرة القامة. هذه المرأة، ذات الطبع المتسلّط، اعتادت على التعامل مع زوجها بشكل فظ، لدرجة أنها كانت تضربه أحياناً.
ففي أحد الأيام، أفاق الجيران على صوت فاتو نسناسة وهي تصرخ " هاهووو.. ". حينما دخلوا منزلها، وجدوها قابعة على صدر رجلها، الذي كان قد استحال لون وجهه للزرقة وبالكاد يتنفس. عندئذٍ، قالت لهم المرأة الحديدية بنبرة اعتذار، أنها استنجدَتْ بهم لأنها أشفقت على زوجها. ثم طلبت منهم أن يخلّصوه من قبضتها..!
ذات سهرة، لدى أقارب أو جيران، كان برو شورو يتكلّم في شأن ما، وإذا بامرأته تبتر حديثه متأففة: " اصمتْ يا هذا، والله كلامك قد جلبَ ضراطي! " De bes lo, welleh gagale te tirre min tine
" كلامي أنا قد جلبَ ضراطكِ؟ " Gagale min tirre te tine
ـ " وفسائي أيضاً!! " U fisse min ji ، أجابته فاتو نسناسة بتحدّ واستخفاف..

2
إلى يمين الجادة، حيث أشجار الكوتشوكة ذات الأوراق الصقيلة، تنهض الأبنية الحديثة ( منذ حوالي ربع قرن ) التي كانت في ما مضى بيوتاً ومحلاتٍ تخصّ آل شمّو آله رشي وآل شكري ايزولي وآل علي حسو.
هنا كان يقوم منزل عمّتي الكبيرة، أرملة المجاهد محمد خالد ايزولي، الذي استشهد خلال الثورة السورية بمنتصف عشرينات القرن الماضي. وشقيقه، حمو جمّو؛ هوَ الشخصية الاسطورية في الحيّ، ومن أعدم على زمن حكومة الملك فيصل بسبب تزعمه عصابة كانت تروّع قرى ريف دمشق بأعمال السلب وقطع الطريق.
ذات ليلة، كنتُ مع أحد الأصدقاء في منزل حفيد حمو جمو على مائدة المُدام والمازة، الكريمة. كان مضيفنا يبدو متضايقاً من أمر ما يشغله، فما اقتربت منتصف الليلة حتى خرج من الحجرة. لحظات قليلة، على الأثر، وإذا بصوت رشقة رصاص مصمّة يفاجئنا. فاعتقدنا أن الرجلَ يبدي انزعاجه من الهررة، فأطلق نار مسدسة نحو السطح. ولكن، عند مغادرتنا المنزل، إذا بالجيران متجمهرين قدام منزل آل سنجو موسو، المقابل، وكانوا يشيرون إلى آثار طلقات على الغلق الحديدي لمحل السمانة هناك، والعائد لرزق أبو محمود أورفلي. في اليوم التالي، عدت لألقى قريبنا صاحب المسدس الكاوبوي، فاخبرني وهو يتضاحك بتشفّي مشيراً إلى موضع الطلقات على غلق محل جاره: " ابن الحرام!.. أنا متأكد من أنه هو من خبّر عني المحافظة بأنني أسلب الكهرباء خفيةً ليلاً، فسبّب لي مشكلة معها، لولا وساطة شخص نافذ! "..

3
كثرٌ منا ولا ريب، يذكرون حافلات النقل الكبيرة، القديمة، التي كانت مملوكة لأشخاص وجهاء دمشقيين؛ مثل مفتي الجمهورية الراحل، الشيخ احمد كفتارو.
على خط الأكراد، كان شوفيرية الباصات بمعظمهم أصحابَ مزاج. فكان بعضهم يرفع صوت أم كلثوم في المسجل إلى أقصاه. فيما أن آخرين كانوا قد زينوا مقدمة الكابينة مثل الفتاة الحسناء، لدرجة أن يكتب على خلفية الباص " لا تلحقني مخطوبة ".
" أبو صبيح رشواني "، كان من أشهر السائقين على هذا الخط. إلا أنه كان رجلاً متزناً، لا يعير اهتماماً للبهرجة والمزاج. وإذا كان بعض زملائه يتوقفون مع حافلاتهم أمام المطاعم انتظاراً لصحن حمّص أو فول، غير مكترثين بتذمّر الركاب، فإن أبو صبيح في المقابل كان يغيّر خط مسيره أحياناً. ففي احدى المرات، وكان الوقت صباحاً، حظيَ الرجلُ برؤية عمنا ( وكان صديقه )، فعلم منه أنه يود زيارة أحد المعارف في الحارة الجديدة. وإذاً، ما أن وصل الباص إلى مفرق ساحة شمدين حتى انحرف عن خط سيره المعتاد، مصعّداً باتجاه تلك الحارة الفوقانية. عند ذلك، ارتفع صوت أحد الركاب محتجاً. من خلال المرآة، تطلع أبو صبيح إلى ذلك الشخص ( وكان عسكرياً غريباً )، فخاطبه موبّخاً: " ولك ما قلة الاحترام هذه؟ ألا ترى عمّك أبو شاكر معنا، ويجب أن نوصله إلى بيت صديقه؟! "..

4
" أكراد "؛ هكذا كان يُكتب على باصات أيام زمان، التي تعمل على خط ركن الدين. هذا الخط، كان يبتدأ في رأس الحارة، ليسَ بعيداً عن مستشفى ابن النفيس، وينتهي في ساحة المرجة.
" أبو فهمي "، كان في ذلك الزمن أشهر جابي باص على خط الأكراد؛ بسبب ظرفه وطرافته. كان هذا الشاب، الأسمر السحنة والمربوع الجسم، من حيّ الميدان. فما أن يرى امرأة عجوز تتباطأ بالصعود أو النزول من الباص، حتى يبدأ بمناكدتها: " ولك يلّا يا أختي!.. ولك صابتني جلطة يا أختي! ". فيما المرأة المسكينة تجيبه معتذرة ومحرجة: " طيّب، طيّب.. طوّل بالك يا أخي! ".
إلا أن أبو فهمي، إلى الأخير، وقعَ فيما لا يُحمد عقباه. فقد كان يلاحظ وجودَ عدد من أولاد حارتنا في المقاعد الخلفية من الباص ( وهو مكانهم المفضل )، فلا يلبث أن يصرخ عندما يهمّون بالنزول: " كيكية، حارة الحرامية! ". وإذاً، فمن سوء حظ هذا الجابي أن عدداً من أولاد الحارة، العتاة، كانوا في أحد الأيام هم من يتهيئون للنزول من الباص، حينما صاحَ بهم بنفس النداء، المعلوم. فما كان منهم، دونما أن يدركوا حقيقة مزاحه، سوى الانكفاء نحوه بالضرب والركل. في المرات اللاحقة، حينما كان الباص يصل إلى موقف حارتنا، فإن أبو فهمي كان يصرخ قائلاً: " كيكية، حارة الزكَرتية!! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 45
- سيرَة حارَة 44
- سيرَة حارَة 43
- سيرَة حارَة 42
- سيرَة حارَة 41
- سيرَة حارَة 40
- سيرَة حارَة 39
- سيرَة حارَة 38
- سيرَة حارَة 37
- سيرَة حارَة 36
- سيرَة حارَة 35
- سيرَة حارَة 34
- سيرَة حارَة 33
- سيرَة حارَة 32
- سيرَة حارَة 31
- سيرَة حارَة 30
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
- مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
- سيرَة حارَة 29
- سيرَة حارَة 28


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 46