أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( الرفيق ديونيسوس )














المزيد.....

( الرفيق ديونيسوس )


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 30 - 22:52
المحور: الادب والفن
    


( الرفيق ديونيسوس )
بعد إن ارتشف الليلُ أساه من صمت المكان ، تدثّر بملاءة سنواته الموحشة ، كان يفيض وجعاً حدّ الثمالة، حدّق في المكان ، لاشيء سوى جدران متآكلة ، نافذة خشبية يتوارى خلفها أحلام مؤجلة ، فراش تنزّ منه رائحة الموتى ، أشياء رافقت رحلته مذ كان هو ، تعبث بعزلته مع صفير الريح كلّ ليلة ، حتى جفّ خياله من فرط التكرار . نهيق خفيض يسقط من سقف الغرفة ، يطنّ في رأسه ، يقطع صمته ، الصوت يؤرقه بين الحين والآخر، ينبعث من عرض الخرابة الغافية على صدأ غرفته البائسة ، ينتابه النعاس ، يغمض عينيه لعلّه يغفو على حلم جميل يطفىء وجع وحدته . رائحة ضجر وقلق تنساب إلى أعماقه مع حشجرة النهيق ، أصداؤه الخافته تنبعث مع رائحة الروث وعفونة المكان ، ابتلع حيرته : - لعلّه هو ! لا يعجبني منظره ، لقد أصابه العجز . رمق الليل بنظرة شاحبة ، عرّج بمقلتيه في زوايا الغرفة ، ارتشف ما تبقّى من عرق ليلته الممزوج بثلج أوجاعه ، اتّزر بمعطف سكره وبلاهته ، وراح يجرجر خطواته صوب رفيقه الدائم ، أنيسه وحامل مشقته . يجرفه الصوت نحو الخرابة، والظلام يلهث خلفه ، أمسكَ ظلّ الصوت ، رآه على غير عادته ممدداً بين العربة الخشبية وقناني الغاز ، أصابه الذهول لمّا رآه يدور في دوامة الاحتضار ، يكاد يختنق بنهيقة . افترش القشّ ،جلس يحدّق بعينيه، ، كانت عيناه متدثرتين بنصف إغماضة ، يرقد فيهما عتب شديد : - آه يا صاحبي ، أعلم أنّي أهملتك كثيراً ، سامحني ، سأناديك الليلة كما يحلو لمجنون السوق أن يناديك.... *ديونيسوس . وخزته عيناه مرة أخرى بوابل من النظرات كما أشواك الصبير . تذكّر كيف كانت أقدامه تلتهم الطريق ، كان متحمساً ، حذراً ، حتى أنّ مجنون السوق كان يقبل إليه بلهفة ، ويناديه عن بعد : - أهلاً ديونيسوس ، أهلاً بإله الخمر... ثم يتحسّس شعر رقبته . كان حمار بائع الغاز يهزّ رقبته كلّما أقبل عليه المجنون وكأنهما حميمان التقيا بعد فراق طويل، بينما أغلب المارّة كانوا يضحكون بصوتٍ عالٍ للمشهد الذي كاد يتكرر كلّ يوم . - ديونيسوس ، أرجوك لاتمت ، أنك تعلم أنّي لا أعرف غيرك ، وأعلم جيداً أنّ سوطي يتوسد جراحاتك ، ها أنا أكسر سوطي ، هل يعجبك هذا ؟ . انتصبت أذناه الطويلتان ، وكأنه يصيخ السمع له . - ديونيسوس ، أيها الرفيق الدائم ، لقد تحمّلت مرارة رفقتي ، ما باليد حيلة ، أنت تعلم في مكان كهذا ، كنّا جزءاً من لعبة الزمن ، وجزءاً من مشهد لم نختره أنا وأنت ، سنكون قصة منسية . وقبل أن يغطّ في موته ، بعثرته نظرة شاردة تحمل جراح السياط ووجع عتب السنين . انحنى لهباب الجسد المسجّى ، لمسّ عينيه بأنامله المرتعشه ،استوطنته موجة حزن ، يهشّ صمت الليل بحسرات ويمضي وحيداً . في الصباح يندسّ بين أطراف العربة الخشبية يمدّ ذراعيه إلى الخلف ، يمسك بهما ، ينحني للأمام ، يدفع بقدميه الأرض ، ينطلق في غيابة يوم آخر، مختزناً ظلّ حوافرديونيسوس الخافته ،المنبثقة من تحت أقدامه ، يلثم خطواته بدمع وجعه ، يقطع الأزقة لاهثاً : - غاز.... غاز ..غاااااااااااااز ، تطارده حلكة من نهيق .
--------------------------------------------------------------------------
ديونيسوس : إله الخمرة عند اليونانيين ، واقترن الحمار عندهم به .



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في قباء الكوابيس
- رفيف التجلي
- عند منعطف النسيان
- لمّا أوغلَ فيَّ الفراغ
- في مُقام التجلي
- بيادق محنّطة بالغياب
- للهذيان قامة
- حين أعياهُ العدّ
- ماذا بعد انتخابات 2014
- ترنيمة انتظار
- ( محجر رقم 1 ) - قصة قصيرة -
- اللمسة الأخيرة - قصة قصيرة -
- قلبُ أمّي لم تخنْهُ النظرة - قصة قصيرة-
- خطوة على الطريق - قصة قصيرة-
- فلنرجم كلّ الفاسدين بإصواتنا
- إنّهُ يرتّلُ أنفاسي - قصة قصيرة -
- ليلة احتضار النور - قصة قصيرة-
- ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم _ قصة قصيرة _
- كان الصوتُ ساخراً -قصيدة -
- ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -


المزيد.....




- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
- -بوشكين-.. كلمة العام 2024
- ممثلة سورية تروي قصة اعتداء عليها في مطار بيروت (فيديو)


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - ( الرفيق ديونيسوس )