أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم الراوى - كوب شاى














المزيد.....

كوب شاى


محمد عبد المنعم الراوى

الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 30 - 16:50
المحور: الادب والفن
    


لم يكن يوماً ثورياً..ولا متمرداً..لكنه طالما كان معلماً لطلابه معنى الوطنية وقيمة الحرية وأهمية التمسك بالعيش دون التخلى عن الكرامة الإنسانية..
هكذا كان يرى دوره فى تربية النشئ والجيل الجديد..خاصة فى ظل تلك الظروف الاجتماعية والسياسية الصعبة التى وُلدوا وعاشوا تحت وطأتها زمناً..لذلك أخذ عهداً على نفسه ألاّ يتاجر بعلمه..وألاّ يمد يده فى جيب هؤلاء البؤساء من البشر..لا ينبغى أن يحط عليهم كما حطّ الزمن..لا يريد أن يكون طاحونة جديدة من طواحين الهواء تعصف بأرزاقهم..كفاهم شقاءً من أجل لقمة العيش..وعذاباً من أجل البقاء.
لكن الأستاذ أمجد لم يكن يتصور أنه سيصبح يوماً فى تلك الدائرة..بعد أن تزوج وأنجب..مطالب لا تنتهى..ملابس..كتب..مأكل..مشرب..إيجار مسكن متراكم..فواتير كهرباء..غاز..ماء
اضطر أن يقوم بعمل قرض..انفرج الأمر شيئاً ما..ثم استكمل القرض..لم يجد مخرجاً غير ذلك.
الآن لم يعد يستطيع القيام بعمل قرض جديد..ما تبقى من الراتب لا يسمح..كارثة
لم يخسر أمجد راتبه فقط..لقد خسر مشاعر الحب التى جمعته بمريم..وشعور الابناء بالإقبال عليه والتعاطف معه.
الراتب الذى كان يكفى ويفيض قبل الزواج لم يعد كافياً بعد الزواج..خاصةً بعد هذا القرض اللعين..أقل من أسبوع وتبدأ مرحلة الاستدانة..مد أيد..قلة كرامة..ديون تتراكم..حالة اختناق لا تنتهى.
أين وعود الدولة بتحسين أحوال المعلمين؟..أين كرامة المعلم؟..أين؟..أين؟..
ـ طب ادى دروس زى زمايلك!
ـ استحالة يا مريم دا مبدأ لا يمكن أتخلى عنه.
ـ طب حنعيش ازاى؟!
ـ إحنا مش لسة عايشين؟
ـ مين قالك؟
كانت مريم ذات منطق..وكان أمجد ذا مبدأ مات ولم يدرِ ..كما ماتت مبادئ كثيرة!
انطوى على نفسه..فقد البسمة..الكلمة الحلوة..بعدما صارت الأفواه مفتوحة فقط من أجل الطعام..حقهم فى الحياة..لكن من أين يمنحهم ذلك الحق وهو يفقد كل معنى للحياة.
ـ مريم
ـ أيوه يا أمجد
ـ ما تعمللنا كوبايتين شاى ونقعد فى البلكونة أنا وانتى نتكلم مع بعض زى زمان.
ـ كان زمان..حنطّرد بعد يومين وانت عاوزنا نقعد فى البلكونة نشرب شاى..أنت ايه يا أخى ما بتحسش!..أنا حاخد العيال ورايحة عند بابا.
خلت الشقة دون أن يودعه أحد..جلس فى البلكون بمفرده..يُخرج شيئاً من أنفاسه المكتومة..كلمات مريم كانت أصعب ما واجهه..طعنات نافذة فى القلب وفى كل ذكرى جميلة كان لا يزال يعيش عليها.
ظل يتجول فى الشقة الخاوية..حتّى دخل غرفته..طرح جسده على الفراش..لعل ملك الموت يتفضل بزيارته مشكوراً
لكن هيهات..حتى الموت صار فى هذا الزمن عزيزاً
أغمض عينيه على دموع كانت من قبل غالية على مريم..وعلى كل من يعرفه.
ـ عيش..حرية..عدالة اجتماعية
ـ عيش..حرية..عدالة اجتماعية
ظل يتمتم
ـ هو فين العيش..والحرية..والعدالة الاجتماعية
ـ عيش..حرية..عدالة اجتماعية
ـ ايه الصوت ده..أنا كنت فاكر إنى بحلم.
أسرع نحو البلكون..رأى حشوداً من الناس تردد
ـ عيش..حرية..عدالة اجتماعية
لم يصدق أمجد نفسه
ـ معقول
انطلق خلفهم..ظل يردد بأعلى صوته
ـ عيش..حرية..عدالة اجتماعية
اشتعلت الثورة فى كل الميادين..لم يكن أمجد وحده الذى يعانى..ألاف..بل ملايين من البشر
قرروا جميعاً ألا يعودوا دون تحقيق أمالهم التى طالما استعصت عليهم.
نيران اندلعت فى نفوس البشر والميادين..هنا وهناك..اضطراب..فوضى عارمة..ضجيج..صراخ..اشتباكات احترق ما احترق..قُتل مَنْ قُتل..
تعجبت مريم من أمجد الذى تركهم..كيف لا يسأل عنها وعن أبنائها فى تلك الظروف؟!
عادت وأبناءها إلى البيت..لم تجده..تيقنت من نزوله خلف تلك الجموع.
أُدرج اسمه على قائمة الشهداء..بكت عليه..شعرت بفقده والندم الشديد على إهانتها له..
استلمت الجثة بعد أن تعرفت عليها..قاموا بدفنه.
لكن لم تتصور أن تتغيّر حياتهم جميعاً بفقده..لقد سقطت قروض البنك..صار لهم معاشاً كاملاً تقبض عليه كل شهر..امتلكت شقة سلمتها لها الدولة كزوجة شهيد من شهداء الثورة..توظفت ابنتها الكبرى..ووعود أخرى بتعيين بقية الأبناء عقب تخرجهم.
لم تصدق نفسها..لم تتصور أن يتبدل بهم الحال هكذا..توجهت نحو الشقة لتجمع أشياءً لها ولأبنائها..علّقت على الشاى..ظلت تتجول فيها..تذكرت أمجد ورغبته الأخيرة فى أن يشرب معها الشاى فى البلكون..فصبت كوبين من الشاى..توجهت بهما نحو البلكون..أسندتهما على حافة السور..دقات مدوية على الباب أفزعتها..أسقطت كوباً من يدها.
انطلقت نحو الباب..فتحته
ـ مين؟!
ـ مريم!
ـ أم..أم..أمجد؟!
سقطت مغشياً عليها..حملها..أسندها على الكرسى..ثمّ أفاقت.. وبعد أن استجمعت قواها النفسية والجسدية حكى لها ما حدث..
لقد سقطت محفظته بكل ما فيها أثناء المواجهات الدامية..وتم اعتقاله مع مَنْ قُبض عليهم..ولأنه فقد تحقيق شخصيته اضطر أن يذكر لهم اسما مستعاراً هو محسن..
لم تزل عيناها معلقتين بأمجد..غير مصدقة..أو لا تريد أن تصدق!
تلفت حوله..لم يجد غير بقايا من عفشٍ قديم..نزل بركبتيه على الأرض فى مواجهتها..أمسك بيديها..تلفت حوله..
ـ أنا آسف يا مريم..على البهدلة اللى سببتهالكم..معقول..لدرجة إنكم تبيعوا العفش!
استفاقت مريم..جلست على الكرسى المقابل له..قصّت عليه ما حدث من تغيير بعد خبر وفاته ودفنه..واحتسابه عند الله من قِبل الدولة شهيداً
ضرب أمجد كفاً بكف..نهض..جلس على حافة كرسيها..تمتم ساخراً:
ـ يعنى اللى ما قدرتش أحققه وأنا حىّ..أحققه وأنا ميت؟!
نهضت..تخلّصت من التصاقه بها..قالت بحسم
ـ بالظبط كده
ـ يعنى ايه؟!
ـ يعنى تشرب قهوه على روح أمجد ولاّ مستعجل يا أستاذ محسن!



#محمد_عبد_المنعم_الراوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاكمة المعلم ساطور
- قصة قصيرة: -بلوتوث-
- قصة قصيرة: -كلاكيت آخر مرّة-
- طاقية فى العِب
- رهين المحبسين
- -تحيا الوِحدة العربيّة-
- قصة فصيرة
- قصة قصيرة: كل حاجة قديمة للبيع


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد المنعم الراوى - كوب شاى