أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الانتحار الجماعي الغامض















المزيد.....

الانتحار الجماعي الغامض


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4704 - 2015 / 1 / 29 - 12:36
المحور: الادب والفن
    


ربما يكون "بريجيند" هو الفيلم الروائي الأخطر في ثيمته من بين الأفلام المشاركة في مسابقة جوائز النمر للأفلام الطويلة في الدورة الرابعة والأربعين لمهرجان روتردام السينمائي الدولي حيث يتمحور موضوع الفيلم على سلسلة الانتحارات الجماعية التي قام بها 79 شاباً وشابة من قرية بريجيند التابعة لإقليم ويلز البريطاني بين عامي 2007 و 2012 من دون أن يتركوا أية ملاحظة توضح الأسباب الحقيقية التي دفعتهم للانتحار.
اللافت للنظر أن غالبية المنتحرين هم من الشباب الذين شنقوا أنفسهم بالحبال تاركين أناس هذه القرية الويلزية الصغيرة ينغمسون في خوفهم وقلقهم الدائمين. ويبدو أن السلطات الرسمية في هذه القرية قد ضاعفت من نسبة الغموض حينما أحجمت عن توضيح الأسباب التي دفعت هؤلاء الشبان إلى وضع حدٍ لحياتهم بهذه الطريقة المروِّعة. المثير للانتباه أيضاً أن المنتحرين يعرفون بعضهم بعضا بشكل جيد، فهم إما أصدقاء أو جيران أو حتى أبناء عمومة!
لم تبقَ حوادث الانتحار المروِّعة في إطارها الواقعي، بل قفزت إلى الإطار الفنتازي حينما اعتقد أهالي القرية والسلطات الرسمية فيها أن اللعنة قد حلّت على هذه المدينة أو أن الأرواح الشريرة قد وجدت طريقها إلى عقول الشباب وأرواحهم فحرّضتهم على الانتحار الجماعي. ثمة تأويلات عديدة أخرى طغت على الساحة آنذاك من بينها أن النخبة الشابة التي تتعامل مع شبكة الإنترنيت قد تكون متورطة في التحريض على فعل الانتحار أو تسويغه وقد رأينا سارة "هانا موري" تتواصل مع بعض شباب القرية عن طريق المحادثة النتيّة وتتعرف إلى جيمي "جوش أوكونور" وتقع في حبه عن طريق هذه الوسيلة الإليكترونية الحديثة التي وصفها سكّان القرية باللعنة الجديدة التي حلّت عليهم جميعا. وقد ذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك حينما تصور أن الاختلالات الكيميائية الناجمة عن أبراج الهواتف الخليوية المنصوبة بالقرب من القرية قد تكون السبب المباشر الذي دفع هؤلاء الشباب إلى الانتحار.
لم تسعَ السلطات المحلية إلى وضع حدٍ لهذه الشائعات أو التوقعات، بتعبير آخر، بل أنها لم تسمح لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة من التواصل المباشر مع أهالي الضحايا وذويهم، بل أن السلطات الرسمية متهمة في التعتيم على حوادث الانتحار الجماعي. وأن ما بذله المخرج الدنماركي جيبه روند هو جهد شخصي لا علاقة للسلطات المحلية فيه حيث كرّس ست سنوات من حياته للتعرف على ذوي الضحايا والتحدث معهم علّه يجد خيطاً بسيطاً يقوده إلى حل لهذا اللغز الذي حيّر الويلزين خاصة والبريطانيين بشكل عام.

الثيمة الخبرية
يستقي العديد من المخرجين السينمائيين أفكار أفلامهم من الأخبار المنشورة في الصحف والمجلات المحلية أو العالمية. وحينما يرون أن هذه الأفكار تنطوي على محمولات فنية وفكرية عميقة يحولونها إلى أفلام روائية أو وثائقية. لقد قرأ جيبه روند خبر الانتحار الجماعي لشباب بريجيند في صحيفة دنماركية محلية صدرت في 27 يناير 2008. وقد علقت هذه الفكرة في ذهنه فأخذ يتردد على قرية بريجيند عشرات المرات معتقداً أن البحث الدقيق هو الذي يمكن أن يوصله إلى جانب من الحقيقة أو إلى خيط من خيوطها في الأقل. ثم بدأ بكتابة القصة السينمائية مع توربن بيك وبيتر أسميسون قبل أن يتبنى المصور المبدع ماغنوس نوردنهوف عملية تصوير اللقطات والمشاهد الحرفية المتقنة التي أمدّت الفيلم بالكثير من عناصر النجاح والتألق الفنيين.
يمكن اختصار القصة السينمائية المقتضبة أصلاً ببضعة سطور حيث تذهب سارة إلى بريجيند بصحبة أبيها ديف "ستيفن وادينغتون"، ضابط الشرطة المكلف بالبحث والتحري عن أسباب الانتحار الجماعي ومحاولة الوصول إلى جانب من الحقيقة في الأقل. تتواصل سارة على حذر مع بعض شباب القرية عبر الإنترنيت وتلتقي بجيمي، وهو شخص خطير يتعرض للعديد من الانتهاكات النفسية والجسدية الأمر الذي يدفعه للتفكير في الانتحار غير مرة وحينما تفشل جهود سارة في إنقاذه تقْدم هي على الانتحار لكن من حسن الحظ أن والدها كان قريباً من موقع الحادث حيث أسعفها في الحال ثم نقلها إلى المستشفى لينقذها من المصير المحتوم أو اللعنة الأبدية التي استشرت في القرية برمتها على مدى خمس سنوات.
على الرغم من تراجيدية القصة السينمائية إلاّ أن جمالية الفيلم وعمق خطابه البصري يكمنان في الأفكار والثيمات الثانوية المؤازرة مثل السباحة في البحيرة الكائنة عند مشارف القرية حيث كان الشباب يسبحون عراة تماماً في مشاهد لا يمكن أن ينساها المتلقي المتذوق للفن السينمائي خصوصاً وأن الفتيات في أعمار الزهور المتفتحة حيث يعُمنَ على ظهورهن في المياه الراكدة بينما تبرز أثداءهن المكوّرة من سطح الماء في مشهد إيروسي شديدة الإثارة مسّ، على ما أظن، جميع المتلقين ولم يستطع أن يتفاداه أحد دون أن يتصور شفاهه تلامس حلمات النهود المدوّرة. أو مشهد استدعاء الموتى حيث يتجمع الشباب في وسط الغابة ويصرخوا بأعلى أصواتهم منادين بأسماء الشباب الذين رحلوا منتحرين. الألعاب الخطرة التي كانوا يقومون بها أمام أحد أنفاق القطارات هي لقطات تثير الترقب والخوف والإثارة حيث يتعلق أحدهم بحبل ليخطف من أمام القطار السريع حال خروجه من النفق. وقد قامت سارة بهذه المجازفة أيضاً ونجت من الموت بأعجوبة كما نجى بقية المجازفين الذين يذهبون إلى حتفهم بأقدامهم.
لم تنفتح سارة بهذه السهولة على شباب القرية لولا تواجد لوريل "إلينور كرولي" التي تحدثت إلى سارة ودعتها للمجيء إلى البحيرة والتعرف إلى الشباب عن كثب حيث رقصت معهم واندمجت في مناخهم الشائك الذي لا يخلو من غرابة وتطرّف. وفي الوقت الذي كانت تتبادل فيه القُبل مع بعض الأشخاص الذين تستلطفهم كان والدها يمارس الحب مع امرأة أخرى ويخون زوجته التي تركها في مدينة أخرى.
نخلص إلى القول إن قصة الفيلم المبني بناءً رصيناً تركز على جوانب متعددة من بينها العلاقة بين الآباء والأبناء حيث تهيمن القطيعة بين جيلين وزمنين، إن شئتم، جيل لا يعير اهتماماً لوسائل الاتصال الحديثة، وجيل جديد ينهمك فيها حتى أذنيه لتصبح في خاتمة المطاف مثل لعنة أبدية غامضة لا خلاص منها. ربما يشكِّل السلوك العنيف لبعض شباب القرية تجاه بعضهم الآخر كما حصل لجيمي الذي تعرض للضرب المبرح والاعتداء الجنسي سبباً في إقدام البعض على الانتحار. أما القراءة الثالثة التي يمكن أن نستشفها من هذا الفيلم والتي يمكن أن تكون سبباً مباشراً في الانتحار فهي العزلة الروحية والجسدية لهؤلاء الشباب وما يكتنف حياتهم من يأس وسأم وضجر. أما القراءات الأخرى التي تذهب صوب الطقوس الموروثة فهي ضعيفة ولا تستطيع الصمود أمام القراءات العلمية المقنعة ومع ذلك فقد منحت الفيلم أبعاداً أسطورية أبقت دوافع الانتحار مجهولة تاركة ذوي الضحايا يتخبطون في ظلام دامس لم يفضّ حلكته مخرج الفيلم الدنماركي جيبه روند.
من الجدير بالذكر أن المخرج الأميركي جون مايكل وليامز قد أنجز عام 2013 فيلماً وثائقياً عن هؤلاء الضحايا لكنه لم يتوصل هو الآخر إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء انتحار 79 مواطناً غالبية من الشباب. وربما يتفق المخرجان فقط على توصيف بريجيند بمدينة الموت التي يلفها الغموض حتى الوقت الراهن.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عفوية الأداء في بلد تشارلي
- مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير ...
- يان ديمانج يرصد محنة جندي وحيد وأعزل في متاهة معادية
- الشاعر صلاح نيازي: ليست هناك قاعدة في الترجمة
- الانتحار في السجون البريطانية
- دِببة ألاستير فوذَرغِل وكيث سكولي
- قبل أن أذهب للنوم لروان جوفي والسقوط في فخاخ الرعب والجريمة
- في الثقافة السينمائية: موسوعة سينمائية في النقد التنظيري وال ...
- في الثقافة السينمائية: قراءة نقدية لأكثر من مائة كتاب (1 - 2 ...
- الشخصية المازوخية في رواية -أقاليم الخوف- لفضيلة الفاروق
- اشتراطات اللعبة الفنية بين القاتل المأجور والضحية في رواية - ...
- معرض مشترك لخمسة فنانين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
- لون شيرفيغ تُعرّي الطبقة المخملية البريطانية في نادي الشغب
- السحر والساحرات في المخيال الفني
- فيشال بهاردواج يقتبس مسرحية هاملت ويؤفلمها من جديد
- نزيف . . رواية شخصية أكثر منها رواية أحداث
- قلوب جائعة
- الشخصية الافتراضية ووهم الزمن في -تلة الحرية- لهونغ سان- سو
- تمبكتو تواجه التطرف الديني سينمائياً
- الفنان جلال علوان يُجسِّد الأحلام الشخصية على السطوح التصوير ...


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الانتحار الجماعي الغامض